سلسلة فلسطين اغتيال الخلافة


الحلقة مفرغة

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين، حرباً لأعدائك سلماً لأوليائك، نحب بحبك من أطاعك ونعادي ونجاهد من خالفك، اللهم ارزقنا شهادة في سبيلك، مقبلين غير مدبرين، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.

وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

أما بعد:

فمع المحاضرة الخامسة من المحاضرات الخاصة بقضية فلسطين.

وتحدثنا في المحاضرة الرابعة عن مفهوم هام من المفاهيم الخاصة بقضية فلسطين، وهو مفهوم إسرائيل الكبرى، وذكرنا بعض الشواهد والقرائن والأقوال والأفعال التي تثبت أن هذا الفكر فكر حقيقي في أذهان اليهود، وأن الخطر عظيم، وأن الخطب جلل، وأنه إن لم يفق المسلمون فإن العواقب ستكون وخيمة جداً.

وطفنا بكم في ذهن زعيم الصهيونية تيودور هرتزل ، وكيف بزغت في ذهنه فكرة إنشاء دولة يهودية، وكيف بذل من أجلها مجهوداً ضخماً، وسافر وحاور وناور، ورغب أحياناً ورهب أحياناً أخرى، ووصل هو وشركاؤه في النهاية إلى فكرة إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين: إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ [المدثر:18-20]، نعم فكر في عملية قرصنة عجيبة، أن يخرج شعباً من أرضه ليستبدله بشعب آخر.

وذكرنا في المحاضرة السابقة مؤتمر بال، وما انبثق عنه من مخططات محكمة لإرساء دعائم الدولة اليهودية من تشجيع للهجرة، وتنظيم لليهود، وسعي وراء الاعتراف الدولي.

وأشرنا أيضاً إلى موقفه مع الإنجليز، وكيف اختارهم واختاروه لتنفيذ مصالح مشتركة.

وأشرنا أيضاً إلى موقفه من ألمانيا، وكيف فتر القيصر الألماني عن مساعدته، ثم فصلنا الموقف المتشدد للقيصرية الروسية ورفضها التام لمساعدة اليهود، ومسارعتها إلى ذبحهم وتشريدهم واضطهادهم في روسيا.

وختمنا بموقف الدولة العثمانية الرائع حيال محاولة تيودور هرتزل مع السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، وكيف رفض السلطان المسلم بشموخ وعزة العروض اليهودية المغرية، وأصبح من الواضح أن الخلافة العثمانية بقيادة السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله تقف سداً منيعاً أمام الأطماع الصهيونية، ومن ثم فكر اليهود في هدم هذا السد المنيع.

وقبل أن أدخل في تفصيل الكيفية التي حاول بها اليهود هدم الخلافة العثمانية أجيب عن سؤالين خاصين بالحلقة السابقة.

السؤال الأول: ما الفرق بين اليهودية والصهيونية، في الحلقة السابقة ذكرنا كثيراً اليهودية، وأحياناً نذكر الصهيونية؟

الجواب: اليهودية: هي دين من عند الله سبحانه وتعالى، ولهذا الدين أنبياء كثر وأتباع كثر، وأنزل الله على موسى عليه السلام كتاب التوراة، وهو كتاب سماوي نؤمن أنه منزل من عند الله سبحانه وتعالى، لكن المشكلة الكبيرة أن هذه التوراة حرفت تماماً، وبدل فيها الكثير، ومن ثم أصبح من المستحيل معرفة ما جاء في التوراة إلا ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جاء في التوراة كذا أو كذا، واليهود الذين يدينون باليهودية مشتتون في بقاع كثيرة من الأرض، وابتلي المسلمون مؤخراً بتجمع بعضهم في فلسطين.

أما الصهيونية: فهي حركة سياسية تهدف إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وتأخذ اسمها من جبل صهيون المقدس عند اليهود والموجود في فلسطين، والصهيوني: هو الذي يرغب في العودة إلى جبل صهيون أرض الميعاد حتى يقيم فيها دولة، ويرى المتطرفون من اليهود الصهاينة أنه لا يكفي مساعدة اليهود في الرجوع إلى فلسطين حتى تكون صهيونياً، بل لا بد من العودة بنفسك إلى فلسطين حتى تنال هذا اللقب، وكانت جولدا مائير تقول: ليس اليهودي الفرنسي واليهودي الأمريكي واليهودي الإنجليزي بصهيوني، إلا بعد أن يحزم حقائبه ويذهب إلى إسرائيل، ومن ثم فجميع اليهود الذين يستوطنون في فلسطين صهاينة، وكثير من اليهود الذين يعيشون خارج فلسطين لا يطلق عليهم صهاينة، حتى ولو كانوا يساعدونهم بالمال والرأي.

ولذلك فمن الممكن أن تقول: إن كل الصهاينة يهود، وليس كل اليهود صهاينة.

السؤال الثاني: ما هو المقابل الذي كان يريده تيودور هرتزل من السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله نظير هذه العروض المغرية والمتعددة، هل طلب فلسطين بكاملها، أم طلب القدس، أم طلب جزءاً من فلسطين؟

الجواب: إن الإجابة عن هذا السؤال توضح مدى ذكاء وإخلاص وعظمة السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، وفي نفس الوقت فهي تثبت أيضاً لـ تيودور هرتزل الدهاء والمكر والحيلة، تيودور هرتزل لم يطلب في مقابل هذه العروض المغرية إلا طلبين فقط:

أولاً: مستعمرة صغيرة خارج القدس يستوطن فيها اليهود.

ثانياً: السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين.

فهو لم يطلب فلسطين بكاملها، ولا جزءاً منها، ولكنه طلب مستعمرة صغيرة فقط خارج القدس حتى يسهل على السلطان عبد الحميد الموافقة.

كما طلب أن يسمح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، فقد كانت الخلافة العثمانية كما ذكرنا في الحلقة السابقة لا تسمح بذلك أبداً، مع العلم أن اليهود كانت لهم حرية الحركة داخل كل أملاك الخلافة العثمانية الواسعة الضخمة؛ وذلك لأن السلطان عبد الحميد رحمه الله لم يكن يخشى أن يقيم اليهود دولة في تركيا أو في سوريا أو في الحجاز، ولكنه كان يخشى أو يتوقع أن يقيم اليهود دولتهم في فلسطين.

أيضاً لم يكن السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله يمنع اليهود من زيارة فلسطين للأغراض الدينية، ولكن يجب أن تكون الزيارة مؤقتة ومحددة بوقت ومكان معينين.

إذاً: لم يفلح ذكاء تيودور هرتزل أمام إخلاص وذكاء السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، ورفض بيع فلسطين أو جزء منها ولو كان جزءاً بسيطاً.

نعم، بيعت بعد ذلك لليهود، لكن البيع لم يسجل في صحيفة السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، بل سجل وما زال يسجل في صحائف آخرين ولا حول ولا قوة إلا بالله.

نعود إلى موقف اليهود من هذا الجبل السلطان عبد الحميد الثاني ومن الخلافة العثمانية الجامعة للمسلمين، تعالوا نرى تخطيط اليهود، وهم قوم اشتهروا في كل تاريخهم بالدس والمؤامرة والتدبير والمكر: وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [إبراهيم:46].

أولاً: حاولوا في البداية أخذ الطريق الأسرع في مؤامرات متعددة لاغتيال السلطان عبد الحميد الثاني ، لكن بحمد الله فشلت، وهنا علم اليهود أن هذا الطريق السريع قد يغير من السلطان، لكن لا يغير من واقع الدولة وسياستها، فبدءوا في طريق آخر ولا شك أن هذا الطريق الذي سلكوه هو طريق ناجح، فقد قوض أركان الخلافة في سنوات معدودات سبحان الله!!

ولكن قبل الحديث عن هذا الطريق الخبيث، دعونا نترك السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله ونترك تيودور هرتزل والإنجليز وفلسطين، ونسبح في أعماق التاريخ مئات السنين، نعود إلى أرقى عهود البشرية على الإطلاق، نعود إلى عهد قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بعد الهجرة النبوية الشريفة إلى المدينة المنورة، وبعد المؤاخاة المشهورة بين الأوس والخزرج على ما كان بينهم من خلاف وشقاق وقتال قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد الائتلاف والمودة والرحمة، عاشت المدينة المنورة لحظات سعيدة بل لعلها أسعد اللحظات التي مرت بالأرض، وكيف لا والرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم وقد صفيت القلوب من الغل والحسد؟ لحظات سعيدة مرت على المدينة المنورة.

غير أنه مع هذا الفضل الكبير كان هناك في المدينة تعساء، من هم؟ اليهود.. نعم. اليهود كانوا تعساء، أكل الغيظ قلوبهم، ونهش الحسد عقولهم، وأعمى الغل أبصارهم، وهم يشاهدون المدينة تجتمع بعد فرقة، وتتحد بعد اختلاف، وتتحاب بعد كراهية.

فماذا هم فاعلون؟

اسمع وتدبر: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37]، والتاريخ يتكرر مع شاس بن قيس ، شاس بن قيس هذا هو شيخ يهودي كبير في السن، مر على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج، فوجدهم يتكلمون ويتسامرون، وقد توطدت بينهم وشائج الأخوة فراعه ذلك، وزاد غيظه وحنقه على المسلمين، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة في هذه البلاد - يقصد الأوس والخزرج- لا والله! ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، انظر إلى رأي شاس بن قيس ، لا قرار لليهود إذا اجتمع الأوس والخزرج وهو اعتقاد صحيح، هكذا أدرك شاس بن قيس عليه لعنة الله وأدرك من بعده اليهود مثل ما أدرك شاس بن قيس أن اجتماع المسلمين فيه هلكة لليهود.

فأمر شاس بن قيس فتى من يهود كان معه، فقال: اعمد إليهم واجلس بينهم، ثم ذكرهم يوم بعاث -يوم تقابل فيه الأوس مع الخزرج وكان فيه قتلى كثر- قال شاس بن قيس : ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قبله من صراع وتشاحن بين الفريقين، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا به من الأشعار، ففعل الفتى.

ماذا كان رد فعل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج؟ لاحظوا يا إخوة أننا نتكلم عن الصفوة.. نتكلم عن الأنصار الأوائل.

فتكلم القوم عند ذلك، وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب، فتقاولا -يعني: تصارعا- ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم رددناها جذعة -أي: نرجع الحرب من جديد- فغضب الفريقان جميعاً وقالوا: قد فعلنا، موعدكم الحرة -مكان اعتاد الأوس مع الخزرج القتال فيه- السلاح السلاح، فخرجوا إليها، سبحان الله!! كارثة عظيمة، وخطر كبير، وخطأ فادح.

فهذا ما كنا نتحدث عنه في المحاضرة الثالثة لو تذكرون، هذه هي القومية والقبلية والعنصرية، هذا هو الفارق بين رباط العنصر وبين رباط الإسلام، لما كانوا مجتمعين على الإسلام كانت القلوب متحابة، والأيدي متصافحة، أما الآن وقد قبلوا بانتمائهم إلى آبائهم الأوس والخزرج فقد تنافرت القلوب وتعاركت الأيدي.

قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعاً، وخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه، حتى جاءهم فقال: (يا معشر المسلمين! الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع عنكم الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف بين قلوبكم؟).

انظروا يا إخوة! إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم).

ما هي دعوى الجاهلية؟

هل سجدوا لصنم؟ أو ذبحوا لغير الله؟

أبداً، إنهم فقط تفاخروا بآبائهم، وتقاتلوا على أساس عنصريتهم وقبليتهم، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جاهلية.

ثم كيف كان العلاج من سيد البشر والخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم؟

أولاً: ذكرهم بالرباط الذي يربط الناس جميعاً في هذا الكيان الجديد، فقال: (يا معشر المسلمين!)، ولم يقل: يا معشر الأوس والخزرج! أو يا معشر العرب! ولكنه ذكرهم بالرباط الأساسي وهو الإسلام يا معشر المسلمين!

ثانياً: ذكرهم بالله الذي من أجله اجتمعنا على رابطة الإسلام: (الله الله).

ثالثاً: قبح الفرقة والقتال على العنصر: (أبدعوى الجاهلية)، ثم زاد في التقبيح: (وأنا بين أظهركم)، فالجرم قد يتوقع في غيابه، ولكنه أعلى وأشد في حضوره صلى الله عليه وسلم.

رابعاً: ذكرهم بالنعمة العظيمة من الله والتي تستوجب شكراً لا ينقطع: (بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع عنكم الجاهلية واستنقذكم به من الكفر، وألف بينكم؟).

هنا وقد جاء العلاج عظيماً في ألفاظه، عظيماً في معانيه، عظيماً في توقيته، عظيماً في قائله، وهنا ينصلح الحال مباشرة، وتزول البغضاء، وتهدأ النفس، وتخفض السيوف وتنهمر العيون بالدموع، ويتلاقى الإخوة من الأوس والخزرج بالأحضان، يعتذرون ويتسامحون ويعودون صفاً واحداً كما كانوا.

فالحادث مهم جداً وكبير، والدروس فيه لا تنقطع، والحديث عنه قد يطول، ولكن ما يهمنا الآن هو التركيز على أن الشيطان يستخدم أساليب ثابتة للتفريق بين المؤمنين، قد تختلف في الشكل لكن الأصل ثابت، شاهدنا شاس بن قيس اليهودي وما فعل، شاهدنا ما فعله الأوس والخزرج، شاهدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يربي ويصلح ويعدل من المسار.

هيا بنا الآن نعود من جديد إلى ما كنا عليه، هيا بنا نعود إلى السلطان عبد الحميد الثاني وإلى تيودور هرتزل وإلى اليهود وإلى أواخر أيام الخلافة العثمانية، ولننظر ماذا فعل شاس بن قيس الجديد تيودور هرتزل حتى يسقط الكيان الضخم للخلافة العثمانية؟

إثارة الجمعيات الماسونية العنصرية والقبلية بين الأتراك والعرب

كما أرسل شاس بن قيس فتى من يهود يزرع الفتنة بين الأنصار أرسل تيودور هرتزل أوامر إلى الجمعيات الماسونية السرية الموجودة في تركيا تحت ستار جمعيات خدمة البيئة والمجتمع وجمعيات الروتاري واللاينز وغيرها أن يفعلوا نفس الشيء، وشاركت في المؤامرة الكبرى قنصليات غربية كثيرة أشهرها إنجلترا وفرنسا وإيطاليا والنمسا، ذهبوا إلى مجموعة من الشباب المتحرر الانتهازي الطامح إلى الحكم الطامع في الملك، وبدءوا يزرعون الفتنة في قلوبهم زرعاً، ويقتلعون منها الإسلام اقتلاعاً.

بدءوا يشجعونهم على الخروج عن المألوف ونبذ الواقع، والبعد عن العنصريات الداعية إلى التخلف -يقصدون عنصريات العرب- أدخلوا في أذهانهم:

لماذا تشغلون أنفسكم بالعرب؟

لماذا المشاكل في العراق وسوريا وفلسطين ومصر والحجاز واليمن؟

لماذا معاداة القوى العظمى في العالم إنجلترا وفرنسا وروسيا وإيطاليا؟

لماذا السباحة ضد التيار؟

ثم أي العناصر أشرف هل أنتم أيها الأشراف الفاتحون العظماء القدراء البشوات والبكوات؛ أم أولئك العرب البدو والرحل؟ اتركوهم لشأنهم وانشغلوا بأنفسكم، انطلقوا إلى تحديث تركيا، انطلقوا إلى الحضارة الغربية، انطلقوا إلى التحرر من قيود التخلف والرجعية والجمود، وهم بذلك يقصدون الإسلام ولكنهم كانوا أذكى من أن يصرحوا بذلك.

وهكذا بدءوا يتحدثون إليهم بحديث الشيطان، يدعون إلى فرقة بين المسلمين على أساس العنصر والقبلية، أتراك وعرب، ردة حديثة إلى جاهلية قديمة، دعوى الجاهلية كما سماها سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم، تسلطوا عليهم بهذه الأقوال، وكيد الشيطان وإن كان ضعيفاً على المؤمنين إلا أنه كان عظيماً وكبيراً على الذين يتولونه والذين هم به مؤمنون.

وبدءوا يلمعون في هؤلاء الأفراد ويعظمونهم، ويرفعون من قدرهم، ويضعون صورهم في الصحف والمجلات العالمية، ويغدقون عليم بالجوائز القيمة، والتقديرات الدولية، وكان التركيز كبيراً على ضباط الجيش التركي بالذات، فالتأثير عليهم قد يؤثر على الخلافة بأكملها، ووجد هؤلاء أنفسهم في يوم وليلة بعد أن كان لا يسمع عنهم أحد ملء السمع والبصر، في كل يوم يقابلون سفيراً أو وزيراً أو ملكاً غربياً، وزاد الترغيب عندما وعدوا بحكم تركيا إن هم تخلصوا من العرب، واكتفوا بالأتراك فقط، وسال لعاب المخدوعين.

فقد وعدوا بجزء من الدنيا فباعوا الدين بكامله، وقالوا: ماذا نفعل؟ وجاءت التوجيهات: أنشئوا ما يسمى جمعية الاتحاد والترقي، تهدف في ظاهرها إلى إعلاء شأن الأمة وخدمتها ورعاية مصالحها، ضموا إليها من استطعتم من رجال الجيش والحكم والمال والفكر، أعلنوا المبادئ الثلاثة الآتية: حرية، عدالة، مساواة.

عظموا من القومية التركية، وذكروهم بآبائهم وأجدادهم الأتراك دون العرب، ارفعوا من قيمة الغرب ورجاله وإعلامه وحضارته، انتقدوا بهدوء أفعال السلطان ولا مانع أيضاً من انتقاد الإسلام ولكن بحذر.

وهكذا أسست الجمعية العلمانية المشهورة جمعية الاتحاد والترقي، هل اكتفى شاس بن قيس الجديد تيودور هرتزل بذلك؟

أبداً ذهب إلى الجناح الآخر ليستكمل المؤامرة بإحكام، وليضيق الخناق على دولة المسلمين، ذهب إلى العرب، وفعل عن طريق الجمعيات السرية والقنصليات الغربية والعملاء والأتباع ما فعله مع الأتراك، وذهبت الجمعيات تحدث العرب المخدوعين: أنتم أيها العرب! أصحاب الشرف والمجد، أنتم يا أبناء الصحابة! ويا سلالة قريش! أنتم أيها الأشراف العظماء! ما لكم والأتراك، أولئك الذين احتلوا بلادكم ونهبوا ثرواتكم، وبددوا طاقاتكم وحكموا آباءكم وأجدادكم، أتريدون أن تتركوا لهم أبناءكم وأرضكم؟

ما لكم والأتراك، أولئك الذين لا يحسنون لغة، ولا يفقهون ديناً، ما لكم والأتراك، أولئك الذين ظلموا وتجبروا وتكبروا.

وهكذا سبحان الله!! وجدوا آذاناً صاغية ولا عقول، وانتشرت أفكار القومية والعنصرية المفرقة في أرجاء العالم الإسلامي بأسره، ووقف تيودور هرتزل يتفرج بسعادة، ويصفق للمختلفين ويعين المتصارعين وعمت الفتنة الأرض، ولكن سبحان الله! أبى الله أن يريه نتائج مؤامرته، فمات وهو في 44 من عمره، ودخل قبره وقامت قيامته، ولقي ما هو مناسب لعقيدته وعمله، كان ذلك في سنة 1904م.

لكن الحق أنه قد أرسى دعائم قوية لأفكاره ومعتقداته وخططه ما تبدلت كثيراً بموته وخلفه على زعامة الصهيونية حاييم وايزمن من زعماء اليهود المشهورين.

تغذية الثورات ضد السلطان عبد الحميد والسعي إلى عزله

حاول السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله أن يدعو الناس إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالالتفاف حول رابطة الإسلام لا رابطة العنصر، فدعا إلى إنشاء ما يسمى بالجامعة الإسلامية، كيان كبير ضخم يضم كل البلاد الإسلامية في العالم تحت رعاية الخلافة العثمانية، يتبادل فيها المسلمون الرأي والعون.

لكن اعترضوا عليه، وازداد الموقف سوءاً، سواء في تركيا أو في بلاد العالم الإسلامي، وبدأت جمعية الاتحاد والترقي تشيع في الناس أن السلطان عبد الحميد هو سبب التخلف والرجعية، وأن أخطاءه كثيرة وأفعاله ذميمة، لكن لم يطعنوا في الخلافة بل قالوا: من الأنسب أن يعزل ويأتي غيره.

فعلوا ذلك مدعمين بكل القنصليات الغربية القوية، وانساق الشعب وراءهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.

لا شك أن الكلمات التي ألقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتهدئة الوضع في المدينة المنورة بعد حادثة شاس بن قيس وقعت في تربة طيبة فأنبتت نباتاً حسناً، ولو كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأناس قد ملأت الدنيا قلوبهم وعقولهم وتحكمت الأهواء بأفعالهم وأقوالهم ما سمع أحد نصحه، وما ارعوى أحد بكلامه صلى الله عليه وسلم، إذاً: في حادثة شاس بن قيس الأولى كان الشعب مهيأً تربوياً لتقبل نصح وإرشاد الدين؛ ولذلك لم تنجح معه الفتنة، بينما من الواضح في قصة شاس بن قيس الجديد أن الشعوب الإسلامية لم تكن مهيأة لاستقبال قول الله وقول رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، لاشك أن الشعوب كانت مضللة، فالشعوب المبصرة لا تخدع بالغوغاء، والشعوب المتعلمة لا ترضى بديلاً عن دينها وقيمها، والشعوب الذكية لا تسمع لصوت أعدائها، فهذه الأخطاء التربوية القاتلة لا شك أنها من تراكمات السنين: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117].

بعد أن تشبع المسلمون بالأفكار الانفصالية قامت ثورات عدة على السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، أشهرها ثورة في عام (1908)م، ثم ثروة أخرى في عام (1909)م، هذه الثورة الأخيرة طالبت بعزله، مؤيدة برجال حزب الاتحاد والترقي الكبراء الذين صنعوا على عين الغرب، ومؤيدة بقنصليات غربية وبشعب مقيد، ولقد كانت للثورة ما أرادت، وعزل السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله في سنة (1909)م.

وولي الأمر من بعده محمد الخامس السلطان العثماني الضعيف، وأصبحت مقاليد الحكم الرئيسة في يد حزب الاتحاد والترقي، بل إن شئت فقل: في يد الإنجليز والفرنسيين، بل وفي يد اليهود، فقد تدخل اليهود بعد ذلك في حزب الاتحاد والترقي، ووصلوا إلى حدود بعيدة لدرجة أن الوفد الذي سلم السلطان عبد الحميد الثاني خطاب عزله كان مكوناً من ثلاثة رجال أحدهم كان يهودياً اسمه قره صو ، انظر إلى السخرية والاستهزاء، سلطان المسلمين يتسلم قرار عزله على يد يهودي.

بل تفاقم الأمر بعد ذلك من تعاون واضح صريح بين حزب الاتحاد والترقي وبين اليهود لدرجة أن السفير البريطاني في تركيا قال لوزير خارجيته في سنة (1910)م -يعني: بعد عام واحد فقط من عزل السلطان عبد الحميد - إن لجنة الاتحاد والترقي تبدي في تشكيلها الداخلي تحالفاً تركياً يهودياً مزدوجاً، وتأكيداً على ذلك فإن حزب الاتحاد والترقي قد أخذ قرارات جديدة وسن قوانين عديدة، ومن أوائل هذه القرارات والقوانين إلغاء الحضر المفروض على اليهود في دخول فلسطين، والسماح لهم بالهجرة، وعزل حكام فلسطين العثمانيين الذين كانوا معروفين بكرههم لليهود، وتولية آخرين يتفهمون السياسية الجديدة.

وفتحت أبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين وانحدرت الأمة في طريق الهاوية.

الزج بدولة الخلافة في الحرب العالمية الأولى

تلاحقت الأحداث بسرعة، وتزامنت هذه الأحداث المتلاحقة في الخلافة العثمانية مع أحداث عالمية خطيرة، حديث بدأت نذر الحرب العالمية الأولى تظهر، وتحالفت إنجلترا وفرنسا وروسيا ضد ألمانيا، ثم دخلت إيطاليا في التحالف الإنجليزي على وعد إطلاق يد إيطاليا في ليبيا، ووجدت جمعية الاتحاد والترقي فرصة سانحة، أو قل: وجد اليهود الفرصة سانحة للإجهاز على الخلافة العثمانية، فدفعوها دفعاً للدخول إلى الحرب العالمية الأولى، وأخذت جمعية الاتحاد والترقي القرار بالانضمام إلى معسكر ألمانيا ضد إنجلترا وفرنسا وروسيا وإيطاليا، كل هذا وما زال هناك خليفة يحكم في الظاهر، بينما تدار الأمور في الخفاء بأيدي اليهود عن طريق جمعية الاتحاد والترقي، وبدأت الحرب العالمية الأولى في سنة (1914)م واستمرت إلى سنة (1918)م.

كما أرسل شاس بن قيس فتى من يهود يزرع الفتنة بين الأنصار أرسل تيودور هرتزل أوامر إلى الجمعيات الماسونية السرية الموجودة في تركيا تحت ستار جمعيات خدمة البيئة والمجتمع وجمعيات الروتاري واللاينز وغيرها أن يفعلوا نفس الشيء، وشاركت في المؤامرة الكبرى قنصليات غربية كثيرة أشهرها إنجلترا وفرنسا وإيطاليا والنمسا، ذهبوا إلى مجموعة من الشباب المتحرر الانتهازي الطامح إلى الحكم الطامع في الملك، وبدءوا يزرعون الفتنة في قلوبهم زرعاً، ويقتلعون منها الإسلام اقتلاعاً.

بدءوا يشجعونهم على الخروج عن المألوف ونبذ الواقع، والبعد عن العنصريات الداعية إلى التخلف -يقصدون عنصريات العرب- أدخلوا في أذهانهم:

لماذا تشغلون أنفسكم بالعرب؟

لماذا المشاكل في العراق وسوريا وفلسطين ومصر والحجاز واليمن؟

لماذا معاداة القوى العظمى في العالم إنجلترا وفرنسا وروسيا وإيطاليا؟

لماذا السباحة ضد التيار؟

ثم أي العناصر أشرف هل أنتم أيها الأشراف الفاتحون العظماء القدراء البشوات والبكوات؛ أم أولئك العرب البدو والرحل؟ اتركوهم لشأنهم وانشغلوا بأنفسكم، انطلقوا إلى تحديث تركيا، انطلقوا إلى الحضارة الغربية، انطلقوا إلى التحرر من قيود التخلف والرجعية والجمود، وهم بذلك يقصدون الإسلام ولكنهم كانوا أذكى من أن يصرحوا بذلك.

وهكذا بدءوا يتحدثون إليهم بحديث الشيطان، يدعون إلى فرقة بين المسلمين على أساس العنصر والقبلية، أتراك وعرب، ردة حديثة إلى جاهلية قديمة، دعوى الجاهلية كما سماها سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم، تسلطوا عليهم بهذه الأقوال، وكيد الشيطان وإن كان ضعيفاً على المؤمنين إلا أنه كان عظيماً وكبيراً على الذين يتولونه والذين هم به مؤمنون.

وبدءوا يلمعون في هؤلاء الأفراد ويعظمونهم، ويرفعون من قدرهم، ويضعون صورهم في الصحف والمجلات العالمية، ويغدقون عليم بالجوائز القيمة، والتقديرات الدولية، وكان التركيز كبيراً على ضباط الجيش التركي بالذات، فالتأثير عليهم قد يؤثر على الخلافة بأكملها، ووجد هؤلاء أنفسهم في يوم وليلة بعد أن كان لا يسمع عنهم أحد ملء السمع والبصر، في كل يوم يقابلون سفيراً أو وزيراً أو ملكاً غربياً، وزاد الترغيب عندما وعدوا بحكم تركيا إن هم تخلصوا من العرب، واكتفوا بالأتراك فقط، وسال لعاب المخدوعين.

فقد وعدوا بجزء من الدنيا فباعوا الدين بكامله، وقالوا: ماذا نفعل؟ وجاءت التوجيهات: أنشئوا ما يسمى جمعية الاتحاد والترقي، تهدف في ظاهرها إلى إعلاء شأن الأمة وخدمتها ورعاية مصالحها، ضموا إليها من استطعتم من رجال الجيش والحكم والمال والفكر، أعلنوا المبادئ الثلاثة الآتية: حرية، عدالة، مساواة.

عظموا من القومية التركية، وذكروهم بآبائهم وأجدادهم الأتراك دون العرب، ارفعوا من قيمة الغرب ورجاله وإعلامه وحضارته، انتقدوا بهدوء أفعال السلطان ولا مانع أيضاً من انتقاد الإسلام ولكن بحذر.

وهكذا أسست الجمعية العلمانية المشهورة جمعية الاتحاد والترقي، هل اكتفى شاس بن قيس الجديد تيودور هرتزل بذلك؟

أبداً ذهب إلى الجناح الآخر ليستكمل المؤامرة بإحكام، وليضيق الخناق على دولة المسلمين، ذهب إلى العرب، وفعل عن طريق الجمعيات السرية والقنصليات الغربية والعملاء والأتباع ما فعله مع الأتراك، وذهبت الجمعيات تحدث العرب المخدوعين: أنتم أيها العرب! أصحاب الشرف والمجد، أنتم يا أبناء الصحابة! ويا سلالة قريش! أنتم أيها الأشراف العظماء! ما لكم والأتراك، أولئك الذين احتلوا بلادكم ونهبوا ثرواتكم، وبددوا طاقاتكم وحكموا آباءكم وأجدادكم، أتريدون أن تتركوا لهم أبناءكم وأرضكم؟

ما لكم والأتراك، أولئك الذين لا يحسنون لغة، ولا يفقهون ديناً، ما لكم والأتراك، أولئك الذين ظلموا وتجبروا وتكبروا.

وهكذا سبحان الله!! وجدوا آذاناً صاغية ولا عقول، وانتشرت أفكار القومية والعنصرية المفرقة في أرجاء العالم الإسلامي بأسره، ووقف تيودور هرتزل يتفرج بسعادة، ويصفق للمختلفين ويعين المتصارعين وعمت الفتنة الأرض، ولكن سبحان الله! أبى الله أن يريه نتائج مؤامرته، فمات وهو في 44 من عمره، ودخل قبره وقامت قيامته، ولقي ما هو مناسب لعقيدته وعمله، كان ذلك في سنة 1904م.

لكن الحق أنه قد أرسى دعائم قوية لأفكاره ومعتقداته وخططه ما تبدلت كثيراً بموته وخلفه على زعامة الصهيونية حاييم وايزمن من زعماء اليهود المشهورين.

حاول السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله أن يدعو الناس إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالالتفاف حول رابطة الإسلام لا رابطة العنصر، فدعا إلى إنشاء ما يسمى بالجامعة الإسلامية، كيان كبير ضخم يضم كل البلاد الإسلامية في العالم تحت رعاية الخلافة العثمانية، يتبادل فيها المسلمون الرأي والعون.

لكن اعترضوا عليه، وازداد الموقف سوءاً، سواء في تركيا أو في بلاد العالم الإسلامي، وبدأت جمعية الاتحاد والترقي تشيع في الناس أن السلطان عبد الحميد هو سبب التخلف والرجعية، وأن أخطاءه كثيرة وأفعاله ذميمة، لكن لم يطعنوا في الخلافة بل قالوا: من الأنسب أن يعزل ويأتي غيره.

فعلوا ذلك مدعمين بكل القنصليات الغربية القوية، وانساق الشعب وراءهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.

لا شك أن الكلمات التي ألقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتهدئة الوضع في المدينة المنورة بعد حادثة شاس بن قيس وقعت في تربة طيبة فأنبتت نباتاً حسناً، ولو كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأناس قد ملأت الدنيا قلوبهم وعقولهم وتحكمت الأهواء بأفعالهم وأقوالهم ما سمع أحد نصحه، وما ارعوى أحد بكلامه صلى الله عليه وسلم، إذاً: في حادثة شاس بن قيس الأولى كان الشعب مهيأً تربوياً لتقبل نصح وإرشاد الدين؛ ولذلك لم تنجح معه الفتنة، بينما من الواضح في قصة شاس بن قيس الجديد أن الشعوب الإسلامية لم تكن مهيأة لاستقبال قول الله وقول رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، لاشك أن الشعوب كانت مضللة، فالشعوب المبصرة لا تخدع بالغوغاء، والشعوب المتعلمة لا ترضى بديلاً عن دينها وقيمها، والشعوب الذكية لا تسمع لصوت أعدائها، فهذه الأخطاء التربوية القاتلة لا شك أنها من تراكمات السنين: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117].

بعد أن تشبع المسلمون بالأفكار الانفصالية قامت ثورات عدة على السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، أشهرها ثورة في عام (1908)م، ثم ثروة أخرى في عام (1909)م، هذه الثورة الأخيرة طالبت بعزله، مؤيدة برجال حزب الاتحاد والترقي الكبراء الذين صنعوا على عين الغرب، ومؤيدة بقنصليات غربية وبشعب مقيد، ولقد كانت للثورة ما أرادت، وعزل السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله في سنة (1909)م.

وولي الأمر من بعده محمد الخامس السلطان العثماني الضعيف، وأصبحت مقاليد الحكم الرئيسة في يد حزب الاتحاد والترقي، بل إن شئت فقل: في يد الإنجليز والفرنسيين، بل وفي يد اليهود، فقد تدخل اليهود بعد ذلك في حزب الاتحاد والترقي، ووصلوا إلى حدود بعيدة لدرجة أن الوفد الذي سلم السلطان عبد الحميد الثاني خطاب عزله كان مكوناً من ثلاثة رجال أحدهم كان يهودياً اسمه قره صو ، انظر إلى السخرية والاستهزاء، سلطان المسلمين يتسلم قرار عزله على يد يهودي.

بل تفاقم الأمر بعد ذلك من تعاون واضح صريح بين حزب الاتحاد والترقي وبين اليهود لدرجة أن السفير البريطاني في تركيا قال لوزير خارجيته في سنة (1910)م -يعني: بعد عام واحد فقط من عزل السلطان عبد الحميد - إن لجنة الاتحاد والترقي تبدي في تشكيلها الداخلي تحالفاً تركياً يهودياً مزدوجاً، وتأكيداً على ذلك فإن حزب الاتحاد والترقي قد أخذ قرارات جديدة وسن قوانين عديدة، ومن أوائل هذه القرارات والقوانين إلغاء الحضر المفروض على اليهود في دخول فلسطين، والسماح لهم بالهجرة، وعزل حكام فلسطين العثمانيين الذين كانوا معروفين بكرههم لليهود، وتولية آخرين يتفهمون السياسية الجديدة.

وفتحت أبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين وانحدرت الأمة في طريق الهاوية.


استمع المزيد من د. راغب السرجاني - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة فلسطين المؤامرة 2873 استماع
سلسلة فلسطين أمة لن تموت 2761 استماع
سلسلة فلسطين مفاهيم خاطئة 2739 استماع
سلسلة فلسطين جريمة التقسيم 2366 استماع
سلسلة فلسطين الجهاد بالمال 2338 استماع
سلسلة فلسطين إسرائيل الكبرى 2301 استماع
سلسلة فلسطين فلسطين إسلامية 2288 استماع
سلسلة فلسطين تهويد فلسطين 2128 استماع
سلسلة فلسطين الدعاء 2026 استماع