خطب ومحاضرات
شرح عمدة الأحكام - كتاب القضاء [1]
الحلقة مفرغة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب القضاء
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ).
وفي لفظ: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( دخلت
الشرح:
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (كتاب القضاء).
القضاء في اللغة: إحكام الأمر والفراغ منه.
وفي الاصطلاح: تبيين الحكم الشرعي والإلزام به, وهذا هو الفرق بين القضاء والفتوى, القضاء: فيه إلزام بالحكم الشرعي, وأما الفتوى: فليس فيها إلزام بالحكم الشرعي, يعني: هما يتفقان بأن كل منهما فيه تبيين للحكم الشرعي, لكن في القضاء الإلزام بالحكم الشرعي, وأما الفتوى فليس فيها إلزام بالحكم الشرعي.
ونصب القاضي فرض كفاية, يجب على الإمام أن ينصب القضاة، وتسلم رتبة القضاء فرض كفاية, إذا قام به من يكفي سقط ذلك عن الباقين, فيجب على الإمام أن ينصب من القضاة بقدر حاجة الناس.
والأصل في القضاء القرآن والسنة والإجماع, أما القرآن فقول الله عز وجل: فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى [ص:26] .
وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد )، وهذا من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين, والإجماع قائم على ذلك, والنبي صلى الله عليه وسلم تولى الفصل بين الناس, وكذلك أيضاً الخلفاء من بعده تولوا القضاء بين الناس وفصل الخصومات، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً إلى اليمن قاضياً، وبعث أيضاً معاذاً رضي الله تعالى عنه قاضياً... إلخ.
قال الإمام أحمد رحمه الله: لابد للناس من حاكم أتذهب حقوق الناس؟ والقضاء فيه فضل عظيم وأجر كبير, وفيه خطر ووزر, ففيه أجر ثواب عن الله سبحانه وتعالى لمن عرف الحق وأداه لأهله, وفيه خطر ووزر لمن جهل الحق, أو عرفه ولم يؤده لأهله.
يقول المؤلف رحمه الله: (عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ). وفي لفظ: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) ).
الشرح:
هذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام, وأصل عظيم في الشريعة, ولهذا اعتبره بعض العلماء رحمهم الله تعالى نصف العلم.
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا), يعني: فيما جاء فيه النبي صلى الله عليه وسلم من الشريعة و(من أحدث) بمعنى: زاد أو نقص، (فهو رد) يعني: أن عمله مردود عليه.
والمؤلف رحمه الله أورده في كتاب القضاء لكي يبين أن القضاء إنما يكون بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الشرع, وأن القضاء بغير ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو إحداث في الشريعة, وعمل مردود على صاحبه, فما جاءت به الشريعة من الأحكام مخالفتها والقضاء بغيرها وسن أنظمة لم تأت بها، هذا مردود على صاحبه، وأنه لا يجوز التحاكم إلى مثل هذه القوانين والأنظمة...إلخ, هذا الحديث من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه فوائد ومسائل كثيرة، ولهذا بعض أهل العلم اعتبره نصف العلم.
في هذا الحديث: الرد على أهل البدع، وأن كل مبتدع فإن بدعته مردودة عليه؛ لأن البدع إحداث في دين الله عز وجل.
وفي هذا الحديث دليل لعدة قواعد، مثل قاعدة: أن الأصل في العبادات الحضر والمنع, فلا يتعبد المسلم بأي عبادة إلا بعبادة جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وأن كل عبادة يتعبدها المسلم يجب أن تكون وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك فإنها مردودة على صاحبها.
وفي هذا الحديث أيضاً: دليل لقاعدة أصولية، وهي قاعدة: النهي يقتضي الفساد, وهذه القاعدة سيأتينا إن شاء الله ما يتعلق بها في شرح منظومة القواعد الفقهية, وقسمها ابن رجب رحمه الله تعالى إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: أن يعود النهي إلى ذات العبادة أو ذات المعاملة.
فهذا يقتضي الفساد.
القسم الثاني: أن يعود النهي إلى أمر خارج عن العبادة أو المعاملة فهذا لا يقتضي الفساد.
القسم الثالث: أن يعود النهي إلى شرط العبادة أو المعاملة على وجه يختص، فهذا يقتضي الفساد.
القسم الرابع: أن يعود النهي إلى شرط العبادة أو المعاملة على وجه لا يختص، فنقول: هذا لا يقتضي الفساد.
وفي هذا الحديث دليل على أنه يجب القضاء بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وأن ما عدا ذلك من الأقضية التي يسنها الناس ويتعارفون عليها لا عبرة بها مادام أنها مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة العسيف كما سلف لنا: ( الوليدة والغنم رد عليك ), لما كان مخالفاً لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا الحديث أيضاً: أن المقبوض بعقد فاسد يجب رده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فهو رد )، وعلى هذا لو باعه سيارة بعقد فاسد كأن يكون الثمن مجهولاً وقبضها المشتري فإنه يجب عليه أن يردها؛ لأن هذا العمل مردود.
قال المؤلف رحمه الله: (وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( دخلت
الشح: هو الإمساك مع الحرص، فإذا اجتمع الإمساك عن الواجب مع الحرص فهذا شح.
والبخل: هو الإمساك دون أن يكون هناك حرص (فقالت: إن
حكم النفقة ومقدارها
ومن هذه المسائل: وجوب نفقة الزوجة والأولاد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( خذي ما يكفيك ويكفي بنيك بالمعروف ).
ومن هذه المسائل قوله: ( بالمعروف ) فيه دليل لقاعدة العرف والعادة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بالمعروف)، ومن القواعد الخمس التي يدور عليها الفقه قاعدة: (العادة محكمة), وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بالمعروف), ما هو هذا المعروف؟ المعروف هو ما جاء بيانه في قول الله عز وجل: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7]، وهل المعتبر حال الزوجة أو حال الزوج أو حال الزوجين جميعاً؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم, المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن المعتبر هو حال الزوجين, فإن كانا غنيين تجب نفقة الأغنياء, وإن كانا فقيرين تجب نفقة الفقراء, وإن كانا متوسطين أو كان أحدهما غنياً والآخر فقيراً وجبت نفقة متوسطين.
وعند الشافعي رحمه الله تعالى أن المعتبر هو حال الزوج للآية.
وعند أبي حنيفة أن المعتبر حال الزوجة.
والصواب ما ذهب إليه الشافعي وأن المعتبر حال الزوج.
وعلى هذا إذا كان الزوج غنياً فإنه يجب عليه أن ينفق نفقة أغنياء, وإن كان فقيراً يجب عليه أن ينفق نفقة فقراء.
وفي هذا أيضاً: أنه يجوز سماع كلام المرأة الأجنبية عند الحاجة, ففي باب القضاء إذا احتاج القاضي أو المفتي أن يسمع كلام المرأة الأجنبية أو نحو ذلك, فإن هذا جائز ولا بأس به, لكن إن حدث له شهوة فإنه يجب عليه أن يدافع هذه الشهوة.
مسألة الظفر
ومسألة الظفر: أن يكون للشخص حق عند الغير ويمتنع من عليه الحق أن يؤدي الحق إلى صاحبه, ثم بعد ذلك يظفر بشيء من ماله, فإذا ظفر بشيء من ماله فهل له أن يأخذ حقه منه أو لا؟
المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله التفصيل, فإذا كان الحق سببه ظاهراً فله أن يأخذ, وإن كان خفياً فليس له أن يأخذ وإنما يرجع في ذلك إلى القضاء, فإذا كان سبب الحق ظاهراً كنفقة الأقارب ونفقة الزوجة كما في حديث هند , وحق الضيف فيقولون: هذا سببه ظاهر لك أن تأخذ حقك منه, وإن كان السبب خفياً كقرض أو ثمن مبيع... ونحو ذلك، وامتنع أن يعطيك حقك فإنك تلجأ إلى القضاء.
والرأي الثاني: التفريق بين ما إذا كان الحق قليلاً أو كثيراً, فإن كان الحق قليلاً فلك أن تأخذ حقك منه, وإن كان كثيراً فليس لك أن تأخذ حقك منه.
والرأي الثالث: التفريق بين ما كان يقدر على إثباته بالبينة, أو لا يقدر, فإن كان يقدر على إثباته بالبينة فإنه يرجع إلى القاضي, وإن كان لا يقدر على إثباته بالبينة فله أن يأخذه به.
وفي هذا أيضاً: القضاء بالعلم، وأن القاضي هل له أن يقضي بعلمه, أو ليس له أن يقضي بعلمه، هذا سيأتينا إن شاء الله.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [27] | 2827 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [22] | 2549 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [17] | 2541 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [1] | 2442 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب الصيد [1] | 2353 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [3] | 2234 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [28] | 2208 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [2] | 2177 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب اللعان [3] | 2147 استماع |
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [23] | 2140 استماع |