التحذير من السحر
مدة
قراءة المادة :
11 دقائق
.
التحذير من السحرالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فإن السحر من العادات السيئة التي يفعلها البشر منذ أقدم العصور، ويلجؤون إليها لتحصيل أغراضهم، التي غالبًا ما يصاحبها ضرر للآخرين، وأحيانًا تكون لمجرد جلب المنافع دون إيذاء الغير، وكلاهما لا يجوز؛ فإضرار الناس حرام، وكذا الاستعانة بالشياطين وجنود إبليس، الذين هم أعداء الله، والتقرب إليهم أمر ينافي التوحيد وتعاليم الدين، والسِّحْرُ كبيرة من كبائر الذنوب، وهو مُحرَّم بالكتاب والسُّنَّة والإجماع؛ قال تعالى: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 102]، وقال: ﴿ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [يونس: 81]، فبيَّن الله تعالى أن السحر فتنة، ويضر بالناس ولا ينفع، ويفرِّق بين المرء وزوجه، وأنه من عمل المفسدين، وأن السحرة لا يستطيعون أن يضروا أحدًا إلا بإذنه، وبيَّن صلى الله عليه وسلم أنه من السبع الموبقات؛ فقال: ((اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات))[1]، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين، يقول: ((أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامَّة، ومن كل عين لامَّة))[2]، ومنه سُنَّة قراءة المعوِّذتين مع الأذكار اليومية، وجاء التعوذ منه في قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ [الفلق: 4]؛ قال الطبري: أي "ومن شرِّ السواحر اللاتي ينفُثن في عُقَد الخيط، حين يَرْقِين عليها"[3].
وللسحر ثلاثة أنواع: الأبيض والأسود والأحمر، وأخطرها الأسود، وهو السفلي؛ لأنه يُستعمَل في الأعمال الشريرة[4]، وكلها من أعمال الدَّجاجلة والمشعوذين، والمؤمن الحق لا يعمل السحر؛ لأنه كبيرة ويضر بالمسلمين، والمسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده[5]، ولا يقوم به إلا من امتلأت نفسه خبثًا وشرًّا وحقدًا، وإلا فلمَ يُلحِق الضرر بالأبرياء وهو يعلم؟ فمن كانت عنده حاجة يريدها في غير شرٍّ، فليسأل الله تعالى، ويُلِحُّ في طلب السؤال، ولْيتيقَّن بأن الله تعالى سيستجيب له، إما بتلبية دعائه، أو بما هو أفضل منه؛ فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يدعو بدعوة، ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجَّل له دعوته، وإما أن يدِّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذًا نُكْثِر، قال: الله أكثرُ))[6]، والاعتماد على الله، والتوكل عليه في قضاء الحوائج باب من أبواب الاستجابة والتوفيق.
وكم من أُسَرٍ فكَّكتهم الأسحار، وهدَّمت بيوتهم، وشرَّدت أطفالهم، وضيَّعت المودة والسكينة فيها! وكم من مسحور يعاني المرض والضيق، والضياع والتِّيهَ، والنسيان والآلام التي لا يعلم بها إلا الله! ومنهم من فُصِل من عمله، أو شُلَّت قدماه، أو سقط في الامتحان، وحُرِم التوفيق، وأصابه الفشل في كل شيء، ومنهم من تأخر زواجها أو تم طلاقها، أو أُصيبت بالعقم، أو كرهها زوجها، أو مات صغارها، ومنهم من تزوج دون اختياره بسحر المحبة، أو ترك زوجته، وأهمل أطفاله، وتعكست أموره، وغيرها من الصعاب والكوارث التي يمكن أن تحدث للمسحور، وكل ذلك حسدًا وإيذاء من عمل السحرة، فيا لشر من يفعل هذا بخلق الله! مهما كانت الأسباب، فليس هناك إنسان على وجه الأرض يستحق هذا، حتى وإن كان كافرًا مُسَالمًا، ومن يفعل هذا فلا ضمير له، ويملؤه الحسد والشر، والسحر يُودِي بعامله للكفر؛ بدليل آية سورة البقرة، كما ذكر ابن باز رحمه الله[7]، وقد أمر عمر رضي الله عنه بقتل كل ساحر[8]، وروى ابن باز عن جندب بن عبدالله البجلي رضي الله عنه: أنه قال: "حد الساحر ضربة بالسيف"[9]، فالساحر يسجد للشيطان، ويقدِّم له القرابين؛ ليحقق له ما يريد، وهذا كفر واضح وضرر للأبرياء؛ ولذا كان قتله هو الحل لحماية الناس، وتخليص المجتمع من شروره، إن لم يَتُبْ.
والسحر والشعوذة من الأفكار الفاسدة التي تُنشَر عبر وسائل الإعلام وشبكات الإنترنت، ويقوم بنشرها الدجالون؛ ليضحكوا بها على عقول العامة، ويأكلوا أموالهم بغير حق، ومن أكثر الفئات المستهدفة النساء والعوام، وأما من يقع عليهم السحر، فأكثرهم من الشباب والنساء، وكل مَنْ مَنَّ الله عليه بنعمة، جلبت له الطمع أو الحسد، وفي هذا فساد كبير وضرر على المجتمع وعلى المسحورين، وكذلك نشر أفلام السحر والشعوذة في قنوات التلفاز واليوتيوب، وشبكات التواصل، يلعب دورًا في الترويج لها، ومنها الفيلم العالمي الشهير هاري بوتر، الذي يدمنه الصغار والشباب، وهذا الفيلم بعالميته وشهرته الكبيرة يقوم من أوله إلى آخره على فكرة تعليم الأطفال السحر والشعوذة، وهو محبوب كثيرًا للصغار والمراهقين والشباب، كما أن هناك غيره الكثير من الأفلام وبرامج وألعاب الجوال التي تروِّج للسحر، وتزيَّنه للأطفال؛ ليبدو لهم في صورة محبَّبة وبريئة وداعية للانبهار والعجب؛ ولذا يتربى به جيل لا يرون في السحر شيئًا، ويأخذونه كموضوع للعب والقوة والانبهار، دون أن يعلم الأهل بذلك، لتوعية أبنائهم بخطره، فلا بد من تعليمهم أن السحر حرام، وأنه باب شرٍّ لا يأتي منه خير، وكثيرًا ما يرتد شره على الساحر، ولا يلجأ إليه إلا قليلو الإيمان.
السحر من منظور مقاصد القرآن الكريم عند ابن عاشور:
• إن السحر محرَّم بالإجماع؛ ولذا فهو يتناقض مع مقصد التشريع للأحكام.
• السحر فيه ضرر للناس، وأذى للمسلمين، دون رحمة بالمسحورين؛ ولذا فهو يتناقض مع المقصد الأعلى للقرآن؛ وهو صلاح الأحوال الفردية والجماعية.
• السحر كفر، وفيه إفساد لعقيدة الناس، ودعوتهم للتعلق بغير الله في طلب حوائجهم، سواء من آلهة باطلة، أو أسحار وشعوذة، أو غيره، ولأن السحر يتم بعد الاستعانة بمردة الشياطين، ويُظْهِر الساحر التذلُّلَ لها؛ ولذا فهو يتناقض مع مقصد إصلاح الاعتقاد وتعليم العقيدة الصحيحة.
• السحر يلحق الضرر بالناس؛ مثل: إيقاع الخلاف بين الأزواج، مما قد يصل إلى حد الطلاق، وكذلك قد يقوم بعضهم بعمل سحر المحبة، مما يجعل المسحور يقع في حب الذي جلب السحر، وفي هذا استغلال للناس، وهي صفات ذميمة؛ ولذا فالسحر يتناقض مع مقصد تهذيب الأخلاق.
• من يقوم بالسحر ولا يبطله يُقْدِم على فعل كبيرة من الكبائر، ويُصِرُّ عليها، وهذا يعارض مقصد المواعظ والإنذار، والتحذير والتبشير؛ حيث لا يرتدع الساحر، ولا يستمع للإنذار والوعيد بالعقوبة في الآخرة، إذا لم يَتُبْ.
النصائح والتوجيهات المقترحة:
• يجب نشر الوعي في المجتمع، وتعليم عامة الناس أن السحر كبيرة من الموبقات، وأنه أذًى للناس، وتذكيرهم بوعد الله ووعيده.
• يجب إبلاغ السلطات عن أماكن السحرة والمشعوذين؛ للقبض عليهم، وحماية المجتمع من شرورهم.
• قراءة أذكار الصباح والمساء، والتحصين بآية الكرسي والمعوذتين في الصباح والمساء؛ للحماية من السحر.
• على من وجد سحرًا في بيته أو متاعه، أن يعمل على حلِّه بالطريقة الصحيحة، وليتعلم ذلك بالرجوع إلى المراجع فيها، ويمكن التخلص من السحر "بمحوه إن كان مكتوبًا، ونقضه وحلِّ عُقَدِه إن كان معقودًا، مع قراءة المعوذات حال فكِّ العقد، ثم يُتلَف الشيء المنقوض ويُدفَن، أو يُلقى في مكان بعيد"[10]، ويُستحسَن لمن يجد سحرًا مُلقًى في الأماكن العامة كالشواطئ والمقابر ونحوها، أن يعمل على حلِّه أو ردِّه لمن له خبرة بحلِّه، وتحرير المسحورين منها؛ ابتغاءَ الأجر عند الله ونفع الناس.
• يجب حظر قنوات السحر والشعوذة إن أمكن، ومنع عرض الأفلام التي تروِّج لها، وكذا حجب مواقع السحرة وقنواتهم، وحساباتهم على الإنترنت.
• تعليم الصغار في المدارس عن السحر وعواقبه الدنيوية والأخروية.
[1] أخرجه البخاري (2766)، ومسلم (89).
[2] أخرجه البخاري (3371)، والطبراني في المعجم الأوسط (4793) واللفظ له.
[3] الإمام الطبري، كتاب تفسير الطبري جامع البيان، ج 24، ص 704.
[4] جريدة اليوم السابع الإلكترونية، مقال عن أشكال السحر وألوانه نشر بتاريخ 27 سبتمبر 2019م.
[5] أخرجه البخاري (10)، ومسلم (40) مختصرًا.
[6] أخرجه أحمد (11133) واللفظ له، وابن أبي شيبة (29780)، وعبد بن حميد (935).
[7] الموقع الرسمي للشيخ ابن باز رحمه الله، حكم السحر والكهانة وما يتعلق بها.
[8] أخرجه البخاري (3156) باختلاف يسير.
[9] مجموع فتاوى ابن باز (117 /8)، وخلاصة حكمه: ثابت.
[10] إسلام ويب، حول طرق التخلص من السحر، 26 أغسطس 2008م.