شرح العقيدة الطحاوية [42]


الحلقة مفرغة

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (والأمن والإياس ينقلان عن ملة الاسلام، وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة).

يجب أن يكون العبد خائفاً راجياً، فإن الخوف المحمود الصادق: ما حال بين صاحبه وبين محارم الله، فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط.

والرجاء المحمود: رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله، فهو راج لثوابه، أو رجل أذنب ذنباً ثم تاب منه إلى الله، فهو راج لمغفرته، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:218] .

أما إذا كان الرجل متمادياً في التفريط والخطايا، يرجو رحمة الله بلا عمل، فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب.

قال: أبو علي الروذباري رحمه الله: الخوف والرجاء كجناحي الطائر، إذا استويا استوى الطير، وتم طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا، صار الطائر في حد الموت.

وقد مدح الله أهل الخوف والرجاء بقوله: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ [الزمر:9]، وقال تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا [السجدة:16]، فالرجاء يستلزم الخوف، ولولا ذلك لكان أمناً، والخوف يستلزم الرجاء، ولولا ذلك لكان قنوطاً ويأساً، وكل أحد إذا خفته هربت منه، إلا الله تعالى، فإنك إذا خفته هربت إليه، فالخائف هارب من ربه إلى ربه.

وقال صاحب منازل السائرين رحمه الله: الرجاء أضعف منازل المريد. وفي كلامه نظر، بل الرجاء والخوف على الوجه المذكور من أشرف منازل المريد.

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء).

وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه) ، ولهذا قيل: إن العبد ينبغي أن يكون رجاؤه في مرضه أرجح من خوفه، بخلاف زمن الصحة، فإنه يكون خوفه أرجح من رجائه.

وقال بعضهم: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد.

ولقد أحسن محمود الوراق في قوله:

لو قد رأيت الصغير مَنْ عمل الخي ـر ثواباً عجبت من كبره

أو قد رأيت الحقير من عمل الش ـر جزاءً أشفقت من حذره].

في هذا الكلام أن المسلم يجمع بين الخوف والرجاء، وأن هذه النصوص تدل على ذلك، فإن قوله تعالى: وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا [الإسراء:57] جمع الله فيها بين الخوف والرجاء: يرجون، ويخافون.

وكذلك قوله تعالى: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا [السجدة:16] جمع الله فيها بين الخوف والطمع، والطمع هنا هو الرجاء.

ويظهر ذلك في قوله: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر:9] والحذر: هو الخوف، يعني يخاف عذاب الآخرة، ويرجو رحمة ربه.. ونحو ذلك من الأدلة التي تدل على أن المسلم يجمع بين الخوف والرجاء.

وقد ذكرنا بعض الأسباب التي لأجلها يخاف المسلم، وبعض الأسباب التي لأجلها يرجو.

وقد ذكر الله عز وجل عن عباده هذه الصفات ليرغب فيها، وكثيراً ما يأمر الله عباده بالخوف منه، كقوله تعالى: فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [النحل:51] (فارهبون) يعني: خافوا عذابي. وتارة يعلق الخوف ببعض مخلوقاته، كقوله تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ [البقرة:24] يعني: خافوا من النار وابتعدوا منها، والنار من الأسباب التي تحمل العبد على الخوف إذا تذكرها.

الجمع بين الخوف والرجاء

يجب على الإنسان أن يجمع بين الخوف والرجاء، فيجعل المحبة كرأس الطائر، والخوف والرجاء مثل الجناحين، فإذا كان الطائر قد استوى جناحاه، ورأسه موجود، ففيه حياة مستقرة، وطيرانه معتدل، وإذا قطع أحد جناحيه تعثر، وإذا قطع جناحاه فهو أقرب إلى الموت، وإذا قطع رأسه مات، فلابد أن هذه الخصال تجتمع في العبد وتستوي: المحبة، والخوف، والرجاء.

المحبة: هي محبة الله لإنعامه على عبده، والخوف: خوفه من عذابه، والرجاء: تعلق قلبه بثوابه.

فإذا عبد الله بالمحبة فقط دون أن يخافه فقد أخطأ كما يذكر ذلك عن بعض المتصوفة، وعن بعض غلاة الزهاد ونحوهم، أنهم يقولون: ما نعبد الله خوفاً من ناره، ولا رجاءً لجنته، ولكن نعبده محبة له، ويغالون في باب المحبة، وكأنهم أمنوا من العذاب، وكأنهم لم يكن لهم رغبة في الثواب، فهذه حال الصوفية، والحقيقة أن من يعبد الله بهذا فهو زنديق.

من غلب جانب الخوف فإنه قد وقع في عقيدة الوعيدية الذين يغلبون جانب الوعيد، ومن هؤلاء الوعيدية الحرورية والمعتزلة، وسموا بذلك لأنهم يتمسكون بالأدلة التي فيها الوعيد فيحققونها؛ ولهذا يخلدون أصحاب الكبائر في النار كما تقدم مراراً.

وأما من عبد الله مغلباً جانب الرجاء، فهذا يسمى مرجئاً، والمرجئة: هم الذين يتعلقون بالرحمة ولا يذكرون العذاب، فيرجون ولا يخافون عقابه، وهم على خطر.

الرد على من غلب جانب الرجاء

لابد من الجمع بين الخوف والرجاء؛ لأجل ألا يكون هناك خوف شديد فيئول إلى القنوط، ولا رجاء منفرد فيئول إلى الأمن؛ لأن الله ذم الأمن في قوله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99] إذا رأيت -مثلاً- الذي يتمادى في العصيان، ويترك الطاعات، ويكثر من الذنوب، وقلت له: ألا تخاف الله؟! ألا تتقيه؟! ألا تخشاه؟! أين الخشية وأين الخوف وأين الرهبة من عذاب الله؟! فيتعلق بالرحمة ويقول: رحمة الله واسعة، الله أرحم الراحمين. ثم يتمادى في المعصية، تخوفه من عذاب الدنيا فيأمن، تخوفه من عذاب الآخرة فلا يخاف، فمن هذه حاله يُخاف عليه أن يكون من الذين أمنوا مكر الله.. أمنوا انتقامه.. أمنوا عذابه.. أمنوا بطشه الشديد.. أمنوا من أخذه لهم على غرة وغفلة، فيخاف عليهم أن يأتيهم أمر الله وهم على غرتهم وغفلتهم وسلوتهم؛ لأن سنة الله أنه ما أخذ قوماً إلا عند غرتهم، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن هذا إمهال وليس إهمالاً، يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيت الله يعطي العبد وهو مقيم على معاصيه فاعلم أنه استدراج) وهذا مذكور في قوله تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:182] فهم يغترون بإمهال الله، ويغترون بنعمه، ويغترون بعطائه لهم، فيأتيهم أمر الله وهم غافلون، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ قول الله تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]) ، وهذا الإمهال والتأخير ليس هو لأجل أنهم ليسوا بمذنبين، ولكن الله يؤخرهم إلى أجل، يقول بعضهم:

أيحسب الظالم في ظلمه أهمله القادر أم أمهله

فهم ما أهملوا، بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلاً، لهم موعد لابد أن يأتي، وهذا في حق الذين يأمنون مكر الله، فيعملون السيئات ويكثرون منها، وهم آمنون مطمئنون، وكأنهم لم يعملوا سيئة.

الرد على من غلب جانب الخوف

هناك قسم آخر قد قطعوا رجاءهم، وقطعوا طمعهم في الرحمة، واستسلموا للعذاب في نظرهم، ولا ندري هل هم صادقون أم هم مستهزئون؟

فإنك إذا جئت إلى بعض من عاش على السيئات والكفريات وترك القربات، ونصحته قائلاً: تب إلى الله، وأقبل عليه، واترك ما أنت عليه من التمادي في الغفلة، واترك الذنوب، وأكثر من الحسنات. فإنه يمتنع ويقول: أنا قد أذنبت، وقد كفرت، وقد أسأت، وقد ارتكبت من الخطايا كذا وكذا.. شربت الخمور.. زنيت.. قتلت.. أكلت الحرام.. فعلت وفعلت، فلا تنالني الرحمة، ولا حيلة لي فيها، ولست من أهلها، بل أنا من أهل النار. هكذا ينقل عن بعضهم.

ولعل هؤلاء من الذين يستهترون بمن ينصحهم، ويتهاونون بنظر الله عز وجل، أو ينكرون أن يكون هناك عذاب دنيوي وعذاب أخروي، فيقولون هذه المقالة لرد ذلك الذي ينصحهم، ولعدم قناعتهم بما يقوله.

فنقول: لا شك أن هذا كفر أو يئول إلى الكفر، وذلك هو اليأس، قال تعالى: وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87] ، هؤلاء قد يئسوا من الرحمة، وقطعوا رجاءهم، ووقعوا في القنوط، وقد قال تعالى: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:56] والقنوط هو: قطع الرجاء، فهم قد قطعوا رجاءهم كلياً من الرحمة، وكأنهم يقولون: لا تنالنا الرحمة، ولو كانت رحمة الله واسعة فذنوبنا أكبر من أن تنالها، وذنوبنا أكبر من أن تغفرها، قد كفرنا، وقد أسأنا، وقد أذنبنا، وقد ارتكبنا، وقد فعلنا وفعلنا، فذنوبنا كبيرة لا تصل إليها رحمة الله!!

فيبقون على ما هم عليه من الكفر والضلال والفسوق والمعاصي، ويتمادون فيها، ويموتون وهم مصرون على ذلك، وكأنهم ممن يئسوا من الخير وقطعوا رجاءهم، فهؤلاء وقعوا في هذه المرتبة القبيحة التي هي اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله.

وبكل حال: فإن المسلم ولو وقع فيما وقع فيه من المعاصي فإن الله تعالى يكفر عنه السيئات بالأسباب التي ذكرناها آنفاً، وإذا حقق العقيدة والتوحيد قبل الله عز وجل منه، وتاب عليه، ورحمه وهو أرحم الراحمين، أما إذا تمادى في عصيانه فقد أقدم على العذاب والعياذ بالله.

يجب على الإنسان أن يجمع بين الخوف والرجاء، فيجعل المحبة كرأس الطائر، والخوف والرجاء مثل الجناحين، فإذا كان الطائر قد استوى جناحاه، ورأسه موجود، ففيه حياة مستقرة، وطيرانه معتدل، وإذا قطع أحد جناحيه تعثر، وإذا قطع جناحاه فهو أقرب إلى الموت، وإذا قطع رأسه مات، فلابد أن هذه الخصال تجتمع في العبد وتستوي: المحبة، والخوف، والرجاء.

المحبة: هي محبة الله لإنعامه على عبده، والخوف: خوفه من عذابه، والرجاء: تعلق قلبه بثوابه.

فإذا عبد الله بالمحبة فقط دون أن يخافه فقد أخطأ كما يذكر ذلك عن بعض المتصوفة، وعن بعض غلاة الزهاد ونحوهم، أنهم يقولون: ما نعبد الله خوفاً من ناره، ولا رجاءً لجنته، ولكن نعبده محبة له، ويغالون في باب المحبة، وكأنهم أمنوا من العذاب، وكأنهم لم يكن لهم رغبة في الثواب، فهذه حال الصوفية، والحقيقة أن من يعبد الله بهذا فهو زنديق.

من غلب جانب الخوف فإنه قد وقع في عقيدة الوعيدية الذين يغلبون جانب الوعيد، ومن هؤلاء الوعيدية الحرورية والمعتزلة، وسموا بذلك لأنهم يتمسكون بالأدلة التي فيها الوعيد فيحققونها؛ ولهذا يخلدون أصحاب الكبائر في النار كما تقدم مراراً.

وأما من عبد الله مغلباً جانب الرجاء، فهذا يسمى مرجئاً، والمرجئة: هم الذين يتعلقون بالرحمة ولا يذكرون العذاب، فيرجون ولا يخافون عقابه، وهم على خطر.

لابد من الجمع بين الخوف والرجاء؛ لأجل ألا يكون هناك خوف شديد فيئول إلى القنوط، ولا رجاء منفرد فيئول إلى الأمن؛ لأن الله ذم الأمن في قوله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99] إذا رأيت -مثلاً- الذي يتمادى في العصيان، ويترك الطاعات، ويكثر من الذنوب، وقلت له: ألا تخاف الله؟! ألا تتقيه؟! ألا تخشاه؟! أين الخشية وأين الخوف وأين الرهبة من عذاب الله؟! فيتعلق بالرحمة ويقول: رحمة الله واسعة، الله أرحم الراحمين. ثم يتمادى في المعصية، تخوفه من عذاب الدنيا فيأمن، تخوفه من عذاب الآخرة فلا يخاف، فمن هذه حاله يُخاف عليه أن يكون من الذين أمنوا مكر الله.. أمنوا انتقامه.. أمنوا عذابه.. أمنوا بطشه الشديد.. أمنوا من أخذه لهم على غرة وغفلة، فيخاف عليهم أن يأتيهم أمر الله وهم على غرتهم وغفلتهم وسلوتهم؛ لأن سنة الله أنه ما أخذ قوماً إلا عند غرتهم، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن هذا إمهال وليس إهمالاً، يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيت الله يعطي العبد وهو مقيم على معاصيه فاعلم أنه استدراج) وهذا مذكور في قوله تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:182] فهم يغترون بإمهال الله، ويغترون بنعمه، ويغترون بعطائه لهم، فيأتيهم أمر الله وهم غافلون، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ قول الله تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]) ، وهذا الإمهال والتأخير ليس هو لأجل أنهم ليسوا بمذنبين، ولكن الله يؤخرهم إلى أجل، يقول بعضهم:

أيحسب الظالم في ظلمه أهمله القادر أم أمهله

فهم ما أهملوا، بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلاً، لهم موعد لابد أن يأتي، وهذا في حق الذين يأمنون مكر الله، فيعملون السيئات ويكثرون منها، وهم آمنون مطمئنون، وكأنهم لم يعملوا سيئة.

هناك قسم آخر قد قطعوا رجاءهم، وقطعوا طمعهم في الرحمة، واستسلموا للعذاب في نظرهم، ولا ندري هل هم صادقون أم هم مستهزئون؟

فإنك إذا جئت إلى بعض من عاش على السيئات والكفريات وترك القربات، ونصحته قائلاً: تب إلى الله، وأقبل عليه، واترك ما أنت عليه من التمادي في الغفلة، واترك الذنوب، وأكثر من الحسنات. فإنه يمتنع ويقول: أنا قد أذنبت، وقد كفرت، وقد أسأت، وقد ارتكبت من الخطايا كذا وكذا.. شربت الخمور.. زنيت.. قتلت.. أكلت الحرام.. فعلت وفعلت، فلا تنالني الرحمة، ولا حيلة لي فيها، ولست من أهلها، بل أنا من أهل النار. هكذا ينقل عن بعضهم.

ولعل هؤلاء من الذين يستهترون بمن ينصحهم، ويتهاونون بنظر الله عز وجل، أو ينكرون أن يكون هناك عذاب دنيوي وعذاب أخروي، فيقولون هذه المقالة لرد ذلك الذي ينصحهم، ولعدم قناعتهم بما يقوله.

فنقول: لا شك أن هذا كفر أو يئول إلى الكفر، وذلك هو اليأس، قال تعالى: وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87] ، هؤلاء قد يئسوا من الرحمة، وقطعوا رجاءهم، ووقعوا في القنوط، وقد قال تعالى: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:56] والقنوط هو: قطع الرجاء، فهم قد قطعوا رجاءهم كلياً من الرحمة، وكأنهم يقولون: لا تنالنا الرحمة، ولو كانت رحمة الله واسعة فذنوبنا أكبر من أن تنالها، وذنوبنا أكبر من أن تغفرها، قد كفرنا، وقد أسأنا، وقد أذنبنا، وقد ارتكبنا، وقد فعلنا وفعلنا، فذنوبنا كبيرة لا تصل إليها رحمة الله!!

فيبقون على ما هم عليه من الكفر والضلال والفسوق والمعاصي، ويتمادون فيها، ويموتون وهم مصرون على ذلك، وكأنهم ممن يئسوا من الخير وقطعوا رجاءهم، فهؤلاء وقعوا في هذه المرتبة القبيحة التي هي اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله.

وبكل حال: فإن المسلم ولو وقع فيما وقع فيه من المعاصي فإن الله تعالى يكفر عنه السيئات بالأسباب التي ذكرناها آنفاً، وإذا حقق العقيدة والتوحيد قبل الله عز وجل منه، وتاب عليه، ورحمه وهو أرحم الراحمين، أما إذا تمادى في عصيانه فقد أقدم على العذاب والعياذ بالله.