شرح العقيدة الطحاوية [45]


الحلقة مفرغة

مر بنا في العقيدة زيادة الإيمان ونقصانه، ودليل ذلك من الكتاب والسنة، وأنه قول أهل السنة والجماعة، والأدلة على ذلك، وفائدة الإيمان بزيادة الإيمان ونقصانه، وفائدة اعتقاد ذلك، والنقص والخلل الحاصل في إيمان من أنكر ذلك.

من اعتقد أن الأعمال من مسمى الإيمان فإنه يحرص على استكثار الأعمال الصالحة، ومن اعتقد أن الإيمان يزيد بالطاعة حرص على الاستكثار من أنواع الطاعات، ومن عرف أن إيمانه ينقص بالمعاصي ابتعد عن كل المعاصي حتى لا ينقص بها إيمانه؛ وذلك لأنه يحس أو يستحضر أنه كلما نقص إيمانه بسبب معصية ضعف يقينه، ونقص حظه من الآخرة ومن الأجر، فهو يبتعد عن هذه الآثام التي تكون سبباً في نقص الإيمان.

لا شك أن الإيمان إذا كان يقبل الزيادة فإنه يقبل النقصان، وقد ذكرنا بعض الأدلة التي تدل على زيادة الإيمان، والأمثلة التي تكون سبباً في زيادة الإيمان وفي نقصه، وأن الإنسان إذا استحضر أنه بالكلمة الطيبة يزيد إيمانه، وبالكلمة الخبيثة ينقص إيمانه، وبالنفقة في وجوه الخير يزيد إيمانه، وبالنفقة لغير الله ينقص إيمانه، وبسماع كلام الله وبسماع الخير ونحوه يزيد إيمانه، وبسماع اللغو واللهو والإثم ونحو ذلك ينقص إيمانه، وبالخطوات التي يخطوها إلى عبادة أو إلى مكان عبادة يزداد إيمانه، وبالخطوات التي يخطوها إلى إثم أو محرم ينقص إيمانه؛ من استحضر مثل هذا في جميع أعماله فإنه ولابد سيكون منتبهاً في كل لحظة، وفي كل عمل، إذا أراد أن يتكلم لم يقدم على الكلام إلا بعد أن يتحقق أنه خير، وأنه زيادة في إيمانه، وأنه يكتب له به حسنات، فيقدم عليه، وإذا أراد أن يتوجه إلى طريق وإلى مسير تفكَّر: هل له فيه خير؟ وهل هو إيمان أو كفر؟ وهل هو من شعب الإيمان أو من شعب الكفر؟ فلا يقدم إلا بعدما يتحقق أنه عمل بر وخير.. وهكذا في بقية الأحوال.

الرد على شبهة القائلين بأن العمل ليس من الإيمان

قد يقول قائل: كيف تكون الأعمال من الإيمان وهي تعطف عليه كما في قوله: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [الشعراء:227] فإنه يفهم منه: أن الأعمال زائدة على الإيمان؟

الجواب: أن هذا العطف من عطف البيان، وعطف البيان مشهور عند العرب، فيعطف على أنه بيان لما قبله وإيضاح له وتقوية له، كأنه يؤكد أنهم متى آمنوا فإنه يزيد إيمانهم بهذه الأعمال الصالحة فيكثِّرونها، والله تعالى كثيراً ما يذكر الأعمال الصالحة ويفصل فيها، فمثلاً سورة (قد أفلح المؤمنون) ذكر الله فيها عشر صفات، أولها: الخشوع في الصلاة، وآخرها: المحافظة على الصلاة، وإذا تأملنا هذه الصفات التي أولها الإيمان وجدناها كلها متفرعة من الإيمان، وصفهم بأنهم مؤمنون، وكأنه قيل: وما هي أعمالهم؟ فقال: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:2] إلى آخرها، فهذا بيان بأنهم مؤمنون حقاً، وأنهم يدفعهم إيمانهم إلى فعل هذه الأشياء، فمن استكملها فهو منهم، ومن أخل بشيء منها فقد أخل بالإيمان أو قد نقص إيمانه.

وبهذا يعرف أن الإيمان يتفاوت أهله فيه، فيزيد بعضهم على بعض، فالذين يصلون ولكنهم لا يخشعون في صلاتهم أنقص إيماناً من الخاشعين في صلاتهم، والذين يصلون ولكن لا يحافظون على الصلاة جماعة، بل يتكاسلون عن الجماعة أحياناً أنقص من الذين يحافظون عليها، وكذلك الذين يعرضون عن اللغو كلياً وعن مجالس اللغو، كما قال الله: وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3] أي: مبتعدون؛ أكمل من الذين لا يعرضون عنه، بل يجلسون مع أهله أو يسمعون لغوهم أو نحو ذلك، فدل على أن أهل الإيمان يتفاوتون وإن كانوا كلهم مؤمنين، ولكن من استكمل هذه الصفات فقد استكمل الإيمان، ومن أخل بشيء منها فقد نقص إيمانه، والنقص قد يأتي على الآخر، وقد يبقى معه بعض الشيء.

اعتقاد ازدياد الإيمان ونقصه سبب للاستكثار من الطاعات

اعتقاد الإنسان زيادة إيمانه بالطاعات سبب لاستكثاره من الطاعات، واعتقاده نقص إيمانه بالمعاصي سبب لاجتنابه المعاصي، فلك أن تذكر العاصي وتقول له: يا أخي! بصفتك مؤمناً تذكر أن أعمالك هذه تنقص إيمانك! أعمالك هذه التي أنت تستمر فيها حتى ولو كانت من صغائر الذنوب.

إذا كنت في كل يوم -مثلاً- تجدد حلق لحيتك، أو تطيل ثيابك تكبراً وإعجاباً بنفسك، أو تتعاطى هذا الدخان وتشمه دائماً وتشربه، وتتهاون به، أو تسمع غناء وتزعم أنك ترفه عن نفسك وتتسلى، وأنت مصر على ذلك، ففي كل يوم ينقص جزء من إيمانك، وفي كل يوم تقدح في إيمانك وتقطع منه قطعة، وتجمع شعباً من شعب الكفر، ويزيد حظك من المعاصي وحظك من الكفر، أفلا تكون منتبهاً خائفاً أن هذا النقص وتواليه يضعف إيمانك، حتى لا يبقى منه إلا القليل، فما دمت في زمن الإمهال، فإن عليك أن تحرص كل الحرص على الأعمال التي يقوى بها إيمانك، ويضعف بها حظك من الكفر ومن المعاصي!

وكذلك -أيضاً- تشجع أهل الطاعة، وتحثهم على الاستكثار منها، وتبشرهم بأنهم بكل خطوة يخطونها إلى المسجد يزيد إيمانهم، وبكل ركعة يركعونها من النوافل يزيد إيمانهم، وبكل آية يقرءونها يزيد إيمانهم، وبكل تهليلة وتكبيرة وتسبيحة، وبكل استغفار وبكل دعوة يدعون بها يزيد حظهم من الإيمان، ويقوى في قلوبهم، وكذلك تقوى أبدانهم بالإيمان، ويكثر نصيبهم من الأجر الذي رتب على الإيمان.

إذاً: اعتقادنا أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية فيه هذه الفوائد، والذين جعلوا الإيمان شيئاً واحداً، وأن الناس في أصله سواء، فاتتهم هذه الفوائد، فصاروا يعتمدون على أن إيمانهم كامل لا يتزعزع ولا يتغير ولا ينقص، فلا يبالون بالنقص من الحسنات، ولا يبالون بالاقتراف للسيئات، فيقعون في المعاصي، ويتهاونون بها، ويدعون أنها لا تضر، ولا تنقص إيمانهم؛ لأنها ليست من الأعمال، والإيمان إنما هو عمل القلب، وهذه إنما هي أعمال اللسان أو أعمال البدن.

ويسبب هذا الاعتقاد السيء تهوينهم على أنفسهم أمر الذنوب، وتهوينهم على غيرهم الوقوع في المعاصي، فيقعون فيما حذر الله تعالى منه وهم لا يشعرون.

أدلة دخول العمل في مسمى الإيمان

قال الشارح رحمنا الله تعالى وإياه:

[ومن الناس من زعم أن في القرآن من ذلك قوله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48] والكلام على ذلك معروف في موضعه.

فإذا كان العطف في الكلام يكون على هذه الوجوه، نظرنا في كلام الشارع: كيف ورد فيه الإيمان فوجدناه إذا أطلق يراد به ما يراد بلفظ البر، والتقوى، والدين، ودين الإسلام.

ذكر في أسباب النزول أنهم سألوا عن الإيمان؟ فأنزل الله هذه الآية: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [البقرة:177] قال محمد بن نصر : حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ والملائي قالا: حدثنا المسعودي عن القاسم قال: جاء رجل إلى أبي ذر رضي الله عنه فسأله عن الإيمان؟ فقرأ: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ [البقرة:177] إلى آخر الآية، فقال الرجل: ليس عن هذا سألتك، فقال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني عنه، فقرأ عليه الذي قرأت عليك، فقال له الذي قلت لي، فلما أبى أن يرضى، قال: إن المؤمن الذي إذا عمل الحسنه سرته ورجا ثوابها، وإذا عمل السيئة ساءته وخاف عقابها) وكذلك أجاب جماعة من السلف بهذا الجواب.

وفي الصحيح قوله لوفد عبد القيس : (آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا الخمس من المغنم)، ومعلوم أنه لم يرد أن هذه الأعمال تكون إيماناً بالله بدون إيمان القلب، لما قد أخبر في مواضع أنه لابد من إيمان القلب، فعلم أن هذه مع إيمان القلب هو الإيمان].

قد ذكرنا أن هذا الموضوع يسمى (أسماء الإيمان والدين) أو (أسماء الأحكام)، وعرفنا أن هذه المسميات كانت مستعملة في اللغة، ولكن لها معان معروفة عندهم؛ لكن ليست هي المعاني الشرعية، فلأجل ذلك نقلها الشرع إلى هذه المسميات الخاصة.

وقد ذكرنا أنهم يقولون مثلاً: الإيمان في اللغة كذا، وفي الشرع كذا، الإسلام لغة كذا وكذا، وفي الشرع كذا وكذا، التوحيد في اللغة كذا، والتوحيد في الشرع كذا، البر في اللغة كذا وكذا، والبر في لغة الشارع وفي لسان الشارع يراد به كذا وكذا، مثلاً: التقوى في اللغة مشتقة من التوقي، وهو الحذر من المخوف، وأما في لسان الشرع فهي توقي عذاب الله، وأن يجعل بينه وبين سخط الله وقاية وحاجزاً منيعاً، وذلك يكون بامتثال كل ما أمر، وتجنب كل ما نهى وزجر.

وهكذا بقية التعاريف.

أيضاً نقل أضدادها إلى مسميات شرعية، فالشرك له مسمى في اللغة ومسمى في الشرع، والفسوق له مسمى في اللغة ومسمى في الشرع، والذنوب لها مسمى في اللغة ومسمى في الشرع، والكفر له مسمى في اللغة ومسمى في الشرع.. وما أشبه ذلك.

وهكذا -أيضاً- أسماء الأحكام: فالصلاة لغة كذا، وشرعاً كذا، والطهارة لغة كذا وكذا، وشرعاً كذا وكذا، والصوم والحج والجهاد والعمرة والزكاة وما أشبهها لها مسميات.

فنقول: إن الإيمان أصله في اللغة التصديق، وشرعاً: التصديق الجازم بأنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، مع إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأداء الخمس من الغنيمة، كما في الحديث، هذه أقوال وأعمال، أقوال لسانية وأعمال بدنية أو مالية، وكلها جعلها من الإيمان؛ ولكن لابد معها من الإيمان الذي هو العقيدة، لابد أن يكون القلب قد عقد عليها، وإلا فلا تنفع، فإن الأعمال بدون إيمان القلب لا تفيد، فبذلك يعرف أن الشرع أضاف إليها إضافات أصبحت من مسمياتها، حيث فسر الإيمان بهذه الأعمال.

وقد ثبت في الصحيح أنه فسر بها الإسلام، فإنه لما سئل عن الإسلام فسره بالأعمال الظاهرة، وهي أركانه الخمسة، وفسر الإيمان بأعمال القلب، وهو الإيمان بالغيبيات وأركانه الستة، ومراده: أن هذا أصله التصديق بالأمور الغيبية وهي هذه الأركان، ومع ذلك لابد أن يكون له مكملات ومتممات، وهي بقية الأعمال البدنية.

فيقال: البر في اللغة: الصدق، والبار: الصادق، وقد قالوا: البر هو طاعة الوالد، كما يقال: أوصيك ببر الوالدين يعني: طاعتهما، فالبر لغة: طاعة الأبوين، أو الصدق في الحديث، ولكن الشرع جعله اسماً لكل الأعمال الخيرية، حتى أعمال القلب، فأدخل فيه أركان الإيمان، في قوله: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177]، فهذه خمسة من أركان الإيمان، وذكر السادس وهو القدر في موضع آخر، وجعلها أساساً للبر، ثم ذكر أعمالاً مالية، وجعلها داخلة في البر في قوله تعالى: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ [البقرة:177] يعني: هذا عمل مالي، وهو: إعطاء المال لهؤلاء، فجعله من البر.

ثم قال: وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ [البقرة:177] ، فهذه أربعة من الأعمال البدنية.

ثم قال: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177] فأخبر بأنهم الذين صدقوا؛ لما قالوا: آمنا، فظهر إيمانهم على أبدانهم وعلى أموالهم، فهم قد صدقوا، وهم -أيضاً- أهل التقوى الذين توقوا أسباب الهلاك، وجعلوا بينهم وبين النار وقاية وحاجزاً منيعاً، فأصبحوا بذلك مستحقين لاسم التقوى.

وهكذا يقال في سائر المسميات الشرعية، وهو: أن الله تعالى شرع لعباده هذه الأشياء، وسميت بهذه المسميات، وأريد بها هذه المعاني التي تدخل فيها، ورتب عليها الأجر والثواب، فرتب الله على البر الثواب: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار:13]، ورتب على التقوى الجنة في قوله: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133] أي: هيئت للمتقين، كما رتب ذلك على الإيمان في قوله: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [الانشقاق:25]، أجر غير ممنون على إيمانهم وعملهم الصالح، فمن صدق بذلك كله وعمله فهو المصدق، وهو المتبع لهذه الشريعة، ومن نقص حظه من ذلك نقص حظه من الأجر.

قد يقول قائل: كيف تكون الأعمال من الإيمان وهي تعطف عليه كما في قوله: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [الشعراء:227] فإنه يفهم منه: أن الأعمال زائدة على الإيمان؟

الجواب: أن هذا العطف من عطف البيان، وعطف البيان مشهور عند العرب، فيعطف على أنه بيان لما قبله وإيضاح له وتقوية له، كأنه يؤكد أنهم متى آمنوا فإنه يزيد إيمانهم بهذه الأعمال الصالحة فيكثِّرونها، والله تعالى كثيراً ما يذكر الأعمال الصالحة ويفصل فيها، فمثلاً سورة (قد أفلح المؤمنون) ذكر الله فيها عشر صفات، أولها: الخشوع في الصلاة، وآخرها: المحافظة على الصلاة، وإذا تأملنا هذه الصفات التي أولها الإيمان وجدناها كلها متفرعة من الإيمان، وصفهم بأنهم مؤمنون، وكأنه قيل: وما هي أعمالهم؟ فقال: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:2] إلى آخرها، فهذا بيان بأنهم مؤمنون حقاً، وأنهم يدفعهم إيمانهم إلى فعل هذه الأشياء، فمن استكملها فهو منهم، ومن أخل بشيء منها فقد أخل بالإيمان أو قد نقص إيمانه.

وبهذا يعرف أن الإيمان يتفاوت أهله فيه، فيزيد بعضهم على بعض، فالذين يصلون ولكنهم لا يخشعون في صلاتهم أنقص إيماناً من الخاشعين في صلاتهم، والذين يصلون ولكن لا يحافظون على الصلاة جماعة، بل يتكاسلون عن الجماعة أحياناً أنقص من الذين يحافظون عليها، وكذلك الذين يعرضون عن اللغو كلياً وعن مجالس اللغو، كما قال الله: وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3] أي: مبتعدون؛ أكمل من الذين لا يعرضون عنه، بل يجلسون مع أهله أو يسمعون لغوهم أو نحو ذلك، فدل على أن أهل الإيمان يتفاوتون وإن كانوا كلهم مؤمنين، ولكن من استكمل هذه الصفات فقد استكمل الإيمان، ومن أخل بشيء منها فقد نقص إيمانه، والنقص قد يأتي على الآخر، وقد يبقى معه بعض الشيء.