خطب ومحاضرات
شرح زاد المستقنع - كتاب الأطعمة [3]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثالث: قطع الحلقوم والمريء، فإن أبان الرأس بالذبح لم يحرم المذبوح، وذكاة ما عجز عنه من الصيد والنعم المتوحشة والواقعة في بئر ونحوها، بجرحه في أي موضع كان من بدنه، إلا أن يكون رأسه في الماء ونحوه فلا يباح.
الرابع: أن يقول عند الذبح: باسم الله، لا يجزيه غيرها، فإن تركها سهواً أبيحت لا عمداً، ويكره أن يذبح بآلة كآلة، وأن يحدها والحيوان يبصره، وأن يوجهه إلى غير القبلة، وأن يكسر عنقه أو يسلخه قبل أن يبرد.
باب الصيد. لا يحل الصيد المقتول في الاصطياد إلا بأربعة شروط:
أحدها: أن يكون الصائد من أهل الذكاة.
الثاني: الآلة، وهي نوعان: محدد يشترط فيه ما يشترط في آلة الذبح، وأن يجرح، فإن قتله بثقله لم يبح، وما ليس بمحدد كالبندق والعصا والشبكة والفخ، لا يحل ما قتل به، والنوع الثاني: الجارحة فيباح ما قتلته إذا كانت معلمة.
الثالث: إرسال الآلة قاصداً، فإن استرسل الكلب أو غيره بنفسه لم يبح إلا أن يزجره فيزيد في عدوه بطلبه فيحل.
الرابع: التسمية عند إرسال السهم أو الجارحة، فإن تركها عمداً أو سهواً لم يبح، ويسن أن يقول معها: الله أكبر كالذكاة].
تقدم لنا شيء من أحكام الذكاة، وذكرنا من هذه الأحكام شروط صحة الذكاة، وأنه يشترط للذكاة شروط، الشرط الأول: أهلية المذكي، والمراد بالأهلية أمران: الأمر الأول: العقل، وعلى هذا فلا تصح تذكية المجنون ولا السكران ولا المغمى عليه ولا الصبي الذي لم يميز؛ لقول الله عز وجل: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة:3]، فهذا يدل على اشتراط القصد، ومن لا عقل له لا قصد له.
والأمر الثاني مما تعتبر له الأهلية: الدين، وذكرنا أن الدين يراد به أمران: الإسلام، فالمسلم ذكاته حلال بالإجماع.
والأمر الثاني: الكتابي اليهودي أو النصراني، فذكاة اليهودي وذكاة النصراني مباحة؛ لقول الله عز وجل: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة:5]، وذكرنا أن الكتابي يشترط لتذكيته شروط، وذكرنا أربعة شروط.
قطع الحلقوم والمريء
الشرط الثالث من شروط صحة التذكية: قطع الحلقوم، وهو مجرى النفس، والمريء، وهو مجرى الطعام، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، أنه لابد من قطع هذين: الحلقوم والمريء، وهذا أيضاً مذهب الشافعية، واستدلوا على ذلك بأن قطع هذين تنعدم بهما الحياة، فالحلقوم هو مجرى النفس، والمريء هو مجرى الطعام، فإذا قطع هذان المجريان انعدمت الحياة.
والرأي الثاني: رأي أبي حنيفة رحمه الله أنه لابد من قطع ثلاثة من أربعة من غير تعيين، والودجان: عرقان غليظان يحيطان بالعنق، والحلقوم والمريء، هذه أربعة لابد من قطع ثلاثة منها من غير تعيين، وهذا هو المشهور من مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وعند المالكية لابد من قطع ثلاثة لكن على سبيل التعيين، لابد من قطع الودجين، وكذلك أيضاً لابد من قطع الحلقوم وهو مجرى النفس.
والمتأمل للسنة حديث رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل)، فالنبي صلى الله عليه وسلم اشترط انهار الدم، ولا يكون انهار الدم إلا بقطع الودجين؛ لأن الحكمة من التذكية هي تطييب الحيوان المذكى بإزالة هذه الرطوبات منه وإخراجها، ولذلك ما لا نفس له سائلة لا يحتاج إلى تذكية، يباح بلا تذكية، فالجراد الذي لا نفس له سائلة، ليس له دم يسيل عند قتله، هذا لا حاجة إلى تذكيته.
فعلى هذا نقول: الأقرب والله أعلم في هذه المسألة أنه لابد من فري الودجين، فيكون ما ذهب إليه المالكية أنه لابد من قطع الودجين والحلقوم، قريباً من الصواب، أو نقول: قول الحنفية لابد من قطع ثلاثة من أربعة؛ لأنه إذا فريت هذه الأوداج حصلت الحكمة، وأيضاً حصل ما اشترطه النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله)، هنا شرطان، أما قول الحنابلة والشافعية: إنه يكتفى بقطع الحلقوم والمريء فهذا ضعيف.
قال رحمه الله: (المريء).
وهذا كما تقدم هو مجرى الطعام والشراب.
كيفية ذكاة ما عجز عنه
الحيوان المأكول لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يكون مقدوراً عليه، فهذا لابد من تذكيته في محل الذكاة كما تقدم، بقطع ثلاثة من أربعة.. إلى آخره.
والأمر الثاني: أن يكون غير مقدور عليه، فهذا تذكيته بجرحه في أي موضع من بدنه، ولهذا سيأتينا ما يتعلق بالصيد، الصيد حيوان غير مقدور عليه، يكفي أن تجرحه في أي موضع من بدنه، فإذا جرحته في أي موضع من بدنه كفى.
فنقول: الحيوان المأكول إن كان مقدوراً عليه لا يحل إلا بالذكاة، وإذا كان غير مقدور عليه، مثل: الصيد، والنعم المتوحشة التي هربت، ومثل ما ذكر المؤلف رحمه الله: (وذكاة ما عجز عنه من الصيد والنعم المتوحشة الواقعة في بئر إلى آخره)، هذا إذا كان لا يقدر عليه يكفي أن تجرحه في أي موضع من بدنه، ويدل لذلك حديث رافع بن خديج في الصحيح: (أنهم كانوا في غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فند بعير -هرب- فحبسه رجل بسهم، أي: ضربه بسهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لهذه الحيوانات أوابد كأوابد الوحش، فما صنع هكذا فاصنعوا به هكذا )، يعني: ما ند منها فاصنعوا به هكذا، يكفي أن تجرحه في أي موضع من بدنه.
وهذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم علي وابن مسعود وابن عمر وعائشة رضي الله تعالى عن الجميع، وعلى هذا نقول: ما عجز عن تذكيته إما لكونه ند أو لكونه صيداً أو لكونه كما ذكر المؤلف رحمه الله وقع في بئر ونحو ذلك، فهذا يكفي أن تجرحه في أي موضع من بدنه.
قال المؤلف: (إلا أن يكون رأسه في الماء ونحوه) مما يقتله لو انفرد، لو كان رأسه في الماء سقط في البئر ورأسه أصبح في الماء، فهنا اجتمع حاظر ومبيح فلا يحل، ويدل لذلك حديث عدي رضي الله تعالى عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيد يجده في الماء فيأكله أم لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، لا تدري أسهمك قتله أم الماء، وسأله أنه يجد مع كلبه كلباً آخر هل يأكل؟ فقال: لا تأكل، لا تدري أكلبك قتله أو الكلب الآخر).
فيقول المؤلف رحمه الله: إذا كان هذا الذي وقع في الماء ونحو ذلك اجتمع شيء يقتله وجرحه، أنت جرحته وأيضاً وجد شيئاً يقتله فلا تأكله؛ لأنه اجتمع الآن حاظر ومبيح فيغلب جانب الحظر، لحديث عدي رضي الله تعالى عنه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (الثالث: قطع الحلقوم).
الشرط الثالث من شروط صحة التذكية: قطع الحلقوم، وهو مجرى النفس، والمريء، وهو مجرى الطعام، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، أنه لابد من قطع هذين: الحلقوم والمريء، وهذا أيضاً مذهب الشافعية، واستدلوا على ذلك بأن قطع هذين تنعدم بهما الحياة، فالحلقوم هو مجرى النفس، والمريء هو مجرى الطعام، فإذا قطع هذان المجريان انعدمت الحياة.
والرأي الثاني: رأي أبي حنيفة رحمه الله أنه لابد من قطع ثلاثة من أربعة من غير تعيين، والودجان: عرقان غليظان يحيطان بالعنق، والحلقوم والمريء، هذه أربعة لابد من قطع ثلاثة منها من غير تعيين، وهذا هو المشهور من مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وعند المالكية لابد من قطع ثلاثة لكن على سبيل التعيين، لابد من قطع الودجين، وكذلك أيضاً لابد من قطع الحلقوم وهو مجرى النفس.
والمتأمل للسنة حديث رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل)، فالنبي صلى الله عليه وسلم اشترط انهار الدم، ولا يكون انهار الدم إلا بقطع الودجين؛ لأن الحكمة من التذكية هي تطييب الحيوان المذكى بإزالة هذه الرطوبات منه وإخراجها، ولذلك ما لا نفس له سائلة لا يحتاج إلى تذكية، يباح بلا تذكية، فالجراد الذي لا نفس له سائلة، ليس له دم يسيل عند قتله، هذا لا حاجة إلى تذكيته.
فعلى هذا نقول: الأقرب والله أعلم في هذه المسألة أنه لابد من فري الودجين، فيكون ما ذهب إليه المالكية أنه لابد من قطع الودجين والحلقوم، قريباً من الصواب، أو نقول: قول الحنفية لابد من قطع ثلاثة من أربعة؛ لأنه إذا فريت هذه الأوداج حصلت الحكمة، وأيضاً حصل ما اشترطه النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله)، هنا شرطان، أما قول الحنابلة والشافعية: إنه يكتفى بقطع الحلقوم والمريء فهذا ضعيف.
قال رحمه الله: (المريء).
وهذا كما تقدم هو مجرى الطعام والشراب.
قال رحمه الله: (وذكاة ما عجز عنه من الصيد والنعم المتوحشة الواقعة في بئر ونحوها بجرحه في أي موضع كان من بدنه).
الحيوان المأكول لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يكون مقدوراً عليه، فهذا لابد من تذكيته في محل الذكاة كما تقدم، بقطع ثلاثة من أربعة.. إلى آخره.
والأمر الثاني: أن يكون غير مقدور عليه، فهذا تذكيته بجرحه في أي موضع من بدنه، ولهذا سيأتينا ما يتعلق بالصيد، الصيد حيوان غير مقدور عليه، يكفي أن تجرحه في أي موضع من بدنه، فإذا جرحته في أي موضع من بدنه كفى.
فنقول: الحيوان المأكول إن كان مقدوراً عليه لا يحل إلا بالذكاة، وإذا كان غير مقدور عليه، مثل: الصيد، والنعم المتوحشة التي هربت، ومثل ما ذكر المؤلف رحمه الله: (وذكاة ما عجز عنه من الصيد والنعم المتوحشة الواقعة في بئر إلى آخره)، هذا إذا كان لا يقدر عليه يكفي أن تجرحه في أي موضع من بدنه، ويدل لذلك حديث رافع بن خديج في الصحيح: (أنهم كانوا في غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فند بعير -هرب- فحبسه رجل بسهم، أي: ضربه بسهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لهذه الحيوانات أوابد كأوابد الوحش، فما صنع هكذا فاصنعوا به هكذا )، يعني: ما ند منها فاصنعوا به هكذا، يكفي أن تجرحه في أي موضع من بدنه.
وهذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم علي وابن مسعود وابن عمر وعائشة رضي الله تعالى عن الجميع، وعلى هذا نقول: ما عجز عن تذكيته إما لكونه ند أو لكونه صيداً أو لكونه كما ذكر المؤلف رحمه الله وقع في بئر ونحو ذلك، فهذا يكفي أن تجرحه في أي موضع من بدنه.
قال المؤلف: (إلا أن يكون رأسه في الماء ونحوه) مما يقتله لو انفرد، لو كان رأسه في الماء سقط في البئر ورأسه أصبح في الماء، فهنا اجتمع حاظر ومبيح فلا يحل، ويدل لذلك حديث عدي رضي الله تعالى عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيد يجده في الماء فيأكله أم لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، لا تدري أسهمك قتله أم الماء، وسأله أنه يجد مع كلبه كلباً آخر هل يأكل؟ فقال: لا تأكل، لا تدري أكلبك قتله أو الكلب الآخر).
فيقول المؤلف رحمه الله: إذا كان هذا الذي وقع في الماء ونحو ذلك اجتمع شيء يقتله وجرحه، أنت جرحته وأيضاً وجد شيئاً يقتله فلا تأكله؛ لأنه اجتمع الآن حاظر ومبيح فيغلب جانب الحظر، لحديث عدي رضي الله تعالى عنه.
حكم التسمية عند الذبح
هذا الشرط الرابع من شروط صحة التذكية وهو التسمية، والتسمية موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله هل هي شرط أو أنها واجبة أو أنها مستحبة؟ فالعلماء رحمهم الله لهم في ذلك ثلاثة آراء، طرفان ووسط:
الرأي الأول: وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله واختاره شيخ الإسلام أنها شرط لا تسقط لا عمداً ولا سهواً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط، قال: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل)، ما شرطية وأنهر فعل الشرط وجوابه فكل، فالنبي صلى الله عليه وسلم اشترط شرطين للحل: إنهار الدم، وذكر اسم الله عز وجل.
الرأي الثاني يقابل هذا القول: وهو المشهور من مذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أن التسمية سنة وليست واجبة.
أما الذين قالوا: إنها شرط فاستدلوا بقول الله عز وجل: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:118]، وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121].
والذين قالوا: بأنها مستحبة استدلوا بقول الله عز وجل: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة:5]، والمراد بطعام أهل الكتاب: ذبائحهم، فالله سبحانه وتعالى أباح ذبائح أهل الكتاب، وأهل الكتاب لا يذكرون اسم الله عز وجل، ولا يسمون.
وكذلك أيضاً استدلوا بما ثبت في صحيح البخاري في حديث عائشة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (إن قوماً حديث عهد بالإسلام، وإنهم يأتون بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سموا أنتم وكلوا)، فهؤلاء الذين هم حديث عهد بالإسلام يظن أنهم لم يذكروا اسم الله عز وجل، لأنهم حديث عهد بالإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (سموا أنتم وكلوا)، وهذا مما يدل على أن التسمية ليست واجبة وإنما هي مستحبة.
وأيضاً استدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يذبح وينسى أن يسمي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اسم الله على كل مسلم)، وهذا الحديث ضعيف، وكذلك أيضاً حديث ابن عباس : (المسلم يكفيه اسمه)، وهذا أيضاً حديث ضعيف.
الرأي الثالث: رأي أكثر أهل العلم، وهو المشهور من المذهب، أن التسمية واجبة، بمعنى: أنها لا تسقط في العمد ولكنها تسقط في السهو، أما كونها لا تسقط في العمد فلما تقدم من الأدلة، كحديث رافع ، وقول الله عز وجل: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:118]، وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، وأما كونها تسقط بالسهو فلقول الله عز وجل: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286].
والمتأمل للأدلة يجد أن ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هو الأحوط في هذه المسألة، وأنها شرط مطلقاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل)، فاشترط شرطين: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل.
وأما ما استدل به الشافعية فالحديث ضعيف، ويبقى عندنا حديث عائشة : (إن قوماً يأتون بلحم، وإنهم حديث عهد بإسلام، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سموا أنتم وكلوا)، هذا الحديث يؤخذ منه قاعدة وهي: أن الفعل إذا صدر من أهله فالأصل فيه السلامة، فهذا الفعل الآن صدر من مسلمين، والأصل فيه السلامة، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم وجههم إلى ما ينبغي أن يفعلوه، فقال: (سموا أنتم وكلوا)، ونحن لو أردنا أن ننقب عن أفعال الناس تعبنا، مثلاً لو أردت أن تشتري سيارة تنظر البائع هل هو مالك السيارة أو غير مالك؟ كيف ملكها؟ ممن -مثلاً- اشتراها؟ هل توفرت شروط الشراء أو لا؟ والذي اشتراها منه ممن اشتراها منه إلى آخره، والحقيقة أنك لست مسئولاً عن أفعال الناس، بل أنت مسئول عن نفسك، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سموا أنتم وكلوا)، وعندنا قاعدة: أن الفعل إذا صدر من أهله فالأصل فيه السلامة والصحة، وأن المسلم لا يفتش.
وأما القول بأن أهل الكتاب لا يسمون، فتقدم لنا أن ذبيحة الكتابي يشترط فيها ما يشترط في ذبيحة المسلم من إنهار الدم وذكر اسم الله عز وجل، والغريب أن الحنابلة رحمهم الله تعالى فرقوا بين باب الذكاة وباب الصيد، ففي باب الصيد يجعلون التسمية شرطاً، وأما في باب الذكاة فيجعلونها واجبة، يعني أنها تسقط سهواً في باب الذكاة، لكنها في باب الصيد لا تسقط، مع أن الصيد أولى بالعذر؛ لأن الصائد قد يكون غافلاً، ثم يطرأ عليه الصيد فجأة لمرور المصيد الحيوان، فيسارع إلى إطلاق السهم ويغفل عن التسمية، ومع ذلك يقولون: إن التسمية حينئذٍ لا تسقط، يعتبرونها شرطاً في باب الصيد، لكنها في باب التسمية لا يعتبرونها شرطاً، وإنما يعتبرونها واجبة.
حكم الإتيان بغير التسمية
أي: لابد من هذا اللفظ: بسم الله، وعلى هذا لو ذكر اسم الله عز وجل قال: الله أكبر، سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنه لا يجزئه غيرها، وهذا ما ذهب إليه أكثر أهل العلم رحمهم الله تعالى، ويدل لذلك ما تقدم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سموا أنتم وكلوا)، قال: سموا ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: اذكروا اسم الله أنتم وكلوا، وإنما قال: (سموا أنتم وكلوا).
والرأي الثاني: رأي الحنفية والمالكية، قالوا: إنه إذا ذكر اسم الله عز وجل كفى، لو قال: الله أكبر، سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله.. إلى آخره، يقولون: بأن هذا كافٍ، والأقرب والله أعلم هو ما ذهب إليه الحنابلة والشافعية، وأنه لابد أن يذكر اسم الله عز وجل.
حكم من ترك التسمية سهواً
أي: التسمية.
(سهواً أبيحت).
يعني: أبيحت الذبيحة؛ لما تقدم من قول الله عز وجل: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، وأيضاً ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم)، إذا لم يتعمد، لكن هذا الحديث ضعيف، وأما قول الله عز وجل: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، فكيف الجواب عنه؟ نقول: هذا في الحكم التكليفي لا في الحكم الوضعي؛ لأن عندنا حكمين: الحكم التكليفي والحكم الوضعي، قال رحمه الله تعالى: (لا عمداً).
قال رحمه الله تعالى: (الرابع: أن يقول عند الذبح: باسم الله لا يجزئه غيرها، فإن تركها سهواً أبيحت لا عمداً).
هذا الشرط الرابع من شروط صحة التذكية وهو التسمية، والتسمية موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله هل هي شرط أو أنها واجبة أو أنها مستحبة؟ فالعلماء رحمهم الله لهم في ذلك ثلاثة آراء، طرفان ووسط:
الرأي الأول: وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله واختاره شيخ الإسلام أنها شرط لا تسقط لا عمداً ولا سهواً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط، قال: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل)، ما شرطية وأنهر فعل الشرط وجوابه فكل، فالنبي صلى الله عليه وسلم اشترط شرطين للحل: إنهار الدم، وذكر اسم الله عز وجل.
الرأي الثاني يقابل هذا القول: وهو المشهور من مذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أن التسمية سنة وليست واجبة.
أما الذين قالوا: إنها شرط فاستدلوا بقول الله عز وجل: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:118]، وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121].
والذين قالوا: بأنها مستحبة استدلوا بقول الله عز وجل: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة:5]، والمراد بطعام أهل الكتاب: ذبائحهم، فالله سبحانه وتعالى أباح ذبائح أهل الكتاب، وأهل الكتاب لا يذكرون اسم الله عز وجل، ولا يسمون.
وكذلك أيضاً استدلوا بما ثبت في صحيح البخاري في حديث عائشة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (إن قوماً حديث عهد بالإسلام، وإنهم يأتون بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سموا أنتم وكلوا)، فهؤلاء الذين هم حديث عهد بالإسلام يظن أنهم لم يذكروا اسم الله عز وجل، لأنهم حديث عهد بالإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (سموا أنتم وكلوا)، وهذا مما يدل على أن التسمية ليست واجبة وإنما هي مستحبة.
وأيضاً استدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يذبح وينسى أن يسمي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اسم الله على كل مسلم)، وهذا الحديث ضعيف، وكذلك أيضاً حديث ابن عباس : (المسلم يكفيه اسمه)، وهذا أيضاً حديث ضعيف.
الرأي الثالث: رأي أكثر أهل العلم، وهو المشهور من المذهب، أن التسمية واجبة، بمعنى: أنها لا تسقط في العمد ولكنها تسقط في السهو، أما كونها لا تسقط في العمد فلما تقدم من الأدلة، كحديث رافع ، وقول الله عز وجل: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:118]، وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، وأما كونها تسقط بالسهو فلقول الله عز وجل: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286].
والمتأمل للأدلة يجد أن ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هو الأحوط في هذه المسألة، وأنها شرط مطلقاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل)، فاشترط شرطين: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل.
وأما ما استدل به الشافعية فالحديث ضعيف، ويبقى عندنا حديث عائشة : (إن قوماً يأتون بلحم، وإنهم حديث عهد بإسلام، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سموا أنتم وكلوا)، هذا الحديث يؤخذ منه قاعدة وهي: أن الفعل إذا صدر من أهله فالأصل فيه السلامة، فهذا الفعل الآن صدر من مسلمين، والأصل فيه السلامة، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم وجههم إلى ما ينبغي أن يفعلوه، فقال: (سموا أنتم وكلوا)، ونحن لو أردنا أن ننقب عن أفعال الناس تعبنا، مثلاً لو أردت أن تشتري سيارة تنظر البائع هل هو مالك السيارة أو غير مالك؟ كيف ملكها؟ ممن -مثلاً- اشتراها؟ هل توفرت شروط الشراء أو لا؟ والذي اشتراها منه ممن اشتراها منه إلى آخره، والحقيقة أنك لست مسئولاً عن أفعال الناس، بل أنت مسئول عن نفسك، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سموا أنتم وكلوا)، وعندنا قاعدة: أن الفعل إذا صدر من أهله فالأصل فيه السلامة والصحة، وأن المسلم لا يفتش.
وأما القول بأن أهل الكتاب لا يسمون، فتقدم لنا أن ذبيحة الكتابي يشترط فيها ما يشترط في ذبيحة المسلم من إنهار الدم وذكر اسم الله عز وجل، والغريب أن الحنابلة رحمهم الله تعالى فرقوا بين باب الذكاة وباب الصيد، ففي باب الصيد يجعلون التسمية شرطاً، وأما في باب الذكاة فيجعلونها واجبة، يعني أنها تسقط سهواً في باب الذكاة، لكنها في باب الصيد لا تسقط، مع أن الصيد أولى بالعذر؛ لأن الصائد قد يكون غافلاً، ثم يطرأ عليه الصيد فجأة لمرور المصيد الحيوان، فيسارع إلى إطلاق السهم ويغفل عن التسمية، ومع ذلك يقولون: إن التسمية حينئذٍ لا تسقط، يعتبرونها شرطاً في باب الصيد، لكنها في باب التسمية لا يعتبرونها شرطاً، وإنما يعتبرونها واجبة.
قال رحمه الله تعالى: (لا يجزئه غيرها).
أي: لابد من هذا اللفظ: بسم الله، وعلى هذا لو ذكر اسم الله عز وجل قال: الله أكبر، سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنه لا يجزئه غيرها، وهذا ما ذهب إليه أكثر أهل العلم رحمهم الله تعالى، ويدل لذلك ما تقدم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سموا أنتم وكلوا)، قال: سموا ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: اذكروا اسم الله أنتم وكلوا، وإنما قال: (سموا أنتم وكلوا).
والرأي الثاني: رأي الحنفية والمالكية، قالوا: إنه إذا ذكر اسم الله عز وجل كفى، لو قال: الله أكبر، سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله.. إلى آخره، يقولون: بأن هذا كافٍ، والأقرب والله أعلم هو ما ذهب إليه الحنابلة والشافعية، وأنه لابد أن يذكر اسم الله عز وجل.
قال: (فإن تركها).
أي: التسمية.
(سهواً أبيحت).
يعني: أبيحت الذبيحة؛ لما تقدم من قول الله عز وجل: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، وأيضاً ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم)، إذا لم يتعمد، لكن هذا الحديث ضعيف، وأما قول الله عز وجل: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، فكيف الجواب عنه؟ نقول: هذا في الحكم التكليفي لا في الحكم الوضعي؛ لأن عندنا حكمين: الحكم التكليفي والحكم الوضعي، قال رحمه الله تعالى: (لا عمداً).
قال: (ويكره أن يذبح بآلة كالة).
أي: غير حادة، لما في ذلك من تعذيب الحيوان، وقد ثبت في مسلم عن شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته).
وقول المؤلف رحمه الله: (يكره) هذا فيه شيء من النظر، والأقرب والله أعلم أنه يحرم الذبح بآلة كالة؛ لما فيه من تعذيب الحيوان، لما تقدم من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه.
قال: (وأن يحدها والحيوان يبصره).
يعني يكره أن تحد السكين والحيوان يبصر؛ لما في ذلك من تعذيب الحيوان، وقد جاء في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في مسند أحمد وغيره، وإن كان ضعيفاً، (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تحد الشفار، وأن توارى عن البهائم)، لكن عندنا حديث شداد بن أوس الثابت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته).
قال: (وأن يوجهه إلى غير القبلة).
يقول المؤلف: يكره أن يوجهه إلى غير القبلة، ويؤخذ من هذا أنه إذا وجهه إلى غير القبلة فإن التذكية صحيحة، لكن ظاهر السنة هو التوجيه إلى القبلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ضحى وجه أضحيته إلى القبلة وقال: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين)، وكذلك أيضاً ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
قال: (وأن يكسر عنقه أو يسلخه قبل أن يبرد).
يقول المؤلف: يكره أن يكسر عنقه أو يسلخه قبل أن يبرد، يعني قبل أن تزهق روحه، فينتظر إلى أن تزهق روح الحيوان، ثم بعد ذلك إن شاء كسر عنقه وإن شاء سلخه، أما أن يكسر عنقه أو يسلخه قبل أن تزهق روحه، فهذا فيه تعذيب للحيوان كما تقدم في حديث شداد بن أوس ، والذي يظهر والله أعلم أنه يقتصر على الكراهة، وإنما يظهر والله أعلم أن هذا لا يجوز.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] | 2816 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] | 2730 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] | 2676 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] | 2643 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] | 2638 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] | 2556 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] | 2553 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] | 2526 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] | 2520 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] | 2497 استماع |