شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [19]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فصل: وإذا قال: متى، أو: إذا، أو: إن أعطيتني ألفًا فأنت طالق، طلقت بعطيته، وإن تراخى، وإن قالت: اخلعني على ألفٍ أو بألفٍ أو لك ألف ففعل بانت واستحقها، وطلقني واحدةً بألفٍ فطلقها ثلاثًا استحقها، وعكسه بعكسه إلا في واحدة بقيت، وليس للأب خلع زوجة ابنه الصغير ولا طلاقها، ولا خلع ابنته الصغيرة بشيءٍ من مالها، ولا يسقط الخلع غيره من الحقوق، وإن علق طلاقها بصفةٍ ثم أبانها فوجدت ثم نكحها فوجدت بعده طلقت كعتقٍ وإلا فلا].

تقدم لنا جملة من أحكام الخلع، ومن ذلك: هل يصح الخلع بغير عوض أو أنه لا بد من العوض؟ وكذلك حكم الخلع إذا كان العوض محرمًا، وهل يشترط في العوض أن يكون معلومًا أو لا؟ وما حكم الخيار في الخلع؟ وكذا شرط الرجعة فيه، وهل هو فسخ بائن، أو أن الزوج يملك الرجوع إذا رد العوض؟

ثم قال رحمه الله: (فصل: وإذا قال: متى أو: إذا أو: إن أعطيتني ألفًا فأنت طالق، طلقت بعطيته وإن تراخى).

إذا قال لزوجته: متى أعطيتني ألفًا فأنت طالق، فإذا أعطته الألف طلقت وإن تراخى ذلك؛ لوجود الإعطاء المعلق عليه، وكذلك أيضًا لو قال: إذا أعطيتني ألفًا فأنتِ طالق، أو: إن أعطيتني ألفًا فأنتِ طالق، فمتى أعطته الألف وإن تراخى ذلك تطلق، يعني: لا تشترط الفورية، ويكون طلاقًا بائنًا.

قال رحمه الله: (وإن قالت: اخلعني على ألفٍ أو بألفٍ أو لك ألف ففعل بانت واستحقها).

في هذه المسألة يشترط: أن تكون إجابته على الفور، يعني: في المسألة السابقة لا تشترط الفورية، لكن في هذه المسألة تشترط الفورية، فإذا قالت: اخلعني بألف، أو: لك ألف، أو: على ألف ففعل، فهذا لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يبادر بالخلع وهو قوله رحمه الله: (ففعل) يعني: تعطيه الألف ليخلعها فإنه يستحق الألف، إذا كان ذلك على الفورية؛ لأن السؤال كالمعاد في الجواب، فكأنه قال: خلعتك على ألف، وهذا هو القسم الأول: أن يكون ذلك على الفورية.

الأمر الثاني: أن يكون ذلك على التراخي، فالمشهور من المذهب أنه لا يصح، بل لا بد من الفورية، والرأي الثاني في المذهب: أنه يصح ولو كان ذلك على التراخي.

إذاً: هذه المسألة لها حالتان:

الحالة الأولى: إذا قالت: اخلعني على ألف، أو: بألف، أو: لك ألف، فخلعها فإنه يستحق الألف لكن بشرط الفورية، والعلة هي: أن السؤال كالمعاد في الجواب، يعني كأنه قال: خلعتك على ألف.

الحالة الثانية: أن يكون ذلك على التراخي، فالمذهب أنه تشترط الفورية لكي يستحق الألف، والرأي الثاني في المذهب: أنه لا تشترط الفورية.

والذي يظهر -والله أعلم- في مثل هذه المسائل أنه يرجع فيها إلى القرائن والمقاصد والأعراف، وعلى هذا؛ ففي الحالة الثانية إذا كان ذلك على التراخي، فعلى المذهب لا يستحق الألف، ولا يصح الخلع، وأما هل يقع طلاق أو لا يقع طلاق؟ فينظر: إن كان بنية الطلاق فإنه يقع عليه طلقة، وإذا لم يكن هناك نية طلاق فإنه لا يقع عليه طلقة.

قال رحمه الله: (وطلقني واحدةً بألفٍ فطلقها ثلاثًا استحقها).

إذا قالت: طلقني واحدة بألف، فقال: أنتِ طالق ثلاثًا استحق الألف؛ لأنه أجابها إلى ما طلبها وزيادة؛ لأنها طلبت طلقةً واحدة، فأجابها إلى ثلاث طلقات، فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: بأنه يستحقها ويكون ذلك خلعًا، لكن على المذهب إذا كان الخلع بلفظ الطلاق فإنه ينقص عدد الطلقات، وتقدم الكلام على هذه المسألة.

الرأي الثاني: أنه لا يستحق شيئًا؛ لأنها طلبت واحدة، وقد طلقها ثلاثًا فلا يستحق شيئًا، وعند أكثر أهل العلم أنه إذا طلقها ثلاثًا فإنه يقع عليها ثلاث طلقات، وحينئذٍ تبين بينونة كبرى ولا يستحق الألف؛ لأنها طلبت طلقةً واحدة فطلقها ثلاث طلقات، ولا يكون خلعًا، وهذا رأي محمد بن الحسن من الحنفية.

والصواب في هذه المسألة: أنه يستحق الألف ويكون خلعًا، وتكون طلقةً بائنة، وأن الخلع لا ينقص به عدد الطلقات، خلافاً للمذهب حيث قال: يستحق الألف وينقص به عدد الطلقات.

قال رحمه الله: (وعكسه بعكسه).

يعني: عكس هذه المسألة بعكسها في الحكم، فإذا قالت: طلقني ثلاثًا فطلقها واحدة، فلا يستحق الألف.

قال رحمه الله: (إلا في واحدةٍ بقيت).

إذا قالت: طلقني ثلاث طلقات بألف، فقال: أنتِ طالق طلقةً واحدة، فالمذهب أنه لا يستحق الألف؛ لأنه لم يجبها إلى ما طلبت، إلا في طلقة واحدة بقيت، فلو كان قد طلقها طلقتين، وقالت: طلقني ثلاثًا فطلقها طلقةً واحدة، فيستحق الألف، لأن قوله: ثلاثاً أو واحدةً سواء، إذ لا فائدة أن يقول: ثلاث، وهي تريد البينونة الكبرى.

إذاً: في المذهب تفصيل لا يستحقها إلا في واحدةٍ بقيت؛ لأنه يصدق عليها أنه طلقها الثلاث الطلقات، وأما إذا كانت واحدة وبقي عليها طلقات، فلا يستحق؛ لأنه لم يجبها إلى طلبها، والصواب في ذلك: أنه يستحق الألف؛ لأن فعله هو السنة، وكونه يطلق ثلاثًا، هذا خلاف السنة، وهو طلاق بدعة، كما سيأتينا إن شاء الله قريبًا في أحكام الطلاق، فالسنة أن يطلق طلقةً واحدة، والزوج قد سلك السنة، فالصواب أنه يستحقها، ويكون خلعًا ولا ينقص به عدد الطلقات.

قال رحمه الله: (وليس للأب خلع زوجة ابنه الصغير ولا طلاقها).

أي: ليس للأب أن يخالع زوجة ابنه الصغير، وكذلك أيضًا المجنون، يعني: غير المكلف، ولا يملك أيضًا أن يطلقها؛ لأن الطلاق لمن أخذ بالساق، وهذا هو المذهب، وهو قول جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى.

والرأي الثاني رأي الإمام مالك رحمه الله، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وروي عن الإمام أحمد : أن له أن يخلع زوجة ابنه الصغير، وله أن يطلقها، لكن ذلك مقيد بالمصلحة، فإذا كان هناك مصلحة فله ذلك، فقد تكون مصلحة هذا الابن إذا كان صغيرًا أو مجنونًا أن تطلق منه هذه الزوجة، أو أن تخلع، فإذا كان هناك مصلحة فهذا جائز ولا بأس به، ويدل لذلك قول الله عز وجل: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152] ، فإذا كان هناك مصلحة فهذا قربان بالتي هي أحسن، وإذا كان له أن يتصرف في ماله بالتي هي أحسن، فكذلك أيضًا فيما يتعلق بالزوجة وخلعها وأخذ المهر الذي دفعه الزوج لها.

إذاً: ما دام أن هناك مصلحة فإننا نرجع إلى المصلحة.

قال رحمه الله تعالى: (ولا خلع ابنته الصغيرة بشيءٍ من مالها).

أي أن الأب لا يملك أن يخلع ابنته الصغيرة بشيءٍ من مالها، ويفهم من ذلك: أنه إذا كان من ماله فهو جائز، فلو دفع للزوج من ماله، على أن يخلع ابنته وليس من مال الزوجة فإن هذا صحيح، لكن إذا كان من مال الزوجة فهذا لا يجوز؛ لأنه بذل للمال في غير مقابلة عوضٍ مالي، فهو كالتبرع.

والرأي الثاني: أن هذا صحيح وهو رأي المالكية، سواء كان ذلك من مال الزوجة أو من مال الأب، ودليل ذلك -كما تقدم- قول الله عز وجل: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152] فإذا كانت مصلحة الزوجة أن تخلع من زوجها، وأن يبذل شيء من مالها، فهذا قربان له بالتي هي أحسن، فالصواب في هذه المسألة: هو ما ذهب إليه المالكية رحمهم الله، خلافًا لما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو أيضًا قول الحنفية: من أنه لا يجوز إذا كان بشيءٍ من مالها.

قال رحمه الله: (ولا يسقط الخلع غيره من الحقوق).

يعني: إذا حصلت المخالعة بين الزوجين وهناك شيء من الحقوق بين الزوجين، كما لو بقي شيء من المهر لم تأخذه الزوجة أو لها شيء من النفقة لم تأخذه فإن لها أن تأخذ حقها، والخلع لا يسقط هذه الحقوق، وهذا قول جمهور أهل العلم؛ لأن الأصل بقاء هذه الحقوق.

الرأي الثاني رأي الحنفية: قالوا بأن الحقوق التي تكون بسبب الزواج يسقطها الخلع، مثل المهر والنفقة ونحو ذلك؛ لأن المقصود من الخلع المصالحة، ولا يتحقق ذلك إلا إذا قلنا: تسقط كل الحقوق، والصواب في ذلك: ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، وأن الخلع لا يسقط غيره من الحقوق، فإذا كان هناك حقوق بسبب الزواج، فنقول: بأن الخلع لا يسقطها.

قال رحمه الله: (وإن علق طلاقها بصفةٍ ثم أبانها فوجدت ثم نكحها فوجدت بعده طلقت كعتقٍ وإلا فلا).

صورة هذه المسألة هي: إذا علق طلاقها على صفة، ثم أبانها فوجدت الصفة ثم عقد عليها ثم وجدت الصفة مرةً أخرى، فهل تطلق أو لا؟

مثال ذلك، قال: إن دخلتِ الدار فأنت طالق، ثم أبانها ولنفرض أنه فسخها لوجود عيب، ثم عقد عليها من جديد، ثم دخلت الدار، فهل تطلق أو لا؟

نقول: هذه المسألة لها ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ألا توجد الصفة حال البينونة فهذه تطلق، قال: إن كلمت زيدًا فأنتِ طالق، ثم خلعها ولم تكلم زيدًا، ثم عقد عليها، ثم كلمت زيدًا، فهذه تطلق؛ لأن الصفة لم تنحل فتطلق.

القسم الثاني: أن تكون البينونة كبرى ثم توجد الصفة، فإنها لا تطلق لتجدد العقد، وصورة المسألة كما لو قال: إن كلمتِ زيدًا فأنتِ طالق، ثم طلقها آخر الطلقات الثلاث، ثم عقد عليها، ثم كلمت زيدًا، فلا تطلق لتجدد العقد، وإذا تجدد العقد تجددت أحكامه، بخلاف الصورة الأولى.

القسم الثالث، وقد أشار إليه المؤلف رحمه الله تعالى وهو: أن توجد الصفة حال البينونة، وهذه البينونة ليست بينونة كبرى، ومثال ذلك: قال: إن كلمتِ زيدًا فأنتِ طالق، ثم خلعها فكلمت زيدًا، ثم عقد عليها فكلمت زيدًا، هل تطلق أو لا تطلق؟ المؤلف رحمه الله يرى أنها تطلق؛ لأن الصفة وإن وجدت حال البينونة، إلا أن اليمين لا تنحل إلا على وجهٍ يحنث فيه، وهنا لا يحنث؛ لأنها لما وجدت الصفة في المرأة الأولى كانت بائناً منه، ولكن لما وجدت الصفة في حال الزوجية عندما عقد عليها مرةً أخرى، فإنها تطلق؛ لأن اليمين لما كلمت زيدًا في حال البينونة ما انحلت؛ لأنها لا تنحل إلا على وجهٍ يحنث فيه، وهو لا يحنث إلا إذا وجدت الصفة في حال الزوجية.

الرأي الثاني: أنها إذا وجدت الصفة في حال البينونة، ثم وجدت مرةً أخرى فإنها لا تطلق، وهذا هو الرأي الثاني في المذهب.

قال رحمه الله تعالى: (كعتقٍ وإلا فلا).

يعني: كما لو علق عتق رقيقه على صفة، فقال: إن كلمت زيدًا فأنت حر، ثم بعد ذلك باعه فكلم زيدًا، ثم اشتراه فكلم زيدًا، فهل يعتق أو لا يعتق؟ يقول المؤلف رحمه الله تعالى: يعتق، لما تقدم من التعليل، فكذلك أيضًا الطلاق، فإذا قال: إن كلمت زيدًا فأنتِ طالق، ثم خلعها فكلمت زيدًا، ثم عقد عليها فكلمت زيدًا فإنها تطلق، قياسًا على العتق، والذين قالوا: بأنها لا تطلق، قالوا: بأن هناك فرقًا بين العتق والطلاق، فالعتق يتشوف إليه الشارع ويرغب فيه، وأما الطلاق فالشارع ينهى عنه؛ ولأن الأصل بقاء الزوجية.

قال رحمه الله تعالى: (وإلا فلا).

يعني: إذا ما وجدت الصفة بعد وجود الزوجية أو بعد وجود الملك، فإنه لا عتق ولا طلاق.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2818 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2731 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2677 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2644 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2639 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2558 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2554 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2528 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2521 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2498 استماع