سلسلة فلسطين فلسطين إسلامية


الحلقة مفرغة

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلنا من الذين حفظوا للقرآن حرمته، وممن عظموا منزلته، وممن تأدبوا بآدابه، وممن التزموا بأحكامه، وممن حللوا حلاله، وممن حرموا حرامه، وممن عمل بمحكمه، وممن آمن بمتشابهه.

اللهم إنا نسألك إيماناً دائماً، ويقيناً صادقاً، وقلباً خاشعاً، وعلماً نافعاً، ولساناً ذاكراً، وبدناً على البلاء صابراً. آمين آمين، وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

أما بعد:

مع الحلقة الثانية من حلقات قضية فلسطين، تحدثنا في الحلقة الأولى عن ربط قضية فلسطين بالأندلس، وعن خطورة قضية فلسطين، وعن المؤامرات الكثيرة التي تحاك لأمة المسلمين، وبالتبعية لفلسطين، وعن دور الأمة إجمالاً في حل قضية فلسطين، وعن المؤامرة الفكرية التي ذكرنا خطورتها على الأمة الإسلامية، وتحدثنا أيضاً عن مفهوم الأمة الإسلامية، وعن الدور الأول تجاه قضية فلسطين، وهو تحريك القضية بالمفاهيم الصحيحة وبسرعة.

قبل الحديث عن هذا الدور الكبير، دور تحريك القضية بالمفاهيم وبسرعة، أجيب عن سؤال جاء من أخ بخصوص الحلقة السابقة.

أخ يسأل ويقول: تعليقاً على أن المسلمين كالجسد الواحد، وأنه ليس من المعقول أن يشتكي القلب أو اليد، وتظل العين لاهية برؤية المباريات والمشاكل التافهة والمسلسلات وما إلى ذلك.. هل تطلب منا أن نعيش في كآبة مستمرة تضامناً مع أهل فلسطين؟

الجواب: الحق أنا لم أقل: أنك ستعيش في كآبة تضامناً مع أهل فلسطين، أنا لا أطلب منك تمثيل الحزن أو تعمد البعد عن أماكن الفرح إمعاناً في الكآبة، لكن ما ذكرته هو أن هذا شعور ذاتي لا يحتاج من الإنسان أن يبذل له مجهوداً، شعور الجسد الواحد، إذا أصيب قلبك فهل تدعي العين الألم؟ أو تدعي القدم الألم؟ أم أنها فعلاً تشعر بالألم دون ادعاء؟

لو مات إنسان عزيز عليك، هل تحتاج إلى بذل مجهود لفصل نفسك عن أماكن اللهو، أم أن هذا شعور ذاتي تلقائي نتيجة الحزن الحقيقي؟!

ما أريده هو أن تحس بالقضية إحساساً صادقاً، وساعتها سيأتي الحزن بشكل طبيعي، بل سيتبع الحزن عمل إيجابي، يبغي التغيير والإصلاح، وأضرب مثالاً يوضح الصورة:

موقف مشهور جداً في التاريخ، موقف صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، عندما روي أمامه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في هذا الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فكان الرواة لهذا الحديث يضحكون عندما يذكرون ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما روي هذا الحديث أمام صلاح الدين الأيوبي لم يضحك، فسألوا عن ذلك فقال: كيف أضحك والأقصى أسير في أيدي الصليبيين؟

هو لا يستطيع أن يضحك؛ لأنه يحس فعلاً بالقضية، هو لا يفتعل الحزن تضامناً مع المشردين من أهل فلسطين، ولا يدعي الألم احتراماً لمشاعر الآخرين، ولكنه بالفعل يعاني كما يعانون، ويتألم كما يتألمون، هو جزء لا يتجزأ من الجسد الواحد، ولا بد أن يشعر بشعوره، ويتألم لآلامه، ويحزن لأحزانه، ويفرح لأفراحه دون تكلف ولا افتعال، فأنت إن أدركت القضية على حقيقتها، وأن لك دوراً فيها دخل الحزن في قلبك مؤكداً لا افتعال فيه ولا تكلف، هذا ما أريده، ولا أريد منك أن تفتعل الحزن لقضية فلسطين.

في المحاضرة السابقة تحدثنا عن الدور الأول عن أهمية تحريك القضية وبسرعة، ووقفنا عند ذكر المفاهيم الصحيحة لقضية فلسطين، اليوم نبدأ في الحديث عن بعض هذه المفاهيم الهامة، الحق أن سوء الفهم لهذه المعاني أو المفاهيم قد يؤدي بنا إلى انحراف خطير بعيد تماماً عن جادة الطريق، سوء الفهم لهذه المعاني يعني انسياقاً وراء المؤامرة الفكرية.

المفهوم الأول الذي نريد أن نناقشه في هذه المحاضرة هو تحديد الهدف، هل يستقيم أن تكون مسافراً فتعد العدة للسفر من سيارة ومتاع وأموال وميعاد وتجهيز وترتيب، ثم تأتي يوم السفر وتكتشف أنك لا تدري إلى أين تسافر، ما هي الوجهة! ما هو الهدف! هذا بالطبع لا يستقيم؛ لأن إعدادك لمدينة مجاورة غير الإعداد لمدينة بعيدة، فسفرك إلى الإسكندرية ليس مثل سفرك إلى أسوان، وليس مثل سفرك إلى مكة، وليس مثل سفرك إلى لندن، أو سفرك إلى أي مكان، كل مكان يتطلب إعداداً خاصاً، تحديد الهدف، وتحديد الوجهة.

أترجم هذا الكلام إلى سؤال: لماذا نحرر فلسطين؟ وهذا سؤال في غاية الأهمية.

ما هي الدوافع وراء الحركة، وبذل الجهد والعرق والمال والنفس؟ مهم جداً أن نجيب باستفاضة عن هذا السؤال، وأن نفرغ له وقتاً وجهداً؛ لأن المؤامرة الفكرية التي تحدثنا عنها في الحلقة السابقة أول ما تضرب ستضرب الأهداف والدوافع، وهذا قد يحبط العمل.

لماذا نحرر فلسطين؟ سأعرض لكم إجابات أعرف أنها تخطر في بال كثير من المسلمين، إجابات كثيرة متعددة، ولكني أشعر أن إجابة واحدة في هذه الإجابات تعد هي الإجابة الصحيحة.

سأعرض هذه الإجابات الواحدة تلو الأخرى، وعلى المستمعين أن يحاولوا أن يلتقطوا من بينها إجابة يعتقدون أنها هي الإجابة الصحيحة.

الإجابة الأولى: هل لأنها عربية ونحن عرب؟

الإجابة الثانية: هل لأنها القدس المدينة المقدسة المباركة؟

الإجابة الثالثة: هل لأن بها المسجد الأقصى مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولى القبلتين وثالث الحرمين؟

الإجابة الرابعة: هل لحل مشكلة اللاجئين المشردين في بقاع العالم المختلفة؟

الإجابة الخامسة: هل لوقف نزيف دماء الفلسطينيين؟

الإجابة السادسة: هل لأنها فتحت بالإسلام وحكمت بالإسلام قديماً في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه؟

هذه ستة اختيارات، اختر من بينها واحدة، فكل الإجابات قد يصلح للإجابة، لكن ما هي أصح الإجابات على سؤال خطير: لماذا نحرر فلسطين؟

أنا أريد من الذي يسمع يحاول التفكير معي، نحن نعمل دراسة عن الدور الذي من الممكن أن نؤديه نحو قضية فلسطين، إن لم نفهم فعلاً لماذا نحرر فلسطين، سنخسر معظم الطريق، وسنتكسر، وستضعف الشوكة لا محالة.

أعود وأذكركم مرة أخرى، هل لأنها عربية؟ هل لأن بها القدس؟ هل لأن بها المسجد الأقصى؟ هل لحل مشكلة اللاجئين؟ هل لوقف نزيف الدماء؟ أم هل لأنها فتحت بالإسلام وحكمت بالإسلام قديماً في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟

أشعر أن قسماً كبيراً من الحضور مع كل إجابة من الإجابات، الجميع مقسمون بين هذه الإجابات، الاختلاف كبير؛ لأن الإعلان يشرح لنا في كل يوم هدفاً لتحرير فلسطين، مرة بالحديث عن كونها عربية، مرة من أجل القدس، مرة من أجل المسجد الأقصى، مرة من أجل إسلامية البلاد، وهكذا اختلف المسلمون كثيراً في الهدف الذي من أجله نحرر فلسطين، الحقيقة أنا من كل هذه الإجابات أختار الإجابة الأخيرة؛ لأنها فتحت بالإسلام وحكمت بالإسلام قديماً في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.

تذكرون عندما تحدثنا عن فتح بلاد الشام فتحت بلاد فلسطين في سنة 13هـ وأتم الفتح في سنة 18هـ، ومنذ ذلك الحين أصبحت فلسطين قطراً إسلامياً.

يعني: أنا أحرر فلسطين ببساطة؛ لأنها إسلامية في المقام الأول، هذا بلا شك عليه تعليقات كثيرة:

أولاً: ما موقف الشرع الإسلامي؟ نحن الآن مختلفون، أعلم أن الكثير يقولون: نحررها؛ لأنها عربية، وآخرين: لأن بها القدس، وآخرين: لأن بها المسجد الأقصى.. وهكذا اختلفنا، نرجع إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه في المحاضرة السابقة، يقول صلى الله عليه وسلم: (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ). فالآن نحن اختلفنا ما بين إسلامية وعربية ووقف لنزيف الدماء وقضية القدس وغيرها، تعالوا نرجع إلى سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تعالوا نرجع إلى الشرع الإسلامي وإلى الفقه الإسلامي، هناك باب كبير جداً في الفقه اسمه باب الأرض المغنومة، الأرض التي دخلها المسلمون بالفتح الإسلامي، ما هو موقفنا من هذه الأرض كأرض فلسطين أو كغيرها من الأراضي التي دخلها المسلمون فاتحين؟ فالأرض التي دخلها المسلمون فتحاً أو صلحاً وقف إسلامي، وعلى هذا اجتماع فقهاء المسلمين، لكن اختلفوا اختلافاً يسيراً في كيفية تصرف الحاكم المسلم في هذه الأرض المغنومة، فـأبو حنيفة والشافعي وابن حنبل رحمهم الله جميعاً اتفقوا على أنه يجوز أن يفعل في الأرض المفتوحة أحد أمرين: إما أن يوزع أربعة أخماسها على الفاتحين ويضم الخمس الباقي إلى خزانة الدولة، كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أراضي خيبر.

والرأي الثاني: أن يضمها كلها إلى بيت مال المسلمين، ولا يوزع منها شيئاً على الفاتحين، وذلك ليستفيد منها المسلمون إلى يوم القيامة، ولا تبقى حكراً على مجموعة الفاتحين الأوائل، ومرجعهم في هذا الأمر الأخير إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، روى البخاري عن أسلم مولى عمر قال: قال عمر رضي الله عنه: أما والذي نفسي بيده! لولا أن أترك آخر الناس بياناً -أي: فقراء- ليس لهم من شيء ما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، ولكن أتركها خزانة لهم يقتسمونها.

فالإمام مالك لا يرى إلا هذا الرأي الأخير فقط، رأي عمر بن الخطاب بأن الأرض تكون لبيت مال المسلمين، ولا تقسم على الفاتحين.

إذاً: الأرض التي فتحت بالإسلام، أصبحت ملكاً للمسلمين، ملكاً أبدياً لا تغيير له ولا تبديل، هذه الحقيقة الفقهية سيترتب عليها أشياء كثيرة هامة:

أولاً: هل فتح المسلمون أرض فلسطين كلها، أم فتحوا جزءاً منها؟ فتحوها كلها. هذا معلوم.

إذاً: أصبحت أرض فلسطين أرضاً إسلامية خالصة منذ أن فتحت ابتداءً من سنة 13هـ إلى سنة 18هـ، فكل أرض فلسطين من البحر إلى النهر كما يقولون، أي: من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن، ومن لبنان في الشمال إلى رفح وخليج العقبة في الجنوب، أعلم أن هذا في نظر الكثيرين كلام عجيب، وأنه أحلام وأوهام، لكنه شرع الله سبحانه وتعالى، وأبداً ما كان شرع الله أوهاماً ولا أحلاماً.

ثانياً: يزداد العجب مع هذا الفقه عندما تنظر حولك في بلاد العالم بحثاً عن البلاد التي فتحت بالإسلام، فأصبحت بحكم الشرع الإسلامي بلاداً إسلامية.

على سبيل المثال: بلاد الأندلس -إسبانيا والبرتغال- ونحن تكلمنا كثيراً في محاضرات سابقة عن فتح أسبانيا والبرتغال، هذه البلاد حكمت بالإسلام، ثم دارت الدورة وجاءت الدولة لغير المسلمين وانتزعت من أيدي المسلمين بالنصارى، وضاع الحكم الإسلامي هناك، لكن هذا الضياع للحكم الإسلامي في هذه البلاد لم يلغ إسلامية هذه البلاد، بل ستظل إسلامية إلى يوم القيامة.

فمن شرع الله أنه إذا دخل الإسلام بلداً فلا يجب أن يخرج منها أبداً، بل وعليه أن يسعى للدخول إلى غيرها، هذه هي الرسالة الخاتمة، والمسلمون هم جند الله الناشرون لها، والمدافعون عنها، والشهداء في سبيلها؛ حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله.

إن الله سبحانه وتعالى خلق العباد لغاية، قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فهؤلاء الذين يعيشون في بلاد أخرى غير بلاد المسلمين لا يعبدون الله سبحانه وتعالى، ولا يؤدون ما خلقهم الله لأجله، وبذلك وجب على المسلمين أن ينطلقوا إليهم يعلمونهم هذا الدين، ويدخلونه في بلادهم، ويزيلون الطغمة الحاكمة التي تبعدهم عن شرع الله سبحانه وتعالى، وعن رسالته الخاتمة للبشرية، رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كنت أقول هذه المعلومات أمام رجل صديق فقال: يا أخي! وما شأنك أنت؟ اتركه يعبد ما يشاء، ويسجد لمن يشاء. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هذه السلبية المقيتة يا إخوة! وهذه اللامبالاة العقيمة لا تصح أبداً لقيادة العالمين، فإن أهل الشر لا يتركون العالمين دون إفساد في بلادهم وخارج حدود بلادهم، فلماذا يترك أهل الخير العالمين دون إصلاح؟ لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفطر قلبه على كفر الكافرين، حتى أنزل الله سبحانه وتعالى: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء:3]، وقد كان صلى الله عليه وسلم يبكي إذا رأى جنازة نصراني، فيسأل: (لماذا تبكي هذا النصراني؟ فيقول: أو ليست نفساً تذهب إلى النار؟) لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده من الصحابة والتابعين حريصين جميعاً على نشر هذا الدين، وعلى تعليم الناس أصول الشرع الحكيم الذي أراده الله للعالمين.

انظر حولك وانظر إلى البلاد التي دخلها الإسلام من قبل، ثم حولت بسبب كسل المسلمين وتهاونهم إلى بلاد نصرانية أو هندوسية أو غيرها من الملل، فمعظم شرق أوروبا كان إسلامياً في يوم من الأيام: اليونان، بلغاريا، رومانيا، المجر، يوغوسلافيا بكاملها بما فيها الصرب والبوسنة والهرسك، وكوسوفا، والجبل الأسود، ومقدونيا، وأجزاء من النمسا، وقبرص، ومالطا، كل هذه البلاد دخلها الإسلام وحكمت بالإسلام في الخلافة العثمانية، والهند كذلك حكمت بالإسلام فترة طويلة من الزمان، أذربيجان، أرمينية، غرب الصين -ويعرف بولاية تركمانستان الشرقية- حكمت بالإسلام، ثم احتلت من قبل الصين بعد ذلك.

إذاً: كل هذه بلاد حكمت بالإسلام، وغنمها المسلمون في يوم من الأيام، سواء عن طريق الفتح أو عن طريق الصلح، والحكم واحد، فهي بلاد امتلكها المسلمون، ولا يمكن أبداً أن تخرج من يد المسلمين في الشرع الإسلامي، فستون في المائة من أرض فرنسا كانت أرضاً إسلامية، وحكمت بالإسلام خمسين سنة متصلة، والمسلمون الآن يتمنون أن يحصلوا فقط على فيزة سياحة يزورون فيها فرنسا أسبوعاً أو عشرة أيام، حلم يراود كثيراً من المسلمين.

سبحان الله! ما الفرق بينك وبين أجدادك؟ لا يظن أحد منا أن أجدادنا كان الواحد منهم طوله مثلاً أربعة أمتار، ويستطيع أن يحمل ألف كيلو، ويخرج النار من فمه لا، الفرق الوحيد أنهم كانوا يطبقون شرع الله على أنفسهم ومجتمعاتهم، فاستحقوا نصر الله وسادوا العالمين، أما البعد عن شرع الله سبحانه وتعالى، والتذاكي عليه والظن أن في خلافه خير، فهو الذي أدى بالمسلمين إلى ما هم عليه الآن.

إذاً: الشرع الإسلامي يقول: إن الأرض التي حكمت بالإسلام ولو لفترة وجيزة من الزمان كأرض فلسطين، أو أي أرض أخرى هي أرض يمتلكها المسلمون إلى يوم القيامة، وهي وقف إسلامي على المسلمين، وليس معنى ذلك: أن النصارى لا يعيشون في أرض المسلمين؛ بل يعيشون ولهم حقوق كثيرة في أرض المسلمين، لكن الحكم والشرع لله سبحانه وتعالى في هذه الأرض.

لو احتل جزء من الأرض الإسلامية ماذا يكون الوضع؟ اجتمع فقهاء المسلمين على أنه يتعين الجهاد في سبيل الله لتحرير أي جزء محتل من بلاد المسلمين، ولو كان شبراً واحداً، يتعين الجهاد يا إخوة! أي: يصبح فرض عين كالصلاة والصيام في رمضان والزكاة.

والفروض بصفة عامة إما فرض عين وإما فرض كفاية، ومعنى فرض عين: يتعين على الفرد المسلم أن يقوم به بنفسه، ولا يسقط بإقامة البعض له مثل الصلاة المفروضة، فلا يصح أن يصلي أحد بالنيابة عن الآخر، وكذلك الزكاة إن كان يمتلك الزكاة الذي وجب عليه نصاب وحال عليه الحول، وإذا لم يقم به الفرد المسلم أثم واستحق عقاباً من الله سبحانه وتعالى.

أما فرض الكفاية: فهي الفروض التي تجب على بعض الناس دون البعض الآخر، ولو فعلوها وسدوا العجز لسقط الإثم عن الجميع، ولو لم يفعلها أحد أثم جميع المسلمين، كالأذان مثلاً، فإنه لا يجب على كل المسلمين أن يقوموا عند وقت الأذان ويؤذنون، وإنما يكفي المسلمين أن يقوم رجل ويؤذن للصلاة.

كذلك صلاة الجنازة، ورد الشبهات عن الإسلام مثلاً، ومثل بعض الأمور التي تتصل بإصلاح النظام المعيشي، مثل الزراعة والطب والصناعة والهندسة، كثير من الأمور يكفي أن يكون فيها بعض المسلمين يقومون بها حتى يسقط الإثم عن بقية المسلمين.

وبالنسبة للجهاد هو في الأصل فرض كفاية، إذا قام به بعض المسلمين وحصلت بهم الكفاية سقط الإثم عن بقية المسلمين؛ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً إلى بني لحيان فقال: لينبعث من كل رجلين أحدهما، والأجر بينهما).

إذاً: الجهاد في الأصل فرض كفاية، لكنه يتعين فيصبح مثل الصلاة المفروضة وصيام رمضان في أمور ثلاثة:

أولاً: أن يحضر المكلف صف القتال، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ [الأنفال:15].

ثانياً: إذا استنفر الحاكم أحداً من المكلفين، فمثلاً لو كان هناك خلافة إسلامية وكان هناك جهاد في بلاد الشام والحاكم استنفر رجالاً من اليمن تعين عليهم أن يتحركوا وللجهاد؛ لما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا).

ثالثاًً: إذا احتل العدو جزءاً من أرض المسلمين، -وهذا شبيه جداً بالموقف الذي نحن بصدده الآن في فلسطين- فإنه يتعين على أهل البلد المحتل أن يخرجوا جميعاً للقتال إن كان دفع العدو لا يتحقق إلا بخروجهم جميعاً، فإن لم يكفوا عاونهم الأقرب فالأقرب من بلاد المسلمين، ولو أتى ذلك على مسلمي الأرض جميعاً.

يقول أبو حنيفة رحمه الله: فإن غلب العدو على بلد من بلاد المسلمين أو ناحية من نواحيها ففرض عين -أي: الجهاد- فتخرج المرأة بغير إذن زوجها، والعبد بغير إذن مولاه، وكذا يخرج الولد من غير إذن والديه، والغريم بغير إذن دائنه.

ثم يقول: امرأة سبيت من الشرق وجب على أهل المغرب تخليصها.

فسبحان الله! نفس الكلمات يا إخوة! تتكرر، ولكن بصيغ مختلفة في فقه المالكية والشافعية والحنابلة، فهذا أمر مجمع عليه، أنه إذا احتل جزء من أرض المسلمين ولو جزء يسير؛ وجب على المسلمين وتعين عليهم أن يحرروه.

إذا:ً أي بلد فتح بالإسلام قتالاً أو صلحاً أصبح بلداً إسلامياً، وتعين على المسلمين تحريره إن احتل شبر منه، فلسطين أو غير فلسطين من البلاد الإسلامية المحتلة.

لكن هناك أولويات، فليس من المعقول أن يكون الموقف ساخناً جداً في فلسطين والشيشان وكشمير، ونحن نقوم بتجميع الجيوش، ونذهب لتحرير إسبانيا مثلاً أو فرنسا أو اليونان، فلا بد أن يكون هناك أولويات عند المسلمين في القضايا الحادة الساخنة، مثل قضية فلسطين أو الشيشان أو كشمير أو البوسنة والهرسك أو كوسوفا، توجه إليها الجيوش وتوجه إليها الطاقات، ويوجه إليها الجهد.

فقد يقول قائل: هذا كلام جميل، لكن ينافي الحلول الواقعية التي ذكرتها في البداية، ونحن قلنا في البداية: إننا نتحدث مع الطبيب والمهندس والنجار والسباك والحداد، ونتحدث مع عموم الأمة، ولا نتحدث مع من بيده أن يخرج الجيوش ويجهز الطاقات للحروب، فهل هذا فيه تعارض مع ما ذكرناه في بداية المحاضرات؟

الجواب: أولاً: نحن نتحدث عن مفاهيم أساسية: حتى تعمل لا بد أن تفهم أولاً، ولا بد أن تعرف حقوقك حتى تستطيع أن تقاتل من أجلها، وهذه المحاضرات يا إخوة! سيسمعها أحد رجلين، إما في داخل فلسطين وإما في خارج فلسطين، فلو كان السامع في داخل فلسطين ولديه الفرصة للجهاد لا بد أن يعلم أنه قد تعين عليه الجهاد، ولا بد أن يعلم حدود حقوقه التي لا يجوز له التنازل عنها، ولو كان السامع لهذه المحاضرات خارج بلاد فلسطين فعليه أن يعين على هذا الجهاد.

روى البخاري ومسلم عن زيد بن خالد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في سبيل الله بخير فقد غزا) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثانياً: سيعرف المسلمون أهل الخير من غيرهم، وسيعرف المسلمون من ينادي بالشرع ومن يبيع الدين والأرض والعرض من المسلمين.

ثالثاً: لعل الله يفتح في يوم من الأيام باباً للجهاد، فتعرف ما لك وما عليك، وليس ببعيد، ففي مصر عام 63م كان الناس يعيشون فيها ودخل اليهود عليهم، وكذلك كانوا يعيشون في الجولان في سوريا ودخل اليهود عليهم، وفي لبنان عام 82م دخل اليهود عليهم حتى وصلوا بيروت، وهكذا لا يدري أحد متى يكون الجهاد، لكن لا بد أن تعرف حقك وتعرف به.

سؤال قد يطرح: هذا المنطلق للأراضي الإسلامية المحتلة بهذا الإدراك الشامل والمفهوم الواسع يتعارض مع ما يسمى بالشرعية الدولة، فإن الشرعية الدولية الآن فرضت حدوداً في كل دولة، فلا يجوز أن تعبر حسب قولهم.

الجواب: هناك نوعان من الشرعية في العالم، هناك شريعة الحق، وشريعة الباطل، واصطلح المبطلون في هذا العصر على تسمية شريعة الباطل بالشرعية الدولية، فالشرعية الدولية هي شريعة الغاب القوي فيها يأكل الضعيف، ولا فرق في الشرعية الدولية بين صاحب الحق وبين مغتصب الحق، المهم من هو الأقوى، ولا فرق في الشرعية الدولية بين الظلم والعدل، المهم من الأقوى، ولا فرق في الشرعية الدولية بين الرحمة والقسوة، المهم من الأقوى.

فالشرعية الدولية منعت دخول التطعيمات ولبن الأطفال للعراق إلى أن مات عشرات الألوف من الأطفال، الشرعية الدولية أجازت ضرب المدنيين في العراق والبنية التحتية غير العسكرية: محطات الكهرباء، المصانع، المدارس، المستشفيات، الشرعية الدولية أجازت ضرب مصنع الأدوية الوحيد في السودان؛ لأنها أعلنت تطبيق شرع الله ولو جزئياً في بعض الولايات، الشرعية الدولية أعطت كشمير للهند مع علمهم بغالبيتها المسلمة، الشرعية الدولية تركت الصين تأكل المسلمين في تركمانستان الشرقية، ولعلكم سمعتم بعشرات المسلمين الذين أعدموا قريباً، وأذاعت الخبر الـ bbc، وجاء الخبر في الديلي تلغراف البريطانية، أنه أعدم عشرات من المسلمين بعد أن أجبروا على أن يحتسوا الخمر في وجبتهم الأخيرة، وداروا بهم في كل بلاد تركمانستان حتى يكونوا عبرة لغيرهم، فالشرعية الدولية تركت الصين تأكل المسلمين ولم تحرك صاروخاً في اتجاه الصين، الشرعية الدولية تركت الصرب تذبح وتغتصب بالبوسنة والهرسك وكوسوفا، وبعد ذلك بتسع سنين يحاكمون ميلوسوفيتش ، وكأنه انتصار كبير للعدالة الدولية!

فالشرعية الدولية يا إخوة! ما هي إلا اصطلاح اجتمع عليه مجرمو الحرب في العالم؛ لتنفيذ رغبات الدول القوية.

قل لي بالله عليك! لماذا هذا الشكل المتباين بين موقف أمريكا تجاه الكويت عند احتلال العراق لها، وبين موقف أمريكا من اليهود في فلسطين، والذين ظلموا في الكويت هم مسلمون، والذين ظلموا في فلسطين مسلمون أيضاً، فهذا احتلال ظالم وهذا احتلال ظالم.

فلماذا تحركت الشرعية الدولية ولم يستطع بوش الأب أن ينام حزناً على مصائب المسلمين في الكويت، إلا عندما جمع أهل الأرض جميعاً بما فيهم المسلمين لتحرير الكويت، وهنا تحرك غالب المسلمين بشهامة لتحرير الكويت، وأخرج المصحف وقرأ العلماء: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9].

لماذا ينام بوش الأب وكلينتون ثم بوش الابن ملء جفونهم! واحتلال إسرائيل لفلسطين مستمر بصورة أبشع بكثير من احتلال العراق للكويت؟!

ثم أين شهامة المسلمين الذين تحركوا لنجدة الكويت؟ أين شهامتهم وجيوشهم في قضية فلسطين؟ لماذا لم يخرجوا المصحف، ولماذا سكت العلماء الذين روجوا لتحرير الكويت؟! أليس في المصحف آيات تحض على نجدة أهل فلسطين وعلى قتال اليهود؟!

لماذا فرضت الشرعية الدولية في الكويت تحرك نصف مليون جندي وآلة عسكرية ضخمة جداً؟! ولماذا لم تفرض الشرعية الدولية في فلسطين إلا طاولة مفاوضة وأربعة أو خمسة كراسي حولها؟!

فالشرعية الدولية اصطلاح لا يعرف حقاً ولا باطلاً، لا يعرف إلا القوة.

أما شريعة الحق -شريعة الله- فهي أمر مختلف تماماً، هي شرعية تقوم في الأساس على احترام خالق هذا الكون، شرعية تعرف الحق كما عرفه مالك الملك ذو الجلال والإكرام، وتعرف الباطل كذلك كما عرفه مالك الملك ذو الجلال والإكرام، شرعية تقوم على أساس نشر العدل المطلق والرحمة المطلقة بين الخلق، شرعية تريد الخير للعالمين والرحمة لهم، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].

والصراع قديم جداً بين الشرعية الدولية لأهل الباطل وبين الشرعية الإسلامية لأهل الحق، فقد اصطلح أهل مكة من الأشراف الكافرين على أن يعبدوا أصناماً من دون الله، يعني: قرار الأمم المتحدة في مكة زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعبدوا اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، فهل هذا الاجتماع يعطي هذه العبادة صورة الحق؟

اصطلح أهل مكة من الأشراف الكافرين على أن يعذبوا المسلمين ويصادروا أموالهم وديارهم، وهي عملية تجميد أموال كما نسمع، اصطلحوا على أن يفرضوا آراءهم بسلاحهم، فهل هذا التعذيب حق؟

اصطلح أهل مكة من الأشراف الكافرين على أن يحاصروا المسلمين في شعب أبي طالب ثلاث سنوات كاملة، فهل كان هذا الحصار حقاً؟

اصطلح أهل مكة من الأشراف الكافرين على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حادثة الهجرة لولا نصر الله له، فهل كان هذا القتل حقاً؟

اصطلح أهل مكة من الأشراف الكافرين على أن يحاصروا المدينة اقتصادياً، وعلى أن يقاتلوا المسلمين في بدر وأحد والأحزاب، فهل كان هذا الحصار للمدينة والحروب المتوالية حقاً شرعياً، أم افتراءً على الله وعلى المؤمنين؟!

إذاً: المسلمون جابهوا الشرعية الدولية في مكة؛ لأنها كانت ظالمة، وجابهوا الشرعية الدولية في جزيرة العرب؛ لأنها كانت ظالمة، وجابهوا الشرعية الدولية في قوى العالم المختلفة والمتمثلة آنذاك في فارس والروم؛ لأنها أيضاً كانت ظالمة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حق خالص، ودينه خالص، ورأيه حق خالص، وخلقه حق خالص، وكتابه القرآن الكريم حق خالص، ومع اعتراف أهل مكة في داخلهم بهذا الحق إلا أنهم حاربوه، ثم دارت الأيام وآمن أهل مكة، وذلك لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة مؤيداً بقوة، نعم. مؤيداً بعشرة آلاف من المؤمنين المجاهدين، مؤيداً بسيوف ورماح ودروع، هنا آمنوا، وكثير منهم لم يؤمن إلا خوفاً من هؤلاء الرجال، وخوفاً من هذه السيوف، ثم دارت الأيام من جديد وحسن إسلامهم، ونصروا الدين بحق، وثبتوا على أمر هذا الدين، وهكذا فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

إذاً: لا بد للحق من قوة تحميه حتى لو كان هذا الحق هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، سنة من سنن الله في خلقه وفي أرضه؛ ولذلك لا يجب أبداً أن يعتقد المسلمون أن الشرعية الدولية الحالية سوف تسمح للمسلمين بحقوقهم أو حتى ببعض حقوقهم ما داموا لا يملكون قوة، المهم في هذه النقطة أن يعلم المسلمون أن فلسطين بكاملها أرض إسلامية، تعين على المسلمين تحريرها بكاملها وإلا أثموا، وبأي حال من الأحوال لن تعيد الشرعية الدولية الحق للمسلمين إلا بسواعد المسلمين.

إذاً: لا يفيد استجداء السلام من أمريكا، ولا من الأمم المتحدة، ولا من الاتحاد الأوروبي، ولا من الصين، وسبحان الله! يمدون أيديهم إلى كل المتواطئين عليهم ولا يرفعونها إلى خالقهم ورازقهم، والله إن هذا لشيء عجاب؟!

والله يا إخوة هذا الكلام ليس اجتهاداً مني، الأزهر الشريف كان قد أفتى من قبل بعدم جواز الصلح مع اليهود ما داموا يحتلون أرضاً إسلامية، وأنه يحرم التفريط في شبر واحد من فلسطين، أصدرت هذه الفتوى في 1 يناير عام 1956م، وسبحان الله! لو ذهبت الآن إلى الأزهر أنا على يقين أنك لن تجد رجلاً واحداً يفتي لك بأن يافا بلد غير إسلامي أو أن حيفا بلد غير إسلامي، أو أن عكا بلد غير إسلامي، كل هذه البلاد الآن تقع تحت ما يسمونه إسرائيل، فالحي الشمالي من يافا اسمه تل أبيب، فتل أبيب ما هي إلا الحي الشمالي من مدينة يافا الإسلامية، ولا ينكر منكر أبداً من كل بلاد المسلمين أن هذه الأرض أرض إسلامية عاش فيها الإسلام قروناً متتابعة، لا أقول: أياماً ولا شهوراً ولا سنوات، بل قروناً متتابعة، وسبحان الله! لا أدري أين ذهبت هذه الفتاوى؟!

نراجع الاختيارات التي كنا قد طرحناها تحت سؤال: لماذا نحرر فلسطين؟

الاختيار الأول: هل لأنها عربية؟

الاختيار الثاني: هل لأن بها القدس؟

الاختيار الثالث: هل لأن بها المسجد الأقصى؟

الاختيار الرابع: هل لحل مشكلة اللاجئين؟

الاختيار الخامس: هل لوقف نزيف الدماء؟

الاختيار السادس: هل لأنها فتحت بالإسلام فأصبحت أرضاً إسلامية؟!

واخترنا الإجابة الأخيرة، واستنتجنا من ذلك بأن بلاد فلسطين بكاملها إسلامية، ولذلك نحررها، ولكن ما عيوب الإجابات الأخرى أم أنها صحيحة؟ تعالوا بنا نفصلها واحدة واحدة ونرى هل الإجابة سليمة أم غير سليمة؟

تحرير فلسطين لكون القدس فيها

نأخذ مثلاً إجابة أن بها القدس، هل نحرر فلسطين لأن بها القدس؟

القدس طبعاً مدينة شريفة ومباركة، وذات قيمة هامة جداً عند المسلمين، تأخذ موقعها المتميز مباشرة بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفوق القيمة الدينية العالية فهي ثغر قديم من ثغور الإسلام، وأرض جهاد دائم، وأهلها في رباط إلى يوم القيامة، لكن الحقيقة أن شيئاً خطيراً سيحدث إذا قلنا: إننا نحرر فلسطين من أجل القدس، فإنه سيأتي العدو عند لحظة من لحظات المساومة ويقول لك: خذ القدس واترك كذا وكذا من أرض فلسطين؛ ولذلك فالعدو نفسه سيعلي جداً من قيمة القدس في إعلامه وسفاراته ومفاوضاته حتى إذا سمح لك بأخذها فتح لك الطريق لتسلم غيرها بسهولة، والأمم المتحدة من شدة خبثها أنها لما قامت بمؤامرة تقسيم فلسطين عام 1947م فصلت القدس لوحدها وجعلتها تحت رعاية دولية، وبذلك رفعت من قيمتها جداً عند المساومة، فيأتي الفلسطيني المفاوض ويقول: لا بد أن آخذ القدس، سأقيم دولة فلسطينية عاصمتها القدس، فيوافقونه بعد جدال، ثم يكتشف وكأنه قد فقد بصره ساعة المفاوضات أنه لم يأخذ إلا 22% فقط من الأرض فيها القدس، وسلم 78% من الأرض خالصة لليهود، ثم يكتشف أيضاً كارثة أخرى بعد أيام أو شهور أن 60% من الضفة الغربية فيها مستوطنات يهودية، وفي النهاية يجد نفسه لا يملك إلا 10% أو أقل مهلهلة تماماً، لكن الحمد لله معه القدس!!

ونحن متفقون أن أرض فلسطين بأكملها إسلامية محتلة واجبة التحرير، وهذا الذي كان المفاوضون ينادون به من قبل، نأخذ أرض فلسطين بأكملها، لكن سبحان الله! إنها المؤامرة، فهناك أناس يدبرون، وأناس لا يمانعون في الوقوع في المؤامرة، ثم هناك مرحلة أخطر في المساومات، فإنه عندما يشاهد ضعفاً أكبر في صف المفاوضين يبدأ بالمفاوضة في تقسيم القدس فتصبح هناك قدس شرقية وقدس غربية.

والله أذكر عنواناً رئيساً في صحيفة عربية مشهورة يقول: لا تفريط في القدس الشرقية.

والغربية؟ هل الغربية أصبحت ملك اليهود؟! وبقية فلسطين يجوز فيها التفريط؟!

ثم بعد ذلك مرحلة أخطر وأخطر في المفاوضات، وهو ما تم في أوسلو في المفاوضات السرية، والتي ظهرت في الصحف بعدها بشهور، أن اليهود اتفقوا مع أبي مازن المفاوض الفلسطيني البارز على إنشاء أحياء جديدة في شرق مدينة القدس يطلقون عليها اسم القدس، ويأخذ اليهود مدينة القدس الأصلية، ويسمونها أورشليم، بينما يأخذ الفلسطينيون الأحياء الجديدة ويسمونها القدس، وحينذاك الحمد لله إسرائيل أخذت أورشليم، وفلسطين صارت عاصمتها القدس، والحمد لله سيأخذ الفلسطينيون مدينة في شرق القدس، وشيء طيب أنهم لم يعملوها في بلد أخرى، في الأردن أو في لبنان ويسمونها القدس.

إذاً: شيء خطير جداً أن أقول: أنا أحرر فلسطين من أجل القدس، لكن أنا أحرر فلسطين من أجل فلسطين؛ لذلك أنادي أن تظهر دائماً الدعاية لفلسطين تحت عنوان فلسطين وليس القدس، مثلاً تقول: فلسطين إسلامية، ولا تقول: القدس إسلامية، تقول: فلسطين لنا، ولا تقول: القدس لنا، تقول: لا تفريط في فلسطين، ولا تقول: لا تفريط في القدس، وهكذا.

تحرير فلسطين لكون المسجد الأقصى فيها

الأخطر والأخطر والأخطر، أن نقول: إننا نحرر فلسطين من أجل الأقصى، وهذا كلام سيستغرب منه الكثيرون، لكن لنحلل هذا المنطلق:

أولاً: ستتطور المساومة والفصال إلى حد خطير، سيقولون: لا مساس بالمقدسات الإسلامية، الأقصى وقبة الصخرة؛ ولذلك نعطيك الأقصى وقبة الصخرة ونأخذ فلسطين والقدس، ثم مرحلة أخرى من المساومات، يقولون: لضمان الأمان أكثر نجعل الأقصى تحت حماية دولية وليس تحت حماية المسلمين، فيفقد المسلمون ملكيتهم للأقصى ويصبحون زواراً له، نعم يزورونه بحرية كما يزورون مسجد قرطبة في إسبانيا اليوم، ثم مرحلة جديدة بعد ذلك، هكذا خطوة خطوة، وهي إعطاء الأقصى ولكن بدون جدار واحد فقط من جدرانه، يدعون أن هذا الجدار هو حائط المبكى وبقايا هيكل سليمان عليه السلام، ثم خطوة أخرى خطيرة جداً عندما يلاحظون موت الشارع الإسلامي، وهي هدم الأقصى وإقامة هيكل سليمان عليه السلام، ولكن من الممكن أن تحدث ثورة في العالم الإسلامي، فيقولون لهم: لماذا تثورون؟ سنعطيكم قبة الصخرة. وقبة الصخرة يا إخوة! أقل شرفاً من الأقصى، فيقولون: لماذا لا نقنع المسلمين أن المسجد الأقصى هو قبة الصخرة؟ فينشرون دعاية فيها أن قبة الصخرة الصفراء المشهورة وكأنها المسجد الأقصى، وكثير جداً من المسلمين كانوا يظنون أن هذه القبة الصفراء الذهبية المشهورة هي قبة الأقصى إلى وقت قريب، لكن الحمد لله مؤخراً بدأ بعض المسلمين يعلم أن الأقصى الحقيقي غير قبة الصخرة الصفراء المشهورة.

إذاً: عندما نقول: نحن نحرر فلسطين لأن فيها الأقصى، فإنهم سيساومون على الأقصى الذي تريده، ويأخذون بقية البلاد، وليس هذا فقط، بل هناك أمور أخرى لا تقل خطورةً بالنسبة لفهم القضية، نحن قلنا: إنهم سيساوموننا على كل شيء ويعطوننا الأقصى، هذا لو أعطونا.

ثانياً: هل الأقصى كبناء أغلى في القيمة، أم دماء المسلمين الذين يعيشون في مدن قد تبعد كثيراً عن الأقصى، في رام الله والخليل وغزة ونابلس وغيرها، حتى في غير فلسطين؟ أنا لن أتطوع بالإجابة ولكن أترك الإجابة إلى معلمي ومعلم الأجيال ومرشدي ومرشد العالمين رسول الله صلى الله عليه وسلم.

روى ابن ماجه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده! لحرمة المؤمن أعظم عند الله منك، ماله ودمه وإن نظن به إلا خيراً).

وروى الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه نظر يوماً إلى الكعبة، فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك.

سبحان الله! المؤمن أعظم حرمة عند الله من الكعبة، والكعبة بلا شك أعظم شرفاً من الأقصى.

إذاً: خطأ كبير في الفهم ألا يتحرك المسلمون لقتل الأبرياء من الفلسطينيين بينما ينتفضون لزيارة شارون إلى الأقصى. أقول: جميل ولا شك أن ينتفض المسلمون لدخول شارون الأقصى، ولكن لا بد أن يكون رد الفعل أشد وأعنف عند المسلمين إذا قتل مسلم من مسلمي فلسطين، فما بالك بالمئات من أهل فلسطين؟!

خطأ كبير في الفهم أن يهتم المسلمون وينتفضوا لحفر نفق تحت الأقصى، ولا يهتمون ولا ينتفضون لذبح ثلاثة آلاف من المسلمين في صبرا وشاتيلا، وما تحركوا إلا على استحياء بعد أن فتحت الموضوع إذاعة الـ bbc البريطانية بعد 19 عاماً من الحديث، ساعتها بدأنا نتكلم ونرفع قضايا في بلجيكا وغيرها، لكي نرجع حق المسلمين الذين ذبحوا منذ 19 عاماً.

فدماء المسلمين غالية جداً، وإن هدم الأقصى فسيتجدد بناؤه إن شاء الله، لكن لو أريق دم المسلم من يعيده إلى أسرته في الدنيا، حرمة كبيرة وذنب عظيم أن يقتل المسلم ولا ينتفض المسلمون، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم يسمو بدم المسلم سمواً أعلى من الكعبة والأقصى، بل والدنيا جميعاً، فيقول في الحديث الشريف الذي رواه أبو داود عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق)، هذا الحديث رواه أيضاً النسائي والترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

فلا بد من ترتيب الأولويات، دماء المسلمين تأتي قبل مقدسات المباني.

إذاً: اعتقاد المسلمين أننا نحرر فلسطين فقط لكونها تحتوي على المسجد الأقصى ينطوي عليه خطران كما ذكرنا:

الخطر الأول: المساومة على الأقصى في مقابل بقية فلسطين.

والخطر الثاني: تعظيم قيمة الأقصى أكثر من دماء المسلمين.

والخطر الثالث: هو هل يلزم وجود مكان مقدس في البلد كالأقصى أو الكعبة حتى يتحرك المسلمون لتحريرها؟ هل تضعف حمية المسلمين عن مساعدة أهل الشيشان؛ لأنهم لا يمتلكون أقصى في بلادهم؟ هل لا تتفطر قلوب المسلمين على نساء البوسنة المغتصبات؛ لأنهن لا يمتلكن كعبة في بلادهن؟ هل لا تغلي دماء المسلمين في عروقهم غلياناً يدفع إلى عمل وحركة لذبح أهل كشمير على أيدي عباد البقر، ما دام أهل كشمير لا يملكون حرماً ولا قبلة؟

أبداً على المسلمين تحرير فلسطين بحمية عالية سواء كان بها المسجد الأقصى أو كانت بدون ذلك؛ لأنها كما ذكرنا أرض إسلامية فتحت بالإسلام من قبل، وكذا كل بلاد المسلمين في كل بقاع العالم.

الواحد ممكن أن يسأل ويقول: هل الأقصى ليس له ميزة عند المسلمين؟

فأقول له: لا، الأقصى له ميزته، لكن ليس من أجله تحرر البلاد، الأقصى زاد فلسطين تشريفاً وتعظيماً وتكريماً، الأقصى يزيد من حمية المسلمين لتحرير البلاد، لكن لا ينشئ هذه الحمية ابتداءً، يعني: الحمية لتحرير فلسطين موجودة في الأصل بدون وجود الأقصى؛ لأن فلسطين بلد إسلامي، وزاد في هذه الحمية إلى درجة تعلو عن بقية بلاد المسلمين المحتلة أن فيها الأقصى.

إذاً: الله سبحانه وتعالى يرفع قيمة هذه البلاد بأشياء خصها بها دون سائر الأماكن.

تحرير فلسطين لأنها مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم

من الأشياء التي خص الله بها فلسطين كونها مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا بد أن نسأل أنفسنا: لماذا ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلته العظيمة إلى السماء إلى القدس أولاً، كان من الممكن أن يأتي الله له بالأنبياء يصلون معه في مكة وهي أشرف بلا شك، أو يصلي بهم في السماء، ولكن سبحان الله! في ذلك إيحاءات كثيرة:

أولاً: تسلم الرسول صلى الله عليه وسلم لقيادة البشرية من مركز القيادة القديم وآخر عهده أنبياء اليهود.

ثانياً: إلقاء حب هذا المكان بصورة أكبر في قلوب المؤمنين.

ثالثاً: جعل الله الأقصى القبلة الأولى للمسلمين، وظلت كذلك ستة عشر أو سبعة عشر شهراً في المدينة المنورة، كما جاء في رواية البخاري ، ثم حولت القبلة بعد ذلك إلى الكعبة، فكان الأقصى هو أولى القبلتين، وبذلك يضاف شيء جديد بالإضافة إلى كونه مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيزداد المسلمون حباً له ولمحله القدس وفلسطين، والعلاقة بين القدس والكعبة وثيقة، فغير المسرى والقبلة هو التالي مباشرة في البناء على الأرض للكعبة.

أخرج الإمام مسلم رحمه الله عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع على الأرض؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون عاماً، ثم الأرض لك مسجد فحيثما أدركت الصلاة فصل).

ولهذه الميزات العظيمة جعل الله له مزية رابعة خاصة جداً، فالمسلم قد يشد الرحال من بعيد ليأتي ويصلي في المسجد الأقصى، فهذه مزية خاصة ليست إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، وذلك كما جاء في البخاري : (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)، فلا يجوز لأحد أن يسافر من بلد إلى بلد -حتى ولو كان في نفس القطر- ليذهب ويصلي في مسجد ما، إلا في هذه المساجد الثلاثة.

المزية الخامسة: يخبر صلى الله عليه وسلم أن أجر الصلاة فيه إلى خمسمائة صلاة، وهذه أيضاً مزية بالنسبة لغيره من المساجد.

المزية السادسة: يبارك الله سبحانه وتعالى في الأرض التي تحيط بالأقصى، وهي أرض فلسطين، وأرض الشام بصفة عامة: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا [الإسراء:1].. وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:71].

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الطبراني وصححه الألباني : (الشام أرض المحشر والمنشر).

المزية السابعة: أكثر من ذلك أن الله لا يبارك فقط في الأرض إلى يوم القيامة، بل يبارك في ساكني فلسطين أيضاً إلى يوم القيامة، روى الطبراني وصححه الألباني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بالشام، فإنها صفوة بلاد الله يسكنها خيرته من خلقه).

وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، على من يغزوهم قاهرين، لا يضرهم من ناوءهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك. قيل: يا رسول الله! وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس).

كل هذه الأمور ترفع جداً من قيمة فلسطين، لكن كما ذكرنا ليست هي المبرر الأول لتحرير فلسطين، بل المبرر الأول كون الأرض إسلامية، وهذه الميزات حوافز زائدة على المبرر الأول، وذلك كما تنقذ طفلاً من الموت فهذا واجب، لكن أن يكون الطفل ولدك هذا يضاف إلى كونه واجباً، فهو شيء فطري لا يستطيع الإنسان أن يتخلى عنه إلا أصحاب النفوس الخبيثة جداً.

سؤال مهم: لماذا يعطي الله كل هذه المزايا لهذه الأرض، فيزيد حب المسلمين لها ويتحركون إليها أسرع مما يتحركون إلى غيرها، لماذا لم يجعل مثلاً المسجد الأقصى في الجزائر، فيسارع المسلمون إلى الجزائر إذا احتلت، أو في مصر فيبادر المسلمون إليها، أو في غيرها من البلاد، لماذا فلسطين بالذات؟

الجواب: لا أعتقد أن السبب فقط في كونها أرض ديانات سابقة ورسالات عديدة، ولكن أعتقد أن الله سبحانه وتعالى لما كان يعلم بسابق علمه للأحداث أن هذه البقعة من الأرض ستظل مكاناً لصراع دائم مستمر بين قوى الأرض المختلفة وبين المسلمين أراد أن يزيدها محبة في القلب؛ لأنه سوف يتكرر القتال فيها مرات ومرات، فقد أتاها الصليبيون من أبعد النقاط عنها في العالم المعمور وقت ذاك، واحتلوها 200 سنة كاملة، وكان من الممكن أن ينسى المسلمون القضية لتقادم الزمان، لكن أبداً ما نسيها المسلمون، ثم جاء اليهود من الشتات والتيه الحديث من كل بلاد العالم واحتلوا فلسطين، وسيظل الصراع دائراً في فلسطين هكذا، وقد يخرج اليهود الآن، وقد يعودون أو غيرهم إلى فلسطين، ستظل فلسطين بؤرة صراع إلى يوم القيامة، وستظل محلاً لأطماع العالمين، حتى إنه من علامات الساعة كما روى البخاري ومسلم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود).

خلاصة القول: إننا لا نحرر فلسطين فقط لأن بها المسجد الأقصى، ولكن كل فلسطين تهمنا، وليس المسجد الأقصى فقط، فلا يمكن أبداً أن نرضى بالمسجد الأقصى ونترك بقية فلسطين.

ثانياً: دماء المسلمين أغلى من الأقصى، فيجب أن تنقذ قبل الأقصى.

ثالثاً: إن البلاد المحتلة التي ليس فيها مسجد أقصى كالشيشان وكشمير والبوسنة وغيرها من البلاد المحتلة، لها أيضاً أهمية كبيرة جداً في قلوب المسلمين، ويجب عليهم أن يحرروها، ومع ذلك فإن الأقصى قد زاد هذه البلاد تشريفاًً وتعظيماً وأهمية كما ذكرنا.

خلاصة المحاضرة اليوم أننا نحرر فلسطين لكونها بلاد إسلامية فتحت بالإسلام، وحكمت بالإسلام قروناً طويلة، وليس الهدف من تحريرها أن نستعيد القدس فقط، ولا أن نستعيد الأقصى فقط.

تبقى أطروحات أخرى للإجابة على سؤال: لماذا نحرر فلسطين، منها: هل لكونها عربية، ومنها: هل لوقف نزيف الدماء. ومنها: هل لحل مشكلة اللاجئين.

أسئلة في غاية الأهمية، ولكن أشعر أن الوقت قد طال، فأجعل الإجابة على هذه الأسئلة في المحاضرة القادمة إن شاء الله.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وجزاكم الله خيراً كثيراً.


استمع المزيد من د. راغب السرجاني - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة فلسطين المؤامرة 2873 استماع
سلسلة فلسطين اغتيال الخلافة 2765 استماع
سلسلة فلسطين أمة لن تموت 2761 استماع
سلسلة فلسطين مفاهيم خاطئة 2739 استماع
سلسلة فلسطين جريمة التقسيم 2366 استماع
سلسلة فلسطين الجهاد بالمال 2338 استماع
سلسلة فلسطين إسرائيل الكبرى 2301 استماع
سلسلة فلسطين تهويد فلسطين 2128 استماع
سلسلة فلسطين الدعاء 2026 استماع