شرح حديث كلكم راع


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. وبعد: فالكلام في هذه الليلة سيكون على الحديث المشهور، الذي رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والرجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) رواه البخاري ومسلم . فهذا الحديث المتفق عليه يعطينا أهمية هذه الرعاية، حيث بدأها بعموم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) وختمها بالعموم: (فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، وفصل فيما بين ذلك بذكر أربعة: بذكر الإمام، والرجل على أهل بيته، والمرأة في بيت زوجها، والرجل في مال أبيه، وهذا كنموذج أو مثال لمن عليه رعاية، فيبين صلى الله عليه وسلم هذه الرعاية التي لها أهميتها. فنحب أن نذكر كلاماً على هؤلاء الأربعة الذين ذكروا في الحديث، ثم إذا كان في الوقت سعة، ذكرنا بعض من يلحق بهم ممن هم مؤتمنون على أمر من الأمور الخاصة أو الأمور العامة، حيث إنه صلى الله عليه وسلم عمم أولاً وآخراً، وذلك دليل على أن كل فرد من المسلمين ذكراً أو أنثى فإنه راع.

معنى الرعاية

معلوم أن الراعي هو الذي عنده رعية، أي: تحت يده رعية، فيقال له: راع لهذه الرعية. وأصل الرعاية: هي رعاية البهائم وحفظها عما يفتك بها من السباع ونحو ذلك، إذا كانت ترعى من النبات ونحوه، قال الله تعالى: كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ [طه:54] أي: لتذهبوا بها لترعى، أي: لتأكل من هذا النبات، ويقول الشاعر: ومن رعى غنماً في أرض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد فالراعي هو الذي يراقب الرعية، والأصل في بهيمة الأنعام أنها تحتاج إلى من يرعاها، أي: من يحفظها، فيرسلون إليها راعياً، أي: إنساناً مؤتمناً على هذه الدواب، يرسلونه معها حتى يحفظها، فيسيمها في النبات، ويراقبها عن الضياع، ويحفظها عن السباع، ويؤتمن عليها إلى أن يردها إلى أهلها، فيسمى راعياً، ثم أطلق على كل من يؤتمن على رعية من الرعايا. وهم في هذا الحديث من البشر، أي: المسئول عنهم إنسان موكل عليهم، ورئيس يرأسهم، فيسمى راعياً، ويسمى من تحته رعية له، فأخبر صلى الله عليه وسلم من حيث العموم بأن كل إنسان لابد أنه راع ولو على نفسه أو أهله، ولو على ولده أو امرأته أو ما أشبه ذلك، وإذا كان كذلك فإن عليه حفظ هذه الرعية ومراقبتها، والإتيان بكل ما فيه مصلحتها، وكذلك -أيضاً- يشعر بأنه مسئول عن هذه الرعية، وهذا السؤال إنما يكون حقاً في الدار الآخرة، وقد تكون هناك مسئولية في الدنيا إذا كان فوقه من يناقشه ويسأله، فإن الغالب أن كل رئيس فإنه مرءوس، وفوقه من يسأله عن هذه الرعية التي استرعي عليها، فعليه أن يستحضر هذه المسئولية. والسؤال إذا كان في الآخرة فإنه يكون من الله تعالى، ولابد أن يكون ذلك السؤال سؤال مناقشة عن هذه الرعية: لماذا أهملتها؟ ولماذا أضعت من اؤتمنت عليه؟ ولماذا لم تنصح لها؟ ولماذا لم تولها حق الحفظ وحق المراقبة؟ فهذه المناقشة لابد أن يعد لها جواباً، فكل سؤال يحتاج إلى جواب، والأسئلة كثيرة، والناقد بصير.

معنى الإمامة

فنقول أولاً: بدأ صلى الله عليه وسلم بالإمام، وكلمة (الإمام) يراد بها كل من هو قدوة مؤتم به، أي: أنه قائد لغيره، وأن الناس يقتدون به ويأتمون بأفعاله، ولذلك يسمى كل القادة أئمة، سواء كان الاقتداء بهم في الخير أو في الشر، قال الله تعالى في أهل فرعون: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [القصص:41] فسماهم أئمة مع أنهم يقتدى بهم في النار، وقال تعالى في ذرية إبراهيم: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ [الأنبياء:73]؛ فأخبر بأنهم أئمة يقتدى بهم في الخير، وقال في بني إسرائيل: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا [السجدة:24]. وحكى الله تعالى عن المؤمنين أنهم دعوا وقالوا في دعائهم: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74] أي: قدوة في الخير يؤتم بنا فيما هو خير وما هو من أسباب التقوى، للمتقين خاصة، وقوله: (إماماً)، أي: أئمة. وكذلك قال الله تعالى لإبراهيم: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [البقرة:124]، فأخبر بأنه جعله للناس إماماً، أي: قدوة يقتدى به في الخير، ولذلك سأل ربه فقال: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة:124]، فهكذا أخبر بأنه جعله للناس إماماً، والإمام هو القدوة، وهو معنى قوله تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً [النحل:120] يعني: قدوة في الخير يقتدى به.

رعاية الإمام لرعيته ومسئوليته عنهم

فالإمام في قوله صلى الله عليه وسلم: (الإمام راع، وهو مسئول عن رعيته)، يعم كل من كان إماماً، أي: قدوة يقتدى به، فإذا كان كذلك فإن عليه أن يهتم بمن هو راع عليهم، ومن هو مسئول عنهم من الرعية، فهكذا يكون الراعي. الإمام العام الذي يتولى رعية المسلمين هو خليفة المسلمين وإمام عام لهم، ولا شك أن رعايته آكد، وأن مسئوليته آكد، وأن عليه أن يحرص على الرعية الذين هم تحت ولايته وتحت مسئوليته، فيسير فيهم السيرة الحسنة التي هي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والتي هي سيرة الخلفاء الراشدين الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم والسير على نهجهم في قوله: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ). هكذا أرشد إلى سنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، واتفق الأئمة على أنهم الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وقد أكثر العلماء من ذكر سِيرهم وسَيرهم، ومن ذكر أعمالهم الصالحة التي يقتدى بها في الأعمال الخيرية، مما يدل على أنهم أسوة وقدوة لمن جاء بعدهم من الأئمة، ليقتدي بهم، ويسترشد بإرشاداتهم ويسير على نهجهم كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره هذا أمر للخاصة والعامة، وليس الأمر خاصاً بالولاة ولا بالأئمة الكبار ولا بالخلفاء ولا بالملوك، بل هو عام لكل من سمع هذا الحديث من الأمة فإنه مأمور بأن يقتدي بهم. ولا شك أن أولى من يقتدي بهم خلفاء الأمة المسلمون، ولاة أمور المسلمين، الذين ولاهم الله تعالى دولاً تفتخر بأنها مسلمة، وتدين بالإسلام، وتأتي بالشهادتين، وتقتدي ظاهراً بتعاليم الإسلام، فإن عليهم أن يكون قدوتهم محمداً صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين الذين هداهم الله تعالى وسدد خطاهم، وساروا في رعاياهم سيرة حسنة، يضرب بعدلهم المثل، فهكذا يكون الأئمة، وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن من خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وإن من شرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم)، نعوذ بالله أن ندرك هذه الحال! فهكذا أرشد صلى الله عليه وسلم إلى أن الإمام راع، وأنه مسئول عن رعيته.

معلوم أن الراعي هو الذي عنده رعية، أي: تحت يده رعية، فيقال له: راع لهذه الرعية. وأصل الرعاية: هي رعاية البهائم وحفظها عما يفتك بها من السباع ونحو ذلك، إذا كانت ترعى من النبات ونحوه، قال الله تعالى: كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ [طه:54] أي: لتذهبوا بها لترعى، أي: لتأكل من هذا النبات، ويقول الشاعر: ومن رعى غنماً في أرض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد فالراعي هو الذي يراقب الرعية، والأصل في بهيمة الأنعام أنها تحتاج إلى من يرعاها، أي: من يحفظها، فيرسلون إليها راعياً، أي: إنساناً مؤتمناً على هذه الدواب، يرسلونه معها حتى يحفظها، فيسيمها في النبات، ويراقبها عن الضياع، ويحفظها عن السباع، ويؤتمن عليها إلى أن يردها إلى أهلها، فيسمى راعياً، ثم أطلق على كل من يؤتمن على رعية من الرعايا. وهم في هذا الحديث من البشر، أي: المسئول عنهم إنسان موكل عليهم، ورئيس يرأسهم، فيسمى راعياً، ويسمى من تحته رعية له، فأخبر صلى الله عليه وسلم من حيث العموم بأن كل إنسان لابد أنه راع ولو على نفسه أو أهله، ولو على ولده أو امرأته أو ما أشبه ذلك، وإذا كان كذلك فإن عليه حفظ هذه الرعية ومراقبتها، والإتيان بكل ما فيه مصلحتها، وكذلك -أيضاً- يشعر بأنه مسئول عن هذه الرعية، وهذا السؤال إنما يكون حقاً في الدار الآخرة، وقد تكون هناك مسئولية في الدنيا إذا كان فوقه من يناقشه ويسأله، فإن الغالب أن كل رئيس فإنه مرءوس، وفوقه من يسأله عن هذه الرعية التي استرعي عليها، فعليه أن يستحضر هذه المسئولية. والسؤال إذا كان في الآخرة فإنه يكون من الله تعالى، ولابد أن يكون ذلك السؤال سؤال مناقشة عن هذه الرعية: لماذا أهملتها؟ ولماذا أضعت من اؤتمنت عليه؟ ولماذا لم تنصح لها؟ ولماذا لم تولها حق الحفظ وحق المراقبة؟ فهذه المناقشة لابد أن يعد لها جواباً، فكل سؤال يحتاج إلى جواب، والأسئلة كثيرة، والناقد بصير.

فنقول أولاً: بدأ صلى الله عليه وسلم بالإمام، وكلمة (الإمام) يراد بها كل من هو قدوة مؤتم به، أي: أنه قائد لغيره، وأن الناس يقتدون به ويأتمون بأفعاله، ولذلك يسمى كل القادة أئمة، سواء كان الاقتداء بهم في الخير أو في الشر، قال الله تعالى في أهل فرعون: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [القصص:41] فسماهم أئمة مع أنهم يقتدى بهم في النار، وقال تعالى في ذرية إبراهيم: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ [الأنبياء:73]؛ فأخبر بأنهم أئمة يقتدى بهم في الخير، وقال في بني إسرائيل: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا [السجدة:24]. وحكى الله تعالى عن المؤمنين أنهم دعوا وقالوا في دعائهم: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74] أي: قدوة في الخير يؤتم بنا فيما هو خير وما هو من أسباب التقوى، للمتقين خاصة، وقوله: (إماماً)، أي: أئمة. وكذلك قال الله تعالى لإبراهيم: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [البقرة:124]، فأخبر بأنه جعله للناس إماماً، أي: قدوة يقتدى به في الخير، ولذلك سأل ربه فقال: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة:124]، فهكذا أخبر بأنه جعله للناس إماماً، والإمام هو القدوة، وهو معنى قوله تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً [النحل:120] يعني: قدوة في الخير يقتدى به.

فالإمام في قوله صلى الله عليه وسلم: (الإمام راع، وهو مسئول عن رعيته)، يعم كل من كان إماماً، أي: قدوة يقتدى به، فإذا كان كذلك فإن عليه أن يهتم بمن هو راع عليهم، ومن هو مسئول عنهم من الرعية، فهكذا يكون الراعي. الإمام العام الذي يتولى رعية المسلمين هو خليفة المسلمين وإمام عام لهم، ولا شك أن رعايته آكد، وأن مسئوليته آكد، وأن عليه أن يحرص على الرعية الذين هم تحت ولايته وتحت مسئوليته، فيسير فيهم السيرة الحسنة التي هي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والتي هي سيرة الخلفاء الراشدين الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم والسير على نهجهم في قوله: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ). هكذا أرشد إلى سنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، واتفق الأئمة على أنهم الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وقد أكثر العلماء من ذكر سِيرهم وسَيرهم، ومن ذكر أعمالهم الصالحة التي يقتدى بها في الأعمال الخيرية، مما يدل على أنهم أسوة وقدوة لمن جاء بعدهم من الأئمة، ليقتدي بهم، ويسترشد بإرشاداتهم ويسير على نهجهم كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره هذا أمر للخاصة والعامة، وليس الأمر خاصاً بالولاة ولا بالأئمة الكبار ولا بالخلفاء ولا بالملوك، بل هو عام لكل من سمع هذا الحديث من الأمة فإنه مأمور بأن يقتدي بهم. ولا شك أن أولى من يقتدي بهم خلفاء الأمة المسلمون، ولاة أمور المسلمين، الذين ولاهم الله تعالى دولاً تفتخر بأنها مسلمة، وتدين بالإسلام، وتأتي بالشهادتين، وتقتدي ظاهراً بتعاليم الإسلام، فإن عليهم أن يكون قدوتهم محمداً صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين الذين هداهم الله تعالى وسدد خطاهم، وساروا في رعاياهم سيرة حسنة، يضرب بعدلهم المثل، فهكذا يكون الأئمة، وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن من خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وإن من شرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم)، نعوذ بالله أن ندرك هذه الحال! فهكذا أرشد صلى الله عليه وسلم إلى أن الإمام راع، وأنه مسئول عن رعيته.

كذلك قوله: (الرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عن رعيته)، أهل بيته: ذريته ممن هو مولى عليهم، فأولاده من رعيته، ونساؤه وزوجاته من رعيته، وإخوته الذين تحت ولايته من رعيته، وكذلك من في ولايته من خدم أو نحوهم، كلهم داخلون تحت رعيته، وهو مسئول عنهم كلهم، وهؤلاء هم أسرة كل مؤمن غالباً، ومسئوليته أنه يسأل: هل أهملهم أو أدبهم؟ الإهمال: هو الاشتغال بشهواته وبلهوه وسهوه، والإعراض عمن تحت يده، وعدم الاهتمام بإصلاحهم، وعدم تربيتهم التربية الصالحة، فإنه في هذه الحال إذا سئل لم يجد جواباً، وذلك لأن كثيراً من الناس لم يهتموا بهذه المسئولية، فنحب أن نفصل في هذه المسئولية؛ لعظم خطرها، فنقول: إن الناس تجاه المسئولية انقسموا إلى ثلاثة أقسام:

القائمون على أولادهم حق القيام

القسم الأول: اهتموا بمن ولاهم الله تعالى من أولاد ونساء ونحوهم، وأولوهم عناية تامة، وقاموا بما يجب عليهم، فعلموهم العلم النافع، ولم يتكلوا على المعلمين الذين يعلمونهم في مدارسهم ابتدائية أو ما بعدها، عرفوا أن أولئك يعلمونهم القول، وأنهم بحاجة إلى التعليم بالفعل، فعلموهم بالفعل، وذلك لأن التعليم بالفعل قد يكون أبلغ من التعليم بالقول، فمثال ذلك: إذا حفظ الولد ذكراً أو أنثى شروط الوضوء وفروضه، فإن الوالد يقول له: أنت الآن تحفظ شروط الوضوء، وكذلك أنت تحفظ أركان الوضوء الستة، بينها وطبقها وأنا أنظر إليك، فيكون ذلك من التعليم بالفعل. كذلك إذا لقن في المدارس أركان الإسلام فلابد أن والديه يربيانه على هذه الأركان، ويعلمانه كيفيتها، فإذا اعتنى الوالد بولده، وطبق معه أركان الإسلام، فإن ذلك من الرعاية الصادقة، وكذلك إذا تعلم في المدارس أركان الصلاة وشروطها وواجباتها ومبطلاتها وما أشبه ذلك، فإن مسئولية الوالد كبيرة في أن يطبقها معه، فيقول: يا ولدي! ما كيفية الصلاة؟ وما أركانها؟ وأين هذا الركن، وأين محله؟ وأين هذا المبطل وأين مكانه؟ وكيف تبطل الصلاة بترك هذا الواجب؟ وأين المستحبات في هذه العبادة؟ وعليه -أيضاً- أن يأخذ بيده إلى المسجد، ويقول: هذه هي الصلاة التي تعلمت أركانها، وعرفت أنها عمود الإسلام، وأنه لابد من أدائها في هذه المساجد بالنسبة إلى الذكور، فطبقها يا ولدي، ويمتثل الولد أمر والده بهذه العبادة، وبذلك يكون حقاً قد أدى هذه الأمانة. كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوقظ أهله في آخر الليل للصلاة النافلة، ويقرأ قول الله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132]؛ هكذا يتعاهد أهله بصلاة التطوع، فكيف بمن لا يأمرهم بصلاة الفريضة؟! كذلك -أيضاً- مدح الله تعالى نبياً من أنبيائه وهو إسماعيل، قال الله تعالى: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا [مريم:55]، فمدحه الله بأنه يأمر أهله بهذه العبادات، ومعلوم أن الأمر من الولي يقتضي الإلزام، أي: يلزمهم بهذه العبادات التي أمرهم الله بها وفرضها عليهم، والأمر بالشيء إلزام به، فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) ليس المراد أن يقول: يا بني! صل. بل يأمره ويأخذ بيده، ويلزمه ويهدده، فهو ما بين السابعة إلى العاشرة يأمره أمر تعليم وأمر تفهيم وتأديب، وذلك ليألف هذه الصلاة ويحبها، وينشأ عليها صغيراً، وتكون بعد تكليفه محبوبة لديه لذيذة عنده، وبذلك يكون قد نشأ على طاعة الله تعالى، فإنه إذا نُشئ على ذلك نشأ عليه. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم: (وشاب نشأ في عبادة الله)، أي: نشأ في طاعة الله حيث تولى تربيته والد صالح مصلح، يحب أن ينشأ أولاده على الخير، وأن ينشئوا على محبة الله وعلى محبة عبادته، فالوالد الذي يربي أولاده على الصلاة والزكاة، وعلى العبادات المحمودة التي يحبها الله تعالى، ينشأ ولده صالحاً، ويكون قرة عين لوالديه. وكذلك من مسئولية الوالد تجاه أولاده: أن يحبب إليهم ذكر الله تعالى، فيربيهم على الذكر تسبيحاً وتحميداً وتكبيراً وتهليلاً واستغفاراً وحوقلة ودعاء، وكذلك يلقنهم في حال الطفولة ما هم محتاجون إليه، فيربيهم على معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، وقد كان كثير من الآباء حين يبلغ ولده الثامنة من عمره وهو يلقنه الثلاثة الأصول وأدلتها؛ حتى ينشأ عليها؛ وحتى يكون على معتقد صالح سليم. وهكذا من صفة هذا الأب الناصح: أنه يحبب إلى أولاده كلام الله تعالى ، وينشئهم على محبته، فإذا كان هناك مدارس للتحفيظ حرص على أن يسجلوا فيها وأن ينافسوا فيها، وأخذ يشجعهم ويحثهم على مواصلة حفظ القرآن؛ فيشجعهم بأن يعدهم بالخير، ويعدهم بالصلات، ويعدهم -أيضاً- بنتائج طيبة، ويشجعهم بما يعطيهم من جوائز تحفز هممهم، وتدفعهم إلى المنافسة وإلى المسابقة، فإذا أحبوا كلام الله تعالى ونشئوا عليه كان ذلك من أسباب صلاحهم. كذلك -أيضاً- يربيهم على الكلام الحسن، وعلى الآداب الحسنة، وقد ألفينا الآباء الصالحين يعلمون أولادهم محاسن الإسلام، فيعلمونهم البداءة بالسلام ورد السلام، وتشميت العاطس، وحمد الله تعالى بعد العطاس، ومحبة إخوانهم المسلمين، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، ويعلمونهم النصيحة للمسلمين عموماً وخصوصاً، وكيفية هذه النصيحة، ويعلمونهم صدق الحديث، ويؤدبونهم عليه، وينهونهم عما يخالف ذلك، ويعلمونهم الأمانة، وأن يكونوا من أهل الثقة والأمانة وما أشبه ذلك، وكل هذا بلا شك مما يكون الولد به صالحاً بتوفيق الله تعالى. وهكذا يحرص كل من الأبوين على أن يمنع عن الأولاد كل ما يفسدهم أو يفسد أخلاقهم، فيمنعونهم من سماع آلات الملاهي، ومن النظر إليها؛ لأنها غالباً تصرف الهمم إلى الشر، وتثير لذة الفساد والحرام في تلك النفوس الضعيفة، فتميل إلى الفساد، فإذا ربى الوالد أولاده من حين صغرهم على كراهة اللهو واللعب، وعلى كراهة الكذب والخيانة والعقوق وقطيعة الرحم والغش والتلبيس والتدليس والبغضاء والعداوة وما أشبه ذلك؛ فإن الله تعالى يحفظهم بعد ذلك، ويجعلهم محل ثقة وأمانة، ويكونون أهل صدق وإخلاص. فهذه سيرة الصنف الأول الذين اعتنوا بأبنائهم، وحرصوا على إصلاحهم.

المنشغلون عن أولادهم المهملون لرعايتهم

أما القسم الثاني: فهم أهل الإهمال، وهم أناس اشتغلوا بدنياهم، وانشغلوا بملاهيهم وبسهوهم وغفلتهم، ولم يهتموا بأولادهم ذكوراً وإناثاً، ولم يشعروا بما يكون فيه الأولاد وما يحتاجونه، فهم معرضون عنهم، ولاشك أن هذا الإعراض يسبب ضرراً كبيراً، وذلك لأن هؤلاء الأولاد إذا أهملوا ولم يكن هناك من يراقبهم، ولا من يحفظهم ويتولى أمرهم، فإنهم يدخلون في طريق الفساد، وذلك لكثرة المفسدين، وكثرة أهل الغواية الذين يجتذبون كل من وجدوه مهملاً إلى صفهم وإلى جانبهم. وفي هذه الأزمنة تكثر وسائل الفساد، فإذا لم يكن الراعي مراقباً لرعيته أخذتهم هذه الوسائل، فالأولاد إذا بلغوا السادسة أو الخامسة ولم يكن آباؤهم يهتمون بهم، ولا يراقبونهم، فهناك ومن يتولى تربيتهم، فالغالب أن يتولاهم أهل الشر والفساد، حيث انشغل الآباء عنهم. الأب الذي يخرج من صباح يومه، ويكب على دنياه وعلى تجارته أو حرفته أو صنعته أو وظيفته، ولا يأتي إلا في نصف الليل الأخير، وربما لا يأتي إلا آخر الليل، ماذا يكون مصير أولاده ونسائه وهو لا يشعر ولا يدري بما يفعلون، قد أهملهم وقد غفل عنهم، فهو إما منشغل بتجارته وبدنياه التي جعلها أكبر همه ومبلغ علمه، يكدح في أثرها، ويلهث وراءها، ويهتم بتحصيلها، وإما أنه صاحب لهو وسهو، إذا كان في أول الليل فكر في رفقته السيئة، يعكف معهم إلى آخر الليل على لهو وسهو وغناء وزمر وسمر على باطل، ولا يدري ماذا يكون من أهله! فلاشك والحال هذه أنه قد فرط في رعيته، وأنه مسئول عن هذا التفريط، ولا شك أن أولاده؛ سيما الذكور منهم الذين في إمكانهم أن يذهبوا ويتقلبوا، أنهم إذا خرجوا إلى أدنى ملهى وجدوا من يحتضنهم، فيوجد شباب مفسدون يأخذون هؤلاء الأطفال، ويربونهم على الفساد، وينشأ أولئك الأطفال المهملون شر نشأة، ويتربون شر تربية؛ فهذا أثر هذا الإهمال! رأينا كثيراً من الآباء قد عض كفه أسفاً وندماً على إهماله، وعلى تفريطه، فيقول: أبنائي وأولادي خرجوا عن طواعيتي، خرجوا عن مبدئي، وصاروا كلاً عليَّ، وصاروا غصة في حلقي، يفسدون أموالي ويتلفونها في شرب الخمور، فقد انهمكوا في شرب المسكرات، وانهمكوا في تعاطي الدخان، ففسدوا وفسدت أخلاقهم، فلا يعرفون عبادة، ولا يعرفون المساجد، ولا يهتمون بالقرآن، ولا يرتدعون عن هذه المنكرات وهذه المفسدات وما أشبهها. قد وقعوا في الفواحش، وقعوا في زنا، وقعوا في لواط، وقعت نساؤه أو بناته في تبرج واختلاط، الولد يخرج بعد أن يأتي من المدرسة ولا يدري أهله أين هو إلى أن يأتي في آخر الليل أو في وسط الليل، فلا يدرى أهو في بئر أو في بطن بعير، وإذا جاء جاء وهو منهك قد أتعب نفسه بما تعاطاه من المسكرات وما أشبهها. أيحب أحدنا أن يكون ولده كذلك، فيولي تربيته لمن يفسده، ولمن يوقعه في هذه الشرور وفي هذه المنكرات؟ لا شك أن هذا هو عين الإهمال، وأنه إضاعة لهذه الرعية. ولا شك أن كل إنسان يرى هذا الصنف من الشباب الذين قد وقعوا في هذه المشكلات وهذه المنكرات، فيحرص على احتضان بقية أولاده حتى لا يصبحوا كذلك، كما رجع إلى ذلك كثير من الآباء عندما رأوا كبار أولادهم قد خرجوا عن طواعيتهم، فقالوا: السبب في ذلك الإهمال، لأننا انشغلنا عنهم، ووكلنا تربيتهم إلى من يفسدهم، فنحن أكبر متسبب، فلذلك علينا أن ننتبه لأولادنا الآخرين في حالة صغرهم، وأن نربيهم التربية الصالحة حتى لا يفسدوا كما فسد من كان قبلهم، ولا شك أنهم إذا وقعوا في الدخان وقعوا في اللواط، ووقعوا في المسكرات، ووقعوا في المنكرات. وإذا وقعوا في هذه المخدرات التي تفسد العقول ماذا تكون عاقبتهم؟ يلحقون بالمجانين والبله الذين لا يعرفون مصالح أنفسهم، لأن هذه المخدرات وهذه الحبوب تسلب عقولهم وتأخذها شيئاً فشيئاً، وتكون هذه هي نهايتهم والعياذ بالله.

الذين يجلبون الشر والفساد لأبنائهم

القسم الثالث: الذين جلبوا لأولادهم الفساد، بدلاً من أن يجلبوا لهم أسباب الصلاح، تنزلاً على رغبة السفهاء، والله تعالى قد نهى أن يؤتى السفهاء الأموال، فقال تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5] أي: لا تسلطوهم عليها فيفسدونها، فأهل هذا القسم جلبوا لهم ما يفسدهم، فإن الكثير والكثير الذين جلبوا لأولادهم آلات الأغاني، فامتلأت البيوت بأشرطة الغناء الماجن، وامتلأت بأشرطة الفيديو التي تحمل صوراً خليعة، كذلك امتلأت كثير من البيوت بهذه الأجهزة التي تتلقى القنوات الفضائية التي تبث الشرور، وتمثل الفواحش والمنكرات أمام الشباب والشابات، فكيف تكون حالتهم؟ كذلك الذين شغلوا أولادهم باللهو واللعب والغناء والطرب وما إلى ذلك، فجلبوا لهم آلات اللعب، فمن ذلك ما يسمى (بلوت)، أو ما يسمى (كيرم)، أو ما أشبه ذلك، يزعمون أنهم بذلك يرفهون عن أولادهم، ومن ذلك مشاهدة الأفلام الخليعة التي يزعمون -أيضاً- أنها تسلية وترفيه، وأنها تجلب لقلوبهم قوة ونشاطاً وما أشبه ذلك، وما علموا أنها سبب من الأسباب في انحراف أخلاقهم، وفي فساد طباعهم، وفي انحرافهم عن الصراط السوي، لا شك أنهم والحالة هذه يكونون قد تسببوا فيما يفسد أولادهم بدلاً مما يصلحهم. كذلك -أيضاً- بالنسبة إلى نسائهم الذين هم مسئولون عنها، إذا كانوا يأذنون للنساء في أن يخرجن إلى الأسواق التي تزدحم بالرجال ولا يتفقدونها، فتخرج متعطرة متطيبة، وتبدي شيئاً من زينتها، فتبدي كفيها، وقد تبدي ساعديها وعليها الحلي من الأسورة التي تتلألأ في ذارعها، وكذلك خواتمها، وكذلك قد تبدي شيئاً من زينتها، وبعضاً من مفاتن ثيابها التي تفتن بها، وتتشبه بمن هن فاسدات ومن أخبر عنهن النبي صلى الله عليه وسلم ووصفهن بأنهن: (نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها)، فهؤلاء -بلا شك- مسئولون مسئولية كبرى، وذلك لأنهم عرضوا بناتهم ونساءهم وأخواتهم ومولياتهم إلى أن يكن وكر فساد، وربما يتعاطين الفواحش وهم لا يشعرون! وهكذا -أيضاً- يكن سبباً في الفتنة، حيث يفتتن بهن خلق كثير، ولاشك أن هذا كله من الإهمال ومن آثاره، حيث يرضى الوالد وولي الأمر ومن ولاه الله تعالى على أولاده من ذكور وإناث ومن نساء بأن يكن على هذه الهيئة، فهذا عين الإهمال. وهذه حالات الناس في هذه الأزمنة فيما يتعلق بولاية الرجل على أهل بيته، فلو شعر بأنه مسئول في الآخرة عن أهل بيته -أولاده ونسائه- لاهتم لهذه المسئولية وأعطاها حقها.