أرشيف المقالات

التوبة من المعاصي (1)

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
التوبة من المعاصي (1)
اعْلَمْ - وَفَقَنَا اللهُ وإياكَ وَجَميعَ المُسلمينَ - أن الذنوبَ حجابٌ عن اللهِ، والانصرافُ عن كِلِ ما يُبْعِدُ عن اللهِ واجبٌ، وإنما يَتمُ ذلكَ بالعلم والندمِ والعزمِ، فإنَه مَتَى لَمْ يَعْلَمْ أَنْ الذنوبَ أسْبابُ البُعْدِ عن اللهِ لَمْ يَنْدَم على الذنوب ولم يَتَوَجَّعْ بِسَبَبِ سُلُوكِهِ طَرِيقَ البُعْدِ، وإِذَا لَمْ يَتَوَجَّعْ لَمْ يَرْجِعْ، والتَّوْبَةُ: الرجوعُ عَن المَعْصِيةِ إلى الطاعةِ وهِيَ واجبةٌ مِنْ كل ذَنْبٍ، فإن كانت المعصية بينَ العبدِ وبينَ ربِهِ تَعالى لا تَتَعَلَّقُ بِحَقِّ آدمِيٍ، فلها ثَلاثَةُ شُروطٍ:
الأولُ: الإِقلاعُ عَنْ المعْصِيةِ التي هُو مُتَلَبِّسٌ بِهَا، وَعَلامَتُهُ مُفَارَقَةُ الذنب فَوْرًا.
 
الثاني: النَّدَمُ عَلَى فِعْلَها، وَعَلامَتُهُ طُوْلُ الحُزْنِ على مَا فَاتَ وورد عن ابن مسعودِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: «النَدمُ تَوبة».
 
شِعْرًا:






يَتُوبُ عَلَى يَدِي قَوْمٌ عُصَاةُ
أَخَافَتْهُم مِنَ البَارِي ذُنُوبُ


وَقَلْبِي مُظْلِمٌ فِي طُولِ مَا قَدْ
جَنَى فَأَنَا عَلَى يَدِ مَن أتُوبُ


كَأنِّي شَمْعَةٌ مَا بَيْنَ قَوْمٍ
تُضِيء لَهُمْ وَيُحْرِقُهَا اللَّهِيبُ






آخر:






أَلا مَنْ لِقَلبٍ في الهَوى غَيرَ مُنتَهِ
وَفي الغَيِّ مِطواعٍ وَفي الرَشدِ مُكرَهِ


أُشاوِرُهُ في تَوبَةٍ فَيَقولُ لا
وَإِن قُلتُ تَأتي فِتنَةٌ قالَ أَينَ هي






آخر:






عَلامَةُ مَنْ يَخْشَى الإِلهِ فؤادُهُ
إذا صَدَرَتْ مِنْه المعاصِي تألْمَا


وأتَبْعَهَا حَالًا بِتَوبَةِ صَادِقٍ
عن الذَّنْبِ في عَزْمٍ لهُ مُتَنَدِّمَا






الغَفْلة عن ذِكر الله وما والاه أشد الأعداء ضَررًا على الإِنسان فإيَّاك أن تغفل عن ذكر الله ولا لحظة.
الثالثُ: العَزْمُ أَنْ لا يَعُوْدَ إلى معْصِيةٍ أبَدًا، وَعَلامَتُهُ التَّدَارُكُ لِمَا فَاتَ وَإصْلاحُ مَا يَأتي، فإنْ كَانَ المَاضِيْ تَفْرِيطًا في عِبادةٍ قَضَاهَا، أَوْ مَظْلَمةٍ أدَّهَا، أَوْ خَطِيئَةٍ لا تُوجِبُ غَرَامَةً حَزِنَ إِذْ تَعَاطَاهَا.
 
فإن فُقِدَ أَحَدُ الشُرُوطِ الثَّلاثِةِ لَمْ تَصِحَّ تَوْبَتُهُ.
وإنْ كَانَتْ المعصيَةُ تَتَعَلَّقُ بآدميٍ، فَشُرُوطُها أرْبَعَةُ: الثلاثةُ الشُروطُ المذكورةُ.
 
والرابعُ: أن يَبْرَأَ مِنْ حَقّ صَاحِبها، فإنْ كَانتْ مالًا أو نحوَهُ رَدَّهُ إِليهِ، إِنْ كانَ مَوْجُودًا، أَوْ رَدَّ بدَلَهُ عندَ تَلَفِهِ مِن قِيْمَةٍ أو مِثْلٍ، وإنْ كَانَتْ حَدَّ قذفٍ وَنَحْوَه مَكّنَهُ مِنْهُ أَوْ طَلَبَ عَفْوَهُ، وإنْ كَانَتْ غِيْبَةٍ اسْتَحَلَّهُ مِنْهَا إنْ كَانَ عَاقِلًا حَلِيمًا، يَغْلِبُ عَلَى الظَّن أَنَّهُ إِذَا جَاءَهُ أخُوُهُ المُسْلِمُ نادِمًا تائبًا عَفَا عَنْهُ وَسَامَحَهُ، وَإِلا فَلْيَسْتَغْفر لَهُ؛ لِمَا وَرَدَ عَن أنس قال: قَالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنْ مِنْ كَفَّارَةِ الغِيْبَةِ أَنْ تَستغفرَ لِمن اغْتَبْتَهُ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِنَا وَلَهُ».
 
وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ كَاْنَتْ عِنْدَهُ مظلمةٌ لأخِيهِ ِمْن عِرْضٍ أَوْ مَالٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ منهُ اليومَ قَبلَ أنْ لا يكونَ دِرْهَمٌ ولا دينارٌ، إنْ كانَ له عملٌ صالحٌ أُخِذَ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِئاتِ صَاحِبِه فَحُمِلَ عَليه».
وَقَدْ أَمَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتًعالَى بِالتَّوْبَةْ، وَبيَّنَ مَا لِلِتَّائِبِينَ مِنَ الكَرَامَةِ والأجْرِ، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [التحريم: 8].
 
(فَائِدَةٌ عَظِيمَةُ النَّفْعِ):
مِنْ أَصُولِ النِّعَم نِعمةَ العِلْمِ فَهْيَ نِعْمَةٌ كُبْرَىَ يتَوقَّفُ عَليهَا رُقِيُّ الإِنْسَانِ وَسَعَادَتُهُ فَتَحْصِيلُهُ نِعْمَة والانتِفَاعُ بِهِ نِعْمَةْ، وَالنَّفْعُ بِهِ نِعْمَةْ، وتَخْلِيدُهُ وَنَقْلُهُ لِلأَجْيَال نِعْمَةْ، وَنَشْره للِنَّاسِ نِعْمَةْ، والدَّعْوَةُ إِلَيْهِ نِعْمَةْ، وَهَكَذَا...
إلخ.
 
واللهُ أَعْلَمْ، وَصَلّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَسَلَّمَ.
 

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢