المشروع الصهيوني ومخططاته المستقبلية
مدة
قراءة المادة :
23 دقائق
.
المسلمون والعالم
المشروع الصهيوني ومخططاته المستقبلية
التهديد الصهيوني للأمة العربية
لواء أ. ح.د.
زكريا حسين [*] في البداية أشير إلى أنني أنطلق في عرضي وتحليلي من خلال ثلاث حقائق رئيسة: أولها: إن استطلاع الرأي الذي أجري مؤخراً في أوروبا اعتبر أن إسرائيل والولايات المتحدة تمثل أكبر تهديد للسلم والأمن العالميين، وأن نسبة 60% قد أعربت عن هذا الاعتقاد. ثانيها: أن الولايات المتحدة قد أعلنت أنها اختارت الشرق الأوسط ليكون البداية التي تنطلق منها استراتيجيتها الكونية للهيمنة على العالم. ثالثها: أنه من المؤكد أن هناك توافقاً استراتيجياً بين كل من الولايات المتحدة وإسرائيل الحليفة الرئيسة لها لتلعب دوراً رئيساً وفعالاً في تنفيذ مخططاتها لإعادة صياغة الشرق الأوسط بما يؤدي إلى حل الصراع العربي الإسرائيلي طبقاً للرؤية الإسرائيلية من ناحية ويحقق أهداف الهيمنة الأمريكية من ناحية أخرى. وعلى ضوء ذلك فإن عَرْضَنا وتحليلنا اليوم سيركز على موضوع. - المشروع الصهيوني ومخططاته المستقبلية. - التهديد الإسرائيلي للأمة العربية. وسيتم تناول هذا الموضوع من خلال الإجابة على التساؤلات الآتية: أولاً: ما هو المخطط الأمريكي لإعادة صياغة الشرق الأوسط والدور الإسرائيلي فيه؟ ثانياً: ما هي المراحل والخطوات التي تم اتخاذها وسيتم اتخاذها عن طريق هذا المخطط؟ ثالثاً: لماذا تعتبر إسرائيل تهديداً رئيساً للأمة العربية؟ في مجال الإجابة على التساؤل الأول: ما هو المخطط الأمريكي لإعادة صياغة الشرق الأوسط والدور الإسرائيلي فيه؟ نقول: تعود جذور المخطط الأمريكي لإعادة صياغة الشرق الأوسط إلى فترة ما بعد حرب أكتوبر 1973م؛ حيث طرحت فكرة «تأمين منابع النفط في الخليج» وذلك باستخدام القوات المسلحة لمنع تكرار ما سمي بـ «استراتيجية الخنق» التي اتبعتها الدول الخليجية باستخدامها السياسي لسلاح النفط لفرض رؤيتها لحل الصراع العربي الإسرائيلي آنذاك. وقد تبلور هذا الاتجاه من خلال دراسة أعدتها لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب الأمريكي في 21/8/1975م، والتي بحثت لأول مرة احتمال القيام بعمل عسكري ضد دول منتجة للنفط عند محاولاتها فرض حظر نفطي ...
وقد تحدد الهدف الاستراتيجي لاستخدام القوة المسلحة الأمريكية في حالة نشوب هذه الأزمة ليكون «القيام بعملية عسكرية للاستيلاء على منطقة حقول النفط الرئيسة الواقعة بالمنطقة الشرقية الممتدة بمحازاة الخليج العربي، وتأمين تدفق أهم حقول النفط في المملكة العربية السعودية والتسهيلات المصاحبة لها، والاحتفاظ بها أو السيطرة غير المباشرة عليها» . وفي 23/1/1980م أعلن الرئيس الأمريكي «جيمي كارتر» في خطاب له أمام الكونجرس الأمريكي عن نظرية أمن صريحة لمنطقة الخليج عرفت بمبدأ كارتر الذي انطوى على شقين: أحدهما: شق سياسي وقال فيه: «إن أي محاولة من جانب أي قوى للحصول على مركز مسيطر في منطقة الخليج سوف يعتبر في نظر الولايات المتحدة هجوماً على المصالح الحيوية بالنسبة لها، وسوف يتم رده بكل الوسائل بما فيها القوة المسلحة» . أما الشق الثاني: فقد تمثل في إنشاء «قوة الانتشار السريع» من خلال تقرير قدمته وزارة الدفاع الأمريكية عام 1988م من لجنة القوات المسلحة بالكونجرس، والذي على أساسه اعتُمدت ميزانية هذه القوات لتلك السنة. وعن التغير القادم في الشرق الأوسط تعرض التقرير لذلك بقوله: «إن الولايات المتحدة كانت توافق وتساير عدم النظام في منطقة الشرق الأوسط، وكان اهتمامها الأول والأخير منصباً على النفط وأمن إسرائيل فقط على اعتبار أن الصراع العربي الفلسطيني لم يكن يهدد التوازنات الاستراتيجية، بل إن عدم الاستقرار كان يخدم الولايات المتحدة لتجعل الجميع تحت سطوتها في المنطقة؛ إلى أن فوجئت الولايات المتحدة بهجوم» تنظيم القاعدة «وهو مظهر تهديد للمصالح الأمريكية الذي جسده» أسامة بن لادن «ومن معه ممَّن شاركوا في عمليات مركزي التجارة والبنتاجون، وكان هدفهم المعلن هو إخراج القوات المسلحة الأمريكية من الخليج وإقامة دولة إسلامية تهيمن على منابع النفط في العالم، وفي نفس الوقت استعداد تنظيم القاعدة لتدمير دولة إسرائيل، وهو الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تقتنع بأنه لا يمكن التساهل مع الشرق الأوسط الذي تتنامى في مشاعر شعوبه معاداة الولايات المتحدة؛ فضلاً عن التهديدات التي تحيط بإسرائيل ومنابع النفط والتي ليس للولايات المتحدة فيه باستثناء إسرائيل أي حليف مؤتمن بل إنه من المحتمل أن ينطلق منه في المستقبل هجوم بأسلحة غير تقليدية ضد الولايات المتحدة. ومن هنا قرر الرئيس الأمريكي» جورج دبليو بوش «أن تبدأ إعادة تشكيل الشرق الأوسط بغزو جمهورية العراق وإزاحة حكم الرئيس صدام حسين باعتبار أن رحيله لن يمكنه من الحصول على مزيد من أسلحة الدمار الشامل وعلى رأسها القنبلة النووية! ..
أو حتى تمكينه من السيطرة على منابع النفط، وأيضاً لكي يصبح نقطة الانطلاق للحملة التي تستهدف ما أطلق عليه» إدخال الديمقراطية إلى الشرق الأوسط من البحر الأحمر حتى الخليج «..
أي إلى عملية ضم المسلمين إلى إمبراطورية الخير التي ستبدأ من العراق..
من هنا فإن الهدف الأمريكي من الغزو العراقي هو» خلخلة المنطقة «وإعادة رسم خريطتها السياسية الإقليمية، بما يخدم الهدف الإسرائيلي بتسوية الأرض عسكرياً وسياسياً ونفسياً للتهيئة لواقع عربي مخلخل يسهل تقبله للضغوط من أجل حل النزاع العربي الإسرائيلي وفقاً للرؤية الإسرائيلية. وعلى طريق تنفيذ الهدف فقد تحققت الخطوة الأولى عن طريق إحداث التغير في الشرق الأوسط بإسقاط النظام العراقي باعتبارها بداية لخطوات أخرى لإسقاط حكومات وتقسيم دول بغرض إقامة نظام شرق أوسطي جديد خاضع للإدارة الأمريكية من جهة، وتلعب فيه إسرائيل وتركيا دوراً محورياً من جهة أخرى. وننتقل إلى التساؤل الثاني: ما هي المراحل والخطوات التي تم اتخاذها على طريق تنفيذ هذا المخطط؟ وفي مجال الإجابة على هذا التساؤل نقول: إن النظرة المتعمقة لما يدور في منطقة الشرق الأوسط تؤكد أن مخطط إعادة الصياغة بالتعاون والتنسيق مع إسرائيل يسير في خطوات متسارعة؛ نرصد منها: أولاً: تعظيم أدوات الردع الأمريكي بإقامة القواعد ومراكز القيادة والتحالفات الدفاعية والتعاقدات التسلحية في منطقة الخليج العربي إلى جانب ترسيخ الاحتلال الأمريكي للعراق.
وأعتقد أن هذا الموضوع هو مجال حيوي لمتابعة جميع المفكرين والباحثين، ولسنا في حاجة إلى مزيد من الإضافة أو التعليق على هذا الاتجاه. ثانياً: في مجال مكافحة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل فإنه من الضروري أن نعيد طرح السياسة النووية الأمريكية الجديدة التي تم صياغتها في إطار استراتيجية كونية أعلنتها إدارة الرئيس الأمريكي» جورج دبليو بوش «حيث تستند السياسة النووية الجديدة إلى: * إمكانية استخدام الأسلحة النووية هجومياً ضد دول غير نووية منها ثلاث دول عربية: العراق» قبل الغزو «وسوريا وليبيا، ودولة إسلامية هي إيران. * إمكانية استخدام الأسلحة النووية هجومياً لأهداف لا تقترب من فكرة البقاء، ولكنها تتصل بأسباب تتعلق بحماية حليف في إشارة لإسرائيل باعتبارها حليفاً من ناحية، وباعتبار أن أمن إسرائيل من أهم المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وفي إطار هذه السياسة فإن هناك دولاً عربية وشرق أوسطية مرشحة لتوسيع نطاق الحرب ضدها وعلى رأسها سوريا وإيران..
وإن إسرائيل لها دور فعّال في هذا المخطط والتي قد تمتد لتهديد لبنان.
وإن المتابعة للسياسة الأمريكية تبين أن الضغوط تتزايد بشكل مكثف نحو إيران بالقدر الذي دفعها للموافقة على توقيع البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي الذي يسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدور أوسع في التفتيش داخل إيران عن مكونات وتطوير البرنامج النووي الإيراني، ثم إقرار قانون» محاسبة سوريا «الذي يزيد من الضغط الأمريكي عليها لتقليص دورها الإقليمي خاصة لدعمها للمنظمات الفلسطينية ولحزب الله اللبناني أو التواجد العسكري في لبنان!! ثم كانت الضغوط على ليبيا التي انتهت بالعديد من الخطوات الليبية المتسارعة والمفاجئة، والتي كان آخرها إرسال حوالي 55 ألف طن من معدات ووسائل ومراحل البرنامج النووي الليبي.. بل واتخاذها خطوات متنامية نحو مزيد من العلاقات مع إسرائيل. ثالثاً: التدخل في منطقة القرن الإفريقي؛ إذ ظهرت تحركات أمريكية في منطقة القرن الأفريقي؛ حيث قامت بإرسال قوات على السفينة» يو إس إس « لتتمركز عند ساحل جيبوتي، وتنضم إلى قوة تتكون 800 جندي ترابط هناك؛ حيث تمثل السفينة مقر قيادة عائماً لملاحقة العناصر النشطة من تنظيم القاعدة؛ وذلك بالقيام بعمليات عسكرية داخل دول المنطقة دون علم حكوماتها تطبيقاً لما أعلنه وزير الدفاع الأمريكي عن تنفيذٍ لاستراتيجية الضربات المسبقة التي تأتي في إطار» مبدأ بوش «الذي أعلنه في 20/9/2002م، والذي أعلن فيه» عن بدء عصر السيطرة الأمريكية منفردة على القرار السياسي في العالم وترتيب أوضاعه بالصورة التي ترى أمريكا أنها الأمثل والأفضل «وقامت المخابرات المركزية الأمريكية باستخدام طائرة بدون طيار لإطلاق صاروخ عن بُعد لاغتيال بعض الكوادر من تنظيم القاعدة من خلال وجود عملاء محليين حددوا مكان الهدف وحركته؛ وذلك اعتماداً على تكنولوجيا إطلاق الصاروخ عن بُعد بأسلوب قوائم الاغتيال التي تقتل به إسرائيل القيادات الفلسطينية. أما عن التدخل الأمريكي في السودان فتنطلق الرؤية الأمريكية لأزمة السودان خلال الاهتمام الأمريكي بالملف السوداني الذي تبنى اتفاق الإيغاد بشأن الجنوب السوداني الذي أسفر عن توقيع اتفاق ماشاكوس في 20/7/2002م، والذي تناول قضيتين رئيستين: أولهما: الاتفاق على منح الجنوب السوداني حق تقرير المصير بعد فترة انتقالية ست سنوات. ثانيهما: الاتفاق على إطار دستوري متعدد الطبقات؛ بحيث يكون هناك دستور للشمال وآخر للجنوب، ثم دستور قومي يجمع بين الكيانين الشمالي والجنوبي..
وهو ما يرسخ فكرة الانفصال مما سيكون له تداعياته المباشرة وغير المباشرة على كل الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي وخاصة دول منابع النيل.. وقد تركز الدور الأمريكي على تهميش وإقصاء الدور المصري، وقد كان لصدور قانون سلام السودان ضد حكومة البشير مع تقديم منحة 300 مليون دولار للعقيد جرانج ما يؤكد الاتجاه الأمريكي للسعي لفصل الجنوب وانعكاس ذلك على أمن مصر بالدرجة الأولى. خامساً: وعلى الجانب الإسرائيلي فإن قراءة الأهداف التي تتبناها حكومة الليكود برئاسة أرييل شارون، والخطوات المتلاحقة التي اتخذتها لتصفية القضية الفلسطينية، وحصار وتدمير سلطاتها الشرعية المنتخبة وكوادرها، ونسف كل ما تحقق على طريق أوسلو السلام..
ثم بناء الجدار الأمني العازل، ثم طرح الانسحاب الأحادي الجانب من غزة وإخلاء 17 مستوطنة بها، وتنسيق ذلك مع إدارة الرئيس بوش..
ويؤكد السير في خطوات جادة على طريق حل القضية الفلسطينية استغلالاً لمناخ العداء الذي تنامى ضد العرب والمسلمين بعد أحداث 11/9/2001م، واستثماراً للقرارات المتلاحقة التي أصدرتها إدارة الرئيس بوش..
سواء باعتبار إسرائيل تمارس حقها في الدفاع الشرعي عن النفس ومروراً بوضع وإدراج كل المنظمات الفلسطينية إضافة إلى حزب الله اللبناني في قائمة المنظمات التي ترعى الإرهاب والتي يستلزم ملاحقتها وتصفيتها.
وانتهاء بالتنسيق الاستراتيجي المتنامي في إطار منظومة الردع الأمريكي في الشرق الأوسط، أو ترسيخ الاحتلال الأمريكي للعراق، والتوافق الاستراتيجي في مراحل وخطوات تنفيذ مخطط إعادة صياغة الشرق الأوسط الكبير. سادساً: ولعل قراءة ما نشرته جريدة» يديعوت احرنووت «الإسرائيلية من أن الرئيس الأمريكي» جورج بوش «قام بعد تمام نجاح غزوه للعراق بإهداء رئيس الوزراء الإسرائيلي» أرييل شارون «خريطة» للأراضي المقدسة «تعود إلى عام 1678م وتشمل العديد من دول المنطقة..
وقد عبر شارون فور وصوله إلى البيت الأبيض عن شكره للرئيس الأمريكي على الخريطة التي تظهر فيها » بابل «أي» العراق «وقال:» يمكنني أن أؤكد لكم سيادة الرئيس أن هذه الخريطة كانت ستحصل على موافقة حكومتي بدون مشكلة «. لعل قراءة ذلك يؤكد التوافق الاستراتيجي الكامل على طريق المشروع الصهيوني الأمريكي ومخططاته المستقبلية. هذا وقد شكلت النتائج السياسية والعسكرية لغزو العراق بُنْيَةً ملائمة لطرح الأطماع الإسرائيلية في البحر الأحمر باعتباره من أبرز المناطق التي تعددت فيها المشاريع الإسرائيلية بصورة مباشرة أو غير مباشرة..
حيث تم الاتفاق على اتخاذ خطوات تنفيذية خلال عقد» مؤتمر دافوس الاستثنائي «الذي عقد في الأردن في يونيو 2003م برعاية أمريكية على طريق مشروع» قناة البحرين «الذي يربط البحر المتوسط وخليج العقبة على البحر الأحمر والذي يقوم على أساس ضخ مليار ونصف متر مكعب سنوياً من البحر المتوسط على ارتفاع 100 متر ليتم إسقاطها على محطة كهربائية على شاطئ بحر الميت..
على أن تكون البداية له بإقامة خط أنابيب وليس حفر القناة لتقليص المعارضة العربية وخفض التكاليف..
حيث تسهم هذه القناة في دعم الوجود الإسرائيلي في البحر الأحمر مما يساعدها على تنمية علاقتها الاقتصادية بالدول الأفريقية والآسيوية؛ إضافة للاستفادة من ثروات البحر الأحمر المعدنية والسمكية والسياحية، وبما يهدد قناة السويس والدور الإقليمي المصري في منطقة البحر الأحمر بصفة عامة. وقد شكل مؤتمر دافوس فرصة لترسيخ التصور الأمريكي الصهيوني للمنطقة والذي يقوم على دمج إسرائيل في اقتصاديات المنطقة العربية من خلال الشرق أوسطية، حيث حضر المؤتمر 190 شخصية رسمية وغير رسمية مما اعتبر اعترافاً عالمياً بالواقع الشرق أوسطي الذي كان نتيجة لإطلاق» قيادة الشراكة الأمريكية العربية «التي تسعى إلى قيام منطقة التجارة الحرة التي تضم دول المنطقة بما فيها إسرائيل. سابعاً: أصبحت أريتريا الركيزة الأساسية للاستراتيجية الإسرائيلية في البحر الأحمر بعد انفصالها عن أثيوبيا الذي تم بدعم عسكري إسرائيلي؛ حيث يؤدي توثيق العلاقة بينهما إلى التحكم في ينابيع النيل في» هضبة الحبشة «التي تمثل 85% من إمدادات المياه لنهر النيل، و» منطقة البحيرات العظمى «وتمثل 15% من المياه، حيث تهدف إسرائيل إلى ممارسة الضغط المائي والمساومة والتهديد لمصر ليكون لها دور في حصة مياه النيل الواردة لمصر. كما تسعى إسرائيل من خلال التقدم في تنفيذ مشروعها الصهيوني إلى تنفيذ مخططاتها لإقامة الميناء المشترك مع الأردن والذي تأمل في أن يتسع ليشمل مصر والمملكة العربية السعودية، كما تسعى لتطوير الطريق الجنوبي ليصل مدينة السويس بميناء إيلات ومنها للملكة العريبة السعودية إضافة إلى إقامة خط أنابيب الغاز الذي يمتد من المملكة العربية السعودية إلى ميناء إيلات. ولم تكتف إسرائيل بهذا القدر، بل تسعى جاهدة لإقامة خط أنابيب نقل الغاز القطري» حيفا - قطر «..
ومشروع التنمية المتكاملة لوادي غور الأردن.. إضافة إلى مشروع الطريق الدائري الذي يربط ميناء إيلات بميناء العقبة المصري ويمتد إلى معابر نهر الأردن. ويرى المحللون أن التوافق الأمريكي الإسرائيلي وقيام الولايات المتحدة بغزو العراق وتبنيها للمشروع الصهيوني يعتبر فرصة مناسبة وسانحة لتصبح إسرائيل دولة محورية في العالم، حيث يمكنها تنفيذ مخططاتها وعلى رأسها إقامة قناة البحرين التي تربط البحر المتوسط وخليج العقبة بالبحر الميت مما يجعلها تمتلك قناة تضارع قناة السويس..
بل وتهددها!! ثامناً: فتح التعاون العسكري الإسرائيلي الأثيوبي الباب أمام عودة إسرائيل للقارة الأفريقية لتلبية حاجاتها من السلاح لتوفير الأمن والحماية من الانقلابات العسكرية، ولتلعب دوراً في التعاون الأمني الأمريكي الإسرائيلي الذي يسعى لتطوير وتنمية العلاقات لحاجة القادة الأفارقة للمساعدات الأمريكية من ناحية، ولمكافحة الإرهاب الناتج عن انتشار بعض التيارات الأصولية الإسلامية من ناحية أخرى. تاسعاً: دعمت إسرائيل الحركات الانفصالية سواء في جنوب السودان أو في أرتريا مما أدى إلى انتصارها..
كما قامت بدعم بعض الأنظمة الحاكمة مثل الباجندا في أوغندا، والأمهرا في أثيوبيا، وقبائل التوتسي في رواندا. عاشراً: استغلت إسرائيل الاحتلال الأمريكي للعراق وهي تسعى لتوظيف » 150 ألف «يهودي كردي في شمال العراق مع القيام بالتوسع في شراء العقارات والأراضي العراقية في مؤتمر هام حول اتجاه الصهيونية إلى تهجير اليهود من فلسطين إلى العراق في خطوة هي الأكبر نحو تحقيق حلم إسرائيل الكبرى» من النيل إلى الفرات «. وقد بدأت الخطوة الأولى لهذا المشروع بعد حرب الخليج الثانية؛ حيث اضطر النظام العراقي تحت وطأة الحصار الدولي للتسلل إلى العالم الخارجي » خاصة أوروبا «لعقد صفقات تجارية وجذب الأموال الأجنبية، وهو الأمر الذي أدى إلى تسلل المال اليهودي إلى العراق لشراء العقارات. كما تبقى الدائرة الكردية هي الحلقة الأسهل التي تتسلل من خلالها إسرائيل حيث ترتبط قيادات الأكراد بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة؛ ولدى بعضهم تاريخ في التعاون مع إسرائيل، وهو ما جعلها تركز جهودها وتوسع نطاق مركزها في المناطق الكردية التي تتمتع بالحماية الأمريكية. وأنتقل إلى السؤال الأخير: ما هي القدرات والتحالفات التي تسلحت بها إسرائيل في إطار منظومة الردع الأمريكي التي جعلتها تمثل التهديد الرئيس للأمة العربية؟ وللإجابة على هذا التساؤل سأركز على اتجاهين فقط لتأكيد هذا التهديد: أولاً: لقد صاغت إسرائيل استراتيجيتها العسكرية لمواجهة التهديدات التي تواجهها، وانعكس ذلك على تسليحها وعقيدتها القتالية كنتيجة لمؤتمرها الثالث للأمن القومي الذي عقدته في 3/12/2002م في مدينة هيرتسليا والذي كان قد سبقه في 27 نوفمبر مؤتمر في جامعة بارالان عن دور القوات البرية في القرن الحادي والعشرين، وخرجت المؤتمرات بتصورات جديدة لطبيعة التهديدات التي تواجه إسرائيل في الحقبة القادمة والتي تمثلت بأن إسرائيل محاطة بثلاث دوائر أمنية: أولها: يفترض احتمال تجدد القتال مع الجيران المباشرين لإسرائيل في ما أطلقت عليه» الدائرة القريبة «. ثانيها: يفرض التهديد من دول مثل إيران وباكستان لإطلاق الصواريخ البالستية بعيدة المدى وأسلحة الدمار الشامل فيما أطلقت عليه» الدائرة البعيدة «. وثالثها: يفترض استمرار التهديد الداخلي في حالة حدوث انتفاضة أو عصيان أو مقاومة مسلحة داخلياً فيما أطلقت عليه» الدائرة الداخلية «. ومن ثم فقد خططت إسرائيل أن تستثمر أموالاً بمعدلات عالية في بناء قوة ردع مركبة ترتكز على ثلاثة أضلاع تقليدية ونووية وفضائية..
ولذلك وضعت تصوراً لهيكل قواتها المسلحة لترتكز على قوة نووية وقوة تقليدية تعتمد على تحديث الأسطول الجوي والصواريخ البالستية أرض جو، وبناء منظومة فضائية توفر قدرة فائقة لعمليات الاستطلاع الاستراتيجي، ونقلة نوعية في مجال الاتصالات والإنذار، إضافة إلى إقامة ثلاثة مستويات من أنظمة الدفاع المضادة للصورايخ لمواجهة أنظمة الصواريخ العربية..
هذا إلى جانب قيامها بتطوير ترسانة خاصة من الأسلحة لتتناسب مع أساليب حربها داخل المدن وما تتطلبه من تزويد الجندي الإسرائيلي بوسائل خاصة لحمايته ووسائل استشعار واتصال معقدة، ووسائل كشف الأهداف والتعامل الدقيق معها..
إضافة إلى دعم وحدتها لطائرات بدون طيار وأجهزة رادار محمولة، وأجهزة الليزر لإضاءة الأهداف المطلوب إصابتها بالصواريخ الموجهة، كما زودت وحدتها بنوعيات خاصة من الذخائر التي لا تخطئ هدفها في اغتيال القادة الفلسطينيين في منازلهم أو داخل سياراتهم. وهكذا فقد امتدت الدائرة البعيدة للأمن الإسرائيلي إلى أهداف خارج الدائرة العربية وفي قارات أخرى مما فرض استعدادها لتطوير قدراتها النووية لتوجيه ضربة ثانية من ناحية، ويتمشى مع استعدادها للدور المخطط لها في إطار الشرق الأوسط الكبير. ثانياً: هناك ثلاث تحالفات استراتيجية لزيادة قدراتها العسكرية أهمها: تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية..
وثانيها: التعاون الاستراتيجي التركي الذي تم توقيعه في 4/2/1996م.
وثالثها: التعاون الاستراتيجي الهندي، وكلها تمت بمباركة من الولايات المتحدة الأمريكية..
وتعطي هذه التعاقدات عمقاً استراتيجياً تعتقده إسرائيل لمواجهة التهديدات في الدائرتين القريبة والبعيدة. وفي النهاية يبقى التساؤل الذي يفرض نفسه: كيف يمكن لدولة بحجم إسرائيل تفتقر إلى المساحة والسكان وهما أبرز عنصرين في قياس قوى الدولة كيف يمكنها تبني كل هذا الحجم والكم من التسليح لمواجهة كل هذه التهديدات المزعومة؟ * إنه حجم المساعدات المالية التي تحصل عليها من الولايات المتحدة وغيرها؛ حيث كتب» توماس ستافر «الباحث في جامعة هارفرد والخبير الاقتصادي في واشنطن تحت عنوان» الخزائن الأمريكية المفتوحة لإسرائيل « حيث قال:» إن الإنفاق الأمريكي على إسرائيل خلال ثلاثة العقود الأخيرة قد وصل إلى 1600 مليار دولار «حيث تحصل إسرائيل على 3 مليارات دولار سنوياً تمثل 25% من جملة مساعدات أمريكا الخارجية. * وإن المساعدات الأمريكية الرسمية خلال عام 2001م، وصلت قيمتها الإجمالية إلى» 240 مليار دولار «بخلاف القروض التجارية والسندات المضمونة من الإدارة الأمريكية وشروطها الميسرة. * بلغ الابتزاز الإسرائيلي لألمانيا الغربية قبل أن تتوحد وبعدها إلى عشرات المليارات من الماركات في صورة تعويض عما سمي بضحايا المحارق النازية » الهولكوست «كمبالغ نقدية مباشرة..
وهو ما يصل إلى مئات المليارات إذا أضيف له ما حصلت عليه إسرائيل كمساعدات اقتصادية وعسكرية وسفن وطائرات قتال ودبابات وغواصات حاملة للرؤوس النووية. * إضافة إلى ما حصلت عليه إسرائيل من أوروبا من خلال ضغوط أمريكية باعتبارها على خط المواجهة الرئيسية في حربها ضد الإسلام والمسلمين العدو الرئيسي للغرب بعد سقوط الشيوعية. وفي مجال قياس حجم الإنفاق الأمريكي على إسرائيل فإنه لو تم توزيع هذا الإنفاق على امتداد العقود الثلاثة الماضية على جميع سكان العالم والبالغ عددهم 6.5 مليار نسمة لكان نصيب الفرد منهم 5700 دولار» حوالي 29 ألف جنيه مصري «..
وإذا ما تم الأخذ في الاعتبار أن متوسط عدد أفراد الأسرة في الدول النامية يبلغ 5 أفراد..
فإن نصيب الأسرة يبلغ» 28.5 ألف دولار «وهو ما يساوي نحو 142 ألف جنيه مصري. ذلك هو التهديد الرئيسي الإسرائيلي للدول العربية الذي تنامى من خلال تعاونها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية. __________ (*) المدير الأسبق لأكاديمية ناصر العليا، ومستشار رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا.