الاعتراف بالذنب مطلب شرعي
مدة
قراءة المادة :
14 دقائق
.
الاعتراف بالذنب مطلب شرعيبِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن الله عز وجل يطلب منا جميعا الخضوعَ له، والاستجابةَ والاستكانةَ إليه، ومما يطلبه منَّا أيضًا الاعتراف بالخطأ والتوبة منه، بمعنى أن نعترف بخطئنا وزلتنا، وألا نُصِرَّ على الذنب الذي نقترفه، ومن فعل ذلك يرجى له من الخير الكثير، فقد قال تعالى: ﴿ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 102].
ألا تعلموا أن أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام على ما آتاهم الله من مكانة واصطفاء، كانوا إذا أذنبوا اعترفوا بذنوبهم؟ فهل استنَّنَا بسنتهم؟
ها هما أبوانا آدم وحواء عليهما السلام، حين اعترفا بخطئهما، سجل الله لهما هذا الموقف ليكون نبراسًا لنا، فقال تعالى في شأنهما: ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].
وها هو كليم الله موسى عليه السلام، اعترف بخطئه وطلبَ المغفرة من ربه حين قتل رجلًا من بني إسرائيل دون قصد؛ قال تعالى: ﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [القصص: 15، 16].
وكلنا يعرف قصة نبي الله يونس عليه السلام عندما غضب على قومه حين كذَّبوه وتمردوا عليه، فطال ذلك عليه، ولم يتحمل منهم، فخرج من بين أظهرهم غاضبًا، وتركهم دون أن يستأذن من الله عز وجل، وظن يونس عليه السلام أن الله تعالى لن يُضيق عليه بفَعلته تلك، فسجنه الله عز وجل في بطن الحوت، فتذلل لله عز وجل، واعترف بخطئه قائلًا: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، فأنجاه الله عز وجل وأخرجه من بطن الحوت، وأصبح هذا الدعاء وهذا الاعتراف من خير الأدعية التي تُنجي العبد من كربه، وقد روى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ: لا إلهَ إلاَّ أنتَ سبحانَك، إنِّي كنتُ من الظالمينَ، فإنَّه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ، إلَّا استجاب اللهُ له)؛ رواه الترمذي[1].
وها هي ملكة سبأ رئيسة دولة، اعترفت بمعصيتها وعبادتها للشمس من دون الله، فتابت وتاب الله عليها، فقال في شأنها: ﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل: 44].
لذلك فإن المسلم مطالب أن يبادر إلى الاعتراف بخطئه فورَ وقوعه في المعصية، ولا يُصِرُ عليه، بل يسارع للتوبة إلى الله عز وجل.
والأمر الآخر الذي يجب أن ننتبه له أنه ينبغي علينا أن نعترف بذنوبنا وتقصيرنا في الدنيا قبل الممات؛ لأنه لن ينفعنا الندم بعد الموت؛ قال تعالى في شأن أهل النار الذين لم يعترفوا بتقصيرهم إلا بعد أن ذاقوا عذاب النار: ﴿ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 11].
وقال تعالى: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ [غافر: 11].
وقال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [سبأ: 33]، فهل نفعهم ندمهم واعترافهم بذنوبهم وتقصيرهم بعد دخولهم النار؟
والغريب أن الكفار لن يعترفوا بذنوبهم حتى وهم في أرض المحشر حين يرون أهوال يوم القيامة، وحين يرون عذابَ الله محيطًا بهم، بل سيحلفون كذبًا أنهم لم يذنبوا؛ طمعًا في النجاة، ولكن هيهات هيهات، فقد قال تعالى في شأنهم: ﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 23].
وحين يصل بهم الأمرُ إلى الإصرار ورفض الاعتراف بذنوبهم، يختم الله على أفواههم ويستنطق جوارحهم بما عمِلت، ثُمَّ تَنْطِق أَلْسِنَتهمْ فَيَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ بِمَا صَنَعُوا؛ قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يس: 65]، وروى أنسُ بنُ مالك رضي الله عنه قال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَضَحِكَ فَقَالَ: (هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ)؟ قَالَ: قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنْ الظُّلْمِ؟ قَالَ: يَقُولُ: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي لا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلاَّ شَاهِدًا مِنِّي، قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا، قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، فَيُقَالُ لأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلامِ، قَالَ: فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ)[2].
بل سيصل إنكار الكفار يوم القيامة وجحودهم وعدم اعترافهم بذنوبهم إلى أنهم لن يعترفوا بمجيء أنبياء لهم يُنذرونهم ويُعلمونهم أمر دينهم، فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143]، وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ)[3].
أما المسلم فسيعترف بذنوبه يوم القيامة ولن يُنكرها؛ لأنه اعتاد على ذلك في دنياه، فإذا فعل ذلك غُفرت له ذنوبه بإذن ربه، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ - أي ستره - وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)[4].
وجاء عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: يُدْنِي اللَّهُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، فَيَسْتُرُهُ مِنَ الْخَلائِقِ كُلِّهَا، وَيَدْفَعُ إِلَيْهِ كِتَابَهُ فِي ذَلِكَ السَّتْرِ، فَيَقُولُ: اقْرَأْ يَا ابْنَ آدَمَ كِتَابَكَ، فَيَقْرَأُ، فَيَمُرُّ بِالْحَسَنَةِ فَيَبْيَضُّ لَهَا وَجْهُهُ، وَيُسَرُّ بِهَا قَلْبُهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ: أَتَعْرِفُ يَا عَبْدِي؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: إِنِّي قَبِلْتُهَا مِنْكَ، فَيَسْجُدُ، فَيَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ وَعُدْ فِي كِتَابِكَ، فَيَمُرُّ بِالسَّيِّئَةِ، فَيَسْوَدُّ لَهَا وَجْهُهُ، وَيَوْجَلُ لَهَا قَلْبُهُ، وَتَرْتَعِدُ مِنْهَا فَرَائِصُهُ، وَيَأْخُذُهُ مِنَ الْحَيَاءِ مِنْ رَبِّهِ مَا لا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ يَا عَبْدِي؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: إِنِّي قَدْ غَفَرْتُهَا لَكَ، فَيَسْجُدُ، فَلا يَرَى مِنْهُ الْخَلائِقُ إِلاَّ السُّجُودَ، حَتَّى يُنَادِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: طُوبَى لِهَذَا الْعَبْدِ الَّذِي لَمْ يَعْصِ اللَّهَ قَطُّ، وَلا يَدْرُونَ مَا قَدْ لَقِيَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ مِمَّا قَدْ وَقَفَهُ عَلَيْه"ِ[5].
لقد علَّمنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم في كثير من الأدعية أن نذلِّل ألسنتنا ونُنطقها الاعتراف بتقصيرنا إذا خلَونا بربنا وناجيناه؛ فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ)[6]، وروت أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (يَا عَائِشَةُ إِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ فَإِنَّ التَّوْبَةَ مِنْ الذَّنْبِ النَّدَمُ وَالاسْتِغْفَارُ)[7].
وها هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه يُعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يعترف بذنوبه في الصلاة؛ حيث قال لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاتِي، قَالَ: قُلْ: (اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي، إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[8].
ألا تعلموا أن الله جل ذكره ليعجَب من العبد إذا قال: لا إله إلا أنت، إني قد ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت؟
فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ لَيَعْجَبُ إِلَى الْعَبْدِ إِذَا قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، قَالَ: عَبْدِي عَرَفَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ وَيُعَاقِبُ)[9].
وتأملوا في دعاء سيد الاستغفار الذي يُعلمنا الاعتراف بذنوبنا يوميًّا مرتين في الصباح والمساء، فقد روى شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ قَالَ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)[10].
فالذي يستغفر هو معترف بخطئه، يرجى له خيرٌ كثير، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا)[11].
وأما الذي يَستكبر ويُصر على خطئه، فهو مهدد بالويل والعذاب، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[12].
ومن بلغ به إصراره على خطئه أن دافَع عن هذا الخطأ، فهذا معرَّض لسخط الله وغضبه؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ)[13].
وانظروا إلى حال المتخاصمين حين يصر كلٌّ منهما على موقفه، ولا يريد الاعتراف بخطئه، فلن يدخلا الجنة جميعًا؛ حيث روى هِشَامُ بْنُ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ مُسْلِمًا فَوْقَ ثَلاثٍ، فَإِنَّهُمَا نَاكِبَانِ عَنْ الْحَقِّ مَا دَامَا عَلَى إصْرَارِهِمَا، وَأَوَّلُهُمَا فَيْئًا يَكُونُ سَبْقُهُ بِالْفَيْءِ كَفَّارَةً لَهُ، فَإِنْ سَلَّمَ فَلَمْ يَقْبَلْ وَرَدَّ عَلَيْهِ سَلامَهُ، رَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، وَإِنْ مَاتَا عَلَى إصْرَارِهِمَا لَمْ يَدْخُلا الْجَنَّةَ جَمِيعًا أَبَدًا)[14].
فالخلاصة التي ينبغي أن نخرج بها أن نبادر إلى الاعتراف بزَلَّتنا أمام الله ولا نكابر، لعل الله أن يتوب علينا ولنتذكر قوله تعالى: ﴿ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 102].
اللهم إنَّا ظلمنا أنفسنا ظلمًا كثيرًا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا، لنكونن من الخاسرين.
اللهم وفِّقنا لهداك، واجعَل عملنا في رضاك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
[1] رواه الترمذي (3505).
[2] رواه مسلم (2969).
[3] رواه البخاري (4487).
[4] رواه البخاري (2441).
[5] رواه ابن أبي عاصم وحسنه محقق كتاب التذكرة للقرطبي (1/507).
[6] رواه البخاري (2661).
[7] رواه الإمام أحمد (26278).
[8] رواه البخاري (834).
[9] السلسلة الصحيحة للإمام الألباني (1653).
[10] رواه البخاري (6306).
[11] رواه ابن ماجه (3818)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3930).
[12] رواه الإمام أحمد (7041)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (897).
[13] رواه أبو داود (3597).
[14] رواه الإمام أحمد (16258).