شرح بلوغ المرام - كتاب الجنائز - حديث 581-585


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.

ونصلي ونسلم على خاتم رسله وأفضل أنبيائه، حبيبنا وسيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

رقم هذا الدرس من شرح بلوغ المرام (197)، وهذا يوم الإثنين السادس عشر من شهر جمادى الأولى من سنة (1427) للهجرة، وقد سبق معنا بالأمس أربعة أحاديث تتعلق بصلاة الجنازة وأحكامها، وسنشرح اليوم إن شاء الله خمسة أحاديث أخرى في الباب نفسه.

فالحديث الأول منها وهو الحديث رقم (559): حديث ابن عباس رضي الله عنه يقول: ( ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه ) رواه مسلم .

أولاً: فيما يتعلق بالتخريج:

فالحديث رواه مسلم في صحيحه كتاب الجنائز، باب: من صلى عليه أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً، ورواه أيضاً أبو داود في سننه وابن ماجه والطحاوي والبيهقي في كتاب الجنائز, والإمام أحمد في مسنده وغيرهم .

وللحديث شواهد صحيحة، منها حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من رجل يموت فيصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة رجل إلا شفعهم الله تعالى فيه )، وحديث عائشة رواه مسلم أيضاً في الباب نفسه.

ومن الشواهد أيضاً حديث مالك بن هبيرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من رجل مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب )، ومعنى أوجب يعني: وجبت له الجنة، وشفعهم الله تعالى فيه، وهذا الحديث رواه الترمذي وقال: حديث حسن، ورواه الحاكم في مستدركه أيضاً وقال: حديث صحيح الإسناد، وفي الباب شواهد أخرى كثيرة.

معاني ألفاظ الحديث

النقطة الثانية: ما يتعلق بغريب الحديث:

فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من رجل مسلم) المقصود هنا: المسلم سواءً كان رجلاً أو امرأة, والتعبير برجل خرج مخرج الغالب، وإلا فبالاتفاق فإن المرأة داخلة في ذلك أيضاً, يعني: ما من امرأة مسلمة تموت فيصلي عليها أربعون أو مائة أو ثلاثة صفوف على حسب الروايات من المسلمين لا يشركون بالله شيئاً، إلا شفعهم الله تعالى فيها, وإنما لفظ (رجل) هنا خرج مخرج الغالب, وهو جارٍ على قاعدة اللغة.

أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (يموت فيقوم على جنازته)، فالمعنى بقوله: (يقوم على جنازته) يعني: يصلي عليه، وقد جاء في القرآن الكريم قوله سبحانه: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، فالقيام يحتمل معنيين: يحتمل الصلاة كما في هذا الحديث، ويحتمل ما هو أعم من ذلك, مثل: الصلاة عليه واتباعه, والوقوف عند قبره, وإنزاله في القبر بحيث يقوم الإنسان عليه حتى يفرغ منه.

وقوله عليه الصلاة والسلام: (فيقوم على جنازته أربعون رجلاً) هكذا ورد في هذا الحديث، وهو كما رأيتم حديث صحيح رواه مسلم .

وقد جاء في الحديث الآخر حديث عائشة : ( فيصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة رجل ), وفي الحديث الثالث حديث مالك بن هبيرة : ( يبلغون ثلاثة صفوف ), وللتوفيق بين هذه الألفاظ في الأحاديث الثلاثة نقول: ليس المراد الحصر، يعني: أن كثيراً من الأصوليين يقولون: إن مفهوم العدد غير معتبر , يعني: عندما يقول: مائة رجل لا يعني أن أقل منهم لا ينطبق عليهم الحكم, فيقولون: إن العدد ليس له مفهوم ؛ ولهذا نقول: إن قوله صلى الله عليه وسلم: (مائة رجل) لا ينفي أن يكون أقل من ذلك أيضاً يشفعون فيه كأربعين رجلاً، ونظير ذلك المرأة. لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم للنساء وقال: ( ما منكن من امرأة يموت لها ثلاثة من الولد فتحتسبهم إلا كانوا لها حجاباً من النار, فقالت امرأة: واثنان يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واثنان )، وفي بعض الألفاظ: ( وواحد ) فهنا نقول: إن ذكر الفضل للثلاثة لا يلغي أن يكون الفضل حاصلاً لمن هم أقل من ذلك, وكذلك الشفاعة في المائة لا يلغي الشفاعة في الأربعين, والشفاعة في الأربعين لا تلغي أن تكون الشفاعة فيمن دون ذلك إذا كانوا يبلغون ثلاثة صفوف؛ ولهذا كان مالك بن هبيرة إذا رأى العدد قليلاً قسمهم إلى ثلاثة صفوف؛ حتى يصدق ويصح عليهم الحديث.

إذاً: نقول: الجواب الأول: أن يقال: إن العدد في هذه الأحاديث ليس له مفهوم، هذه واحدة، وهذا الجواب هو أفضل الأجوبة.

ويمكن أن يقال جواب آخر: وهو أن الأمر الأول كانوا مائة، ثم تفضل الله سبحانه وأخبر نبيه بما هو دون المائة كالأربعين، ثم أخبره بما هو دون الأربعين كثلاثة صفوف مثلاً.

الجواب الثالث: أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن هذه الأعداد بحسب المقام والسؤال، يعني: جاءه رجل فسأله عن المائة فأخبره بالمائة, وجاءه آخر فسأله عن الأربعين فأخبره بالأربعين، وجاءه ثالث فسأله عن ثلاثة صفوف فأخبره بثلاثة صفوف، وهذا نظيره اختلاف إجابات النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بأفضل الأعمال، فمرة يقول مثلاً: الإيمان بالله، ومرة يقول: بر الوالدين، ومرة يقول: عملاً، ومرة يقول عملاً آخر كما أشار إليه ابن القيم وغيره، فيقال: إن هذه الإجابات تختلف بحسب أحوال الناس، أو تختلف بحسب السؤال وطبيعة وحال السائل.

إذاً: هذا هو الجواب عن اختلاف ألفاظ الحديث ما بين مائة وأربعين وثلاثة صفوف.

أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم هنا: ( لا يشركون بالله شيئاً ) الشرك معروف كما قال الله سبحانه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] وهو أن تجعل لله نداً وهو خلقك، كما في حديث ابن مسعود، وهو في الصحيح لما قال: ( قلت: يا رسول الله! أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك )، قال سبحانه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]؛ فنقول: إن المقصود بقوله: (لا يشركون بالله شيئاً) أي: لا يعبدون مع الله غيره، وظاهر السياق -والله أعلم- أن المقصود: الشرك الأكبر، ويحتمل أن يكون المراد: ما هو دون ذلك من الشرك الأصغر كالرياء وغيره، خاصة إذا كان هذا الشرك الأصغر في العبادة نفسها، مثل: أن يصلي صلاة الجنازة رياء وسمعة وبغير نية؛ فهذا يتجه ألا يعد من ضمن هؤلاء؛ لأن عمله غير مقبول، والله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً وأريد به وجهه؛ ولهذا جاء في الصحيح -وسيأتي- قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء ) فأمر هنا بالإخلاص.

فنقول: المقصود هنا بالشرك: الشرك الأكبر ودخوله في الحديث دخولاً أولياً قطعي، ويحتمل أن يكون الشرك الأصغر داخلاً في هذا الحديث خاصة إذا كان في ذات العبادة، يعني: في صلاة الجنازة نفسها.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إلا شفعهم الله فيه )، يعني: قبل دعائهم وقبل شفاعتهم، وهذا دليل على أن الدعاء شفاعة، وأن صلاة الجنازة شفاعة لهذا الميت.

فوائد الحديث

النقطة الثالثة: ما يتعلق بفوائد الحديث:

الحديث ليس فيه مسائل فقهية واضحة، ما يتعلق بفوائد الحديث ففيه عدد من الفوائد:

منها أولاً: اختلاف إجابات النبي صلى الله عليه وسلم وبيان وجهها وسببها.

ومنها: مشروعية صلاة الجنازة على الميت وفضلها.

ومنها: عظم شأن الشرك بالله وأنه محبط للأعمال.

ومنها: حث الناس على الاجتماع على الطاعات، ومن ذلك صلاة الجماعة، وصلاة الجنازة، وصلاة الجمعة وغيرها من الأعمال الصالحة.

ومن ذلك: أن التوحيد لله سبحانه وتعالى وإفراده بالعبادة وإخلاص العمل له من أعظم أسباب قبول الدعاء كما قال هنا.

ومنها: فضيلة شفاعة المسلمين بعضهم لبعض، ودعاء المسلمين بعضهم لبعض، وقد جاء في حديث أبي الدرداء وهو في مسلم : ( أن العبد المؤمن إذا دعا لأخيه كان على رأسه ملك موكل يقول له: ولك بمثل )، وهكذا ما يتعلق بصلاة الجنازة، فأنت تصلي على جنائز الناس فيصلون على جنازتك وعلى قرابتك، والخير هنا يكون متبادلاً ومتداولاً بين الناس.

أيضاً من فوائد الحديث سؤال: هل هذا الوعد من النبي صلى الله عليه وسلم بقبول شفاعتهم، هل هو خاص بالتائبين.. هل هو خاص بالصالحين، أم يشمل غيرهم؟

هذا عام، وهذا الذي اختاره أكثر أهل العلم ونص عليه ابن تيمية وغيره، أن هذا لا يخص الطيبين أو الصالحين والتائبين فقط، وإنما هو عام في الناس، وإلا فإذا قصر الأمر على من هم من أهل الخير والصلاح ومن تجنبوا الذنوب الكبيرة والصغيرة، فإن هؤلاء في الغالب أنه غفر لهم بتوبتهم وبإيمانهم كما قال الله سبحانه وتعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء:31]، وإنما يقال: إن هذا فضل عام، ويرجى أن يشمل كل أحد من المسلمين توفرت فيه وفيمن صلى هذه الشروط والصفات.

صلاة الصحابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

أيضاً هنا سؤال -وهو يتعلق بفائدة الحديث-: كيف صلى الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم؟

صلوا عليه فرادى كما سبق ذلك. طيب لماذا لم يصلوا عليه جماعة صفوفاً كما في هذا الحديث وصلوا منفردين؟

قيل: إنهم لم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم جماعة لأنه لم يتحدد إمام، ولو صلى بهم إمام لكان هذا الإمام والياً لما سوى ذلك، والصحابة لم يكونوا قد اتفقوا بعد، وإنما اتفقوا على إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد ذلك، وهذا القول فيه نظر أو فيه ضعف؛ لأن أبا بكر الصديق ولي صلاة الفريضة في مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان أولى أن يلي صلاة الجنازة لو كان الأمر يتعلق بهذا.

لكن قد يكون الأمر لعظمة جنازة النبي صلى الله وسلم وعظمة مقامه حتى كان هذا الأمر، وقد ورد أن الذين صلوا على جنازة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ثلاثين ألفاً، ولا شك أن الذين كانوا مؤمنين به يزيدون على ذلك كثيراً، فالذين حضروا حجة الوداع معه عليه الصلاة والسلام كانوا أكثر من ( 110 آلاف) كما ذكر الحاكم وغيره، ولكن الذين صلوا هم الذين كانوا في المدينة وعلى مقربة منها. هذا هو الأمر.

النقطة الثانية: ما يتعلق بغريب الحديث:

فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من رجل مسلم) المقصود هنا: المسلم سواءً كان رجلاً أو امرأة, والتعبير برجل خرج مخرج الغالب، وإلا فبالاتفاق فإن المرأة داخلة في ذلك أيضاً, يعني: ما من امرأة مسلمة تموت فيصلي عليها أربعون أو مائة أو ثلاثة صفوف على حسب الروايات من المسلمين لا يشركون بالله شيئاً، إلا شفعهم الله تعالى فيها, وإنما لفظ (رجل) هنا خرج مخرج الغالب, وهو جارٍ على قاعدة اللغة.

أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (يموت فيقوم على جنازته)، فالمعنى بقوله: (يقوم على جنازته) يعني: يصلي عليه، وقد جاء في القرآن الكريم قوله سبحانه: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، فالقيام يحتمل معنيين: يحتمل الصلاة كما في هذا الحديث، ويحتمل ما هو أعم من ذلك, مثل: الصلاة عليه واتباعه, والوقوف عند قبره, وإنزاله في القبر بحيث يقوم الإنسان عليه حتى يفرغ منه.

وقوله عليه الصلاة والسلام: (فيقوم على جنازته أربعون رجلاً) هكذا ورد في هذا الحديث، وهو كما رأيتم حديث صحيح رواه مسلم .

وقد جاء في الحديث الآخر حديث عائشة : ( فيصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة رجل ), وفي الحديث الثالث حديث مالك بن هبيرة : ( يبلغون ثلاثة صفوف ), وللتوفيق بين هذه الألفاظ في الأحاديث الثلاثة نقول: ليس المراد الحصر، يعني: أن كثيراً من الأصوليين يقولون: إن مفهوم العدد غير معتبر , يعني: عندما يقول: مائة رجل لا يعني أن أقل منهم لا ينطبق عليهم الحكم, فيقولون: إن العدد ليس له مفهوم ؛ ولهذا نقول: إن قوله صلى الله عليه وسلم: (مائة رجل) لا ينفي أن يكون أقل من ذلك أيضاً يشفعون فيه كأربعين رجلاً، ونظير ذلك المرأة. لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم للنساء وقال: ( ما منكن من امرأة يموت لها ثلاثة من الولد فتحتسبهم إلا كانوا لها حجاباً من النار, فقالت امرأة: واثنان يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واثنان )، وفي بعض الألفاظ: ( وواحد ) فهنا نقول: إن ذكر الفضل للثلاثة لا يلغي أن يكون الفضل حاصلاً لمن هم أقل من ذلك, وكذلك الشفاعة في المائة لا يلغي الشفاعة في الأربعين, والشفاعة في الأربعين لا تلغي أن تكون الشفاعة فيمن دون ذلك إذا كانوا يبلغون ثلاثة صفوف؛ ولهذا كان مالك بن هبيرة إذا رأى العدد قليلاً قسمهم إلى ثلاثة صفوف؛ حتى يصدق ويصح عليهم الحديث.

إذاً: نقول: الجواب الأول: أن يقال: إن العدد في هذه الأحاديث ليس له مفهوم، هذه واحدة، وهذا الجواب هو أفضل الأجوبة.

ويمكن أن يقال جواب آخر: وهو أن الأمر الأول كانوا مائة، ثم تفضل الله سبحانه وأخبر نبيه بما هو دون المائة كالأربعين، ثم أخبره بما هو دون الأربعين كثلاثة صفوف مثلاً.

الجواب الثالث: أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن هذه الأعداد بحسب المقام والسؤال، يعني: جاءه رجل فسأله عن المائة فأخبره بالمائة, وجاءه آخر فسأله عن الأربعين فأخبره بالأربعين، وجاءه ثالث فسأله عن ثلاثة صفوف فأخبره بثلاثة صفوف، وهذا نظيره اختلاف إجابات النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بأفضل الأعمال، فمرة يقول مثلاً: الإيمان بالله، ومرة يقول: بر الوالدين، ومرة يقول: عملاً، ومرة يقول عملاً آخر كما أشار إليه ابن القيم وغيره، فيقال: إن هذه الإجابات تختلف بحسب أحوال الناس، أو تختلف بحسب السؤال وطبيعة وحال السائل.

إذاً: هذا هو الجواب عن اختلاف ألفاظ الحديث ما بين مائة وأربعين وثلاثة صفوف.

أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم هنا: ( لا يشركون بالله شيئاً ) الشرك معروف كما قال الله سبحانه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] وهو أن تجعل لله نداً وهو خلقك، كما في حديث ابن مسعود، وهو في الصحيح لما قال: ( قلت: يا رسول الله! أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك )، قال سبحانه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]؛ فنقول: إن المقصود بقوله: (لا يشركون بالله شيئاً) أي: لا يعبدون مع الله غيره، وظاهر السياق -والله أعلم- أن المقصود: الشرك الأكبر، ويحتمل أن يكون المراد: ما هو دون ذلك من الشرك الأصغر كالرياء وغيره، خاصة إذا كان هذا الشرك الأصغر في العبادة نفسها، مثل: أن يصلي صلاة الجنازة رياء وسمعة وبغير نية؛ فهذا يتجه ألا يعد من ضمن هؤلاء؛ لأن عمله غير مقبول، والله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً وأريد به وجهه؛ ولهذا جاء في الصحيح -وسيأتي- قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء ) فأمر هنا بالإخلاص.

فنقول: المقصود هنا بالشرك: الشرك الأكبر ودخوله في الحديث دخولاً أولياً قطعي، ويحتمل أن يكون الشرك الأصغر داخلاً في هذا الحديث خاصة إذا كان في ذات العبادة، يعني: في صلاة الجنازة نفسها.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إلا شفعهم الله فيه )، يعني: قبل دعائهم وقبل شفاعتهم، وهذا دليل على أن الدعاء شفاعة، وأن صلاة الجنازة شفاعة لهذا الميت.

النقطة الثالثة: ما يتعلق بفوائد الحديث:

الحديث ليس فيه مسائل فقهية واضحة، ما يتعلق بفوائد الحديث ففيه عدد من الفوائد:

منها أولاً: اختلاف إجابات النبي صلى الله عليه وسلم وبيان وجهها وسببها.

ومنها: مشروعية صلاة الجنازة على الميت وفضلها.

ومنها: عظم شأن الشرك بالله وأنه محبط للأعمال.

ومنها: حث الناس على الاجتماع على الطاعات، ومن ذلك صلاة الجماعة، وصلاة الجنازة، وصلاة الجمعة وغيرها من الأعمال الصالحة.

ومن ذلك: أن التوحيد لله سبحانه وتعالى وإفراده بالعبادة وإخلاص العمل له من أعظم أسباب قبول الدعاء كما قال هنا.

ومنها: فضيلة شفاعة المسلمين بعضهم لبعض، ودعاء المسلمين بعضهم لبعض، وقد جاء في حديث أبي الدرداء وهو في مسلم : ( أن العبد المؤمن إذا دعا لأخيه كان على رأسه ملك موكل يقول له: ولك بمثل )، وهكذا ما يتعلق بصلاة الجنازة، فأنت تصلي على جنائز الناس فيصلون على جنازتك وعلى قرابتك، والخير هنا يكون متبادلاً ومتداولاً بين الناس.

أيضاً من فوائد الحديث سؤال: هل هذا الوعد من النبي صلى الله عليه وسلم بقبول شفاعتهم، هل هو خاص بالتائبين.. هل هو خاص بالصالحين، أم يشمل غيرهم؟

هذا عام، وهذا الذي اختاره أكثر أهل العلم ونص عليه ابن تيمية وغيره، أن هذا لا يخص الطيبين أو الصالحين والتائبين فقط، وإنما هو عام في الناس، وإلا فإذا قصر الأمر على من هم من أهل الخير والصلاح ومن تجنبوا الذنوب الكبيرة والصغيرة، فإن هؤلاء في الغالب أنه غفر لهم بتوبتهم وبإيمانهم كما قال الله سبحانه وتعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء:31]، وإنما يقال: إن هذا فضل عام، ويرجى أن يشمل كل أحد من المسلمين توفرت فيه وفيمن صلى هذه الشروط والصفات.

أيضاً هنا سؤال -وهو يتعلق بفائدة الحديث-: كيف صلى الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم؟

صلوا عليه فرادى كما سبق ذلك. طيب لماذا لم يصلوا عليه جماعة صفوفاً كما في هذا الحديث وصلوا منفردين؟

قيل: إنهم لم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم جماعة لأنه لم يتحدد إمام، ولو صلى بهم إمام لكان هذا الإمام والياً لما سوى ذلك، والصحابة لم يكونوا قد اتفقوا بعد، وإنما اتفقوا على إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد ذلك، وهذا القول فيه نظر أو فيه ضعف؛ لأن أبا بكر الصديق ولي صلاة الفريضة في مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان أولى أن يلي صلاة الجنازة لو كان الأمر يتعلق بهذا.

لكن قد يكون الأمر لعظمة جنازة النبي صلى الله وسلم وعظمة مقامه حتى كان هذا الأمر، وقد ورد أن الذين صلوا على جنازة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ثلاثين ألفاً، ولا شك أن الذين كانوا مؤمنين به يزيدون على ذلك كثيراً، فالذين حضروا حجة الوداع معه عليه الصلاة والسلام كانوا أكثر من ( 110 آلاف) كما ذكر الحاكم وغيره، ولكن الذين صلوا هم الذين كانوا في المدينة وعلى مقربة منها. هذا هو الأمر.

الحديث الذي بعده هو حديث رقم (560)، وهو حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها؛ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطها ) والحديث متفق عليه.

تخريج الحديث

أولاً: التخريج.

فالحديث رواه البخاري في صحيحه في كتاب الجنائز, في مواضع منها: باب الصلاة على النفساء، ورواه مسلم أيضاً في باب: أين يقوم الإمام من الميت، ورواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه في كتاب الجنائز -في الغالب- باب: موقف الإمام من الميت.

وبناءً عليه نقول: إن هذا الحديث يصح أن يقال فيه: إنه رواه الستة أو رواه الجماعة، بل هو رواه السبعة في الواقع؛ لأنه أيضاً خرجه الإمام أحمد في مسنده، والبيهقي وابن حبان في صحيحه أيضاً وعبد الرزاق وابن أبي شيبة، فالحديث رواه السبعة، وهم في اصطلاح المصنف: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والإمام أحمد في مسنده ؛ فيصح أن يقال: إن الحديث رواه الجماعة أو رواه السبعة.

معاني ألفاظ الحديث

ثانياً: ما يتعلق بألفاظ الحديث.

قول سمرة رضي الله عنه: (أن امرأة ماتت في نفاسها)، المرأة من المبهمات كما هو معروف، وقد نص العلماء على اسمها وأنها: أم كعب وسماها غير واحد: أم كعب، وهي أم كعب الأنصارية رضي الله عنها.

وقوله: (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطها) أو: (وسَطها) بالوجهين عند أهل اللغة، بسكون السين أو بفتح السين، وهكذا اختلفت الرواية في البخاري وغيره، والمعنى في النهاية واحد، وقد تأملت كلام أهل اللغة في الفرق بين الوسْط والوسَط فوجدت أنه متقارب ولا يحتاج إلى طول الوقوف عنده، فقوله: قام وسْطها أو وسَطها المعنى واحد، أي: قام إلى وسط بدنها، والوسط: هو المنتصف بين طرفين، ولهذا في بعض الألفاظ: ( فقام الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عجيزتها )، والعجيزة: هي في الوسط كما هو معروف.

موقف الإمام من الجنازة

النقطة الثالثة في الحديث: ما يتعلق بالمسألة الفقهية فيه وهي واضحة، ما هي المسألة المتعلقة بهذا الحديث؟

موقف الإمام من الجنازة:

وهذه المسألة فيها عدة أقوال واختلاف، وسبب اختلاف الأئمة فيه كما ذكره ابن رشد فيه في بداية المجتهد هو اختلاف النصوص في هذا الباب، وهل للمرأة موقف يخصها وللرجل موقف يخصه، أم أن الحكم واحد للطرفين؟

فالقول الأول في هذه المسألة: أنه يقف عند صدر الرجل ووسط المرأة، أن الإمام يقف في الجنازة إذا كان المتوفى رجلاً إلى صدره، وإذا كانت امرأة وقف إلى وسطها، وهذا مذهب الحنابلة كما نص عليه ابن قدامة في المغني وفي الإنصاف وغيره.

وقريب من هذا القول أيضاً أو يمكن أن يلحق به ويدمجان في قول واحد من قال: إن الإمام بالنسبة للرجل يقف إلى رأسه، وبالنسبة للمرأة يقف إلى وسطها، وهذا القول أيضاً هو قول للشافعي رضي الله عنه، وهو رواية أخرى عند الحنابلة منصوصة وإن كان المذهب هو القول الأول، وهو مذهب الظاهرية.

وقال بعض الفقهاء: إن الوقوف عند الرأس أو عند الصدر إنه واحد، فقد يكون قيامه بينهما بين الرأس والصدر، فإن شئت وصفت بأنه وقف إلى رأسه أو وصفت بأنه وقف إلى صدره، فالأمر فيه سعة، وهذا وجيه؛ وبناءً عليه يكون هذا القول الأول: أنه يقف إلى رأس الرجل أو صدره أو ما بينهما، أما المرأة فيقف إلى وسطها، ويكون هذا القول هو قول الحنابلة والشافعية والظاهرية وجماعة من الصحابة والتابعين.

أصحاب هذا القول حجتهم أولاً حديث الباب فيما يتعلق بالمرأة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قام وسطها، ولعل هذا الحديث الذي بين أيدينا هو أصح ما ورد في الباب مطلقاً؛ فلذلك نقول: إن ما يتعلق بموضوع الوقوف إلى المرأة المتوفاة أن يقف إلى وسطها أمره واضح؛ لصراحة الدليل وصحة الدليل أيضاً، وإنما الإشكال يقع فيما يتعلق بموقف الرجل.

إذاً: من أدلتهم حديث سمرة هنا وهو: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف إلى وسط هذه المرأة )، فهذا ما يتعلق بالوقوف إلى المرأة المتوفاة.

أما ما يتعلق بالوقوف إلى الرجل فإن فيه حديثاً رواه أبو داود والترمذي وغيرهم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ( أنه صلى على رجل فقام حيال رأسه )، يعني: قام إلى رأسه, جعل رأسه -رأس المتوفى- بينه وبين القبلة، ثم جاءت امرأة أيضاً؛ فقالوا: ( يا أبا حمزة ! قم فصل عليها، فقام رضي الله عنه وسط السرير -يعني: الذي عليه الجنازة أو عليه المرأة-, فقال له قائل: يا أبا حمزة ! رأيناك صليت على الرجل فقمت حيال رأسه، وصليت على المرأة فقمت وسط السرير، أفهكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل؟ فقال أنس رضي الله عنه: نعم. ثم قال: احفظوا عني )، فبين هذا الحديث أن موقف المرأة وسطها كما في الحديث الذي قبله حديث سمرة، وأن موقف الرجل يكون إلى رأسه، وأنس فعل هذا ثم قال: إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعله, والحديث كما قلت رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي : إنه حديث حسن. وفي سنده رجل يقال له: نافع أبو غالب لا بأس به، وإن كان فيه كلام إلا أنه لا بأس به، والحديث ليس ثمة ما يعارضه، فهو أيضاً من أصح الأحاديث الواردة في الباب، وميزته أنه ذكر موقف الإمام من الرجل بخلاف حديث سمرة السابق، فهو وإن كان أصح من حديث أنس إلا أنه لم يذكر إلا موقف الإمام من المرأة.

طيب.. إذاً: هذا القول الأول.

القول الثاني: أنه يقوم الإمام بالنسبة للمتوفى إلى صدره مطلقاً، يعني: سواء كان رجلاً أو امرأة، وهذا القول ليس فيه تفصيل، وإنما يقول: يقوم الإمام إلى صدر المتوفى رجلاً كان أو امرأة, وهذا القول هو مذهب أبي حنيفة، واختاره ابن عبد البر، وحجة هذا القول حديث سمرة، وكأنهم قالوا: إنه لا فرق بين الرجل المرأة، وإن كون المتوفاة في حديث سمرة امرأة هذا أمر غير معتبر، وخصوصاً أن الحديث -كما قلنا- هو أصح ما ورد في الباب، وهو حديث متفق على إخراجه، فقد رواه الشيخان وأهل السنن والإمام أحمد وغيرهم، فقالوا: إنه أصح ما ورد في الباب، وحديث أنس فيه أبو غالب، وأبو غالب قلنا: إن بعض أهل العلم تكلموا فيه، وإن كان الأقرب أنه حسن الحديث.

فهؤلاء الأئمة -أبو حنيفة ومن وافقه وكذلك الإمام ابن عبد البر -, قالوا: إن حديث سمرة هو المعتمد في الباب، وبناء عليه قالوا: إذا كان المتوفى رجلاً أو امرأة فلا فرق، فإن الإمام يجعل صدره ما بينه وبين القبلة.

وكذلك نظروا إلى المعنى؛ لأنهم قالوا: إن الصدر هو مجتمع المعاني ومحل الإيمان ومحل القلب؛ ولذلك فإن الإمام يقف إلى الصدر، وفي حديث سمرة بالنسبة للمرأة: (فقام وسطها)، وهؤلاء قالوا: الصدر، يعني: هذا لا يصح دليلاً لهم، وإنما يصح أن يستدلوا بالنظر، وهو أن القلب مجتمع المعاني؛ ولذلك يصلي إليه، وكذلك أن القلب هو الذي تصدر منه الأعمال، فإن الأعمال تصدر بالنية، والنية محلها القلب؛ فيحتاج القلب إلى الشفاعة أكثر مما يحتاج إليه غيره.

القول الثالث: هو أنه يقف وسط الرجل وعند منكبي المرأة، يعني: عند كتفيها، وهذا القول هو قول الإمام مالك رحمه الله، ولم أجد له دليلاً، ولكن ربما يستدلون بفعل بعض الصحابة، فقد ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه وعن ابن عباس وحكاه عنهم مالك في المدونة : (أنهم كانوا يقفون إلى منكبي المرأة وإلى وسط الرجل)، هذا هو ما يستدلون به.

في المسألة قول رابع: وهو أنه يقف إلى وسط الرجل والمرأة على حد سواء، يقف إلى وسط المرأة والرجل على حد سواء، وهذا القول هو الذي يحتج بحديث الباب (فقام وسطها).

وفي المسألة قول خامس أيضاً: وهو أنه يقف حيث شاء، يعني: إلى رأس أو منكبي أو صدر المتوفى رجلاً كان أو امرأة، وهذا منسوب إلى الحسن البصري، وقد قال الامام ابن عبد البر رحمه الله: إن الأمر ليس فيه توقيف ولا نص، وحيثما وقف الإمام أجزأه، ولا شك أن من المتفق عليه بين العلماء أن الأمر هنا أمر أفضلية لا غير، وإلا فلو وقف على رأس أو منكبي أو صدر أو بطن المتوفى، سواء كان رجلاً أو امرأة؛ فإن ذلك يجزئ وليس فيه إثم ولا حرج، وإنما الخلاف هنا هو في الأفضل أو في السنية.

فوائد الحديث

ما يتعلق بفوائد حديث سمرة رضي الله عنه، فيه عدد من الفوائد:

منها: أن الميت لا ينجس بالموت، ولهذا يدخل الميت إلى المسجد، بل هذه المرأة أدخلت إلى المسجد وهي ماتت في نفاسها على ما هو معروف، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن المؤمن لا ينجس ) كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، وفي ذلك رد على من قال من الفقهاء بأن الميت ينجس، وأنه لا ينبغي إدخاله المسجد لهذا السبب، فنقول: المؤمن لا ينجس، وهذه النصوص صريحة في ذلك.

من الفوائد أيضاً: مشروعية الصلاة على النفساء، والمرأة النفساء هي شهيدة، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الحديث المتفق عليه: ( المرأة تموت بجمع -يعني: بالنفاس- شهيدة )، وهكذا المطعون والمبطون والحريق والغريق وغيرهم فإن هؤلاء شهداء، ومع ذلك لا يأخذون أحكام الشهيد بالنسبة للصلاة، وإنما يغسلون ويصلى عليهم، وأما الذي يأخذ الحكم في أنه لا يغسل ولا يصلى عليه فهو شهيد المعركة، نعم يعني: الذي يسقط في المعركة، ولذلك لو لم يمت في المعركة، وإنما أصيب في المعركة ثم لحقت عليه الجراح بعد ذلك ومات، فهذا الأقرب أنه يصلى عليه، وإنما السنة جرت على أن الذي يلف في ثيابه ولا يغسل ولا يصلى عليه، هو شهيد المعركة.

أما من ألحق بالشهداء باعتبار عموم الفضيلة، فلا يشمله هذا الحكم، بل يصلى عليه، وحديث الباب دليل على ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على هذه المرأة.

أيضاً من فوائد الحديث: بيان موقف الإمام من المتوفى، وقد ذكرنا ما فيه من الأقوال، ولعل أرجح الأقوال فيه هو القول الأول قول الحنابلة والشافعية والظاهرية ومن وافقهم، في أنه يقف بالنسبة للمرأة وسطها كما في حديث سمرة، وأنه يقف بالنسبة للرجل إما إلى صدره أو إلى رأسه، والأمر في ذلك واسع؛ لوجود عدد من النصوص في هذا الباب.

أولاً: التخريج.

فالحديث رواه البخاري في صحيحه في كتاب الجنائز, في مواضع منها: باب الصلاة على النفساء، ورواه مسلم أيضاً في باب: أين يقوم الإمام من الميت، ورواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه في كتاب الجنائز -في الغالب- باب: موقف الإمام من الميت.

وبناءً عليه نقول: إن هذا الحديث يصح أن يقال فيه: إنه رواه الستة أو رواه الجماعة، بل هو رواه السبعة في الواقع؛ لأنه أيضاً خرجه الإمام أحمد في مسنده، والبيهقي وابن حبان في صحيحه أيضاً وعبد الرزاق وابن أبي شيبة، فالحديث رواه السبعة، وهم في اصطلاح المصنف: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والإمام أحمد في مسنده ؛ فيصح أن يقال: إن الحديث رواه الجماعة أو رواه السبعة.