شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب سجود السهو وغيره - حديث 354-355


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.

أما بعد.

نبدأ بباب سجود السهو والأحاديث: حديث عمران، وحديث أبي سعيد .

الحديث الأول: حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها، فسجد سجدتين، ثم تشهد ثم سلم ).

تخريج الحديث

والحديث كما قال المصنف رحمه الله تعالى: رواه أبو داود والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، فقد رواه أبو داود في كتاب الصلاة، باب سجدتي السهو فيهما تشهد وتسليم، فجعل على الحديث ترجمة تدل على مضمونه. وكذلك رواه الترمذي في أبواب الصلاة، باب ما جاء في التشهد في سجدتي السهو .

وقال الترمذي كما في النسخة المطبوعة بعناية الشيخ أحمد شاكر، قال: هذا حديث حسن صحيح غريب، أو قال: هذا حديث حسن غريب صحيح.

فقول المصنف رحمه الله هنا: وحسنه يعني: الترمذي، هذا في نسخة، وفي نسخ أخرى أنه صححه، يعني: قال: حسن صحيح غريب، وكذلك أخرجه النسائي في كتاب السهو، والبغوي، والحاكم كما في المستدرك، وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي في تلخيصه، وخرجه ابن حبان في صحيحه كما في الإحسان .. وغيره.

فيتضح من هذا التخريج أمران:

الأول: أن الحديث قد صححه الترمذي رحمه الله، والحاكم، والذهبي، وابن حبان .

الأمر الثاني: أن التراجم التي وضعها الأئمة على هذا الحديث أبرزت الحكم الذي تميز به هذا الحديث عن غيره من أحاديث السهو، ما هو الحكم الذي برز في هذا الحديث؟ التشهد بعد سجود السهو؛ لقوله: ( ثم تشهد ) كما في تبويب الترمذي، وأبي داود، والبيهقي، والنسائي .. وغيرهم.

وقد ضعف الحديث بالمقابل جماعة، منهم: الإمام البيهقي، وابن عبد البر .. وغيرهما، ولعل تضعيفهم لهذا الحديث من جهة شذوذه في متنه لا من جهة إسناده، فإن ظاهر إسناده الصحة والقوة، كما حكم عليه الأئمة السابقون، فالذين حكموا بشذوذه ربما حكموا بشذوذه لأنه من رواية أشعث بن عبد الملك الحمراني عن ابن سيرين، وقد خالف أشعث غيره من الحفاظ الذين رووه عن ابن سيرين ولم يذكروا فيه هذا الحرف: (ثم تشهد).

بل أكثر من ذلك أن السراج روى في مسنده -وهو مخطوط فيما أعلم- السراج روى في مسنده هذا الحديث من طريق سلمة بن علقمة عن ابن سيرين وقال: (قلت لـابن سيرين : فالتشهد؟ -يعني: هل تشهد أو ما تشهد؟- فقال: -يعني: ابن سيرين - لم أسمعه ذكر في التشهد شيئاً)، فهذا الإسناد الآن من طريق ابن سيرين نفسه في مسند السراج، ونفى أن يكون سمع في التشهد شيئاً، فهذا يقوي أن يكون أشعث بن عبد الملك قد وهم في هذا الحرف: (ثم تشهد)، وفي نسبته إلى ابن سيرين، هذا وجه.

وكذلك ابن سيرين نفسه روى الحديث عن خالد الحذاء، إذاً: فإسناد الحديث أشعث بن عبد الملك عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء، فـأشعث رواه عن ابن سيرين وتفرد فيه بحرف: (ثم تشهد) هذا أشعث، كذلك ابن سيرين روى الحديث عن خالد الحذاء، وقد روى هذا الحديث غير ابن سيرين عن خالد، فلم يذكروا هذا التشهد.

إذاً: فالمحفوظ عن خالد الحذاء بهذا الإسناد من حديث عمران بن حصين ليس فيه ذكر التشهد، وهذا موجود حتى في صحيح مسلم رحمه الله، فإنه روى حديث عمران من طريق خالد الحذاء، ولم يذكر فيه لفظ: (ثم تشهد)؛ ولذلك قال ابن المنذر كما نقله جماعة -نقله في المغني، ونقله النووي .. وغيرهم- أن ابن المنذر قال: لا أحسب التشهد في سجود السهو ثابتاً. يعني: إنما ورد في الغالب من حديث عمران بن حصين، وجاء من حديث المغيرة حديث آخر ضعيف أيضاً، لكن المشهور حديث عمران.

فالحديث إذاً قوي، ولكن هذا الحرف: (ثم تشهد) أشبه بأن يكون شاذاً.

والحديث كما قال المصنف رحمه الله تعالى: رواه أبو داود والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، فقد رواه أبو داود في كتاب الصلاة، باب سجدتي السهو فيهما تشهد وتسليم، فجعل على الحديث ترجمة تدل على مضمونه. وكذلك رواه الترمذي في أبواب الصلاة، باب ما جاء في التشهد في سجدتي السهو .

وقال الترمذي كما في النسخة المطبوعة بعناية الشيخ أحمد شاكر، قال: هذا حديث حسن صحيح غريب، أو قال: هذا حديث حسن غريب صحيح.

فقول المصنف رحمه الله هنا: وحسنه يعني: الترمذي، هذا في نسخة، وفي نسخ أخرى أنه صححه، يعني: قال: حسن صحيح غريب، وكذلك أخرجه النسائي في كتاب السهو، والبغوي، والحاكم كما في المستدرك، وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي في تلخيصه، وخرجه ابن حبان في صحيحه كما في الإحسان .. وغيره.

فيتضح من هذا التخريج أمران:

الأول: أن الحديث قد صححه الترمذي رحمه الله، والحاكم، والذهبي، وابن حبان .

الأمر الثاني: أن التراجم التي وضعها الأئمة على هذا الحديث أبرزت الحكم الذي تميز به هذا الحديث عن غيره من أحاديث السهو، ما هو الحكم الذي برز في هذا الحديث؟ التشهد بعد سجود السهو؛ لقوله: ( ثم تشهد ) كما في تبويب الترمذي، وأبي داود، والبيهقي، والنسائي .. وغيرهم.

وقد ضعف الحديث بالمقابل جماعة، منهم: الإمام البيهقي، وابن عبد البر .. وغيرهما، ولعل تضعيفهم لهذا الحديث من جهة شذوذه في متنه لا من جهة إسناده، فإن ظاهر إسناده الصحة والقوة، كما حكم عليه الأئمة السابقون، فالذين حكموا بشذوذه ربما حكموا بشذوذه لأنه من رواية أشعث بن عبد الملك الحمراني عن ابن سيرين، وقد خالف أشعث غيره من الحفاظ الذين رووه عن ابن سيرين ولم يذكروا فيه هذا الحرف: (ثم تشهد).

بل أكثر من ذلك أن السراج روى في مسنده -وهو مخطوط فيما أعلم- السراج روى في مسنده هذا الحديث من طريق سلمة بن علقمة عن ابن سيرين وقال: (قلت لـابن سيرين : فالتشهد؟ -يعني: هل تشهد أو ما تشهد؟- فقال: -يعني: ابن سيرين - لم أسمعه ذكر في التشهد شيئاً)، فهذا الإسناد الآن من طريق ابن سيرين نفسه في مسند السراج، ونفى أن يكون سمع في التشهد شيئاً، فهذا يقوي أن يكون أشعث بن عبد الملك قد وهم في هذا الحرف: (ثم تشهد)، وفي نسبته إلى ابن سيرين، هذا وجه.

وكذلك ابن سيرين نفسه روى الحديث عن خالد الحذاء، إذاً: فإسناد الحديث أشعث بن عبد الملك عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء، فـأشعث رواه عن ابن سيرين وتفرد فيه بحرف: (ثم تشهد) هذا أشعث، كذلك ابن سيرين روى الحديث عن خالد الحذاء، وقد روى هذا الحديث غير ابن سيرين عن خالد، فلم يذكروا هذا التشهد.

إذاً: فالمحفوظ عن خالد الحذاء بهذا الإسناد من حديث عمران بن حصين ليس فيه ذكر التشهد، وهذا موجود حتى في صحيح مسلم رحمه الله، فإنه روى حديث عمران من طريق خالد الحذاء، ولم يذكر فيه لفظ: (ثم تشهد)؛ ولذلك قال ابن المنذر كما نقله جماعة -نقله في المغني، ونقله النووي .. وغيرهم- أن ابن المنذر قال: لا أحسب التشهد في سجود السهو ثابتاً. يعني: إنما ورد في الغالب من حديث عمران بن حصين، وجاء من حديث المغيرة حديث آخر ضعيف أيضاً، لكن المشهور حديث عمران.

فالحديث إذاً قوي، ولكن هذا الحرف: (ثم تشهد) أشبه بأن يكون شاذاً.

في الحديث هذه المسألة: وهي مسألة التشهد في سجود السهو، هل يتشهد بعد ما يسجد للسهو أم لا يتشهد؟

أولاً: محل التشهد في سجود السهو في أي حالة يكون؟ هل كل سجود سهو يحتمل أن يكون بعده تشهد أم سجود خاص؟ الغالب أن الكلام في التشهد إذا كان السجود بعد السلام، هذا هو الغالب، وحديث عمران لا مانع أن يكون مختصراً هنا، يعني: ( فسها فسلم ثم سجد سجدتين، ثم تشهد ثم سلم ) هذا احتمال، لكن أكثر كلام الفقهاء على سجود السهو والتشهد بعده إذا كان بعد السلام؛ لأن موضعه بعد السلام، مثل: السجود عن زيادة، وحديث عمران هنا عن زيادة؛ لأنه نقص في الصلاة، فأكمل ثم سلم، ثم سجد ثم سلم.

فسواء كان السجود للسهو بعد السلام؛ لأن محله بعد السلام، أو لأنه نسي السجود ولم يذكر إلا بعدما سلم، وفي هذه المسألة أربعة أقوال أسوقها باختصار:

القول الأول: استحباب التشهد بعد سجود السهو

القول الأول: أنه يتشهد بعد سجود السهو ثم يسلم، وهذا قول ابن مسعود رضي الله عنه، وقد جاء عنه موقوفاً عليه عند ابن أبي شيبة بسند صحيح: (أنه كان يتشهد بعد سجود السهو ثم يسلم).

وهو أيضاً قول جماعة من التابعين، كـالنخعي وقتادة وحماد والثوري .. وغيرهم وقول بعض الأئمة المتبوعين كـالأوزاعي إمام أهل الشام، والشافعي، وأصحاب الرأي؛ أبي حنيفة .

ودليل هذا القول هو حديث الباب، وشواهده، وقد ذكرت منها: حديث المغيرة بن شعبة وهو ضعيف، وأثر ابن مسعود رضي الله عنه.

حديث المغيرة بن شعبة عند البيهقي .. وغيره، وهو حديث ضعيف، ومثله أثر ابن مسعود عند ابن أبي شيبة وهو صحيح، ولكنه موقوف عليه.

فاستدلوا بذلك على أن بعد سجود السهو جلوس وتشهد، ثم سلام بعد ذلك، وكأن المأخذ حينئذ ليس وجوب التشهد عندهم، وإنما يرون الاستحباب، يرون أنه مستحب، فإذا قلنا: إنهم يقولون: يتشهد ويسلم، ليس معناه وجوباً وإنما استحباباً والله أعلم، وإلا فقد نقل غير واحد الإجماع على أنه لم يقل أحدٌ بوجوب التشهد بعد سجود السهو، نقله غير واحد أنه لا يجب التشهد بعد سجود السهو، هذا قول.

القول الثاني: لا تشهد ولا تسليم بعد سجود السهو

القول الثاني: نقيضه، يقول: ليس ثمة تشهد ولا تسليم، لا يجب عليه بعد سجود السهو تشهد ولا تسليم، وهذا يؤكد أن الكلام فيما إذا كان بعد السلام، وإلا فمن المعلوم أن التشهد واجب والسلام واجب، يعني: قبل، في صلب الصلاة، وإنما المقصود بعد السلام أنه ليس عليه تشهد ولا تسليم، وهذا مذهب أنس بن مالك رضي الله عنه، وقال به من التابعين عطاء في أحد القولين عنه، كما سيأتي قول آخر له، والحسن البصري .. وغيرهم، وكأنهم رأوا أن الصلاة قد انتهت وتمت، فلا يلزم شيء بعد السلام منها. وربما قاسوا سجود السهو أيضاً على سجود التلاوة، فإن المذهب المشهور في سجود التلاوة أنه لا يجب فيه تكبير ولا تسليم، وأما التشهد فلا تشهد فيه قط.

القول الثالث: يسلم بعد سجود السهو ولا يتشهد

القول الثالث: أنه يسلم ولا يتشهد، أنه يلزم بعد سجود السهو سلام، ولكن لا يلزم بعده تشهد، وهذا مذهب محمد بن سيرين، وكون هذا الأمر مذهبه يقوي أن لفظة: (ثم تشهد) شاذة؛ لأنه لو نقلت عنه وثبتت عنده ما خالفها، ومذهبه المعروف أنه لا يرى بعد سجود السهو تشهداً، وإنما يرى التسليم، فهذا مذهب محمد بن سيرين ومذهب ابن المنذر من فقهاء الشافعية، والبغوي أيضاً من فقهاء الشافعية، وهو وجه في مذهب الإمام الشافعي، كما ذكره النووي في كتابه المجموع؛ ولذلك قال ابن المنذر كما نقلت قبل قليل: (التسليم فيهما -يعني: في سجدتي السهو- ثابت من غير وجه، وأما التشهد ففي ثبوته نظر)، وسبق ذكر لفظ آخر عنه، وهو قريب من ذلك، وكأن الإمام ابن قدامة رحمه الله في المغني مال إلى هذا القول، فبعدما ساق الأقوال، قال: (ويحتمل أن لا يجب التشهد؛ لأن ظاهر الحديثين -يعني: حديث عمران بن حصين الآخر وحديث ابن مسعود وهما في صحيح مسلم -: أنه سلم صلى الله عليه وسلم من غير تشهد) وهذان الحديثان أقوى وأصح من حديث الباب، حديث عمران الذي فيه إثبات التشهد، فهما أولى بالتقديم، على فرض صحة حديث الباب، وصحة هذا اللفظ فيه.

ثم قال: ولأنه سجود مفرد -يعني: سجود السهو- فلم يجب له تشهد، فهو في ذلك كسجود التلاوة)، فكأن الإمام ابن قدامة رحمه الله يميل إلى هذا القول.

القول الرابع: التخيير بين فعل التشهد والتسليم بعد سجود السهو وعدمه

المذهب الرابع: القول بالتخيير إن شاء تشهد وسلم وإن شاء لم يفعل، وهذا منقول عن عطاء، وكأنه رأى في ذلك جمعاً بين الروايات، فيكون فعله مرة وتركه مرة، ويكون الإنسان مخيراً يفعل هذا أو ذاك.

أدلة مشروعية التسليم والتشهد بعد سجود السهو

فأما الدليل على مشروعية التسليم بعد سجود السهو: فهو حديث عمران بن حصين كما في صحيح مسلم، وحديث ابن مسعود أيضاً وغيره من الأحاديث، وهي كثيرة جداً، وبناءً عليه نقول: إن التسليم بعد سجود السهو ثابت في أحاديث صحاح كثيرة، ومنها: حديث أبي هريرة أيضاً، حديث عمران وحديث ابن مسعود .. وغيرها.

المصنف ساق حديث عمران الذي هو حديث الباب، لكن حديث عمران بن حصين الآخر في صحيح مسلم وغيره، فيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سلّم في صلاة العصر من ثلاث، فقيل له، فقام وأتم صلاته، ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلم ) وهو في الصحيح.

وأما حديث ابن مسعود وهو أيضاً في صحيح مسلم , ففيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سها في الصلاة فسجد سجدتين ثم سلم )، ففيهما وفي حديث أبي هريرة أيضاً إثبات التسليم.

أما مسألة التشهد فإنما تثبت من حديث عمران، وهو حديث الباب، وقد سبق أن بينت أن هذه اللفظة شاذة، ولا يوجد ما يقويها من أحاديث صحيحة، فقد جاءت في حديث آخر عن المغيرة، وهو حديث ضعيف أيضاً.

فبناء عليه نقول: إن التسليم ثابت، أما التشهد فلا يثبت، فيكون القول الثالث حينئذ أنه يسلم ولا يتشهد، وهو قول ابن سيرين وابن المنذر والبغوي، ووجه عند علماء الشافعية، ورجحه ابن قدامة، فيكون هذا القول هو الأحرى بالقبول.