خطب ومحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
شرح كتاب التوحيد [35]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء
وقول الله تعالى: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الواقعة:82].
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت ).
وقال: ( النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب ). رواه مسلم ].
تقدم لنا ما يتعلق بالتنجيم، وما ورد فيه من النصوص، وما ساقه المؤلف رحمه الله تعالى، وذكرنا أيضاً تعريف التنجيم.. إلى آخره.
والتنجيم أو علم النجوم ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: علم التأثير، والقسم الثاني: علم التسيير.
علم التأثير ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يستدل بحركات النجوم على الحوادث الأرضية -يعني: على المغيبات- فهذا شرك أكبر مخرج من الملة.
القسم الثاني: أن يعتقد بحركات النجوم أنها تخلق الخير والشر، النفع والضر... ونحو ذلك، فهذا أيضاً حكمه أنه شرك أكبر؛ لأنه جعلها أو صرف لها شيئاً من خصائص الله عز وجل.
القسم الثالث: أن يعتقد أن حركات النجوم سبب من الأسباب، دون أن يعتقد أنها فاعلة أو خالقة، وإنما يعتقد أنها سبب من الأسباب، فهذا حكمه أنه شرك أصغر، إذا اعتقد أنها سبب من الأسباب للنفع أو الضر نقول بأن هذا شرك أصغر كما تقدم، وإذا اعتقد أنها تنفع وتضر بذاتها فإن هذا شرك أكبر.
هذا فيما يتعلق بعلم التأثير.
أما علم التسيير كما تقدم لنا -يعني خلاف السلف فيه- أن الإمام أحمد رحمه الله وإسحاق بن راهويه رخص فيه، وأن قتادة وابن عيينة كرها تعلم منازل القمر، ومعرفة منازل القمر ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يتعلم منازل القمر لمعرفة الفصول -الصيف والشتاء والربيع والخريف.. إلى آخره- وهذا يترتب عليه مصلحة دنيوية، أو نقول: أن يتعلم منازل القمر للمصالح الدنيوية، كمعرفة الأوقات والفصول.. إلى آخره.
القسم الثاني: أن يتعلم منازل القمر لمصالح دينية، كمعرفة الجهات: الشمال والجنوب والشرق والغرب؛ لأنه إذا عرف هذه الجهات فإنه يتمكن من معرفة القبلة، فهذه مصلحة دينية.
ثم قال رحمه الله تعالى: (باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء).
مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد أن الاستسقاء بالأنواء شرك، يعني: طلب السقي ومجيء المطر من النوء -النجم- شرك، وقد يكون شركاً أكبر، وقد يكون شركاً أصغر، كما سيأتينا، فناسب أن يأتي المؤلف رحمه الله تعالى بهذا الباب في كتاب التوحيد؛ لأن الاستسقاء بالأنواء إن كان شركاً أكبر فإنه يخل بالتوحيد من أصله، وإن كان شركاً أصغر فهو يخل بكمال التوحيد.
وقوله: (باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء) يعني: ما جاء من الوعيد، والاستسقاء: طلب السقي ومجيء المطر، والأنواء: جمع نوء، وهو النجم، وكما تقدم لنا أن منازل القمر ثمان وعشرون منزلة، أربع عشرة شمالية، وأربع عشرة يمانية، وهي معروفة المطالع في كل ثلاثة عشر يوماً يغيب واحد منها مع طلوع الفجر، ويطلع رقيبه من قبل المشرق، وتنقضي كلها مع انقضاء السنة القمرية، والعرب تزعم أنه إذا غاب وطلع رقيبه أن هذا يكون سبباً لنزول المطر، فهذه الأسباب أسباب موهومة غير صحيحة؛ ولهذا جاء الشرع بإبطالها.
أما مناسبة هذا الباب لما قبله: فالمؤلف رحمه الله ذكر في هذا الباب -باب الاستسقاء بالأنواء- والذي قبله باب ما جاء في التنجيم، مناسبة هذا الباب لما قبله ظاهرة، فإن في كل منهما اعتماداً على سبب موهوم.
قال رحمه الله: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ [الواقعة:82] أي: تجعلون نصيبكم من شكر نعمة الله عز وجل على هذا المطر أنكم تكذبون، كيف يكذبون؟ ينسبون المطر إلى النوء، هذا وجه التكذيب.
قال: أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الواقعة:82] يعني: ينسبون نعمة المطر إلى غير الله عز وجل، بل ينسبونها إلى النجم، فيقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، وكما تقدم أن العرب إذا غاب نجم وطلع رقيبه يقولون: هذا سببه المطر، وينسبونه إلى طلوع النجم أو غروبه.
مناسبة هذه الآية لما ترجم له المؤلف رحمه الله تعالى: أن الله سبحانه وتعالى أنكر نسبة المطر إلى النجم، وأن هذه النسبة نسبة باطلة، لأنها نسبة إلى سبب موهوم.
قال رحمه الله: (وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أربع في أمتي من أمر الجاهلية ) ).
قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أربع ) ليس المقصود بذلك الحصر، وإنما يذكر النبي صلى الله عليه وسلم العدد والحصر تقريباً للعلم، وتسهيلاً للحفظ، وإلا هناك غير هذه الأربع من أمر الجاهلية لا تتركها الأمة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يحصر ويذكر العدد تقريبا للعلم، وتسهيلا للحفظ، وهذا أسلوب من أساليب تعليم النبي صلى الله عليه وسلم وتربيته.
وكما سبق أن نبهنا أن العلماء رحمهم الله أخذوا بهذا الأسلوب؛ ولهذا تجد أنهم يقولون: واجبات الصلاة ثمانية، هذا الحصر لم يأت في الشرع، لكن استقرؤوا الأدلة، وحصروا هذا الحصر كله لتقريب العلم وتسهيله، ويقولون: أركان الصلاة أربعة عشر، وشروط الصلاة تسعة.. وهكذا، نواقض الوضوء ثمانية.. إلى آخره.
قال: ( من أمر الجاهلية ) المقصود بالجاهلية: هو ما كان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا على جهل عظيم، ومن جهلهم أنهم لم يستجيبوا للنبي صلى الله عليه وسلم، وكثير منهم حمله الجهل، وربما حمله الحسد.. إلى آخره إلى عدم الاستجابة إلى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا كانوا يأكلون الميتات، ويشربون الخمور.. إلى آخره.
والجاهلية بالمعنى العام: هي كل ما يخالف ما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه جاهلية بالمعنى العام.
قال: ( لا يتركونهن ) يعني: أن هذه الأمة ستفعلها.
( الفخر بالأحساب ) يعني: التعاظم على الناس بالآباء والأمهات، والميزان عند الله عز وجل إنما هو التقوى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] فالتعاظم على الناس والتفاخر عليهم بالآباء والأمهات هذا من أمر الجاهلية، وسبق أن ذكرنا قاعدة وهي: أن الشارع إذا ذم شيئاً أو ذكر شيئاً على وجه الذم فإنه يطلب منا أمرين:
الأمر الأول: أن نتركه وأن نتجانف هذا الشيء، والأمر الثاني: أن نبغض من اتصف به.
قال: ( والطعن في الأنساب ) يعني: العيب في نسب فلان ونسب فلان.. إلى آخره، الطعن يعني: العيب والقدح في أنساب الناس، وهذا أيضاً من أمر الجاهلية.
قال: ( والاستسقاء بالنجوم ) يعني: نسبة المطر والسقيا إلى النجم.
( والنياحة على الميت ) قيل: إن النياحة: هي أن يجتمع النساء على البكاء على الميت، وقيل بأن النياحة هي البكاء على الميت مع الندبة، يعني: يصحبها الندبة، يعني: تبكي تقول: مات فلان الذي يستأجر لنا البيت، ويأتينا بالطعام، ويأتينا بالشراب ونحو ذلك.. إلى آخره، فإذا كان هناك بكاء -رفع صوت- مع الندبة فهذه هي النياحة، فالندبة: تعداد محاسن الميت مع رفع الصوت.
قال رحمه الله: (وقال: ( النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة ) ) يعني: تبعث من قبرها وتوقف يوم الحساب والجزاء.
( وعليها سربال من قطران ) يعني: ثوب من نحاس مذاب تلطخ به، فتصير كأنها لابسة له، ولا شك أن هذا عذاب عظيم، إذ إن هذا الثوب من النحاس المذاب، تلطخ به هذه النائحة، لا شك أن هذه عقوبة عظيمة؛ مما يدل على أن هذا من كبائر الذنوب.
قال: ( ودرع من جرب ) الدرع: هو الثوب، والجرب: مرض يصيب الجلد، فهي تكسى هذا الجرب، ولا شك أن هذا أيضاً عقوبة عظيمة.
الشاهد من هذا الحديث لما ترجم له المؤلف رحمه الله قوله: ( والاستسقاء بالنجوم ) وأن الاستسقاء بالنجوم هذا من أمر الجاهلية، فدل ذلك على تحريمه وعلى النهي عنه.
الخلاصة في الاستسقاء في النجوم: أن الاستسقاء في النجوم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الاستسقاء بالنجوم على أنها فاعلة، أن يستسقي بالنجوم على أنها فاعلة وخالقة للمطر، فهذا حكمه أنه شرك أكبر، أو كفر أكبر إذا استسقى بالنجوم على أنها فاعلة وخالقة للمطر؛ لأنه صرف خصيصة من خصائص الخالق للمخلوق.
القسم الثاني: أن يستسقي بالنجوم على أنها سبب، وأن النفع والضر بيد الله عز وجل، فهذا حكمه أنه شرك أصغر.
القسم الثالث: أن يقول: مطرنا بنوء كذا. يعني: المقصود: النسبة إلى الوقت، يعني: مطرنا بوقت هذا النجم، وليس المراد أن النجم سبب أو أنه خالق.. إلى آخره، فهذا جائز ولا بأس به.
والله أعلم، وصلى الله وسلم.