شرح العقيدة الطحاوية [37]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأما الملائكة فهم الموكلون بالسماوات والأرض، فكل حركة في العالم فهي ناشئة عن الملائكة، كما قال تعالى: فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً [النازعات:5].. فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً [الذاريات:4] وهم الملائكة عند أهل الإيمان وأتباع الرسل، وأما المكذبون بالرسل المنكرون للصانع فيقولون: هي النجوم.

وقد دل الكتاب والسنة على أصناف الملائكة، وأنها موكلة بأصناف المخلوقات، وأنه سبحانه وكل بالجبال ملائكة، ووكل بالسحاب والمطر ملائكة، ووكل بالرحم ملائكة تدبر أمر النطفة حتى يتم خلقها.

ثم وكل بالعبد ملائكة لحفظ ما يعمله وإحصائه وكتابته.

ووكل بالموت ملائكة، ووكل بالسؤال في القبر ملائكة، ووكل بالأفلاك ملائكة يحركونها، ووكل بالشمس والقمر ملائكة، ووكل بالنار وإيقادها وتعذيب أهلها وعمارتها ملائكة، ووكل بالجنة وعمارتها وغراسها وعمل آلاتها ملائكة.

فالملائكة أعظم جنود الله، ومنهم: المرسلات عرفاً، والناشرات نشراً، والفارقات فرقاً، والملقيات ذكراً. ومنهم: النازعات غرقاً، والناشطات نشطاً، والسابحات سبحاً، والسابقات سبقاً. ومنهم: الصافات صفاً، والزاجرات زجراً، والتاليات ذكراً.

ومعنى جمع التأنيث في ذلك كله: الفرق والطوائف والجماعات، التي مفردها: (فرقة) و(طائفة) و(جماعة).

ومنهم: ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، وملائكة قد وكلوا بحمل العرش، وملائكة قد وكلوا بعمارة السماوات بالصلاة والتسبيح والتقديس، إلى غير ذلك من أصناف الملائكة التي لا يحصيها إلا الله تعالى.

ولفظ الملك يشعر بأنه رسول منفذ لأمر مرسله، فليس لهم من الأمر شيء، بل الأمر كله لله الواحد القهار، وهم ينفذون أمره: لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء:27-28]، يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:50] فهم عباد مكرمون، منهم الصافون، ومنهم المسبحون، ليس منهم إلا له مقام معلوم، لا يتخطاه، وهو على عمل قد أمر به، لا يقصر عنه ولا يتعداه، وأعلاهم الذين عنده لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:19-20]].

حقيقة خلق الملائكة وذكر أسماء بعضهم في القرآن والسنة

ذكرنا أن من أركان الإيمان: الإيمان بالملائكة، الملائكة واحدهم ملَك، بفتح اللام، هذا النوع خلق من خلق الله، وهم أرواح لا نراهم، لا نشك بأنهم يتجسدون وأنهم يصعدون وينزلون، وأنهم يتصلون بالإنسان ويتكلمون، وأن الملك يتمثل إنساناً ويكلم النبي، وينزل عليه بالوحي.

وقد سمى الله تعالى منهم في القرآن اثنين كما في قوله تعالى: مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:98] سمى الله جبريل وميكال، وجِبريل قرئ جبرائيل وجبريل وجَبريل، يعني: بعدة قراءات، وهو مسمى واحد، وذكر الله ملك الموت في قوله تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ [السجدة:11] وسمي في بعض الروايات بعزرائيل، وسمي في الحديث أيضاً ملك رابع وهو: إسرافيل، وسمي ملك خامس وهو: مالك، كما في قوله تعالى: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:77] ، وذكر الله في القرآن خزنة النار وخزنة الجنة كما في قوله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ [الزمر:71] ، وفي الجنة: وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ [الزمر:73] ، وفي قوله تعالى: تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنْ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا [الملك:8] الخزنة: هم الموكلون بها، فالملائكة خلق من خلق الله تعالى، لا يحصي عددهم إلا الله تعالى، لما نزل قول الله تعالى في النار: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر:30] قال المشركون: ما داموا تسعة عشر فنحن أكثر منهم؛ سنغلبهم، فأنزل الله قوله تعالى: وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً [المدثر:31] إلى قوله: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ [المدثر:31] أي: جنوده الذين هم الملائكة لا يعلم عددهم إلا هو، وورد في الحديث: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم أو ملك راكع أو ساجد).

الأعمال التي أوكلت إلى الملائكة من قبل الله

الملائكة خلق الله تعالى، وقد سمعنا في كلام الشارح بعضاً من صفاتهم وما وكلوا به، الموكلون بالقطر يعني: بالمطر وتصريفه والسحب وتصريفها، وكذلك الموكلون بحفظ بني آدم كما في قول الله تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11] وكذلك الموكلون بحفظ الأعمال كما في قوله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، وفي قوله تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ [الانفطار:10-11] وكذلك الذين ينزلون بالوحي ذكروا في قوله تعالى: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ [عبس:15-16] وصفهم بأنهم سفرة يعني: بأنهم وسطاء بين الله وبين رسله، وأنهم كرام، وأنهم بررة، وكذلك أقسم الله بهم في قوله تعالى: وَالصَّافَّاتِ صَفّاً [الصافات:1] يعني: الملائكة الذين يصفون صفوفاً فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً [الصافات:2] الذين يزجرون السحب ونحوها، فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً [الصافات:3] الذين يتلون كلام الله ويذكرون الله تعالى به.

وقوله: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً [المرسلات:1]، هم الذين يرسلهم الله تعالى ليعرفوا عباده، والآيات التي بعدها، وقوله: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً [النازعات:1]، النازعات: هي التي تنزع أرواح الكفار نزعاً شديداً يعني: عند الموت، وهم ملائكة العذاب، والناشطات: هي التي تنشط أرواح المؤمنين عند الموت نشطاً، وهكذا في الآيات التي بعدها، لا شك أن هذه ألقاب تبين أنواعاً من الملائكة هذه أعمالهم، فنصدق بهم وإن لم نر الملائكة، ولكن نصدق أنهم خلق الله تعالى، كما أننا نصدق بالجن وبأنهم يدخلون في الإنس ويداخلونهم، وأنهم أرواح مستغنية عن أجساد تقوم بها، وإن لم نر الجن، وإن كذب بهم من كذب وقال: الجن لو كانوا موجودين لرأيناهم بالمجهر، نقول: إنهم لا يرون، فإنهم بمنزلة شعاع النور الذي يشع من هذه الأنوار ونحوها وليس لهم جرم، ولكن يخرقهم البصر، فليس لهم جسد حقيقي حتى ينعكس وحتى يكبره المكبر وحتى يراه البصر، فالملائكة والجن والشياطين أرواح ليس لهم أجساد تقوم بها، الإنسان مركب من روح وجسد، فإذا خرجت الروح بالموت فإننا لا نرى الروح تخرج وتفارق جسدها، بل يبقى الجسد ليس فيه هذه الروح التي تحركه، فإذا أراد الله تعالى إحياءه جمع الجسد مرة ثانية وأعاد إليه الروح فعاش وحيي، فنقول: إن الروح التي يحيا بها الجسد لا يعلم كيفيتها، قال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً [الإسراء:85] فالأرواح التي ليست لها أجساد تعيش وتتقلب وتذهب وتجيء وهي خفيفة الحركة كالملائكة وكالجن الذين ذكر الله تعالى أنهم يصلون إلى السماء كما في قوله تعالى: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ [الجن:8] فلا يستغرب أن تكون الملائكة يصعدون إلى السماء في طرفة عين، ويقطعون المسافات الطويلة في لحظة؛ وذلك لخفة أجسادهم؛ ولأن الله تعالى أعطاهم من القدرة على الصعود وعلى قطع المسافات ما لم يعطه الإنسان في أية حال، فعلى المسلم أن يصدق بمثل هذه الأمور وإن كان لم يدركها ببصره؛ وذلك لإخبار الله عنها وهو الصادق المصدوق: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122].

صفات الملائكة في القرآن

مر بنا أن من أركان الإيمان: الإيمان بالملائكة، والإيمان بما أخبر الله تعالى عنهم في كتابه حيث وصفهم بقوله: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الأنبياء:26-27]، وبقوله: لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:19-20]، وبقوله: لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ [الأعراف:206]، ونحو ذلك من الآيات التي مدحهم بها، وكذلك الإيمان بمن سمي منهم، والإيمان بأعمالهم التي أسندت إليهم، والإيمان بما نقل من أوصافهم وأخبارهم، وهذا يدخل في الإيمان بالغيب، والإيمان بالغيب يعم كل شيء غائب عنا، أخبرنا الله به خبراً يقينياً يلزمنا أن نصدق به كما وصف لنا، وليس لنا أن نتكلف أكثر من ذلك.

معلوم أن الملائكة لا يمكننا رؤيتهم فهم أرواح مستغنية عن أجساد تقوم بها، والذي خلق الأجساد خلق الأرواح، ومعلوم أن لهم أجساماً خفيفة علوية نورانية حية متحركة تسمع وتعقل، وتمتثل، وتركع، وتسجد، وتأتمر بأمر الله، وتقطع المسافات الطويلة الشاسعة في زمن قصير، وكل ذلك بقدرة الله الذي أقدرهم على ذلك كله.

ذكرنا أن من أركان الإيمان: الإيمان بالملائكة، الملائكة واحدهم ملَك، بفتح اللام، هذا النوع خلق من خلق الله، وهم أرواح لا نراهم، لا نشك بأنهم يتجسدون وأنهم يصعدون وينزلون، وأنهم يتصلون بالإنسان ويتكلمون، وأن الملك يتمثل إنساناً ويكلم النبي، وينزل عليه بالوحي.

وقد سمى الله تعالى منهم في القرآن اثنين كما في قوله تعالى: مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:98] سمى الله جبريل وميكال، وجِبريل قرئ جبرائيل وجبريل وجَبريل، يعني: بعدة قراءات، وهو مسمى واحد، وذكر الله ملك الموت في قوله تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ [السجدة:11] وسمي في بعض الروايات بعزرائيل، وسمي في الحديث أيضاً ملك رابع وهو: إسرافيل، وسمي ملك خامس وهو: مالك، كما في قوله تعالى: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:77] ، وذكر الله في القرآن خزنة النار وخزنة الجنة كما في قوله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ [الزمر:71] ، وفي الجنة: وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ [الزمر:73] ، وفي قوله تعالى: تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنْ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا [الملك:8] الخزنة: هم الموكلون بها، فالملائكة خلق من خلق الله تعالى، لا يحصي عددهم إلا الله تعالى، لما نزل قول الله تعالى في النار: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر:30] قال المشركون: ما داموا تسعة عشر فنحن أكثر منهم؛ سنغلبهم، فأنزل الله قوله تعالى: وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً [المدثر:31] إلى قوله: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ [المدثر:31] أي: جنوده الذين هم الملائكة لا يعلم عددهم إلا هو، وورد في الحديث: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم أو ملك راكع أو ساجد).


استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العقيدة الطحاوية [87] 2711 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [60] 2629 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [1] 2589 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [79] 2559 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [93] 2470 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [77] 2407 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [53] 2384 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [99] 2371 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [71] 2335 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [31] 2299 استماع