شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [14]


الحلقة مفرغة

تكلمنا فيما تقدم في حديث جابر على الشروط، وذكرنا أن الشروط في البيع تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: شروط صحيحة، وذكرنا أنها أربعة أنواع:

النوع الأول: شرط يقتضيه العقد، النوع الثاني: شرط صفة، النوع الثالث: شرط مصلحة، النوع الرابع: شرط منفعة.

القسم الثاني: الشروط الفاسدة وهي تنقسم إلى قسمين؛ القسم الأول: شروط فاسدة مفسدة، يعني: تفسد العقد، وهذا مثل: اشتراط عقد في عقد، وهذا النوع تكلمنا عليه وذكرنا الخلاف فيه، وأن المالكية يجيزونه.

والرأي الثاني: رأي أكثر أهل العلم أنهم يمنعونه، فمثلاً لو قال: أبيعك بشرط أن تؤجرني، أو أؤجرك بشرط أن تبيعني، أو أن تصرف لي، أو أن تعقد معي عقد شركة ... إلى آخره، والصواب في هذا أنه صحيح إلا إذا تضمن محذوراً شرعياً كما لو قال: أقرضتك بشرط أن تبيعني، أو قال: أقرضتك بشرط أن تؤجرني؛ لأن القرض من عقود الإرفاق التي يقصد بها الإحسان، واشتراط الشرط فيها هذا يخرجه عن موضوعه، أو قال: زوجتك على أن تزوجني إلى آخره، هذا نوع من أنكحة الشغار، وهو لا يصح.

النوع الثاني من الشروط الفاسدة المفسدة: أن يعود الشرط بالإخلال إلى أصل من أصول العقد، أو ركن من أركانه، فإذا عاد الشرط إلى الإخلال بركن من أركان العقد، أو أصل من أصوله، فهذا شرط فاسد، فلو باع ريالات بريالات واشترط الزيادة إلى آخره، نقول: هذا شرط فاسد، قال: بعتك عشرة بشرط أن تعطيني عشرين إلى آخره، نقول: هذا شرط فاسد.

النوع الثالث من الشروط الفاسدة المفسدة: تعليق العقد على شرط المستقبل، وهذا موضع خلاف: هل هذا يفسد العقد أو لا يفسد العقد؟ فلو قال: بعتك بشرط أن يرضى أبي، أو بعتك إذا دخل رمضان أو نحو ذلك، والصواب في هذا كما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يفسد العقد.

القسم الثاني: الشروط الفاسدة غير المفسدة، وهي ما عدا ما تقدم في القسم السابق، مثل: لو شرط أن يربح في المبيع كذا وكذا، يقول: أنا أشتري منك السيارة بشرط أن أربح فيها النصف، أو أربح فيها الربع، نقول: هذا شرط فاسد لكنه لا يفسد العقد؛ لأن الخراج بالضمان، كذلك أيضاً لو قال مثلاً: أنا أشتري منك السيارة لكن بشرط أنني لا أخسر فيها، نقول: هذا شرط فاسد، لكنه لا يفسد العقد، فالخراج بالضمان، كما أنك لو ربحت فلك الربح كذلك أيضاً لو خسرت فعليك الخسارة، ومثل ذلك أيضاً اشتراط الولاء لغير المعتق، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رده وقال: ( إنما الولاء لمن أعتق )، أو مثلاً قال: إن نفق المبيع وإلا رده، يعني: إن أخذ الناس المبيع واشتروه وإلا رددته عليك، نقول: هذا شرط فاسد.

وبقي علينا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في إنائها )، أي: لتقلب ما في إنائها.

وفي لفظ: ( لتستفرغ ما في صحفتها ) يعني: تفرغ إناءها، فتجعل إناءها فارغاً، فتحوز هذا الحظ الذي كان للزوجة الأخرى، والمرأة إذا سألت طلاق ضرتها فإن النفقة التي تنفق على الضرة ستعود للزوجة، فهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لتكفئ )، يعني: تقلب ما في إنائها، ( تستفرغ ما في إنائها )، يكون إناؤها فارغاً فتحوزه إليها وتظفر به، فهذا لا يجوز، بل هذا من الشروط الفاسدة، لو أن المرأة قالت: أنا أتزوجك لكن بشرط أن تطلق زوجتك، فنقول: هذا شرط فاسد، لما فيه من الظلم والاعتداء، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الربا والصرف].

الشرح:

قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب الربا والصرف:

الربا في اللغة: الزيادة، ومنه قول الله عز وجل: فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ [الحج:5]، يعني: زادت.

وفي الاصطلاح: زيادة في أشياء، ونسأ في أشياء، مختص بأشياء، ومعنى نسأ، يعني: تأخير القبض في أشياء، مختص بأشياء.

والصرف في اللغة: مأخوذ من الصريف، وهو التصويت، لأن النقود يصير لها تصويت عند وزنها.

وفي الاصطلاح: مبادلة نقد بنقد.

قال المؤلف رحمه الله: [عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب ربا, إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا, إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا، إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا, إلا هاء وهاء)].

قال المؤلف: [عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الذهب بالذهب ربا, إلا هاء وهاء )] هاء وهاء بمعنى التقابض.

( والفضة بالفضة ربا، إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا, إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا، إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا, إلا هاء وهاء ).

هذا الحديث يدل على جريان الربا في هذه الأصناف التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم: الذهب والفضة والبر والشعير.

وفي حديث أبي سعيد وحديث عبادة في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على ستة أشياء: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح.

وفي حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نص أيضاً على الكرم.

وفي حديث معمر بن عبد الله في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عبارة عامة: ( الطعام بالطعام مثلاً بمثل )، فهل الربا خاص بهذه الأشياء المعدودة، أو أن الربا يتعدى هذه الأشياء إلى غيرها؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [27] 2828 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [22] 2551 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [17] 2543 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [1] 2444 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب الصيد [1] 2355 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [3] 2236 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [28] 2210 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [2] 2179 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب اللعان [3] 2149 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [23] 2142 استماع