خطب ومحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
شرح عمدة الأحكام - كتاب الأيمان والنذور [2]
الحلقة مفرغة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)، ولـمسلم : (فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). وفي رواية: قال عمر : (فوالله ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنها ذاكراً ولا آثراً).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة, تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله, فقيل له: قل: إن شاء الله, فلم يقل, فطاف بهن فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قال: إن شاء الله لم يحنث, وكان دركاً لحاجته)].
الشرح:
تقدم لنا تعريف اليمين، وذكرنا أقسام اليمين، وأن اليمين تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: اليمين الغموس.
القسم الثاني: اليمين المكفرة.
القسم الثالث: يمين اللغو.
وذكرنا أن يمين اللغو تحتها صور.
ثم قال المؤلف رحمه الله: [ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) ولـمسلم : (فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)]، يعني: يسكت. [وفي رواية: قال عمر : (فوالله ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنها ذاكراً ولا آثراً)]، (ذاكراً) يعني: متعمداً، (ولا آثراً) يعني: حاكياً عن غيره أنه حلف بها.
هذا الحديث فيه فوائد ومسائل:
المسألة الأولى: تحريم الحلف بغير الله عز وجل، بل هو شرك، ويدل لذلك قول الله عز وجل: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22]، وقد ذكر ابن عباس عند هذه الآية من اتخاذ الأنداد أن تقول: وحياتي وحياتك. وهذا إسناده حسن، والحلف بغير الله عز وجل هل هو شرك أكبر أو شرك أصغر؟ نقول: ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: إن اعتقد أن المحلوف به معظم كتعظيم الله عز وجل فهو شرك أكبر، وإن اعتقد أنه ليس معظماً كتعظيم الله عز وجل فهو شرك أصغر، يعني: مجرد الحلف هذا من شرك الألفاظ، فإذا كان هناك عقيدة فهو شرك أكبر، وإذا لم يكن هناك عقيدة وإنما مجرد لفظ فهذا شرك أصغر.
وفي هذا أيضاً: فضيلة عمر رضي الله تعالى عنه حيث قال: (فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنها ذاكراً ولا آثراً)، وفيه تعظيم السلف رحمهم الله للسنة، يعني: مجرد أنه سمع النهي امتثل وطبق ما يقول: هذا أدب من الآداب يمكن أن يأتي بها الإنسان، ويمكن يتركها، هذا مكروه أو هل هذا النهي محرم أو مكروه، أمر النبي صلى الله عليه وسلم انتهى يمتثلوا، تعظيم، يعني: حتى مجرد أنه يحكي أن غيره حلف ما حكى عمر رضي الله تعالى عنه.
وفي هذا أيضاً قوله: (فليحلف بالله أو ليصمت)، فيه حصر اليمين بالله عز وجل، وبهذا نأخذ أن الأيمان التي يحلفها الناس بغير الله عز وجل أنها كلها أيمان غير شرعية، الحلف بالطلاق، الحلف بالظهار، الحلف بالنذر، الحلف بالعتق، هذه كلها أيمان غير شرعية، وهذه مع الأسف موجودة اليوم في كثير من ألسنة الناس، إن ذهبت فأنت طالق، إن دخلت فأنت طالق، إن خرجت فأنت طالق، أو علي الطلاق أن تدخل، علي الطلاق أني ما أذهب إلى كذا، أو علي الحرام.. إلى آخره، وهذه الأيمان ستأتينا إن شاء الله في كتاب الظهار ونتكلم عليها بإذن الله عز وجل في كتاب الطلاق.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، يعني: إذا أراد أن يحث نفسه أو يمنعها أو يصدق خبراً أو يكذبه عليه أن يحلف بالله عز وجل، لا يحلف لا بتحريم، ولا بطلاق، ولا بعتاق، ولا بنذر، ولا بظهار، هذه كلها أيمان غير شرعية.
وفي هذا أيضاً: أن من أراد أن يحلف بغير الله عز وجل فإن عليه أن يلزم الصمت.
ومما سبق يتبين لنا أن الحلف بغير الله عز وجل محرم ولا يجوز، بل هو من الشرك، لكن كيف الجواب عما جاء في صحيح مسلم : (أفلح وأبيه إن صدق)؟
هذا أجاب عنه العلماء رحمهم الله بأجوبة كثيرة، فقيل بأن هذا مما يجري على اللسان.
وقيل: بأن هذا كان في أول الإسلام ثم نسخ.
وقيل: بأن في اللفظة تصحيف، والصحيح: أفلح والله، لكن حصل تصحيف.
وقيل: بأن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل كما ذكره ابن عبد البر -وهذا أحسن جواب- أن هذه اللفظة شاذة، ولهذا أعرض عنها البخاري ، ولم يخرجها في صحيحه، فنقول بأنها لفظة شاذة لا يعول عليها.
وفيه أيضاً: ما عليه أهل الجاهلية من تعظيم الآباء ونحو ذلك، (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)؛ لأن أهل الجاهلية كانوا يعظمون آباءهم.. إلى آخره.
وتعظيم الأسلاف ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: تعظيم الأسلاف على ما هم عليه من خصال حميدة وخلال حسنة، فهذا حق، بشرط لا يصل إلى درجة الغلو.
والقسم الثاني: تعظيمهم لا لأجل ذلك، وإنما لأجل الفخر والخيلاء ونحو ذلك، فهذا مذموم.
قال: [عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة, تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله, فقيل له: قل: إن شاء الله, فلم يقل, فطاف بهن, فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قال: إن شاء الله لم يحنث, وكان ذلك دركاً لحاجته)].
الشرح:
قوله: (لأطوفن الليلة)، اللام واقعة في جواب قسم مقدر، والتقدير: والله لأطوفن، والنون للتوكيد.
وقوله: ( طاف بهن )، يعني: جامع نساءه.
وقوله: (دركاً لحاجته)، يعني: مدركاً ولاحقاً لحاجته.
وهذا الحديث فيه مسائل، لكن من أهمها: أنه يستحب الاستثناء في الأيمان في المشيئة، وإذا استثنى فإنه لا يحنث، وعلى هذا إذا حلف الشخص فإنه يستحب أن يقول: إن شاء الله، وسبق أن ذكرنا أنه إذا استثنى فإنه يستفيد فائدتين:
الفائدة الأولى: امتثال أمر الله عز وجل، والاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام.
والفائدة الثانية: أنه لو خالف فعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله فإنه لا كفارة عليه، وهذه مسألة مهمة حتى لو قال لزوجته: أنت طالق، ثم قال: إن شاء الله لم يقع طلاقه.. إلى آخره، فهذا مهم جداً.
شروط الاستثناء في اليمين
الشرط الأول: النية، يقولون: لا بد أن ينوي الاستثناء قبل تمام المستثنى منه، فمثلاً لو قال: والله لأذهبن إلى مكة وهو ما نوى، يقولون: قبل أن ينتهي من لفظ مكة لا بد أن ينوي.
والرأي الثاني: أن هذا ليس شرطاً، ولو نوى بعد تمام المستثنى منه صح، والحديث يدل للرأي الثاني، وهو أنه لا تشترط نية الاستثناء، ولهذا فقيل له: قل: إن شاء الله، فلم يقل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو قال كان دركاً لحاجته)، دل ذلك على أنه لا تشترط النية.
الشرط الثاني: يؤخذ من الحديث أنه يشترط أن يتلفظ بالمشيئة، قل: لا إله إلا الله.
الشرط الثالث: يؤخذ من الحديث أنه يشترط أن يكون الاستثناء ممن صدر منه اليمين، أما إذا كان الاستثناء من شخص لم تصدر منه اليمين، فإن هذا لم يصح، ولهذا لو صح لقال الملك: إن شاء الله.
والشرط الثالث: أن يكون المستثنى النصف فأقل، والصحيح أن هذا ليس شرطاً، فمثلاً لو قال: زوجتي طالق ثلاثاً إلا واحدة، يقولون: صحيح هذا، لكن لو قال: زوجتي طالق ثلاثاً إلا ثنتين فإن أكثر الأصوليين يقولون: ليس صحيحاً، والصواب: أنه صحيح، لكن لو قال: زوجتي طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً، فهذا لا يصح؛ لأن هذا يؤدي إلى إبطال كلام المكلف، والأصل إعماله لا إبطاله، لأن القاعدة: الأصل إعمال كلام المؤلف لا إبطاله.
وفي هذا الحديث أيضاً: ما عليه سليمان عليه السلام من القوة البدنية، وهذه من آيات الله عز وجل له، حيث إنه حلف أن يطوف على تسعين امرأة، وفعلاً طاف على تسعين امرأة، والنبي صلى الله عليه وسلم أوتي شهوة ثلاثين رجلاً، فالأنبياء عليهم السلام لهم من الخصائص ما ليس لغيرهم.
وكذلك أيضاً قوله: (يقاتل في سبيل الله) يؤخذ أيضاً ما عليه سليمان عليه السلام من نصرة دين الإسلام.
وفي هذا أيضاً: أن الأنبياء عليهم السلام بشر، وأنه يعتريهم ما يعتري البشر من الغفلة والنسيان، ومع ذلك قيل له: قل: إن شاء الله، ولم يقل: إن شاء الله، وعلى هذا لم يدرك حاجته، وأن الذي بيده الأمر كله هو الله سبحانه وتعالى، وأنه سبحانه وتعالى هو الذي يدبر الكون ويتصرف فيه.
وفي هذا: رد على الخرافيين والصوفيين الذين يغلون في المخلوقين، حتى ولو كان نبياً فإنه لا ينزل فوق منزلته.