خطب ومحاضرات
شرح زاد المستقنع - كتاب الجنايات [4]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ الثاني: المماثلة في الاسم والموضع، فلا تؤخذ يمين بيسار، ولا يسار بيمين، ولا خنصر ببنصر، ولا أصلي بزائد، وعكسه، ولو تراضيا لم يجز.
الثالث: استواؤهما في الصحة والكمال فلا تؤخذ صحيحة بشلاء، ولا كاملة الأصابع بناقصة، ولا عين صحيحة بقائمة، ويؤخذ عكسه ولا أرش.
فصل: النوع الثاني: الجراح فيقتص في كل جرح ينتهي إلى عظم كالموضحة وجرح العضد، والساق، والفخذ، والقدم، ولا يقتص في غير ذلك من الشجاج، والجروح غير كسر سن إلا أن يكون أعظم من الموضحة كالهاشمة، والمنقلة، والمأمونة فله أن يقتص موضحة وله أرش الزائد، وإذا قطع جماعة طرفا، أو جرحوا جرحاً يوجب القود، فعليهم القود وسراية الجناية مضمونة في النفس فما دونها، وسراية القود مهدورة ولا يقتص من عضو وجرح قبل برئه...].
تقدم لنا ما يتعلق بشروط استيفاء القصاص، وما هو المراد بهذه الشروط؟ وأن استيفاء القصاص يشترط له شروط الشرط الأول: أن يكون مستحقه مكلفاً، والشرط الثاني: اتفاق الأولياء المستحقين له على استيفائه، والشرط الثالث: أن يؤمن الحيف أثناء الاستيفاء إلى آخر ما تكلمنا عليه، وأيضاً هل يتعين الاستيفاء بالسيف، أو أنه يستوفى القصاص بمثل ما قتل القاتل؟ ذكرنا أن العلماء رحمهم الله لهم في ذلك رأيان: الرأي الأول: وهو المشهور من المذهب، أنه يتعين الاستيفاء بالسيف، وهو قول الحنفية، والرأي الثاني: أنه لا يتعين بل يستوفى القصاص بمثل ما قتل الجاني، إلا أن يكون محرماً فإنه يستوفى بالسيف.
ثم بعد ذلك تكلمنا عن القصاص في ما دون النفس، وأن المؤلف رحمه الله ذكر ضابطاً فقال: (مَن أقيد بالنفس أُقيد بما دون النفس)، فالمسلم يُقاد بالمسلم في النفس فكذلك أيضاً يقاد به في ما دون النفس ومن لا فلا.
والكافر لا يُقتل به المسلم، كذلك إذا قطع طرفاً من أطرافه، أو كسر سِنَّه ونحو ذلك، أو جرحه موضحة فإنه لا يقاد به، فالمسلم كما أنه لا يقاد بالكافر في النفس فكذلك أيضاً لا يقاد به فيما دون النفس.
وتقدم أيضاً من الشروط أنهم يقولون: لا بد أن تكون الجناية من مفصل، أو له حد ينتهي إليه، كمارن الأنف، وهو: ما لان منه، فإذا قطع هذا المارن ففيه القصاص. فالجناية من مفصل فيها القصاص، من عند الكوع، أو من عند المرفق، أو من عند الكعب، أو من عند الركبة.
أما إذا قطعه من غير مفصل، كأن يقطعه من نصف الذراع، أو من نصف العضد، أو من نصف الساق، أو نصف الفخذ ونحو ذلك فيقولون: إنه لا قصاص.
وذكرنا أن الصواب في هذه المسألة: أنه متى أمكن القصاص، سواء كان ذلك في الأطراف أو في الجروح أو في المنافع أو في الكسور وجب ذلك؛ لقول الله عز وجل: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ [البقرة:178]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كتاب الله القصاص )، وخصوصاً في وقتنا الحاضر بسبب ترقي الطب فمن الممكن الآن أن يقتص بدون حيف.
قال رحمه الله: (الثاني: المماثلة في الاسم والموضع، فلا تؤخذ يمين بيسار ولا يسار بيمين ولا خنصر ببنصر).
الشرط الثاني من شروط القصاص فيما دون النفس (المماثلة في الاسم والموضع، فلا تؤخذ يمين بيسار، ولا يسار بيمين) ولو تراضيا على ذلك، كما أنها لا تؤخذ يد برجل ولا رجل بيد، فلو أنه قطع يده اليسار فإنها تؤخذ باليسار، ولو اتفقا على أن اليمين هي التي تقطع فإن هذا لا يجوز، كما أنه لو قطع رجله واتفقا على أن تقطع يده فإن هذا لا يجوز؛ لقول الله عز وجل: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ [البقرة:178] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كتاب الله القصاص)، وكلمة: القصاص تشعر بالمساواة والمماثلة، وإذا اختلف الموضع واختلف الاسم فإنه لا مساواة ولا مماثلة.
فلا بد من المماثلة في الاسم والموضع.
قال رحمه الله: (ولا أصلي بزائد ولا عكسه).
يعني: لو كان هناك إصبع زائدة فجاء الجاني وقطع الإصبع الزائدة، كرجل له ستة أصابع، فجاء الجاني وقطع الزائد، فإننا نقطع من الجاني الزائد ولا نقطع الأصل، فإذا لم يكن هناك إصبع زائدة فإننا لا نأخذ الأصل، فالأصلي لا يؤخذ بالزائد، والزائد لا يؤخذ بالأصلي كما تقدم الدليل على ذلك.
قال رحمه الله: (ولو تراضيا لم يجز).
لأن الرضا ما دام يخالف الشرع فإنه لا عبرة به.
لا تؤخذ صحيحة بشلاء
وخالف في ذلك داود الظاهري حيث قال: تؤخذ الصحيحة بالشلاء، والجمهور يقولون: لا تؤخذ؛ لما ذكرنا من الدليل، ( كتاب الله القصاص )، والقصاص كلمة تشعر بالمساواة والمماثلة، وهنا لا مساواة ولا مماثلة، وأيضاً أن الشلاء بمنزلة الميت، ونحن لا نقطع الحي بالميت، (فلا تؤخذ صحيحة بشلَّاء، ولا كاملة الأصابع بناقصة) فلو قطع يد شخص اليسرى وهي ناقصة الأصابع كأربع أصابع فقط، فهل نأخذ يده الكاملة الأصابع أو نقول: لا نأخذها؟ يقول المؤلف رحمه الله: لا تؤخذ الكاملة بالناقصة، وهذا ما عليه جماهير العلماء رحمهم الله تعالى، ودليلهم على ذلك كما تقدم قول الله عز وجل..( كتاب الله القصاص) إلى آخره.
ورأي داود الظاهري أن الكاملة تؤخذ بالناقصة.
وهذه المسألة محل اجتهاد، يمكن أن يقال: إن الصواب ما ذهب إليه جماهير أهل العلم، ويمكن أن يقال أيضاً: إن الصواب ما ذهب إليه داود الظاهري ؛ وكما أنه يقتل العاقل بالمجنون، فلو أن عاقلاً قتل مجنوناً قُتل به بالإجماع، ويقتل الكبير بالصغير، والعالم بالجاهل فكذلك أيضاً هنا فنقول: هذه المسألة محل اجتهاد، فإن رأى القاضي أن تقطع الكاملة بالناقصة ردعاً عن التعدي على المعصومين وزجراً لهم، وإن رأى أيضاً أنها لا تقطع ويلزم المجني عليه بدفع الأرش فله ذلك، فمثلاً: اليد كما سيأتينا في الديات فيها نصف الدية: خمسين من الإبل، والإصبع فيها عشر من الإبل، وهذه ناقصة إحدى الأصابع فدية الكاملة خمسون، ودية الناقصة أربعون، فنلزم المجني عليه إما أن يأخذ الدية أو يأخذ القصاص مع دفع الأرش.
لا تؤخذ عين صحيحة بعين قائمة
العين القائمة هي: التي لا يبصر بها، يعني: ذهب ضوؤها مع وجودها، فيقول المؤلف رحمه الله: (لا عين صحيحة بقائمة)، هذا رجل عينه اليسرى صحيحة فقأ العين اليسرى القائمة لرجل آخر، فهل نفقأ عينه؟ هل نأخذ الكاملة بدلاً من الناقصة؟هل نأخذ هذه العين الصحيحة بدلاً عن العين القائمة التي لا يبصر بها؟ قال لك المؤلف: لا، وهذا -كما تقدم- هو قول جماهير أهل العلم، وتقدم كلام داود الظاهري .
أخذ الشلاء بالصحيحة
عكس ذلك يؤخذ، فلو أن رجلاً يده شلاء وقطع يد رجل صحيحة فنقول لهذا المجني عليه: أنت بالخيار: إما أن تأخذ الدية وإلا نقطع يده الشلاء، فإذا قال: أنا أريد القصاص، نقول: خذ القصاص وتقطع يده الشلاء، ولو قال: أريد الأرش؛ لأن اليد الشلاء ليست كالصحيحة فيقول المؤلف رحمه الله: ليس له أرش وإنما له القصاص أو الدية.
ومثله أيضاً: لو أن رجلاً يده ناقصة وقطع يد رجل كاملة فقال المجني عليه الذي قطعت يده الكاملة: أنا أريد القصاص، قلنا: نقطع يده الناقصة، قال: أريد الأرش؛ لأن اليد فيها أربع أصابع والأرش عشر من الإبل كما تقدم لنا، قال: تقطع يده وأعطوني عشراً، يقول المؤلف رحمه الله: لا أرش، إما أن تأخذ الدية كاملة وهي خمسون من الإبل، وإلا القصاص ولا أرش لك.
وهذه أيضاً -يظهر والله أعلم- محل اجتهاد، فإن رأى القاضي أن يلزم بالأرش، وإلا فلا.
مستثنيات من عدم أخذ الصحيح بالناقص
المسألة الأولى: أُذُن السميع تؤخذ بأذن الأصم الشلاء، فهذا رجل أصم لا يسمع أذنه مشلولة، جاء رجل فقطعها، فالحكم أننا نقطع أذنه الصحيحة التي يسمع بها؛ لأن المقصود هنا الجمال، وأما المنفعة فليست في الأذن وإنما في محل آخر، فتؤخذ هذه الأذن الصحيحة بالأذن الشلاء.
ومثله أيضاً المسألة الثانية: مارن الأنف، فمارن الأنف الصحيح يؤخذ بمارن الأخشم، والصحيح هو: الذي يشم، والأخشم هو: الذي لا يشم فلو جاء شخص وقطع أنف الذي لا يشم، فإنا نقطع أنف الصحيح الذي يشم؛ لأن المنفعة في محل آخر غير الأنف، والأنف هذا لمنفعة الجمال فقط.
قال رحمه الله: (الثالث: استواؤهما في الصحة والكمال، فلا تؤخذ صحيحة بشلَّاء، ولا كاملة الأصابع بناقصة)، في الصحة والكمال، وعلى هذا قال: فلا، فالفاء للتفريع، فالمعنى: لا تؤخذ صحيحة بشلَّاء، فلو أن جانياً جنى على يد شخص شلاء وقطعها فننظر إلى يد الجاني فإن كانت شلاء فنأخذها، وإن كانت صحيحة فإننا لا نأخذها، وهذا ما عليه جماهير أهل العلم رحمهم الله تعالى.
وخالف في ذلك داود الظاهري حيث قال: تؤخذ الصحيحة بالشلاء، والجمهور يقولون: لا تؤخذ؛ لما ذكرنا من الدليل، ( كتاب الله القصاص )، والقصاص كلمة تشعر بالمساواة والمماثلة، وهنا لا مساواة ولا مماثلة، وأيضاً أن الشلاء بمنزلة الميت، ونحن لا نقطع الحي بالميت، (فلا تؤخذ صحيحة بشلَّاء، ولا كاملة الأصابع بناقصة) فلو قطع يد شخص اليسرى وهي ناقصة الأصابع كأربع أصابع فقط، فهل نأخذ يده الكاملة الأصابع أو نقول: لا نأخذها؟ يقول المؤلف رحمه الله: لا تؤخذ الكاملة بالناقصة، وهذا ما عليه جماهير العلماء رحمهم الله تعالى، ودليلهم على ذلك كما تقدم قول الله عز وجل..( كتاب الله القصاص) إلى آخره.
ورأي داود الظاهري أن الكاملة تؤخذ بالناقصة.
وهذه المسألة محل اجتهاد، يمكن أن يقال: إن الصواب ما ذهب إليه جماهير أهل العلم، ويمكن أن يقال أيضاً: إن الصواب ما ذهب إليه داود الظاهري ؛ وكما أنه يقتل العاقل بالمجنون، فلو أن عاقلاً قتل مجنوناً قُتل به بالإجماع، ويقتل الكبير بالصغير، والعالم بالجاهل فكذلك أيضاً هنا فنقول: هذه المسألة محل اجتهاد، فإن رأى القاضي أن تقطع الكاملة بالناقصة ردعاً عن التعدي على المعصومين وزجراً لهم، وإن رأى أيضاً أنها لا تقطع ويلزم المجني عليه بدفع الأرش فله ذلك، فمثلاً: اليد كما سيأتينا في الديات فيها نصف الدية: خمسين من الإبل، والإصبع فيها عشر من الإبل، وهذه ناقصة إحدى الأصابع فدية الكاملة خمسون، ودية الناقصة أربعون، فنلزم المجني عليه إما أن يأخذ الدية أو يأخذ القصاص مع دفع الأرش.
قال رحمه الله تعالى: (ولا عين صحيحة بقائمة).
العين القائمة هي: التي لا يبصر بها، يعني: ذهب ضوؤها مع وجودها، فيقول المؤلف رحمه الله: (لا عين صحيحة بقائمة)، هذا رجل عينه اليسرى صحيحة فقأ العين اليسرى القائمة لرجل آخر، فهل نفقأ عينه؟ هل نأخذ الكاملة بدلاً من الناقصة؟هل نأخذ هذه العين الصحيحة بدلاً عن العين القائمة التي لا يبصر بها؟ قال لك المؤلف: لا، وهذا -كما تقدم- هو قول جماهير أهل العلم، وتقدم كلام داود الظاهري .
قال رحمه الله: (ويؤخذ عكسه ولا أرش).
عكس ذلك يؤخذ، فلو أن رجلاً يده شلاء وقطع يد رجل صحيحة فنقول لهذا المجني عليه: أنت بالخيار: إما أن تأخذ الدية وإلا نقطع يده الشلاء، فإذا قال: أنا أريد القصاص، نقول: خذ القصاص وتقطع يده الشلاء، ولو قال: أريد الأرش؛ لأن اليد الشلاء ليست كالصحيحة فيقول المؤلف رحمه الله: ليس له أرش وإنما له القصاص أو الدية.
ومثله أيضاً: لو أن رجلاً يده ناقصة وقطع يد رجل كاملة فقال المجني عليه الذي قطعت يده الكاملة: أنا أريد القصاص، قلنا: نقطع يده الناقصة، قال: أريد الأرش؛ لأن اليد فيها أربع أصابع والأرش عشر من الإبل كما تقدم لنا، قال: تقطع يده وأعطوني عشراً، يقول المؤلف رحمه الله: لا أرش، إما أن تأخذ الدية كاملة وهي خمسون من الإبل، وإلا القصاص ولا أرش لك.
وهذه أيضاً -يظهر والله أعلم- محل اجتهاد، فإن رأى القاضي أن يلزم بالأرش، وإلا فلا.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] | 2818 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] | 2732 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] | 2678 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] | 2645 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] | 2640 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] | 2558 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] | 2555 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] | 2528 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] | 2521 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] | 2498 استماع |