شرح أخصر المختصرات [47]


الحلقة مفرغة

حكم قبول الهدية في مقابل العمل المراد به وجه الله

عرفنا أن الهدية: هي التبرع بجزء من المال أو بمنفعة لقصد التودد والمحبة، وأن العطية هي إعطاء الإنسان غيره شيئاً من المال بغير مقابل، وأن الهدية قسمان: هدية تبرر، وهدية ثواب، فهدية الثواب تكون كالبيع، إذا لم يعط مقابلها فله الرجوع، وهدية التبرع لا يجوز الرجوع فيها.

وقد ورد في فضل الهدية حديث مشهور هو: (تهادوا تحابوا)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها، مع أن أهلها لا يشترطون ثواباً، ولكنه يحب مكافأتهم، فقد ورد في حديث: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له، حتى تروا أنكم قد كافأتموه).

وبهذا يعرف أن الهدية تكون مالاً، وتكون منفعة، فالإنسان الذي يعلمك، ويفهمك مسألة من المسائل، يعتبر قد فعل معك معروفاً، وأنت تحب أن تكافئه، لكن يستحب له إذا كان قصده الثواب والأجر ألا يأخذ هديتك؛ لأنها قد تنقص أجره، وقد جاء في حديث أبي الدرداء: (أنه علم رجلاً من أهل الصفة آيات من القرآن، فأهدى إليه قوساً، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أحببت أن تطوق مثله من النار فخذه)؛ وذلك لأنه أراد الأجر بتعليمه، فلا يحق له أن يفسد أجره، وأن يأخذ عليه عوضاً.

ويقال كذلك في كل من عمل عملاً يحتسبه عند الله، فلا يفسد أجره بقبول تلك الهدية، سيما إذا كان ذلك الذي علمته أو دللته فقيراً كأهل الصفة الذين هم من فقراء المهاجرين، فمن فعل ذلك يحتسب الأجر، فليس له أن يأخذ ما يقابله، وقد ورد في حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال ما معناه: (من عمل عملاً يبتغي به وجه الله فأهدي إليه شيء فلا يأخذه)، بل عد في بعض الروايات أنه من الربا، وإن لم يكن من الربا الصريح، فإذا عملت لإنسان عملاً تحتسبه فلا تأخذ عليه أجراً، كما إذا حملت له متاعه أو رفعته له، أو أوصلته له إلى منزله وأنت محتسب أنه فقير ذو حاجة، أو شفعت له عند من قضى حاجته، أو أما أشبه ذلك، وأنت تحتسب الأجر، فليس لك إفساد أجرك بأخذ هدية، وقد قصدت الأجر الأخروي، فلا تأخذ أجراً دنيوياً.

حكم قبول الهدية إذا قصد بها الرشوة

ومن الهدايا التي لا تجوز، إذا كان ذلك المهدي يقصد مقصداً دنيوياً، فليس له أن يهدي، وليس للمهدى إليه أن يقبل، فإذا أهديت للطبيب لأجل أن يقدمك على المراجعين، فهذه هدية شبيهة بالغلول، وهدايا هؤلاء العمال غلول، أو أهديت لمدرس ليزيد في درجاتك، فهذه من جنسها، ولا يحق له أن يقبلها، أو أهديت للموظف ليقبل وظيفتك، وليقدمك في الوظيفة على من هو أحق منك، فإن هذه من الغلول أو من المحرم.

ومثله: ما ورد في هدية القاضي فإنها تسمى رشوة، فإذا أهدى أحد الخصمين للقاضي أو نفعه، وأراد بذلك أن يميل معه، وسماها هدية، ولو -مثلاً- ضيافة، بأن استضافه وأكرمه ويريد أن يميل معه، فإنها تسمى رشوة، وكذلك إذا كان يراجع كاتباً ويريد أن يقدمه على غيره، فإنه بذلك يكون قد أعطاه ما يشبه الرشوة، فليس للآخذ أن يأخذ، ولا للمعطي أن يعطي في هذه الحالات وأشباهها.

ويقع كثيراً التساهل في هذا، ويسأل كثيرون من أصحاب المنح هذا السؤال: إني طلبت منحة أرض سكنية، وإذا أعطيت هذا المسئول أعطاني في مكان مرغوب، وإذا ما أعطيته دفعني وأبعدني؟

فالجواب أن نقول: هذه رشوة ولو سميتها هدية، فإنك بذلك تضر غيرك، والواجب عليه أن يسوي بين جميع الممنوحين ونحوهم، فلا يقدم هذا لأنه يعرفه، أو هذا لأنه صديقه، أو هذا لأنه من أسرته، أو هذا لأنه كبير القوم، أو هذا لأنه أهدى إليه أو ما أشبه ذلك.

وأما حديث: (هدايا العمال غلول) فهو مشهور، وإن كان هذا اللفظ في إسناده مقال، والأصل فيه قصة ابن اللتبية الذي ولاه النبي صلى الله عليه وسلم على جمع الزكاة من البهائم، فجاء وقال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (هلَّا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً) المعنى: أنهم أهدوا له حتى يتسامح معهم، إذا كان عليهم -مثلاً- خمس شياه ثمينة، أهدوا له شاة وأعطوه خمساً هزيلة، وقبلها، فمثل هذا يعتبر رشوة، ولو سموها هدية؛ لأنهم يقصدون بذلك أن يخفف عنهم، وكذلك أصحاب الثمار، لا يجوز له أن يستضاف عندهم؛ لأنه قد يزيد في خرص من لم يضيفه أو لم يكرمه ويتغاضى عن الذي أكرمه، والذي زاد في إكرامه ينقص عليه من الزكاة، فلذلك لا يجوز له والحال هذه.

فأمر الهدايا والهبات فيه تساهل كثير، ويقع به ضرر على الفقراء الذين لا يجدون ما يهدون، حيث إن أولئك الذين هم أهل طمع وأهل مقاصد دنيوية؛ يقدمون من أهدى إليهم في القضايا وفي الكتابات وإخراج الصكوك، وكذلك في المنح وما أشبهها، وهذا لا يجوز، وإذا عرفنا هذا الحكم فلا يصح لأحد أن يقبل شيئاً من هذه الهدايا ونحوها.

عرفنا أن الهدية: هي التبرع بجزء من المال أو بمنفعة لقصد التودد والمحبة، وأن العطية هي إعطاء الإنسان غيره شيئاً من المال بغير مقابل، وأن الهدية قسمان: هدية تبرر، وهدية ثواب، فهدية الثواب تكون كالبيع، إذا لم يعط مقابلها فله الرجوع، وهدية التبرع لا يجوز الرجوع فيها.

وقد ورد في فضل الهدية حديث مشهور هو: (تهادوا تحابوا)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها، مع أن أهلها لا يشترطون ثواباً، ولكنه يحب مكافأتهم، فقد ورد في حديث: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له، حتى تروا أنكم قد كافأتموه).

وبهذا يعرف أن الهدية تكون مالاً، وتكون منفعة، فالإنسان الذي يعلمك، ويفهمك مسألة من المسائل، يعتبر قد فعل معك معروفاً، وأنت تحب أن تكافئه، لكن يستحب له إذا كان قصده الثواب والأجر ألا يأخذ هديتك؛ لأنها قد تنقص أجره، وقد جاء في حديث أبي الدرداء: (أنه علم رجلاً من أهل الصفة آيات من القرآن، فأهدى إليه قوساً، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أحببت أن تطوق مثله من النار فخذه)؛ وذلك لأنه أراد الأجر بتعليمه، فلا يحق له أن يفسد أجره، وأن يأخذ عليه عوضاً.

ويقال كذلك في كل من عمل عملاً يحتسبه عند الله، فلا يفسد أجره بقبول تلك الهدية، سيما إذا كان ذلك الذي علمته أو دللته فقيراً كأهل الصفة الذين هم من فقراء المهاجرين، فمن فعل ذلك يحتسب الأجر، فليس له أن يأخذ ما يقابله، وقد ورد في حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال ما معناه: (من عمل عملاً يبتغي به وجه الله فأهدي إليه شيء فلا يأخذه)، بل عد في بعض الروايات أنه من الربا، وإن لم يكن من الربا الصريح، فإذا عملت لإنسان عملاً تحتسبه فلا تأخذ عليه أجراً، كما إذا حملت له متاعه أو رفعته له، أو أوصلته له إلى منزله وأنت محتسب أنه فقير ذو حاجة، أو شفعت له عند من قضى حاجته، أو أما أشبه ذلك، وأنت تحتسب الأجر، فليس لك إفساد أجرك بأخذ هدية، وقد قصدت الأجر الأخروي، فلا تأخذ أجراً دنيوياً.

ومن الهدايا التي لا تجوز، إذا كان ذلك المهدي يقصد مقصداً دنيوياً، فليس له أن يهدي، وليس للمهدى إليه أن يقبل، فإذا أهديت للطبيب لأجل أن يقدمك على المراجعين، فهذه هدية شبيهة بالغلول، وهدايا هؤلاء العمال غلول، أو أهديت لمدرس ليزيد في درجاتك، فهذه من جنسها، ولا يحق له أن يقبلها، أو أهديت للموظف ليقبل وظيفتك، وليقدمك في الوظيفة على من هو أحق منك، فإن هذه من الغلول أو من المحرم.

ومثله: ما ورد في هدية القاضي فإنها تسمى رشوة، فإذا أهدى أحد الخصمين للقاضي أو نفعه، وأراد بذلك أن يميل معه، وسماها هدية، ولو -مثلاً- ضيافة، بأن استضافه وأكرمه ويريد أن يميل معه، فإنها تسمى رشوة، وكذلك إذا كان يراجع كاتباً ويريد أن يقدمه على غيره، فإنه بذلك يكون قد أعطاه ما يشبه الرشوة، فليس للآخذ أن يأخذ، ولا للمعطي أن يعطي في هذه الحالات وأشباهها.

ويقع كثيراً التساهل في هذا، ويسأل كثيرون من أصحاب المنح هذا السؤال: إني طلبت منحة أرض سكنية، وإذا أعطيت هذا المسئول أعطاني في مكان مرغوب، وإذا ما أعطيته دفعني وأبعدني؟

فالجواب أن نقول: هذه رشوة ولو سميتها هدية، فإنك بذلك تضر غيرك، والواجب عليه أن يسوي بين جميع الممنوحين ونحوهم، فلا يقدم هذا لأنه يعرفه، أو هذا لأنه صديقه، أو هذا لأنه من أسرته، أو هذا لأنه كبير القوم، أو هذا لأنه أهدى إليه أو ما أشبه ذلك.

وأما حديث: (هدايا العمال غلول) فهو مشهور، وإن كان هذا اللفظ في إسناده مقال، والأصل فيه قصة ابن اللتبية الذي ولاه النبي صلى الله عليه وسلم على جمع الزكاة من البهائم، فجاء وقال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (هلَّا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً) المعنى: أنهم أهدوا له حتى يتسامح معهم، إذا كان عليهم -مثلاً- خمس شياه ثمينة، أهدوا له شاة وأعطوه خمساً هزيلة، وقبلها، فمثل هذا يعتبر رشوة، ولو سموها هدية؛ لأنهم يقصدون بذلك أن يخفف عنهم، وكذلك أصحاب الثمار، لا يجوز له أن يستضاف عندهم؛ لأنه قد يزيد في خرص من لم يضيفه أو لم يكرمه ويتغاضى عن الذي أكرمه، والذي زاد في إكرامه ينقص عليه من الزكاة، فلذلك لا يجوز له والحال هذه.

فأمر الهدايا والهبات فيه تساهل كثير، ويقع به ضرر على الفقراء الذين لا يجدون ما يهدون، حيث إن أولئك الذين هم أهل طمع وأهل مقاصد دنيوية؛ يقدمون من أهدى إليهم في القضايا وفي الكتابات وإخراج الصكوك، وكذلك في المنح وما أشبهها، وهذا لا يجوز، وإذا عرفنا هذا الحكم فلا يصح لأحد أن يقبل شيئاً من هذه الهدايا ونحوها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وليس لولد ولا لورثته مطالبة أبيه بدين ونحوه، بل بنفقه واجبة، ومن مرضه غير مخوفٍ تصرفه كصحيح، أو مخوف كبرسامٍ أو إسهال متداركٍ، وما قال طبيبان مسلمان عدلان عند إشكاله إنه مخوفٌ، لا يلزم تبرعه لوارثٍ بشيءٍ، ولا بما فوق الثلث لغيره إلا بإجازة الورثة.

ومن امتد مرضه بجذام ونحوه ولم يقطعه بفراش فكصحيح، ويعتبر عند الموت كونه وارثاً أو لا، ويبدأ بالأول فالأول بالعطية، ولا يصح الرجوع فيها، ويعتبر قبولها عند وجودها، ويثبت الملك فيها من حينها، والوصية بخلاف ذلك كله].

تقدم فيما يتعلق بالعطية ما يحل للأب أن يأخذ من مال ولده، وعرفنا شروطه، ثم يقول المصنف: (وليس لولد ولا لورثة مطالبة أبيه بدين ونحوه، بل بنفقة واجبة) أي: إذا كان لك دين على والدك فليس لك أن تطالب أباك بهذا الدين، وتقول: إن عندك لي ديناً يا أبي، بل إن دفعه الأب ورده فلك أخذه، وإلا فله أن يأخذ ويتملك من مال ولده ما لا يضره ولا يحتاجه، فإذا استدان منه ديناً فليس له أن يطالبه ويقول: أعطني يا أبي الدين الذي عندك، وكذلك إذا مات الابن فليس لورثته مطالبة أجدادهم، ويقولون: إن أبانا كان له دين عندك أيها الأب الأبعد، أيها الجد، ليس لهم ذلك.

وظاهر هذا أنه يجوز له أن يأخذ من مال أولاد ابنه، وأن الجد بمنزلة الأب يأخذ من مال ابنه، ومن مال ابن ابنه وإن نزل؛ لأن الجد أب، فله أن يأخذ من ماله ابنه وابن ابنه ما لا يضر الابن، ولا تتعلق به حاجته.

ويجوز للابن مطالبة أبيه بالنفقة الواجبة، فإنه يجب عليه أن ينفق على أولاده، والأصل أن الأب لا يجمع الأموال إلا لأولاده، فإذا احتاجوا للنفقة الواجبة الضرورية وجب عليه أن ينفق عليهم بقدر كفايتهم طعاماً وشراباً وكسوة وسكناً، وكذلك الحاجات الضرورية كتزويج وما أشبهه.

وللأب أن يسوي بينهم في النفقة، فلا يزيد لهذا عن هذا، أو لهؤلاء عن هؤلاء لأنه يحبهم، بل يعطيهم بالسوية، فلا يشتري لهذا كسوة غالية وهذا كسوة رخيصة، أو يطعم هؤلاء من اللحوم والفواكه، وهؤلاء من يابس الخبز وما أشبهه، بل عليه أن يسوي بينهم، وإذا قصر عليهم وكادوا أن يجوعوا، فلهم مطالبة أبيهم حتى يسد خلتهم وحاجتهم.


استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح أخصر المختصرات [21] 2740 استماع
شرح أخصر المختصرات [28] 2717 استماع
شرح أخصر المختصرات [72] 2608 استماع
شرح أخصر المختصرات [87] 2572 استماع
شرح أخصر المختصرات [37] 2485 استماع
شرح أخصر المختصرات [68] 2350 استماع
شرح أخصر المختصرات [81] 2341 استماع
شرح أخصر المختصرات [58] 2333 استماع
شرح أخصر المختصرات [9] 2320 استماع
شرح أخصر المختصرات [22] 2270 استماع