خطب ومحاضرات
مختصر التحرير [17]
الحلقة مفرغة
تعريف الاشتقاق وشروطه
الاشتقاق فسره المؤلف بقوله: (رد لفظ إلى آخر لموافقته له في الحروف الأصلية)، مثلاً تقول: ضرب من الضرب، استغفر من الغفر، لأن المؤلف يقول: لموافقته في الحروف الأصلية، واستغفر حروفه الأصلية (غ ف ر)، أما الهمزة والسين والتاء فهي زائدة، فالاشتقاق لا بد أن يُرد إلى الحروف الأصلية.
وأيهما الأصل: هل هو الفعل أم المصدر؟
الجواب: فيه خلاف بين النحويين، منهم من يقول: إن الضرب مأخوذ من ضرب، ومنهم من يقول: إن ضرب مأخوذ من الضرب، وهذا الخلاف الطويل العريض كالاختلاف في قولهم: هل الأصل البيضة أو الدجاجة؟! ولا فائدة من معرفة هذا! المهم أنهم يقولون: إن هناك أناساً من الفلاسفة يتناظرون في هذه المسألة، وبينهم شجار عظيم والعدو على أطراف البلد، وأنهم ما شعروا إلا والعدو فوق رءوسهم، فصارت الجدال الذي أشغلهم عن الجهاد انتهى الآن، وصار لا يعرف البيضة ولا الدجاجة، ما همه إلا ينقذ نفسه.
فهذا الجدال في الحقيقة عديم الفائدة، لكن الذي يظهر أن الأصل المصدر؛ لأن الفعل متضمن للمصدر وزيادة، فالفعل دال على حدث وزمن، والمصدر دال على حدث فقط، ومعلوم أن ما فيه زيادة فهو فرع عن الأصل؛ لأن الفرع هو الذي يزيد.
فالأصل: أن ضرب دالة على الضرب وزيادة وهو الزمن، إذاً: فالأصل الضرب الذي هو المصدر، هذا هو الأصح.
يقول المؤلف: رد لفظ إلى آخر لموافقته له في الحروف الأصلية، أي: يسمى اشتقاقاً.
قال: [لمناسبة في المعنى]، أي: أما إذا لم يكن مناسبة فإنه لا يقال: مشتق منه ولو كان موافقاً له في الحروف الأصلية؛ كوقف البيت ما نقول: مشتق من (وقف)، أي: ثبت في مكانه، مع أن الحروف واحدة.
تقول: وقفت هذا البيت، يعني: جعلته وقفاً، وتقول: وقفت على هذا المكان أو في هذا المكان، هل نقول: وقفت هذا البيت، مشتق من الوقوف لموافقته في الحروف الأصلية؟
الجواب: لا؛ لأنه لا مناسبة في المعنى بين هذا وهذا، لكن (غفر) مشتق من الغفر، لمناسبة في المعنى، وهو الستر والوقاية، فلا بد من مناسبة في المعنى وإلا فلا يصح أن يقال: مشتق منه.
لزوم التغيير في الاشتقاق
يعني: لا بد من أن يكون المشتق مغايراً للمشتق منه ولو تقديراً، فأفاد المؤلف بقوله: (ولو تقديرًا) أنه قد يتفق المشتق والمشتق منه في الحروف ولكن يختلف في الأصل، فإذا اتفقا في الحروف مثل: وقف من الوقف، نقول: لا بد من التغيير، وهو هنا في الحركات.
وقف من الوقوف، فيه تغيير بالحروف، إذ التغيير بالحروف وبالحركات، لكن لو اتفقت في الحروف والحركات فيقول المؤلف: نقدر هذا تقديراً. لماذا نقول إن فيه تغييراً ولو تقديراً؟ نقول: لئلا يتحد المشتق والمشتق منه، ومعلوم أن المشتق غير المشتق منه، فهنا شيئان: مشتق ومشتق منه، بل قال الشارح: أركان الاشتقاق أربعة: مشتق، ومشتق منه، والموافقة في الحروف الأصلية، والمناسبة في المعنى مع التغيير.
فالمعنى أنه قد يكون هناك توافق بين المشتق والمشتق منه في الحروف والترتيب والحركات، فيكون المصدر مساوياً للفعل في حركاته وحروفه، مثل لو قلت: بطر من البطر، إذا كان الفعل (بطَر) بالفتح من البطر فهنا لا اختلاف، ولكن يقولون: يقدَّر الاختلاف مثلما قدرنا الاختلاف بين الفُلك مفرداً والفُلك مجموعاً، قال الله تعالى لنوح: أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا [المؤمنون:27]، وهذا واحد، وقال: حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ [يونس:22]، وهذا جمع، نقول: كيف يتفق الجمع والمفرد في الحروف والحركات؟ نقول: لا بد من التقدير؛ هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تبع فيه بعض علماء البصرة الذين يتعمقون في مثل هذه الأمور، ولكن الصحيح أن نقول: إنه لا بد من التغيير غالباً، بدلاً من أن نقول: ولو تقديراً، فإذا ورد لفظ مشتق من لفظ آخر لا يخالفه في الحركات نقول: هذا من غير الغالب، ولا نقول: هذا مختلف تقديراً.
تعريف المشتق
يعني: المشتق لا بد أن يوافق المشتق منه بحروفه الأصلية، ولا يلزم أن يوافقه في الحروف الزوائد، فمثلاً: استغفر مشتق من الغفر مع أنهما لم يتوافقا في الحروف، والأكثر هنا حروف (استغفر)؛ لأن المرجع في الاشتقاق إلى الحروف الأصلية، ومثله: استكبر من الكبر، واصطفى من الصفى أو الصفوة.
وقوله: (ومعناه) احترازاً مما إذا وافقه في المعنى دون الحروف، لأنه لا بد من أن يوافقه في كل الحروف والمعنى، فإن وافق في المعنى دون الحروف فإنه لا يُقال مشتق منه، فمثلاً: حبس بمعنى منع، ورهن بمعنى حبس، إذا الرهن الحبس، كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38] ، أي: محبوسة. هل نقول: إن (رهن) مشتق من (حبس) لأنه بمعناه؟
الجواب: لا، ولماذا لا نقول ذلك؟ لاختلاف الحروف. وكذلك لا نقول: إن (حبس) مشتق من (منع) وإن كان بمعناه؛ لاختلاف الحروف، ولهذا قال: (المشتق: فرع وافق أصلًا بحروفه الأصلية ومعناه).
ثم قال: [فصل: الاشتقاق: رد لفظ إلى آخر لموافقته له في الحروف الأصلية لمناسبة في المعنى، ولا بد من تغيير ولو تقديرًا].
الاشتقاق فسره المؤلف بقوله: (رد لفظ إلى آخر لموافقته له في الحروف الأصلية)، مثلاً تقول: ضرب من الضرب، استغفر من الغفر، لأن المؤلف يقول: لموافقته في الحروف الأصلية، واستغفر حروفه الأصلية (غ ف ر)، أما الهمزة والسين والتاء فهي زائدة، فالاشتقاق لا بد أن يُرد إلى الحروف الأصلية.
وأيهما الأصل: هل هو الفعل أم المصدر؟
الجواب: فيه خلاف بين النحويين، منهم من يقول: إن الضرب مأخوذ من ضرب، ومنهم من يقول: إن ضرب مأخوذ من الضرب، وهذا الخلاف الطويل العريض كالاختلاف في قولهم: هل الأصل البيضة أو الدجاجة؟! ولا فائدة من معرفة هذا! المهم أنهم يقولون: إن هناك أناساً من الفلاسفة يتناظرون في هذه المسألة، وبينهم شجار عظيم والعدو على أطراف البلد، وأنهم ما شعروا إلا والعدو فوق رءوسهم، فصارت الجدال الذي أشغلهم عن الجهاد انتهى الآن، وصار لا يعرف البيضة ولا الدجاجة، ما همه إلا ينقذ نفسه.
فهذا الجدال في الحقيقة عديم الفائدة، لكن الذي يظهر أن الأصل المصدر؛ لأن الفعل متضمن للمصدر وزيادة، فالفعل دال على حدث وزمن، والمصدر دال على حدث فقط، ومعلوم أن ما فيه زيادة فهو فرع عن الأصل؛ لأن الفرع هو الذي يزيد.
فالأصل: أن ضرب دالة على الضرب وزيادة وهو الزمن، إذاً: فالأصل الضرب الذي هو المصدر، هذا هو الأصح.
يقول المؤلف: رد لفظ إلى آخر لموافقته له في الحروف الأصلية، أي: يسمى اشتقاقاً.
قال: [لمناسبة في المعنى]، أي: أما إذا لم يكن مناسبة فإنه لا يقال: مشتق منه ولو كان موافقاً له في الحروف الأصلية؛ كوقف البيت ما نقول: مشتق من (وقف)، أي: ثبت في مكانه، مع أن الحروف واحدة.
تقول: وقفت هذا البيت، يعني: جعلته وقفاً، وتقول: وقفت على هذا المكان أو في هذا المكان، هل نقول: وقفت هذا البيت، مشتق من الوقوف لموافقته في الحروف الأصلية؟
الجواب: لا؛ لأنه لا مناسبة في المعنى بين هذا وهذا، لكن (غفر) مشتق من الغفر، لمناسبة في المعنى، وهو الستر والوقاية، فلا بد من مناسبة في المعنى وإلا فلا يصح أن يقال: مشتق منه.
قال: [ولا بد من تغيير ولو تقديرًا].
يعني: لا بد من أن يكون المشتق مغايراً للمشتق منه ولو تقديراً، فأفاد المؤلف بقوله: (ولو تقديرًا) أنه قد يتفق المشتق والمشتق منه في الحروف ولكن يختلف في الأصل، فإذا اتفقا في الحروف مثل: وقف من الوقف، نقول: لا بد من التغيير، وهو هنا في الحركات.
وقف من الوقوف، فيه تغيير بالحروف، إذ التغيير بالحروف وبالحركات، لكن لو اتفقت في الحروف والحركات فيقول المؤلف: نقدر هذا تقديراً. لماذا نقول إن فيه تغييراً ولو تقديراً؟ نقول: لئلا يتحد المشتق والمشتق منه، ومعلوم أن المشتق غير المشتق منه، فهنا شيئان: مشتق ومشتق منه، بل قال الشارح: أركان الاشتقاق أربعة: مشتق، ومشتق منه، والموافقة في الحروف الأصلية، والمناسبة في المعنى مع التغيير.
فالمعنى أنه قد يكون هناك توافق بين المشتق والمشتق منه في الحروف والترتيب والحركات، فيكون المصدر مساوياً للفعل في حركاته وحروفه، مثل لو قلت: بطر من البطر، إذا كان الفعل (بطَر) بالفتح من البطر فهنا لا اختلاف، ولكن يقولون: يقدَّر الاختلاف مثلما قدرنا الاختلاف بين الفُلك مفرداً والفُلك مجموعاً، قال الله تعالى لنوح: أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا [المؤمنون:27]، وهذا واحد، وقال: حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ [يونس:22]، وهذا جمع، نقول: كيف يتفق الجمع والمفرد في الحروف والحركات؟ نقول: لا بد من التقدير؛ هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تبع فيه بعض علماء البصرة الذين يتعمقون في مثل هذه الأمور، ولكن الصحيح أن نقول: إنه لا بد من التغيير غالباً، بدلاً من أن نقول: ولو تقديراً، فإذا ورد لفظ مشتق من لفظ آخر لا يخالفه في الحركات نقول: هذا من غير الغالب، ولا نقول: هذا مختلف تقديراً.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
مختصر التحرير [69] | 3202 استماع |
مختصر التحرير [54] | 3191 استماع |
مختصر التحرير [70] | 3080 استماع |
مختصر التحرير [33] | 2825 استماع |
مختصر التحرير [36] | 2823 استماع |
مختصر التحرير [47] | 2754 استماع |
مختصر التحرير [23] | 2743 استماع |
مختصر التحرير [45] | 2741 استماع |
مختصر التحرير [4] | 2691 استماع |
مختصر التحرير [34] | 2624 استماع |