شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [13]


الحلقة مفرغة

تقدم لنا حديث جابر رضي الله تعالى عنه، وتكلمنا على حكم الشروط في عقد البيع، وذكرنا عدة مسائل، ومن هذه المسائل: أن الأصل في الشروط في البيع الصحة والحل؛ لقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، والأمر بإيفاء العقد يتضمن إيفاء أصله ووصفه، ومن وصفه الشرط فيه، وكذلك أيضاً حديث عقبة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ).

وذكرنا أن الفرق بين شرط البيع والشرط في البيع، وذكرنا أيضاً أقسام الشروط في العقود، وأنها تنقسم إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: شرط يقتضيه العقد.

والقسم الثاني: شرط مصلحة.

والقسم الثالث: شرط صفة فهذه الشروط الثلاثة صحيحة باتفاق الأئمة، والقسم الرابع: شرط منفعة. وهذا دار عليه خلاف أهل العلم رحمهم الله.

فالشافعية يضيقون فيه، ويقولون: لا يصح ولا شرط واحد.

والرأي الثاني: هو المشهور من المذهب أنه يصح شرط واحد، منفعة البائع أو منفعة المبيع، فمنفعة البائع أن تقول: اشتريت منك السيارة بشرط أن تغسلها، اشتريت منك الثوب بشرط أن تخيطه، ومنفعة المبيع تقول: اشتريت منك السيارة بشرط أن أستعملها لمدة يوم أو يومين إلى آخره.

والرأي الثالث: رأي ابن القيم رحمه الله تعالى: وهو أنه يصح اشتراط أكثر من شرط، يعني: سواء اشترط شرطين أو ثلاثة، سواء في منفعة البائع أو منفعة المبيع، فهذا كله جائز، وأيضاً يجوز حتى ولو كانت المنفعة في غير البائع والمبيع، فإن هذا جائز ولا بأس به، فمثلاً لو قال: بعت عليك السيارة بشرط أن أستعمل سيارتك لمدة يوم أو يومين، نقول: هذا جائز ولا بأس به إن شاء الله.

قال المؤلف رحمه الله: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (أنه كان يسير على جمل فأعيا) أعيا، يعني: تعب.

(فأراد أن يسيبه) يعني: أن يطلقه.

قال: (فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي وضربه، فسار سيراً لم يسر مثله، فقال: بعنيه بأوقية)، تقدم الكلام على هذه الأوقية وذكرنا قدرها.

(قلت: لا، ثم قال: بعنيه، فبعته بأوقية، واستثنيت حملانه إلى أهلي)، تقدم أن في هذا دليل الحنابلة رحمهم الله أنه يصح أن تشترط شرطاً واحداً.

قال: (فلما بلغت أتيته بالجمل فنقدني ثمنه، ثم رجعت فأرسل في أثري، فقال: أتراني ماكستك)، المماكسة هي المكالمة في البيع والشراء لطلب الزيادة، أو طلب النقص.

هذا الحديث فيه فوائد:

منها: أنه يصح اشتراط منفعة المبيع كما فعل جابر رضي الله تعالى عنه، فإن جابراً باع جمله للنبي صلى الله عليه وسلم، واشترط حملانه إلى المدينة.

ومن فوائده: أنه يصح البيع والشراء مع الإمام، وكذلك أيضاً مثله القاضي، والموظف، لكن العلماء يقولون: يكره للقاضي أن يتولى البيع والشراء؛ لأنه ربما أن يحابى فيكون في هذا نوع من الرشوة له.

وكذلك أيضاً: كون جابر رضي الله تعالى عنه امتنع أولاً من أن يبيع جمله، هذا لا يعتبر من معصية النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( بع جملك )، إلى آخره، أو ( بعني جملك )، هذا على سبيل التخيير وليس على سبيل التحتيم، فهو ليس من معصية النبي صلى الله عليه وسلم.

وكذلك أيضاً من فوائده ومسائله: أن قائد الجيش ينبغي له أن يكون في مؤخرة الجيش، لكي يلاحظ الضعفة والمحتاجين ونحو ذلك.

وفيه أيضاً: آية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم حيث ضرب هذا الجمل، فسار سيراً لم يسر مثله قط.

وفيه أيضاً: أنه يجوز أن تسيب الحيوان، فإذا كان عندك حيوان وأنت لا تستطيع أن تقوم بنفقته فيجوز لك أن تسيبه وتخرجه، حتى ولو سيبته في الصحراء، فإن هذا جائز ولا بأس به؛ لأن جابراً رضي الله تعالى عنه أراد أن يسيب جمله، ويتركه في الصحراء.

وفي هذا أيضاً: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها )].

الشرح:

تقدم الكلام على حكم بيع الحاضر للبادي، يعني: الحضري يكون سمساراً للبدوي، وحكم ذلك.

كذلك أيضاً حكم النجش إلى آخره، لكن هنا زيادة قوله: ( ولا يبع الرجل على بيع أخيه )، وتقدم لنا بيع الرجل على بيع أخيه، وذكرنا أن بيع الرجل على بيع أخيه إما أن يكون في الكمية، وإما أن يكون في الكيفية، وأن المحرم في بيع الرجل على بيع أخيه إذا كان في زمن الخيارين؛ لأنه يتمكن من الفسخ، وذكرنا أيضاً أن الإمام مالكاً رحمه الله تعالى يقول: بأنه يحرم مطلقاً حتى ولو كان في غير زمن الخيارين.

قال: ( ولا يخطب على خطبة أخيه ) في هذا أيضاً أنه يحرم على المسلم أن يخطب على خطبة أخيه، والإنسان إذا خطب فإنه لا يخلو من أحوال:

الحال الأولى: أن يخطب ويرد، فإذا خطب ورد فإنه يجوز لك أن تخطب على خطبته؛ لأنه الآن أصبح لا حق له حينئذ.

الحال الثاني: أن يجهل الأمر، يعني: هذا الرجل خطب وجهلنا الأمر ولا ندري هل يعطى أو لا يعطى، فهل يجوز لك أن تخطب على خطبته أو نقول: هذا غير جائز؟

المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن هذا جائز ولا بأس به؛ لأن فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها خطبها ثلاثة، فأشار عليها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنكح أسامة، والصواب في ذلك أنه لا يجوز؛ لأنه ربما أن أولياء المرأة ركنوا إلى هذا الرجل وأرادوا أن يعطوه، فكونك تذهب وتخطب على خطبته هذا فيه اعتداء على حقه، فالصواب في ذلك أنه لا يجوز.

وأما قصة فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها فخطبها هؤلاء الثلاثة؛ لأن كل واحد منهم لا يعلم بخطبة الآخر، فالصواب في ذلك أنه لا يجوز إذا جهل الأمر لأننا لا ندري، وأنه ما دام قد خطب فأصبح الآن له حق.

الحال الثالث: أن يخطب ويعطى، فهذا لا يجوز لك أن تخطب على خطبته.

الحال الرابع: أن تستأذن أن تخطب، ثم بعد ذلك تستأذن الخاطب الأول فيأذن لك، فهذا جائز أن تخطب على خطبته. بشرط أن لا يكون أذن لك حياءً، فإن كان أذن لك حياءً فإن هذا لا يجوز.

الحال الخامس: أن يترك الخطبة هو بنفسه، فنقول: يجوز لك أن تخطب حينئذ.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [27] 2827 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [22] 2549 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [17] 2541 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [1] 2442 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب الصيد [1] 2353 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [3] 2234 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [28] 2208 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [2] 2177 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب اللعان [3] 2147 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [23] 2140 استماع