شرح عمدة الفقه - كتاب البيع [10]


الحلقة مفرغة

الاختلاف في قدر الثمن

تقدم لنا شيء من أقسام الخيار، فذكرنا من ذلك خيار بيع العيب, وكذلك أيضاً خيار التدليس, وكذلك أيضاً خيار التخبير بالثمن, وبينا في الدرس السابق صوره الأربع: المرابحة, والتولية, والمواضعة, والشركة، ثم بعد ذلك شرع المؤلف رحمه الله فيما إذا اختلفا البيعان في قدر الثمن.

قال المؤلف رحمه الله: [وإن اختلف البيعان في قدر الثمن تحالفا, ولكل واحد منهما الفسخ إلا أن يرضي صاحبه].

الاختلاف بين المتبايعين له صور، من صوره:

أن يختلفا في قدر الثمن.

مثال ذلك: يقول البائع: بعت بمائة, ويقول المشتري: اشتريت بثمانين، هنا اختلفا في قدر الثمن، فمن القول قوله؟ هل نقول: بأن القول قول البائع ويُلزَم المشتري بأن يدفع مائة أو نقول: بأن القول قول المشتري ويُلزَم البائع بأن يأخذ ثمنه؟

يقول المؤلف رحمه الله: (تحالفا) نقول للبائع: احلف، وللمشتري: احلف، ولابد لهذا التحالف على ما يذكره الحنابلة من أمرين:

الأمر الأول: أن يبدأ البائع قبل المشتري.

والأمر الثاني: أن يجمع كل واحد منهما في حلفه بين الإثبات والنفي.

فنقول أولاً للبائع: احلف واجمع في حلفك بين الإثبات والنفي, فيقول البائع: والله ما بعته بثمانين وإنما بعته بمائة، فهنا بدأ البائع, وجمع في يمينه بين الإثبات والنفي, إثبات المائة ونفي الثمانين, ثم بعد ذلك نقول للمشتري: احلف، وأيضاً لابد أن يجمع في حلفه بين الإثبات والنفي, فيقول المشتري: والله ما اشتريته بمائة, وإنما اشتريته بثمانين.

قال المؤلف رحمه الله: (ولكل واحد منهما الفسخ).

إذا تم التحالف نقول: كل واحد منهما له أن يفسخ إلا أن رضي أحدهما بقول الآخر، فقال البائع: أنا أرضى أن يعطينا ثمانين، أو قال المشتري: أنا أرضى أعطيه مائة، فنقول: إذا رضي أحدهما بقول الآخر لا حاجة إلى الفسخ، بل لا حاجة إلى التحالف أصلاً، لو رضي كل واحد منهما بقول الآخر نقول: أصلا لا حاجة إلى التحالف, لكن لو حصل التحالف, ثم رضي أحدهما بقول الآخر, فنقول: لا فسخ ويُلزَم الآخر.

كذلك أيضاً نصير إلى التحالف إذا لم يكن هناك بينة إن كان هناك بينة، فإنا نرجع إلى البينة, لكن ما عندنا بينة ولم يرض أحدهما بقول الآخر نقول: يتحالفان ثم بعد ذلك كل واحد منهما له الفسخ, ثم بعد الفسخ إن رضي أحدهم بقول الآخر ألزمنا البيع وإن لم يرض أحدهما بقول الآخر فلكل واحد منهما الفسخ, فالبائع يأخذ سلعته والمشتري يأخذ ثمنه, هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.

والرأي الثاني في المسألة: أن نقول: القول قول البائع بيمينه؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (إذا اختلفا المتبايعان وليس بينهما بينة فالقول ما يقول رب السلعة).

هذا الحديث في السنن وإسناده صحيح, فنقول: احلف أيها البائع أنك إنما بعته بمائة فيحلف, فبعد أن يحلف نقول للمشتري: إما أن ترضى بكلامه وإلا فإنك تفسخ, لك حق الفسخ, قال: نعم.

هذه صورة من صور الاختلاف بين المتبايعين وهي الاختلاف في قدر الثمن.

الاختلاف في الأجل أو الشرط

كذلك أيضاً من صور الاختلاف إذا اختلفا في أجل أو شرط: إذا اختلفا في الشرط مثاله: قال البائع: أنا بعته السيارة بشرط أن أستعملها لمدة يوم أو يومين, أو بعته البيت بشرط أن أسكنه لمدة شهر, أو قال المشتري: أنا اشتريت بشرط أن يصلح في السلعة كذا وكذا، وأنكر الآخر, فنقول: بأن القول قول المشتري, القول قول من ينكر؛ لأن الأصل عدم الشرط.

أيضاً: إذا اختلفا في أجل، قال المشتري: أنا اشتريت السيارة لكن الثمن مؤجل, قال البائع: لا, الثمن ليس مؤجلاً, فنقول: القول قول من يُنكر الأجل, ومن هو الذي يُنكر الأجل, هنا؟ البائع هو الذي ينكر الأجل، نقول: القول قول من ينكر الأجل؛ لأن الأصل عدم الأجل، الأصل أن يكون الثمن حالاً، هذا هو الأصل, فإذا لم يكن هناك بينات تدل لقول أحدهما نرجع إلى الأصل, والأصل: أن القول قول من ينكر الأجل أو الشرط.

الاختلاف في عين المبيع

أيضاً: من صور الاختلاف بين المتبايعين إذا اختلفا في عين السلعة، فقال البائع مثلاً: بعته هذا الكتاب, قال المشتري: لا، اشتريت منه هذا الكتاب أو قال: بعته هذه السيارة التي صُنعت في عام كذا وكذا, وجنسها كذا وكذا، قال المشتري: لا، أنا اشتريت هذه السيارة التي صُنعت عام كذا وكذا.. إلى آخره, هنا اختلف المتبايعان, العلماء رحمهم الله اختلفوا في ذلك, فقيل: بأنهما يتحالفان، وقيل: بأن القول قول المشتري، والذي يظهر أن الاختلاف هنا كالاختلاف في قدر الثمن, فنقول: بأن القول قول البائع بيمينه، نقول للبائع: احلف أنك إنما بعته هذه السلعة, ثم نقول للمشتري: أنت بالخيار إما أن ترضى بكلامه أو تفسخ.

هذه ثلاث صور للاختلاف بين المتبايعين:

الصورة الأولى: في قدر الثمن. الصورة الثانية: في أجل أو شرط. الصورة الثالثة: في عين المبيع.

تقدم لنا شيء من أقسام الخيار، فذكرنا من ذلك خيار بيع العيب, وكذلك أيضاً خيار التدليس, وكذلك أيضاً خيار التخبير بالثمن, وبينا في الدرس السابق صوره الأربع: المرابحة, والتولية, والمواضعة, والشركة، ثم بعد ذلك شرع المؤلف رحمه الله فيما إذا اختلفا البيعان في قدر الثمن.

قال المؤلف رحمه الله: [وإن اختلف البيعان في قدر الثمن تحالفا, ولكل واحد منهما الفسخ إلا أن يرضي صاحبه].

الاختلاف بين المتبايعين له صور، من صوره:

أن يختلفا في قدر الثمن.

مثال ذلك: يقول البائع: بعت بمائة, ويقول المشتري: اشتريت بثمانين، هنا اختلفا في قدر الثمن، فمن القول قوله؟ هل نقول: بأن القول قول البائع ويُلزَم المشتري بأن يدفع مائة أو نقول: بأن القول قول المشتري ويُلزَم البائع بأن يأخذ ثمنه؟

يقول المؤلف رحمه الله: (تحالفا) نقول للبائع: احلف، وللمشتري: احلف، ولابد لهذا التحالف على ما يذكره الحنابلة من أمرين:

الأمر الأول: أن يبدأ البائع قبل المشتري.

والأمر الثاني: أن يجمع كل واحد منهما في حلفه بين الإثبات والنفي.

فنقول أولاً للبائع: احلف واجمع في حلفك بين الإثبات والنفي, فيقول البائع: والله ما بعته بثمانين وإنما بعته بمائة، فهنا بدأ البائع, وجمع في يمينه بين الإثبات والنفي, إثبات المائة ونفي الثمانين, ثم بعد ذلك نقول للمشتري: احلف، وأيضاً لابد أن يجمع في حلفه بين الإثبات والنفي, فيقول المشتري: والله ما اشتريته بمائة, وإنما اشتريته بثمانين.

قال المؤلف رحمه الله: (ولكل واحد منهما الفسخ).

إذا تم التحالف نقول: كل واحد منهما له أن يفسخ إلا أن رضي أحدهما بقول الآخر، فقال البائع: أنا أرضى أن يعطينا ثمانين، أو قال المشتري: أنا أرضى أعطيه مائة، فنقول: إذا رضي أحدهما بقول الآخر لا حاجة إلى الفسخ، بل لا حاجة إلى التحالف أصلاً، لو رضي كل واحد منهما بقول الآخر نقول: أصلا لا حاجة إلى التحالف, لكن لو حصل التحالف, ثم رضي أحدهما بقول الآخر, فنقول: لا فسخ ويُلزَم الآخر.

كذلك أيضاً نصير إلى التحالف إذا لم يكن هناك بينة إن كان هناك بينة، فإنا نرجع إلى البينة, لكن ما عندنا بينة ولم يرض أحدهما بقول الآخر نقول: يتحالفان ثم بعد ذلك كل واحد منهما له الفسخ, ثم بعد الفسخ إن رضي أحدهم بقول الآخر ألزمنا البيع وإن لم يرض أحدهما بقول الآخر فلكل واحد منهما الفسخ, فالبائع يأخذ سلعته والمشتري يأخذ ثمنه, هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.

والرأي الثاني في المسألة: أن نقول: القول قول البائع بيمينه؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (إذا اختلفا المتبايعان وليس بينهما بينة فالقول ما يقول رب السلعة).

هذا الحديث في السنن وإسناده صحيح, فنقول: احلف أيها البائع أنك إنما بعته بمائة فيحلف, فبعد أن يحلف نقول للمشتري: إما أن ترضى بكلامه وإلا فإنك تفسخ, لك حق الفسخ, قال: نعم.

هذه صورة من صور الاختلاف بين المتبايعين وهي الاختلاف في قدر الثمن.

كذلك أيضاً من صور الاختلاف إذا اختلفا في أجل أو شرط: إذا اختلفا في الشرط مثاله: قال البائع: أنا بعته السيارة بشرط أن أستعملها لمدة يوم أو يومين, أو بعته البيت بشرط أن أسكنه لمدة شهر, أو قال المشتري: أنا اشتريت بشرط أن يصلح في السلعة كذا وكذا، وأنكر الآخر, فنقول: بأن القول قول المشتري, القول قول من ينكر؛ لأن الأصل عدم الشرط.

أيضاً: إذا اختلفا في أجل، قال المشتري: أنا اشتريت السيارة لكن الثمن مؤجل, قال البائع: لا, الثمن ليس مؤجلاً, فنقول: القول قول من يُنكر الأجل, ومن هو الذي يُنكر الأجل, هنا؟ البائع هو الذي ينكر الأجل، نقول: القول قول من ينكر الأجل؛ لأن الأصل عدم الأجل، الأصل أن يكون الثمن حالاً، هذا هو الأصل, فإذا لم يكن هناك بينات تدل لقول أحدهما نرجع إلى الأصل, والأصل: أن القول قول من ينكر الأجل أو الشرط.

أيضاً: من صور الاختلاف بين المتبايعين إذا اختلفا في عين السلعة، فقال البائع مثلاً: بعته هذا الكتاب, قال المشتري: لا، اشتريت منه هذا الكتاب أو قال: بعته هذه السيارة التي صُنعت في عام كذا وكذا, وجنسها كذا وكذا، قال المشتري: لا، أنا اشتريت هذه السيارة التي صُنعت عام كذا وكذا.. إلى آخره, هنا اختلف المتبايعان, العلماء رحمهم الله اختلفوا في ذلك, فقيل: بأنهما يتحالفان، وقيل: بأن القول قول المشتري، والذي يظهر أن الاختلاف هنا كالاختلاف في قدر الثمن, فنقول: بأن القول قول البائع بيمينه، نقول للبائع: احلف أنك إنما بعته هذه السلعة, ثم نقول للمشتري: أنت بالخيار إما أن ترضى بكلامه أو تفسخ.

هذه ثلاث صور للاختلاف بين المتبايعين:

الصورة الأولى: في قدر الثمن. الصورة الثانية: في أجل أو شرط. الصورة الثالثة: في عين المبيع.

تعريف السلم

قال المؤلف رحمه الله: [باب السلم: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُسلفون في الثمار السنة والسنتين, فقال: من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم, ووزن معلوم إلى أجل معلوم)].

السلم في اللغة: مأخوذ من الإسلام وهو التقديم.

وأما في الاصطلاح فهو: عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد، وهو باختصار: تعجيل الثمن وتأخير المثمن.

مثاله أن يقول له: هذه ألف ريال تعطيه بعد سنة بعد سنتين ألف صاع من التمر، ألف صاع من البر، ألف كتاب صفته كذا وكذا، ألف قلم صفته كذا وكذا، ألف ثوب صفته كذا وكذا.. إلى آخره.

المهم يلتزم المسلم أن يعطي الدراهم والمسلم إليه يلتزم بإحضار سلع، وهذه السلع موصوفة في الذمة ليست معينة, ما يقول: من هذه الآلات أو من هذه الأقلام, أقلام صفتها كذا، ثلاجات صفتها كذا, غسالات صفتها كذا وكذا.. إلى آخره كما سيأتينا.

كل شيء ينضبط بالصفة يصح السلم فيه، موصوف في الذمة يعني غير معين ما يقول: هذه عشرة آلاف ريال تعطيني من هذا البر العام القادم لا، هذا خطأ، السلم إنما يكون للشيء الموصوف في الذمة: بُر صفته كذا وكذا، أقلام صفتها كذا وكذا، سيارات صفتها كذا وكذا، هذا سلم, عقد على موصوف في الذمة.

قولنا: الموصوف في الذمة يعني غير معين، مؤجل غير حال, وسيأتينا إن شاء الله حكم السلم في الحال بثمن مقبوض في مجلس العقد.

أيضاً: لابد أن يكون الثمن مقبوضاً في مجلس العقد يقول: هذه مائة ألف ريال تعطيني مثلاً عشر ثلاجات أو تعطيني مثلاً ثلاث سيارات بعد سنة سنتين خمسة أشهر سبعة أشهر.. إلى آخره، هذا يسمى السلم.

حكم السلم

السلم دل على جوازه القرآن والسنة والنظر الصحيح, أما القرآن فقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282].

قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أشهد أن الدين المضمون إلى أجل قد أحله الله في كتابه, ثم قرأ هذه الآية.

وأيضاً من السنة: حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يُسلفون في الثمار السنة والسنتين, فقال عليه الصلاة والسلام: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم).

والنظر الصحيح يقتضي ذلك, فإن فيه فائدة لأهل الصناعات والحرف والمزارعين, المزارع ما عنده دراهم، يحتاج إلى دراهم، فيأتي التاجر ويعطيه التاجر الدراهم ويستفيد من هذه الدراهم؛ لأن المزرعة تحتاج إلى أن يحرك مزرعته بهذه الدراهم, التاجر الآن دفع دراهمه أعطى هذا الفلاح عشرة آلاف ريال لكي يقوم بالزراعة, ويشتري الآلات, ويستخرج الماء, ماذا يستفيد التاجر؟ يستفيد الرخص؛ لأنه مثلاً الآن دفع عشرة آلاف ريال، لو أراد يشتري براً أو يشتري ثمراً أو يشتري تفاحاً أو برتقالاً.. إلى آخره تأتي مثلاً بألف صاع الآن, لكن إذا كان مؤخراً له ألف ومائتي صاع، يستفيد بمائتي صاع زيادة، ففيه فائدة للفلاح، وفيه فائدة للتاجر.

أيضاً: صاحب المصنع الذي عنده مصنع، صاحب المصنع يحتاج إلى أموال لكي يدير المصنع، يشتري الآلات، يشتري المواد الخام، يدفع أجور العمال.. إلى آخره، فصاحب المصنع يستفيد.

وأيضاً: التاجر صاحب الأموال يستفيد رخص السلع، تكون السلع رخيصة، مثلاً يأخذ صاحب المصنع كذا وكذا، ويتفق هو وإياه إذا كان مثلاً المصنع مصنع ثياب يقول: أعطيك ألفين ثوب.. عشرة آلاف ثوب.. إلى آخره, حسب ما يتفقان, وعلى هذا فقس، أصحاب الحرف والمزارع والصناعات.. إلى آخره.

أيضاً التجار الذين يشتغلون في تجارات السلع يأخذون هذه الدراهم ويشترون السلع وصاحب الأموال يأخذ منهم السلع بسعر نازل؛ لأنه سيكون مؤجل عليه مقابل الأجل هذا سينزل, وهذا طريق من طرق سد باب الربا.

يعني: لو سُلك مثل هذا الطريق ما احتجنا إلى أن يذهب الناس للبنوك ويقترضون بقروض مؤجلة بفوائد ربوية، ما فيه حاجة إلى مثل هذه الأشياء, أو مثلاً مسألة التورق التي انشغل فيها كثير من الناس اليوم، لا حاجة إلى مثل ذلك، لو سُلك سبيل السلم وفُعل بشروطه الشرعية لاستفاد التاجر الذي يذهب الآن ليكون تجارة إلى البنك ويقترض منه قروضاً بفوائد ربوية، هو يحتاج إلى ضمانات وكفالات بنكية ومشاكل، هذا مع لو أنه ذهب إلى التجار الكبار والتجار الكبار صار عندهم تفعيل لهذه المسائل الشرعية, وأعطوه ويأخذون منه سلعاً ويبيعون السلع بعد ذلك, ويستفيدون, رخص الثمن، وانسد هذا الباب.

الشرط الأول: إمكان ضبطه بالوصف

قال المؤلف رحمه الله: [ويصح السلم في كل ما يضبط بالصفات إذا ضبطه بها].

هذا ضابط في باب السلم، وهو كل ما أمكن ضبطه بالوصف فإنه يصح السلم فيه, وهذا يدخل فيه أشياء كثيرة وخصوصاً في يومنا هذا، لماذا؟ الآن السلع تصنع بالآلات فلا تكاد تُفرق، الآن لا تكاد تُفرق بين هذه السلع وبين هذه السلع, بين هذا الإناء وبين هذا الإناء، بين هذه الآلة وبين هذه الآلة, هذه كلها يمكن ضبطها بالوصف, في الزمن السابق الأشياء تصنع الأيدي، وصناعة الأيدي هذه قد تختلف.

ولهذا العلماء رحمهم الله بعض الأشياء يمنعونها وبعض الأشياء يجوزونها؛ لأنها كما سلف كانت في زمنهم تُصنع بالأيدي, وهذا قد يتعذر فيه ضبط الوصف، لكن اليوم هذه الأشياء تُصنع عن طريق المكائن والآلات وتخرج السلعتان ولا تكاد تُفرق بينها.

فنقول: هذه كلها تضبط بالوصف، فعندنا الضابط في ذلك: أن كل ما أمكن ضبطه بالوصف فإنه يصح السلم فيه, وهذا هو الشرط الأول من شروط صحة السلم أن يكون مما يمكن ضبطه بالوصف, وكما ذكرنا اليوم أغلب السلع يمكن ضبطها بالوصف, الثياب تضبط بالوصف, الآلات, الثلاجات, الغسالات, الأقلام, الكتب, أدوات الكتابة، أشياء كثيرة, وعلى هذا فقس، هذه كلها تضبط بالوصف فنقول: بأن السلم يصح فيها، أيضاً بالنسبة للحبوب تضبط بالوصف البر الثمار التمر ونحو ذلك تضبط بالوصف، قد يكون هناك أشياء تختلف بالصغر والكبر.. إلى آخره، فهذه تضبط بالوزن، هذه نقول تُضبط بالوزن, ومثل البقول والخضراوات التي قد تختلف في حجمها ونحو ذلك تضبط بالحزم.

المهم أنه إذا أمكن ضبطها بأي طريق سواء كان عن طريق الوزن, سواء كان عن طريق الوصف, سواء كان عن طريق الحزم.. إلى آخره, نقول: يصح السلم فيها, وعلى هذا لا يكاد يوجد شيء لا يمكن ضبطه, ويترتب على ذلك أن أغلب الأشياء يصح فيها السلم, لا يكاد يوجد شيء لا يصح فيه السلم, فيه أشياء قد لا يمكن ضبطها, مثل: الأحجار الكريمة، الأحجار الكريمة هذه أمور نادرة, وما يمكن ضبطها؛ لأنها تختلف في الصغر والكبر والحسن ونحو ذلك، يعني الأشياء الطبيعية مثل هذه الأحجار الكريمة الطبيعية، قد يكون هناك شيء من اللؤلؤ أيضاً ما يمكن ضبطه، هذه الأمور النادرة التي قد لا يتعامل فيها إلا فئة معينة من التجار، هذه نقول: لا يصح السلم فيها، لكن الغالب على الأشياء: الصناعات والزراعات وأموال التجارات يمكن ضبطها, وعلى هذا يصح السلم فيها.

ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم, ووزن معلوم, إلى أجل معلوم).

الشرط الثاني: بيان قدر المسلم فيه

قال: [وذكر قدره بما يُقدر به من كيل أو وزن أو ذرع أو عد].

هذا الشرط الثاني، يعني: الشرط الثاني من شروط صحة السلم: أن يذكر القدر بعد أن يذكر الصفة, مثلاً أسلفه في أقلام كم من قلم أسلفه؟ في بر كم من صاع أسلفه؟ في شعير كم من صاع؟ أسلفه في برسيم.. إلى آخره، لابد أن يضبط قدره.

قال المؤلف: (من كيل) مثل التمر، مائة صاع من التمر، البر مائة صاع من البر، ألف صاع من البر.

(أو وزن) كما قلنا، لو أنه مثلاً أسلفه في لحم على أن يعطيه كذا وكذا من اللحم، وزنة كذا وكذا. (أو ذرع) الثياب كم من متر؟ ونحو ذلك.

(أو عد) كم من ثوب إلى آخره.

الشرط الثالث: أن يكون لأجل معلوم

قال: [وجعل له أجلاً معلوماً].

هذا الشرط الثالث: أن يكون مؤجلاً بأجل معلوم، وهذا الشرط يتضمن مسألتين:

المسألة الأولى: أن يكون مؤجلاً, هل يشترط التأجيل أو لا يشترط التأجيل؟

هذا موضع خلاف، فأكثر العلماء على أنه يشترط أن يكون مؤجلاً؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (من أسلف في شيء فليسلف في وزن معلوم وكيل معلوم إلى أجل معلوم)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إلى أجل معلوم) .

الرأي الثاني: أنه يصح حالاً يعني: ما يشترط أن يكون مؤجلاً, وإنما يصح أن يكون حالاً, وهذا مذهب الشافعية, واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, إلا أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إذا جاز أن يكون حالاً فإنه يشترط ألا يكون معدوماً يعني: تكون السلع موجودة.

واستدلوا على ذلك بأنه إذا جاز السلم مع التأجيل فجوازه مع الحلول أولى؛ لأنه أقل ضرراً، فيصح أن يكون حالاً يعني: ما يشترط أن يكون مؤجلاً على مذهب الشافعية.

فيقول مثلاً: أسلفتك ألف ريال على أن تعطيني كذا وكذا من البر, أو أن تعطيني كذا وكذا من الثمر, أو تعطيني كذا وكذا من الثياب أو من الأقلام ونحو ذلك, قالوا: بأن هذا جائز ولا بأس به, وهذا القول الذي لا يشترط أن يكون مؤجلاً قول قوي، وقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم, ووزن معلوم, إلى أجل معلوم) قالوا: لا يدل على اشتراط الأجل بل يدل على أنه إذا كان مؤجلاً فليكن الأجل معلوماً.

وكما ذكرنا هذا القول قوي لكن إذا كان كذلك فإنه يعقد عليه عقد بيع، لا حاجة إلى السلم خروجاً من الخلاف, اعقد عليه عقد بيع لكن لو تم عقد سلم فيظهر -والله أعلم- أنه عقد صحيح.

المسألة الثانية: لابد أن يكون الأجل معلوماً لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)، فلابد أن يكون الأجل معلوماً؛ لأنه إذا قال مثلاً: أعطيتك ألف ريال على أن تعطيني كذا وكذا من البر أو من التمر أو من البرسيم أو من التفاح أو من البرتقال إلى متى؟ لابد أن يبين.

وجوز بعض العلماء أن يقيد بوقت الحصاد والجذاذ, وهذا أخف من غيره، مثلاً: لو قال: أسلفتك ألف ريال تعطيني وقت حصاد البر كذا وكذا من البر أو وقت جذاذ التمر كذا وكذا, هذا جوزه بعض العلماء, وهذا الغرر فيه والجهالة ليست كغيره, لكن الأحسن أن يضبط، يُنظر متى وقت الجذاذ ويقول مثلاً: أسلفتك ألف ريال على أن تعطيني في وقت كذا وكذا عندما يحصد الناس البر، متى يجد الناس التمر.. إلى آخره.

الشرط الرابع: تسليم الثمن قبل التفرق

قال المؤلف رحمه الله: [وأعطاه الثمن قبل تفرقهما].

هذا الشرط الرابع من شروط صحة السلم, أن يدفع له الثمن قبل التفرق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أسلف في شيء فليسلف) .

قال الشافعي : يُسلف يعني يقدم, وهذا البيع على اشتراط تقديم الثمن فليُسلف يعني يُقدم؛ ولأنه إذا كان الثمن مؤجلاً فإنه يكون داخلاً في بيع الدين بالدين, فلابد أن يكون الثمن مقبوضاً في مجلس العقد.

وعلى هذا إذا تفرقا قبل قبض الثمن فنقول: بأن عقد السلم هنا باطل ولا يصح, لابد أن يكون مقبوضاً في مجلس العقد, والمالكية يجوزون التأخير لمدة يسيرة, لكن الأظهر في ذلك -والله أعلم- ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله لما ذكرنا من التعليل.

الشرط الخامس: كون المسلم فيه موجوداً غالباً في محله

الشرط الخامس من شروط صحة السلم: أن يكون المُسلَم فيه موجوداً غالباً في محله يعني في وقت حلوله, فلا يصح مثلاً أن يُسلمه دراهم على أن يعطيه رطباً في الشتاء؛ لأن الشتاء ليس وقت خراف الرطب أو يعطيه عنباً في الشتاء نقول: هذا غير صحيح؛ لأن العنب لا يكون نتاجه في وقت الشتاء, وإنما هو في وقت الصيف.

الشرط السادس: أن يكون في الذمة

الشرط الأخير: أن يُسلف في الذمة فلا يصح في معين, يعني أن يقول: أسلفتك كذا وكذا من الدراهم بكذا وكذا، صفته كذا وكذا، ما يقول من هذا الشيء, لو قال: أسلفتك ألف ريال على أن تعطيني من هذا البر أو من هذا التمر أو من هذه الأثواب أو من هذه الأقلام ونحو ذلك, نقول: هذا لا يصح؛ لأن السلم إنما هو للموصوف في الذمة, والبيع إنما هو للمعين, فنقول: إذا كان معيناً اعقد عليه عقد بيع، لكن لو قال: من نتاج المصنع الفلاني أريد مثلا ثياباً من نتاج المصنع الفلاني أو أقلاماً من نتاج المصنع الفلاني ونحو ذلك, أو مثلاً قال: أريد التمر من القرية الفلانية أو من مزرعة فلان، هل هذا جائز أو ليس جائزاً؟

الصواب: أن هذا جائز ولا بأس به، فإذا قال مثلا:ً أسلفتك ألف ريال على أن تعطيني كذا وكذا من مزرعة فلان فنقول: بأن هذا جائز ولا بأس به إن شاء الله.

أو مثلاً: أسلفتك ألف ريال أو مائة ألف ريال على أن تعطيني من المصنع الفلاني من الأثواب التي ينتجها المصنع الفلاني، نقول: الصواب أن هذا جائز ولا بأس به؛ لأنه موصوف في الذمة وليس معيناً, المعين هو أن يقول: أسلفتك كذا وكذا على أن تعطيني من هذا البر أو من هذا التمر أو من هذه الأثواب، هذه هي التي لا تجوز.