حقيقة التقوى بين اليأس والإرجاء
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
حقيقة التقوى بين اليأس والإرجاءبسم الله الرَّحمن الرَّحيم، والحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسلام على أشرف المرسلين - صلَّى الله عليه وسلَّم.
التطبيقُ الصحيح للنصوصِ الشرعية هو الضَّامنُ الأول لتحقيقِ فوائدِها، وجني ثمارِها في الدنيا والآخرة، وكذلك سلامة الفهمِ للنصوصِ الشرعيةِ هي الضَّامنُ الأول لتطبيقِها تطبيقًا سليمًا، وكذلك جمعُ كلِّ النصوصِ الشرعية في الباب الواحد هو الضامنُ الأول للفهم السليم.
و"الوسطية" دائمًا هي السمةُ الغالبة على ذلك الفهمِ السليم، تلك الوسطيةُ التي تقعُ غالبًا بين طرفين متناقضين كلاهما خطأ، أحدهما ناتجٌ للإفراط، والآخر نتيجةُ التفريط.
وإذا كان ذلك كذلك فإنَّ قضيتا (التقوى والرَّجاء) من تلك القضايا الخاضعةِ لهذه القواعد؛ إذ عدمُ الإلمامِ بكلِّ نصوص التقوى والرجاء يؤدِّي إلى فهمٍ غير سليم لهما، ومن ثَمَّ إلى تطبيقٍ خاطئ، مما يكونُ له أشد الأضرارِ على المرءِ في الدنيا والآخرة، وهو بالطبعِ عكس المرادِ الحقيقي للتقوى والرجاء.
ولسنا في صددِ إحصاء النُّصوصِ الهائلة التي تدعو إلى تقوى الله - تعالى - بل نقتصرُ على نصٍّ واحد منها، وهو قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، والتفريطُ في هذه النصوصِ الشرعية يصلُ بالمفرِّط إلى الإرجاء - وهو: الجرأةُ على معصيةِ الله مع أمنِ العذابِ واليقين بالمغفرة - وإنْ ظنَّه رجاءً مأمورًا به، وكذلك الإفراطُ في هذه النُّصوصِ - والإفراط هو: المبالغةُ غير الشرعيَّة - يؤدِّي إلى اليأس من روح الله والقنوط من رحمتِه، وهذا خطأ جسيم حذَّر منه الحقُّ - جلَّ وعلا - بمواضع كثيرة من الذِّكر الحكيم منها قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، ومنها قوله - تعالى -: ﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 56].
والأمرُ عند ذوي البصيرةِ أبلج من الشَّمسِ وضوحًا، ولقد لَخَّصَ أحدُ أئمةِ السَّلفِ فقهَ المسألة؛ حيث قال محمد بن مفلحٍ المقدسي الحنبلي: فإنَّ الفقيه كل الفقيه الذي لا يؤَيِّسُ النَّاسَ من رحمة الله - عزَّ وجلَّ - ولا يجرِّئهم على معاصي الله - تعالى؛ الآداب الشرعية (1/ 87).
وبناءً عليه فالتقوى: هي ما يحتاجُ إليه المرءُ ليصرفَه عن المعصيةِ وعدم الوقوع فيها.
والرَّجاء: هو ما يحتاجُ إليه المرءُ بعد وقوعِه في المعصيةِ ليدفعه إلى التوبةِ منها، وعدم التمادي فيها.
وكلاهما زادُ السَّالك إلى ربِّه لا غنى له عنهما، وبناءً عليه فالفرقُ بين التقوى واليأس:
أنَّ التقوى: هي المانعُ من المعصية.
بينما اليأس: هو المانعُ من التوبة.
كذلك الفرقُ بين الرَّجاء والإرجاء:
أنَّ الرجاء: هو الدافعُ إلى التوبةِ من المعصية.
بينما الإرجاء: هو التمادي في المعصيةِ مع أمنِ العذاب، واليقين بالمغفرة.
ولا مراءَ في أنَّ كلَّ كلمةٍ بالمقال عليها أدلةٌ يطولُ ذكرُها وشرحها، ولكنَّه مقام الاختصار، وأحسبُه مع إيجازِه كافيًا بالمرادِ، والله نسألُه وحده لا شريكَ له أن يرزقَنا خشيتَه التي تحولُ بيننا وبين معاصيه، وأن يرزقَنا رجاءَه المعين لنا على حسنِ الظَّنِّ به والتوبة إليه.
وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين، سبحانك اللهمَّ وبحمدِك، أشهدُ أن لا إله إلا أنت، أستغفرُك، وأتوبُ إليك.