شرح عمدة الطالب - كتاب العدد [2]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [ الثانية: المتوفى عنها زوجها بلا حمل منه، فتعتد الحرة بأربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها، والأمة نصفها.

الثالثة: المفارقة في الحياة بلا حمل ذات الإقراء، فالحرة بثلاثة قروء وهي الحيض، والأمة قرءان.

الرابعة: من لم تحض بصغر أو إياس، المفارقة بالحياة، فالحرة ثلاثة أشهر والأمة شهران، وكذا من بلغت ولم تر حيضاً ولا نفاساً.

الخامسة: من ارتفع حيضها ولم تدر سببه فتتربص تسعة أشهر الحمل، ثم تعتد الحرة بثلاثة أشهر والأمة بشهرين، وإن علمت ما رفعه من مرض أو رضاع ونحوه لم تزل في عدة حتى يعود فتعتد به، أو تصير آيسة فتعتد عدتها.

السادسة: امرأة المفقود، تتربص ما تقدم في ميراثه، ثم تعتد كمتوفى عنها، ولا تفتقر لحاكم، فإن تزوجت ثم قدم الأول قبل دخول بها ردت له وجوباً، وبعد دخول له أخذها بالعقد الأول، ولا يطأ حتى تنقضي عدة الثاني وله تركها له، ويأخذ قدر الصداق الذي أعطاها، فيجدد الثاني عقده، ومن مات زوجها أو طلق غائباً اعتدت منذ الفرقة، وإن لم تحض، وعدة موطوءة بشبهة أو زنا أو نكاح فاسد كمطلقة، ومن تزوجت في عدتها لم تنقطع حتى يطأها، فإذا فارقها بنت على عدة الأول، ثم استأنفتها للثاني].

تقدم لنا شيء من أحكام العدد، وذكرنا من ذلك تعريف العدة في اللغة والاصطلاح، وأن العدة تربص محدود شرعاً بسبب فرقة نكاح وما ألحق به، وأن المؤلف رحمه الله تعالى يرى أن العدة واجبة، وذكرنا الدليل على وجوب العدة، وكذلك أيضاً ذكرنا الحكمة من شرعية العدة، وأن العدة تجب بالدخول، وهل تجب بالخلوة أو لا تجب؟ وأن العلماء -رحمهم الله تعالى- اختلفوا في ذلك على قولين: وأن القول الأول مذهب الإمام أحمد -رحمه الله- أنها تجب بالخلوة، والرأي الثاني أنها لا تجب بالخلوة، وذكرنا دليل كل من القولين.

ثم بعد ذلك ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- أن المعتدات ست، وذكر الأولى منهن وهي الحامل، وذكرنا أن الحامل هي أم العدد؛ لأنها تقضي على كل عدة؛ حتى على عدة المتوفى عنها زوجها تقضي عليها مع أن المتوفى عنها تجب عليها العدة مطلقاً سواء دخل بها أو لم يدخل، سواء كان صغيراً أو كبيراً، أو كانت الزوجة صغيرة أو كبيرة.. إلى آخره.

أقل مدة الحمل وغالبها

قال المؤلف رحمه الله: (وأقل مدة حمل ستة أشهر).

أقل مدة الحمل ستة أشهر، ويدل لهذا أن الله عز وجل قال: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15]، وقال: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233] فقال: حمله وفصاله ثلاثون شهراً، الفصال هو الرضاع، وقال سبحانه وتعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة:233]، فإذا فصلت أربعة وعشرين شهراً من ثلاثين شهراً بقي ستة أشهر.

قال: (وغالبها تسعة).

يعني: واقع النساء الآن أن غالب حملهن تسعة أشهر.

أكثر مدة الحمل

قال: (وأكثرها أربع سنين).

المذهب، وكذلك أيضاً مذهب الشافعية أن أكثر مدة الحمل أربع سنوات، واستدلوا على هذا بأدلة، من هذه الأدلة أن عمر رضي الله تعالى عنه ضرب لامرأة المفقود أربع سنوات تتربص كما سيأتينا إن شاء الله، إذا كان غالب فقده الهلاك فإنها تتربص أربع سنوات، وكذلك أيضاً استدلوا بالواقع، قالوا: بأن هذا هو أكثر ما وجد، فأخذوا بالواقع.

الرأي الثاني: رأي أبي حنيفة رحمه الله تعالى، يرى أن أكثر مدة الحمل سنتان، وقالوا بأن هذا وارد عن عائشة رضي الله تعالى عنها.

الرأي الثالث: أن هذا ليس له حد، وهذا هو الذي ذهب إليه ابن القيم رحمه الله تعالى، وأن التحديد لم يرد، وقد وجد من ولد لأكثر من أربع سنوات، فما دام أنه لم يحصل وطء متجدد، فإن الحمل يكون للأول.

الرأي الرابع: أن أكثر مدة الحمل خمس سنوات.

والأطباء اليوم يقولون: إن الحمل لا يمكن أن يعيش في البطن أكثر من سنة، فهم يحدونه بسنة.

وعلى هذا؛ يمكن أن يقال بأن أكثر مدة الحمل هو سنة، كما ذكر الأطباء ونحو ذلك؛ لأن هذا ما دام أنه لم يرد له حد عند الشارع نرجع إلى ما ذكره الأطباء، لكن قد لا يمنع أن هناك وقائع تخالف هذا الذي ذكره الأطباء؛ لأن الله على كل شيء قدير، لكن النادر لا حكم له ولهذا ذكر ابن القيم -رحمه الله- عدة وقائع، والإمام أحمد رحمه الله يقول: جارتنا امرأة ابن عجلان تحمل لأربع سنوات، فنقول: لا يمنع، وقد وجد شيء من الوقائع أن هذه تخالف العادة، وتخالف ما ألفته النساء إلى آخره، وأيضاً الواقع يشهد غالباً أن المرأة ما يتجاوز حملها سنة.

قال المؤلف رحمه الله: (وأقل مدة حمل ستة أشهر).

أقل مدة الحمل ستة أشهر، ويدل لهذا أن الله عز وجل قال: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15]، وقال: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233] فقال: حمله وفصاله ثلاثون شهراً، الفصال هو الرضاع، وقال سبحانه وتعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة:233]، فإذا فصلت أربعة وعشرين شهراً من ثلاثين شهراً بقي ستة أشهر.

قال: (وغالبها تسعة).

يعني: واقع النساء الآن أن غالب حملهن تسعة أشهر.

قال: (وأكثرها أربع سنين).

المذهب، وكذلك أيضاً مذهب الشافعية أن أكثر مدة الحمل أربع سنوات، واستدلوا على هذا بأدلة، من هذه الأدلة أن عمر رضي الله تعالى عنه ضرب لامرأة المفقود أربع سنوات تتربص كما سيأتينا إن شاء الله، إذا كان غالب فقده الهلاك فإنها تتربص أربع سنوات، وكذلك أيضاً استدلوا بالواقع، قالوا: بأن هذا هو أكثر ما وجد، فأخذوا بالواقع.

الرأي الثاني: رأي أبي حنيفة رحمه الله تعالى، يرى أن أكثر مدة الحمل سنتان، وقالوا بأن هذا وارد عن عائشة رضي الله تعالى عنها.

الرأي الثالث: أن هذا ليس له حد، وهذا هو الذي ذهب إليه ابن القيم رحمه الله تعالى، وأن التحديد لم يرد، وقد وجد من ولد لأكثر من أربع سنوات، فما دام أنه لم يحصل وطء متجدد، فإن الحمل يكون للأول.

الرأي الرابع: أن أكثر مدة الحمل خمس سنوات.

والأطباء اليوم يقولون: إن الحمل لا يمكن أن يعيش في البطن أكثر من سنة، فهم يحدونه بسنة.

وعلى هذا؛ يمكن أن يقال بأن أكثر مدة الحمل هو سنة، كما ذكر الأطباء ونحو ذلك؛ لأن هذا ما دام أنه لم يرد له حد عند الشارع نرجع إلى ما ذكره الأطباء، لكن قد لا يمنع أن هناك وقائع تخالف هذا الذي ذكره الأطباء؛ لأن الله على كل شيء قدير، لكن النادر لا حكم له ولهذا ذكر ابن القيم -رحمه الله- عدة وقائع، والإمام أحمد رحمه الله يقول: جارتنا امرأة ابن عجلان تحمل لأربع سنوات، فنقول: لا يمنع، وقد وجد شيء من الوقائع أن هذه تخالف العادة، وتخالف ما ألفته النساء إلى آخره، وأيضاً الواقع يشهد غالباً أن المرأة ما يتجاوز حملها سنة.

قال: (الثانية المتوفى عنها زوجها بلا حمل منه).

المتوفى عنها لا تخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن تكون حاملاً، فهذه عدتها وضع كل الحمل، حتى ولو وضعت بعد الوفاة بنصف ساعة، أو بعشر دقائق أو بلحظة، فإنها تنتهي عدتها، وسبق أن تكلمنا هل تعتد أطول الأجلين، أو عدتها وضع كل الحمل، وأن الجمهور يرون أن عدتها وضع كل حمل، بخلاف ما ذهب إليه سحنون والشعبي وابن أبي ليلى ، وكما قلنا هو وارد عن علي رضي الله عنه، ووارد عن جمع من الصحابة كـابن مسعود وأبي السنابل وابن عباس أنها تعتد أطول الأجلين، لكن الصحيح أنها تعتد بوضع الحمل.

القسم الثاني: أن تكون حائلاً ليست حاملاً، فهذه إن كانت حرة -يعني: زوجة حرة- فهذه عدتها أربعة أشهر وعشراً بالإجماع، ويدل لذلك قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234].

فإن كانت أمة، والمقصود بالأمة هنا الزوجة ليس المقصود ملك اليمين، ملك اليمين هذه ليس لها إلا الاستبراء، وليس لها عدة، يعني: لا نخلط بين الزوجة وبين ملك اليمين؛ لأن ملك اليمين سيعقد لها المؤلف -رحمه الله- باباً مستقلاً فيما يتعلق بالاستبراء، لكن إذا كانت الأمة زوجة فهل عدتها كعدة الحرة على النصف من عدة الحرة؟ هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى.

الرأي الأول: وهو قول جمهور العلماء، ومنهم أتباع الأئمة الأربعة أن الأمة على النصف من الحرة، واستدلوا على ذلك بأمور:

أولاً: أن أحكام الإماء على النصف من أحكام الحرائر، كما قال الله عز وجل: فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25].

الدليل الثاني: قالوا بأن الوارد عن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- في عدة الطلاق أنها على النصف من الحرة كما سيأتينا إن شاء الله، فكذلك أيضاً عدة الوفاة، وهو الوارد عن ابن عمر وعمر وزيد بن ثابت وابن مسعود من الصحابة أنها على النصف في عدة الطلاق، فكذلك أيضاً تكون على النصف في عدة الوفاة، فالثاني قياس عدة الوفاة على عدة الطلاق.

الرأي الثاني: أنه لا فرق بين الأمة وبين الحرة، وأن كل منهما تعتد أربعة أشهر وعشراً، وهذا ما ذهب إليه ابن سيرين رحمه الله تعالى، يقول ابن سيرين رحمه الله تعالى: ما أرى عدة الأمة إلا كعدة الحرة، إلا أن تكون مضت بذلك سنة، فالسنة أحق أن تتبع، وهذا أيضاً رأي الظاهرية؛ لعدم وجود الفرق، يعني: ظاهر القرآن يعضد ما ذهب إليه الظاهرية، وإن كان الجمهور يعتمدون على وجود بعض الآثار عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كـعمر رضي الله تعالى عنه، لكن من حيث القواعد فالأصل هو تساوي الأحرار والأرقاء في العبادات البدنية المحضة، لأنه ما يظهر أن هناك فرقاً بينهما، فالذي يظهر -والله أعلم- أن كلاً من القولين قوي، وإن كان ما ذهب إليه ابن سيرين وهو مذهب الظاهرية له قوة، والقواعد ترجح هذا القول، وأنا قلت بأنه وارد عن ابن عمر وعمر وزيد.

واعلم عدة الوفاة ما ورد فيها شيء يتعلق بالتنصيف، لكن هم يقولون: وارد في عدة الطلاق التنصيف، يعني: وارد عن الصحابة في عدة الطلاق التنصيف، فقاسوا عدة الوفاة على عدة الطلاق، يعني: وارد عن ابن عمر ، وكذلك أيضاً وارد عن عمر رضي الله تعالى عنهم كما سيأتي إن شاء الله.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (والأمة نصفها).

وعلى هذا تعتد الأمة شهرين وخمسة أيام.

قال: (الثالثة: المفارقة في الحياة بلا حمل ذات الأقراء، فالحرة بثلاثة قروء، والأمة قرءان).

الثالثة من المعتدات المفارقة في حال الحياة، وقول المؤلف رحمه الله تعالى: (المفارقة في حال الحياة) يشمل المفارقة في حال الحياة بالطلاق، ويشمل كذلك أيضاً المفارقة في حال الحياة بالفسخ، ويشمل أيضاً المفارقة في حال الحياة بالخلع، فعلى كلام المؤلف -رحمه الله تعالى- أن المفارقة في حال الحياة سواء كان بطلاق أو بخلع أو فسخ، أنها إذا كانت تحيض تعتد بثلاثة قروء، كما سيأتينا إن شاء الله.

والرأي الثاني: أن المفارقة بالفسخ أو بالخلع هذه ليس عليها عدة، وإنما عليها استبراء، وجمهور العلماء يرون أن المفارقة بالخلع أو الطلاق أو الفسخ لا فرق عليها عدة، والقول بأن عليها استبراء وليس عليها عدة اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم ، أولاً لأن امرأة ثابت بن قيس لما اختلعت أمرت أن تعتد بحيضة، وكذلك أيضاً هو وارد عن عثمان رضي الله تعالى عنه، وأيضاً حديث أبي سعيد في سبايا أوطاس: ( لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة )، وهذا في غير المطلقة، في المسبية، فدل ذلك على أن العدة إنما هي للمطلقات، ولأن من فوائد العدة معرفة استبراء الرحم، وهذا يحصل بحيضة واحدة، وأما تطويل العدة فلا فائدة منه، وبالنسبة للمراجعة والنفقة والسكنى إلى آخره للمطلقة فهي أشياء لا توجد في المختلعة ولا المفسوخة، فالصحيح في ذلك أن المختلعة والمفسوخة عليها استبراء، وسيأتينا -إن شاء الله- في باب الاستبراء أنهم يضيقون الاستبراء، يعني: لا يجعلونه إلا في الأمة فقط ملك اليمين، صور محدودة، والصحيح أن الاستبراء وضعه أشمل كما سيأتينا وأوسع.

أقوال العلماء في القرء

على كل حال؛ إذا كانت ممن يحيض فعدة الحرة بثلاثة قروء، ويدل لهذا قول الله عز وجل: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، لكن اختلف العلماء -رحمهم الله- في تفسير القرء على رأيين:

الرأي الأول: رأي أحمد وأبي حنيفة -رحمهم الله- أن المراد بالقرء الحيض، وعلى هذا تعتد بثلاثة حيض.

الرأي الثاني: رأي مالك والشافعي -رحمهم الله- أن المراد بالقرء الطهر، وعلى هذا فتعتد بثلاثة أطهار.

ولكل منهم دليل، الذين قالوا: بأن الأقراء هي الحيض استدلوا بقول النبي عليه الصلاة والسلام في المستحاضة، تترك الصلاة أيام أقرائها، وهل تترك الصلاة في الطهر أم في الحيض؟ في الحيض، وكذلك أيضاً استدلوا على ذلك بأن هذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فهو وارد عن عمر وابن عمر وزيد بن ثابت بأسانيد صحيحة، وكذلك أيضاً عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وورد عن عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قول جملة الصحابة.

الرأي الثاني: أن المراد بالقرء الطهر، وهذا قلنا قال به مالك والشافعي ، واستدلوا على ذلك بقول الله عز وجل: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1]، والمرأة تطلق في الطهر، فدل على أن العدة هي الطهر، كذلك أيضاً استدلوا بأنه وارد عن عائشة وابن عمر رضي الله تعالى عنهما، والأقرب في هذه المسألة هو ما ذهب إليه أبو حنيفة وأحمد ، وأن المراد بالقرء هنا الحيض؛ لأن هذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وهو الذي دلت له السنة، أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( تدع الصلاة أيام أقرائها )، وأيضاً من حكم العدة معرفة الرحم، وهذا يحصل بالحيض، فكان اعتبار الحيض هو الأولى، وأما قول الله عز وجل: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] المراد الطلاق، يعني: العدة التي يوقع فيها الطلاق، وليس العدة التي تكون بعد الطلاق، وأما ما ورد عن ابن عمر وعائشة رضي الله تعالى عنهم، فخالفهم عمر ، وأيضاً ابن عمر خالف قوله، وأيضاً ابن مسعود وزيد وغير ذلك، فالأقرب أن الأقراء هي الحيض. لكن ما فائدة الخلاف؟ هل الخلاف يترتب عليه فائدة أو لا يترتب؟

إذا قلنا بأن الأقراء هي الأطهار، فإنها تنتهي عدتها بأول الحيضة الثالثة، وإذا قلنا بأنها الحيض، فإنها تنتهي عدتها بنهاية الحيضة الثالثة، يعني: يكون الفرق بين القولين حيضة واحدة.

عدة الأمة

قال: (والأمة قرءان).

الأمة على النصف من الحرة، هذا رأي الجمهور، لكن يكون عليها قرءان حيضتان، لأنه ما يمكن للحيض أن يتبعض، فعليها قرءان، ويقولون بأن هذا وارد عن الصحابة، والصحابة هم عمر وابن عمر وعلي ، وكما تقدم أنهم يقولون بقياس عدة الوفاة على عدة الطلاق، يقولون: بأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ورد عنهم في عدة الطلاق التنصيف، وكذلك أيضاً تقاس عدة الوفاة.

والرأي الثاني كما تقدم قول ابن سيرين : لا أرى أن عدة الأمة إلا كعدة الحرة إلا أن تكون قد مضت بذلك سنة، فالسنة أحق بأن تتبع، وكذلك أيضاً هو مذهب الظاهرية رحمهم الله تعالى، وهذا الذي يعضده أنه ظاهر النصوص، وأما ما ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، يعني: الصحابة لم يرد قولهم في تنصيف الأقراء على الأحرار، يعني: منهم من ينصف في بعض الأحكام، ومنهم من لا ينصف في بعض الأحكام، يطرد المسألة، فهذا يدل لك على أن الرجوع إلى ظواهر النصوص هو الأولى؛ لأن الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم مختلف، وقول الصحابي يكون حجة إذا لم يخالفه صحابي غيره، فأنت إذا تأملت أحكام الإماء هل وارد عن الصحابة التنصيف دائماً أو تارة ينصفون وتارة لا ينصفون؟ نجد أنهم في بعض الأحكام ينصفون، وبعض الأحكام لا ينصفون، فيبقى النص على ظاهره.

عدة من لم تحض

قال المؤلف رحمه الله: (الرابعة: من لم تحض لصغر أو إياس، فالحرة ثلاثة أشهر، والأمة شهران).

الرابعة: من لم تحض لصغر أو إياس، صغيرة حتى الآن ما حاضت، هذه عدتها ثلاثة أشهر، كما قال الله عز وجل: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4]، أي: اللائي لم تحضن عدتها ثلاثة أشهر، فالتي يئست من المحيض عدتها ثلاثة أشهر، وكذلك أيضاً التي ما حاضت عدتها ثلاثة أشهر بنص القرآن.

قال: (والأمة شهران).

لقول عمر رضي الله عنه: (عدة أم الولد حيضتان، ولو لم تحض كانت عدتها شهرين)، وكما تقدم الخلاف في هذه المسألة، يعني: الخلاف في هذه المسألة كالخلاف في المسألة السالفة.

قال: (وكذا من بلغت ولم ترى حيضاً ولا نفاساً).

يعني: إما أن تكون صغيرة ما بلغت عدتها ثلاثة أشهر، وإما أن تكون بلغت وانتهت، تجاوزت الخمسين، وانقطع عنها دم الحيض، فهذه عدتها ثلاثة أشهر، وإما أن تبلغ ولم يأتيها دم الحيض أيضاً عدتها ثلاثة أشهر، لقول الله عز وجل: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4] فعدتها ثلاثة أشهر.

عدة من ارتفع حيضها

قال: (الخامسة: من ارتفع حيضها، ولم تدر سببه فتتربص تسعة أشهر للحمل، تعتد الحرة بثلاثة أشهر، والأمة بشهرين، وإن علمت ما رفعه من مرض أو رضاع ونحوه، لم تزل في عدة حتى يعود فتعتد به، أو تصير آيسة فتعتد عدتها).

هذه الخامسة من ارتفع حيضها، يعني: هذه امرأة تحيض، هي ليست صغيرة، وليست آيسة، لم تكن طاعنة في السن، وليست صغيرة، ارتفع حيضها، وأصبح لا يأتي، فنقول: بأن هذه تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: لا تدري ما الذي رفعه -يعني: ليس هناك رضاع رفعه- فقول المؤلف -رحمه الله تعالى- تعتد سنة؛ لأن هذا وارد عن عمر رضي الله تعالى عنه، تعتد سنة تسعة أشهر تتربص للحمل؛ لأنها ربما تكون حاملاً، وثلاثة أشهر للعدة.

القسم الثاني: أن تعلم سبب رفعه، يعني: ارتفع بسبب الرضاعة، بسبب مرض ونحو ذلك، فهذه لم تزل في عدة حتى يعود، فتعتد به، نقول: اصبري حتى يعود، وإن لم يرجع نقول: تصبر حتى تكون آيسة يعني: حتى خمسين سنة؛ لأن الآيسة على المذهب محمولة بالسن، تبلغ خمسين سنة، مثلاً لو كان عمرها ثلاثين، نقول: اصبري حتى يأتي الحيض، ما جاء الحيض، نقول: اصبري حتى تبلغي خمسين، تتربص عشرين سنة، فإذا بلغت سن الإياس تعتد عدة آيسة ثلاثة أشهر؛ لأن هذه المرأة هي من ذوات الأقراء، إما أن يعود لها القرء فتعود بالأقراء، وإما أن لا يعود، فتنتقل إلى الآيسة.

والرأي الثاني: اختيار شيخ الإسلام ، أنه إذا زال السبب ولم يعد الحيض تعتد بسنة، وهذا القول أقرب من القول الثاني، والآن في الطب إذا كان يقطع قطعاً جازماً أنه لن يعود الحيض، نقول: تعتد عدة آيسة، مثل الآن ما يوجد من استئصال رحم المرأة، يعني: بعض النساء يستأصل رحمها لمرض ونحو ذلك، فهذه قطعاً لن يأتيها الحيض خلاص، دم الحيض انتهى، هذه ما نقول بأنها تعتد سنة، وإنما نقول: تعتد ثلاثة أشهر.

عدة امرأة المفقود

قال: (السادسة: امرأة المفقود تتربص ما تقدم في ميراثه، ثم تعتد كمتوفى عنها، ولا تفتقر لحاكم).

امرأة المفقود، المفقود: هو آدمي جهل خبره تتربص ما تقدم في ميراثه، والمشهور من المذهب أن المفقود لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يكون غالب فقده السلامة، فهذا تضرب له مدة، وقدرها إلى أن يبلغ تسعين سنة من ميلاده، فإذا فرضنا لما فقد كان عمره خمسين، ننتظره أربعين سنة، بعد الأربعين يحكم القاضي أنه قد مات، ثم تعتد زوجته عدة الوفاة، ثم تتزوج إن أرادت، أو نقسم الميراث، هذا إن كان غالب فقده السلامة، ولو فقد وله تسعون سنة فإنها تعتد سنة واحدة إذا كان غالب فقده السلامة.

القسم الثاني: إذا كان غالب فقده الهلاك مثل من كان في سفينة، وانكسرت بهم السفينة، أو في حرب، وفقد في الحرب، هذا غالب فقده الهلاك، بخلاف أن الأول غالب فقده السلامة، خرج من بين أهله، سافر لتجارة، سافر لطلب علم ونحو ذلك، إذا كان غالب فقده الهلاك تتربص أربع سنوات، يضربها الحاكم ، يحكم بموته، ثم بعد ذلك تعتد عدة الوفاة.

الرأي الثاني: بالنسبة لامرأة المفقود ليس هناك مدة محددة، وإنما يرجع في ذلك إلى اجتهاد الحاكم، هذا يختلف باختلاف الزمان والمكان، يعني: مثل وقتنا هذا، مع وجود وسائل الاتصال، ممكن أن يعرف، وأيضاً ممكن أنه ما يعرف، يعني: فيه أناس فقدوا جلسوا سنوات ثم رجعوا، يمكن أنه يعرف وممكن أنه ما يعرف، لكن إذا تمكنا من المعرفة بسبب وجود وسائل الاتصال ونحو ذلك، فهنا يجتهد الحاكم في ذلك، والدليل على هذا أن الأصل عدم التحديد، لم يرد في الشرع التحديد، وأيضاً الأصل بقاء حياتهم، فلا يحكم بموته بمجرد مضيء مدة، ولأن هذا يختلف أيضاً كما ذكرنا باختلاف الزمان والمكان.

الحنفية لهم أقوال: إلى أن يبلغ ستين، إلى أن يبلغ سبعين، إلى أن يبلغ تسعين، مائة، مائة وعشرين.

المالكية أيضاً لهم أقوال: إلى أن يبلغ سبعين، إلى أن يبلغ خمسة وسبعين عاماً، إلى أن يبلغ ثمانين إلى آخره.

لكن أقرب شيء ما ذكره الشافعية رحمهم الله أن هذا يرجع إلى اجتهاد الحاكم.

وعلى هذا؛ نقول: بأن هذه المدة ليست محددة، وإنما نرجع إلى اجتهاد الحاكم، والحاكم يجتهد ويضرب مدة، ثم بعد ذلك يحكم بموته، وزوجته لها أن تتزوج، وميراثه يقسم.

قال: (ولا تفتقر لحاكم).

يعني: ضرب المدة لا يفتقر إلى القاضي، سواء رجع إلى القاضي وضرب القاضي مدة، أو أنها هي تربصت، إذا كان غالب فقده الهلاك جلست أربع سنوات، ثم بعد ذلك يحكم القاضي بموته.

قدوم المفقود وقد تزوجت زوجته

قال: (فإن تزوجت، ثم قدم الأول قبل دخول بها ردت له وجوباً، وبعد دخول له أخذها بالعقد الأول، ولا يطأ حتى تنقضي عدة الثاني).

الآن ضربنا المدة، وانتهت المدة، واعتدت عدة الوفاة، وتزوجت، ثم رجع زوجها الأول، ما الحكم؟

قال المؤلف فيه تفصيل، يقول بأن الأمر لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن يرجع قبل أن يدخل الثاني، يعني: حتى الآن الثاني ما دخل إنما عقد عليها، ما الحكم؟ قال: ترجع له وجوباً.

والحالة الثانية: أن يكون دخل بها، ونفرض أنه جاء الثاني أولاد منها، فنقول للمفقود: أنت بالخيار، أنت تريد الزوجة أعطيناك الزوجة، تريد المهر أعطيناك المهر، قال: أنا أريد الزوجة، نقول له: خذ زوجتك، لكن انتظر لا تطأ حتى تعتد من الثاني، والصحيح أنه لا حاجة إلى العدة، وإنما تستبرئ من الثاني؛ لأنها قد تكون حاملاً، هل يحتاج إلى تجديد عقد أو لا يحتاج إلى تجديد عقد؟

يقول لك المؤلف: ما يحتاج تجديد العقد. أما إن قال: أنا لا أريد الزوجة، أريد المهر، نقول: خذ المهر من الزوج الثاني؛ لأن الزوج الثاني دخل على بصيرة أنها امرأة مفقود ربما يرجع في يوم من الأيام، لكن إن كان الثاني قد غش، ما علم أنها امرأة مفقود، يدفع للأول المهر، ويرجع على من غشه، إما الولي أو الزوجة، هذا الرأي الأول.

الرأي الثاني: أن له الخيار مطلقاً سواء كان قبل الدخول أو بعد الدخول، إذا جاء المفقود، وقد تزوج زوجته، نقول: أنت بالخيار، سواء دخل الثاني أو لم يدخل، إذا شئت أن تأخذ المرأة خذها، وإن شئت أن تبقيها لك المهر، وهذا اختيار شيخ الإسلام، وقالوا: أن هذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

قال: (حتى تنقضي عدة الثاني، ويأخذ قدر الصداق الذي أعطاها، فلا يجدد الثاني عقده).

فيجدد الثاني عقده، هذا ما ذكره المؤلف رحمه الله، والصحيح أنه لا حاجة إلى تجدد العقد.

زمن بداية العدة

قال: (ومن مات زوجها أو طلق غائباً اعتدت منذ الفرقة، وإن لم تحد).

يعني: هنا بين المؤلف -رحمه الله- متى تبدأ العدة، تبدأ العدة من حين الفرقة، سواء كانت الفرقة بطلاق، أو كانت الفرقة بموت، ولو تركت الإحداد تنتهي العدة أو لا تنتهي؟ تنتهي العدة، هي تأثم إذا كانت عالمة، لكن العدة تنتهي، طيب لو ما علمت أن زوجها مات إلا بعد خمسة أشهر، ماذا نقول؟ خلاص العدة انتهت، علمت أو لم تعلم، تربصت للإحداد أو لم تتربص، نقول: بأن العدة قد انتهت.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عمدة الطالب - كتاب العدد [1] 2316 استماع
شرح عمدة الطالب - كتاب النفقات [1] 1529 استماع
شرح عمدة الطالب - كتاب النفقات [2] 1407 استماع
شرح عمدة الطالب - كتاب العدد [3] 1338 استماع
شرح عمدة الطالب - كتاب الحضانة 1307 استماع
شرح عمدة الطالب - كتاب الرضاع 748 استماع