شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [23]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويعتبر رضا الكفيل لا مكفول به، فإن مات أو تلفت العين بفعل الله تعالى أو سلم نفسه برئ الكفيل.

باب الحوالة: لا تصح إلا على دين مستقر، ولا يعتبر استقرار المحال فيه، ويشترط اتفاق الدينين جنساً ووصفاً ووقتاً وقدراً، ولا يؤثر الفاضل، وإذا صحت نقلت الحق إلى ذمة المحال عليه, وبرئ المحيل، ويعتبر رضاه لا رضا المحال عليه ولا رضا المحتال على مليء، وإن بان مفلساً ولم يكن رضي رجع به، ومن أحيل بثمن مبيع أو أحيل عليه به فبان البيع باطلاً فلا حوالة، وإذا فسخ البيع لم تبطل ولهما أن يحيلا ].

تقدم لنا ما يتعلق بأحكام الضمان، وذكرنا من هذه الأحكام ما يتعلق بتعريف الضمان في اللغة والاصطلاح، وأن الضمان هو: التزام ما وجب أو ما قد يجب على غيره مع بقائه، وتقدم لنا أن الضمان من عقود الإرفاق والإحسان، وهل يجوز أخذ العوض على الضمان أو لا يجوز؟ وأن مذهب جمهور أهل العلم: أن أخذ العوض على الضمان غير جائز، وذكرنا دليلين.

وتقدم لنا ما يتعلق بشروط صحة الضمان، وأن الضمان يشترط له شروط:

الشرط الأول: أن يكون الضامن جائز التصرف.

والشرط الثاني: رضا الضامن.

وهل يشترط رضا المضمون له وكذلك أيضاً رضا المضمون عنه؟ تقدم الكلام على ذلك، وهل يشترط أيضاً معرفة الضامن للمضمون له وللمضمون عنه؟ أيضاً سبق، وهل يصح ضمان المجهول أو أن ضمان المجهول غير صحيح؟ ذكرنا كلام أهل العلم رحمهم الله تعالى في هذه المسألة.

ثم شرعنا في أحكام الكفالة، وذكرنا الفرق بين الكفالة والضمان: أن الضمان ضمان للحق المالي، وأما الكفالة فهي ضمان للبدن لإحضار البدن، وسيأتينا أنه إذا تعذر عليه أن يحضر البدن فإن الكفالة تنتقل إلى ضمان، بحيث أنه يجب عليه الحق المالي المترتب على هذا البدن.

وأيضاً تقدم لنا ما يتعلق بالضمان في الحدود والقصاص، يعني: ببدن من عليه, هل تصح كفالة بدن من عليه حد أو قصاص؟ وأن المؤلف رحمه الله تعالى قال: هذا غير صحيح، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

والرأي الثاني في هذه المسألة: ما ذهب إليه الشافعية أنه تصح كفالة بدن من عليه قصاص. وأما الحد فإن كان الحد لله فإن هذا لا يصح كحد الزنا وحد السرقة، وإن كان الحد للآدمي كحد القذف فإن الكفالة صحيحة.

وذكرنا أن الصواب في هذه المسألة: أنه يختلف باختلاف الزمان والمكان، فقد يكون في هذا المكان تصح كفالة بدن من عليه حد أو قصاص؛ لإمكان إحضاره بقوة الأمن في هذا البلد مثلاً، والتمكن من إحضار من عليهم حقوق عند هربهم، وقد يكون في مكان لا يتمكن، وأنه إذا أطلق ربما أن الكفيل لا يتمكن من إحضاره, وحينئذ يفوت الحق, ولا يتمكن من الاستيفاء من الكفيل؛ لأن هذا حق بدني, يتعلق ببدن المكفول.

ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ويعتبر رضا الكفيل).

الكفالة لها شروط:

الشرط الأول: أن يكون الكفيل جائز التصرف، وتقدم الكلام على هذه المسألة, وأن جائز التصرف من جمع صفات: الصفة الأولى: البلوغ، والثانية: العقل، والثالثة: الحرية، والرابعة: الرشد.

الشرط الثاني: ألا تكون الكفالة ببدن من عليه حد أو قصاص.

وهذه المسألة سبق الكلام عليها.

الشرط الثالث: قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ويعتبر رضا الكفيل).

يعني: يشترط أن يرضى الكفيل بالكفالة؛ لأن التزام إحضار البدن حق من الحقوق وتبرع، ولا تلزم الحقوق والتبرعات إلا بالرضا، وسبق لنا في القواعد أن ذكرنا قاعدة كبيرة, وهي قاعدة الرضا، وأن الرضا بين المتقاعدين قاعدة في سائر العقود، فسائر العقود لابد فيها من رضا المتعاقدين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (لا مكفول به).

فعندنا كفيل, وعندنا المكفول, وعندنا المكفول له.

فالكفيل يشترط رضاه.

والمكفول له هل يشترط رضاه أو لا يشترط رضاه؟ والمكفول عنه هل يشترط رضاه أو لا يشترط رضاه؟ المشهور من المذهب أن الذي يشترط رضاه هو الكفيل، وأما المكفول له والمكفول عنه فإنه لا يشترط رضاهما.

وتقدم في باب الضمان, أنه: يشترط رضا الضامن، وأما المضمون له وكذلك المضمون عنه فإنه لا يشترط رضاهما. هذا هو المشهور من المذهب.

والوجه الثاني في المذهب: يشترط رضا المكفول له، وكذلك يشترط رضا المكفول عنه، فكل من المكفول وكذلك المكفول عنه يشترط رضاهما.

أما اشتراط رضا المكفول عنه فهذا فيه شيء من القوة؛ لأنه إذا لم يرض بالكفالة فإنه لن يسلم نفسه لكي يحضره الكفيل للمكفول له؛ لأن الكفالة هي: التزام إحضار بدن من عليه حق مالي لربه، فالمكفول إذا لم يرض فإنه لن يرضى بتسليم نفسه للكفيل لكي يسلمه للمكفول له.

وأما بالنسبة للمكفول له فإنه يشترط رضاه كما هو الوجه الثاني في المذهب, قالوا: لأنه قد يلحقه ضرر بهذه الكفالة، وإذا كان كذلك فإنه يشترط رضاه.

والصواب في هذه المسألة أن يقال: أما الكفيل فالأمر في ذلك ظاهر.

وأما المكفول عنه فالقول باشتراط رضاه فيه قوة؛ لما ذكرنا من التعليل، لأنه لا يمكن إحضاره وتسليمه للمكفول له إذا لم يرض بهذه الكفالة.

وأما بالنسبة للمكفول له فيقال فيه كما قلنا في باب الضمان: إن كان يلحقه ضرر بالكفالة فإن الكفالة لا تصح إلا برضاه، وإن كان لا يلحقه ضرر بالكفالة فإنها صحيحة, ولا يشترط رضاه.

وأيضاً الذين قالوا: لا يشترط رضا المكفول له قالوا: قياساً على الشهادة، كما أنه لو شهد له بحق لا يشترط رضاه بهذه الشهادة؛ فكذلك أيضاً لو كفل شخصاً لحق له لا يشترط رضاه، إذاً كما أن الشهادة تصح للمشهود له وإن لم يرض فكذلك أيضاً تصح الكفالة للمكفول له وإن لم يرض، لكن يظهر والله أعلم أن ما ذكرنا من التفصيل هو الأقرب، وأنه يقال: إن رضي المكفول له بالكفالة صحت، وإن لم يرض فإنها لا تصح.

قال رحمه الله تعالى: (فإن مات أو تلفت العين بفعل الله تعالى).

هنا شرع المؤلف رحمه الله تعالى في ذكر ما تحصل به براءة الكفيل.

الكفيل التزم إحضار بدن من عليه حق مالي لربه، أو من عنده عين مضمونة. بم يبرأ الكفيل؟ قال المؤلف رحمه الله: يبرأ الكفيل بعدة أمور:

موت المكفول عنه

الأمر الأول: إذا مات المكفول عنه برئ الكفيل؛ لأن الكفيل التزم إحضار بدن المكفول عنه للمكفول له, وهنا تعذر عليه أن يحضر البدن بسبب لا من جهته، فإذا مات برئ الكفيل، وهذا هو المشهور من المذهب، ودليلهم أنه التزم إحضار البدن, والآن لا يتمكن من إحضار البدن بسبب لا من جهته.

والرأي الثاني: أن الكفيل لا يبرأ، وعليه ينتقل الضمان من إحضار البدن إلى ضمان المال، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وحينئذ يطالب الكفيل بما على المكفول عنه من مال، فينتقل الضمان من إحضار البدن إلى ضمان الحق المالي؛ لأنه التزم إحضار البدن ولم يحصل ذلك, فينتقل إلى بدله, وهو إحضار المال. هذا الأمر الأول.

تلف العين بفعل الله تعالى

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (أو تلفت العين بفعل الله تعالى).

صورة المسألة: رجل استعار سيارة فقال المعير للمستعير: ائتني بمن يكفلك، يعني: من يحضر بدن المستعير للمعير الذي هو المكفول له؛ لكي يطالبه بالعارية فتلفت العين بفعل الله تعالى قبل المطالبة؛ الآن إذا تلفت العين بفعل الله تعالى هل المستعير يلزمه شيء أو لا يلزمه شيء؟ المستعير لا يلزمه شيء؛ لأن العين تلفت بسبب لا من جهته، وحينئذ الكفيل هل يحضر بدن المستعير للمعير أو لا يحضره؟ لا يجب عليه أن يحضره؛ لأن إحضار بدنه لكي يطالبه بالعين، والعين قد تلفت, وما دام أن العين قد تلفت فإن الكفيل لا يلزمه أن يحضر بدن المكفول الذي عنده هذه العين المضمونة، وحينئذ يبرئ الكفيل.

وقول المؤلف رحمه الله تعالى: (بفعل الله تعالى).

يؤخذ منه أنها إذا تلفت بفعل آدمي لا يبرأ الكفيل؛ لأن الآدمي يلزم بالبدل، وحينئذ لا يبرأ الكفيل، فيطالب الكفيل بإحضار بدن المستعير لكي يطالبه المعير، فإذا كان التلف بفعل الله عز وجل كأن احترقت السيارة، بأن جاءت رياح بنار من بيت الجيران وأحرقت هذه السيارة، فالكفيل الآن لا يجب عليه أن يحضر بدن المستعير؛ لأن المستعير ليس ضامناً, وحينئذ يبرأ، لكن لو كان التلف بفعل آدمي- فإن هذا الآدمي يطالب ببدل هذه العين، وهذا البدل يقوم مقام الأصل, وحينئذ لا يبرأ الكفيل, فيجب على الكفيل أن يحضر بدن المستعير للمعير؛ لكي يطالبه بالعين أو ببدلها، العين تلفت لكن يطالبه بالبدل.

فقال المؤلف رحمه الله: إذا كان التلف بفعل الله قبل المطالبة فإن الكفيل يبرأ، وإن كان التلف بفعل آدمي فإنه لا يبرأ؛ لأن الآدمي سنطالبه بالبدل, وهذا البدل يقوم مقام الأصل.

تسليم المكفول عنه نفسه إلى المكفول له

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (أو سلم نفسه برئ الكفيل).

هذا الأمر الثالث مما يبرأ به الكفيل، إذا سلم المكفول نفسه للمكفول له فإن الكفيل يبرأ؛ لأن الكفيل التزم إحضار البدن والآن البدن تمكن منه المكفول له، فإذا سلم المكفول عنه نفسه للمكفول له فإن الكفيل يبرأ.

لكن إذا سلم المكفول نفسه للمكفول له قبل حلول الأجل فله حالتان:

الحالة الأولى: أن يكون عند حلول الأجل, فنقول: الكفيل يبرأ؛ لأن الكفيل التزم إحضار البدن، وهذا البدن سلم نفسه, فبرئ من العهدة.

الحالة الثانية: أن يسلم المكفول نفسه للمكفول له قبل حلول الأجل أي: قبل أن يأتي وقت المطالبة بالدين، فهل يبرأ الكفيل أو نقول بأن الكفيل لا يبرأ؟ نقول: فيه تفصيل, إن كان المكفول له يتضرر بهذا التسليم - لأنه لا يتمكن الآن من مطالبة المكفول بما عليه من حق مالي- فيكون التسليم هنا لا فائدة فيه.

إذاً إن كان يلحقه ضرر فنقول: الكفيل لا يبرأ، وإن كان لا يلحقه ضرر فنقول: الكفيل يبرأ.

فإذا سلم المكفول نفسه للمكفول له أو الكفيل سلم المكفول عنه للمكفول له ولا يتمكن المكفول له من مطالبة المكفول؛ لأن الحق لم يأت وقت أجله، ويلحقه ضرر بذلك, فنقول: الكفيل لا يبرأ، وإن كان لا يلحقه ضرر بحيث يتمكن من مطالبته عند حلول الأجل فنقول: الكفيل يبرأ.

الأمر الأول: إذا مات المكفول عنه برئ الكفيل؛ لأن الكفيل التزم إحضار بدن المكفول عنه للمكفول له, وهنا تعذر عليه أن يحضر البدن بسبب لا من جهته، فإذا مات برئ الكفيل، وهذا هو المشهور من المذهب، ودليلهم أنه التزم إحضار البدن, والآن لا يتمكن من إحضار البدن بسبب لا من جهته.

والرأي الثاني: أن الكفيل لا يبرأ، وعليه ينتقل الضمان من إحضار البدن إلى ضمان المال، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وحينئذ يطالب الكفيل بما على المكفول عنه من مال، فينتقل الضمان من إحضار البدن إلى ضمان الحق المالي؛ لأنه التزم إحضار البدن ولم يحصل ذلك, فينتقل إلى بدله, وهو إحضار المال. هذا الأمر الأول.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (أو تلفت العين بفعل الله تعالى).

صورة المسألة: رجل استعار سيارة فقال المعير للمستعير: ائتني بمن يكفلك، يعني: من يحضر بدن المستعير للمعير الذي هو المكفول له؛ لكي يطالبه بالعارية فتلفت العين بفعل الله تعالى قبل المطالبة؛ الآن إذا تلفت العين بفعل الله تعالى هل المستعير يلزمه شيء أو لا يلزمه شيء؟ المستعير لا يلزمه شيء؛ لأن العين تلفت بسبب لا من جهته، وحينئذ الكفيل هل يحضر بدن المستعير للمعير أو لا يحضره؟ لا يجب عليه أن يحضره؛ لأن إحضار بدنه لكي يطالبه بالعين، والعين قد تلفت, وما دام أن العين قد تلفت فإن الكفيل لا يلزمه أن يحضر بدن المكفول الذي عنده هذه العين المضمونة، وحينئذ يبرئ الكفيل.

وقول المؤلف رحمه الله تعالى: (بفعل الله تعالى).

يؤخذ منه أنها إذا تلفت بفعل آدمي لا يبرأ الكفيل؛ لأن الآدمي يلزم بالبدل، وحينئذ لا يبرأ الكفيل، فيطالب الكفيل بإحضار بدن المستعير لكي يطالبه المعير، فإذا كان التلف بفعل الله عز وجل كأن احترقت السيارة، بأن جاءت رياح بنار من بيت الجيران وأحرقت هذه السيارة، فالكفيل الآن لا يجب عليه أن يحضر بدن المستعير؛ لأن المستعير ليس ضامناً, وحينئذ يبرأ، لكن لو كان التلف بفعل آدمي- فإن هذا الآدمي يطالب ببدل هذه العين، وهذا البدل يقوم مقام الأصل, وحينئذ لا يبرأ الكفيل, فيجب على الكفيل أن يحضر بدن المستعير للمعير؛ لكي يطالبه بالعين أو ببدلها، العين تلفت لكن يطالبه بالبدل.

فقال المؤلف رحمه الله: إذا كان التلف بفعل الله قبل المطالبة فإن الكفيل يبرأ، وإن كان التلف بفعل آدمي فإنه لا يبرأ؛ لأن الآدمي سنطالبه بالبدل, وهذا البدل يقوم مقام الأصل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (أو سلم نفسه برئ الكفيل).

هذا الأمر الثالث مما يبرأ به الكفيل، إذا سلم المكفول نفسه للمكفول له فإن الكفيل يبرأ؛ لأن الكفيل التزم إحضار البدن والآن البدن تمكن منه المكفول له، فإذا سلم المكفول عنه نفسه للمكفول له فإن الكفيل يبرأ.

لكن إذا سلم المكفول نفسه للمكفول له قبل حلول الأجل فله حالتان:

الحالة الأولى: أن يكون عند حلول الأجل, فنقول: الكفيل يبرأ؛ لأن الكفيل التزم إحضار البدن، وهذا البدن سلم نفسه, فبرئ من العهدة.

الحالة الثانية: أن يسلم المكفول نفسه للمكفول له قبل حلول الأجل أي: قبل أن يأتي وقت المطالبة بالدين، فهل يبرأ الكفيل أو نقول بأن الكفيل لا يبرأ؟ نقول: فيه تفصيل, إن كان المكفول له يتضرر بهذا التسليم - لأنه لا يتمكن الآن من مطالبة المكفول بما عليه من حق مالي- فيكون التسليم هنا لا فائدة فيه.

إذاً إن كان يلحقه ضرر فنقول: الكفيل لا يبرأ، وإن كان لا يلحقه ضرر فنقول: الكفيل يبرأ.

فإذا سلم المكفول نفسه للمكفول له أو الكفيل سلم المكفول عنه للمكفول له ولا يتمكن المكفول له من مطالبة المكفول؛ لأن الحق لم يأت وقت أجله، ويلحقه ضرر بذلك, فنقول: الكفيل لا يبرأ، وإن كان لا يلحقه ضرر بحيث يتمكن من مطالبته عند حلول الأجل فنقول: الكفيل يبرأ.

قال المؤلف رحمه الله: (باب الحوالة).

الحوالة في اللغة: مشتقة من التحول, وهو الانتقال؛ لأنها تنقل الحق من ذمة إلى ذمة أخرى.

وأما في الاصطلاح فهي: نقل الحق من ذمة إلى ذمة أخرى.

والحوالة من عقود المياسرة في قضاء الديون، فالشارع يتشوف كثيرا في إبراء الذمم، ولهذا رغب الشارع في إنظار المعسر، ورغب أيضاً في التخفيف عنه، ورغب في عدم إشغال الذمم، ومن ذلك ما يتعلق بالحوالة، فإن الحوالة من عقود المياسرة في إبراء الذمم وعدم إشغالها.

والأصل في الحوالة: حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع ). رواه البخاري ومسلم .

وعند الإمام أحمد رحمه الله: ( من أحيل بحقه على مليء فليحتل ).

وكذلك الإجماع قائم على الحوالة، إلا ما نقل عن محمد بن الحسن رحمه الله تعالى، لكن الأئمة يتفقون على الحوالة، يعني: محمد بن الحسن رحمه الله من الحنفية يقول بأنها تنقل المطالبة, ولا تنقل الحق، لكن الصحيح أن الحوالة تنقل الحق من ذمة إلى ذمة أخرى.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ولا تصح إلا على الدين المستقر).

الحوالة يشترط لها شروط:

استقرار الدين

الشرط الأول: أن تكون على دين مستقر. ما هو الدين المستقر؟ هو: الدين الذي لا يكون عرضة للفسخ والسقوط. وبهذا نعرف أن الدين من حيث الاستقرار وعدم الاستقرار ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: دين مستقر, وهو الذي لا يكون عرضة للسقوط.

والقسم الثاني: دين غير مستقر, وهو الذي يكون عرضة للسقوط. مثال ذلك: الثمن في زمن الخيار غير مستقر، لأنه عرضة للسقوط، فمثلاً: رجل اشترى سيارة بعشرة آلاف ريال بثمن مؤجل، وقال: لي الخيار لمدة يوم أو يومين, هذا الثمن عرضة للسقوط, لماذا؟ لأنه بالإمكان أن يفسخ, وحينئذ يعود هذا الثمن إلى المشتري.

فعلى كلام المؤلف رحمه الله: لا تصح الحوالة على الثمن في زمن الخيار؛ خيار المجلس أو خيار الشرط؛ لأن الثمن في زمن الخيار عرضة للسقوط، فلو أن البائع عليه دين لصالح، فجاء صالح إلى البائع وطالبه بالدين فقال: أنا أحيلك على المشتري الذي اشترى مني هذه السيارة، واشترط الخيار لمدة يوم أو يومين, هل تصح الحوالة هنا أو لا تصح؟ نقول: الحوالة لا تصح؛ لأن الثمن عرضة للسقوط، لم يستقر الآن الثمن للبائع، والثمن عرضة للسقوط, فقد يفسخ هذا الذي له الشرط وهو المشتري, وحينئذ فالبائع لا يملك الثمن ويعود الثمن للمشتري. وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله, أنه يشترط أن يكون المحال عليه على دين مستقر.

فإن أحاله على الثمن بعد زمن الخيارين يصح ذلك أو لا يصح؟ نقول: يصح؛ لأن العقد لزم, فمثلاً: البائع لو أنه أحال من يطلبه ديناً على المشتري بعد أن لزم العقد ومضى زمن الخيارين نقول: الحوالة هنا صحيحة؛ لأن الحوالة على دين مستقر؛ لأن العقد الآن تم ولزم ولا يتمكن أحدهما من الفسخ إلا بالرضا، فالحوالة هنا صحيحة. ولكن في الصورة الأولى إذا كان هناك خيار مجلس أو خيار شرط فإنها عرضة للسقوط.

ومن الأمثلة على ذلك أيضاً دين الكتابة، يقول العلماء: دين الكتابة هذا من الديون غير المستقرة، وصورة ذلك: الرقيق اشترى نفسه من سيده بثمن مؤجل مثلاً بعشرة آلاف, كل شهر يعطي السيد ألف ريال، فلو أن السيد أحال من يريد منه ديناً فقال: أنا أطلب من رقيقي فلان ديناً ثمن الكتابة، أريد منه هذا الشهر ألف ريال, اذهب وخذ هذا الألف، تصح الحوالة هنا أو لا تصح؟ يقولون: لا تصح الحوالة، لأن دين الكتابة دين غير مستقر؛ لأن الرقيق يملك أن يعجز نفسه ويعود رقيقاً ويسقط عنه دين الكتابة، فمادام أنه لم يوفِ بالأقساط التي عليه فإنه يملك أن يعجز نفسه، فيقول لك المؤلف رحمه الله: لا تصح إلا على دين مستقر. وهذا هو المشهور من المذهب.

والرأي الثاني: أن الحوالة تصح على الديون المستقرة والديون غير المستقرة, وهذا القول هو الصواب، ويدل لذلك عموم الحديث: ( وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع ). فمن أحيل بحقه على مليء فليحتل، فالحديث عام سواء كان ذلك على دين مستقر أو كان على دين غير مستقر؛ ولأن المحتال لا يلحقه ضرر, فإذا سقط الدين فإنه يرجع على من أحاله وما لحقه ضرر، والحوالة من باب المياسرة في قضاء الديون، وعلى هذا فلا ينبغي أن يشدد فيها.

وعلى هذا نقول الصحيح هو الرأي الثاني, وأنه لا يشترط أن تكون الحوالة على دين مستقر.

استقرار المحال فيه

قال المؤلف رحمه الله: (ولا يعتبر استقرار المحال فيه).

الحوالة: نقل الحق من ذمة إلى ذمة أخرى، فعندنا دينان، الدين المحال عليه يقول المؤلف: يشترط أن يكون مستقراً، لكن الدين المحال فيه لا يشترط أن يكون مستقراً، وعلى هذا: لو أن الرقيق أحال السيد, فالرقيق دينه ليس مستقراً، السيد لا يصح أن يحيل على الدين الذي في ذمة الرقيق على كلام المؤلف؛ لأنه إحالة على دين غير مستقر، لكن لو كانت الصورة بالعكس.

فالرقيق إذا أحال الذي كاتبه (سيده) بثمن مؤجل، فحل قسط من الأقساط فأتى السيد إلى الرقيق يطالبه بهذا القسط، فقال الرقيق: أحيلك على بكر مثلاً, فهل تصح الحوالة هنا أو لا تصح؟ نقول: الحوالة صحيحة.

أو مثلاً المشتري لما اشترى واشترط الخيار أحال البائع على شخص يريد منه ديناً، فيصح ذلك.

يقول المؤلف رحمه الله: المحال فيه لا يشترط استقراره, لكن المحال عليه نشترط استقراره.

اتفاق الدينين في أربع صفات

قال المؤلف رحمه الله: (ويشترط اتفاق الدينين جنساً ووصفاً ووقتاً وقدراً).

هذا الشرط الثاني من شروط صحة الحوالة، يشترط أن يتفق الدينان في هذه الصفات الأربعة في الجنس والصفة والوقت والقدر.

في الجنس: فتحيل بذهب على ذهب أو بفضة على فضة، فمثلاً لو كان هذا الدين ذهباً والدين المحال عليه فضة هل تصح الحوالة أو لا تصح؟ يقول المؤلف: لا تصح، زيد يريد من عمرو عشرة دنانير ذهباً، وعمرو يريد من صالح مائة درهم فضة، فقال: أحيلك, فجاء له وقال: أعطني الدين، أنا أريد عشرة دنانير ذهباً، أعطني إياها، قال: أنا أريد من صالح مائة درهم فضة, اذهب وخذ منه، هل يصح ذلك أو لا يصح؟ يقول المؤلف: لا يصح.

أو مثلاً يريد منه براً وهذا يريد من الآخر شعيراً، زيد يريد من عمرو براً وعمرو يريد من صالح شعيراً، فجاء زيد وطالب عمراً بالبر، فقال عمرو: أنا أحيلك على صالح, أنا أريد منه شعيراً، يقول المؤلف رحمه الله: لا يصح ذلك, لابد أن يتفق الدينان في الجنس.

ومن ذلك أيضاً زيد يريد من عمرو ريالات سعودية، وعمرو يريد من صالح جنيهات مصرية، فأحال عمرو زيداً على صالح؛ لكي يأخذ منه الجنيهات المصرية هل يصح ذلك أو لا يصح؟ يقول المؤلف: لا يصح، لابد أن يتفق الدينان في الجنس؛ ريالات على ريالات، وجنيهات على جنيهات.

أيضاً لابد أن يتفق الدينان في الصفة، مثلاً: هذا زيد يريد من عمرو براً جيداً، وعمرو يريد من صالح براً متوسطاً، فلو أن عمراً أحال زيداً على صالح فلا يصح؛ لأنه لا بد أن يتفق الدينان في الصفة؛ بر جيد على بر جيد، وبر متوسط على بر متوسط, وهكذا.

قوله رحمه الله تعالى: (ووقتاً).

يعني: حلولاً وتأجيلاً, فزيد يريد من عمرو ديناً حالاً، وعمرو يريد من صالح ديناً مؤجلاً, هذا لا يصح, لابد أن يتفقا في الحلول وفي التأجيل، فلو كان زيد يريد من عمرو ديناً يحل بعد شهر, وعمرو يريد من صالح ديناً يحل بعد شهرين، فلا يصح ذلك, لابد أن يتفقا في الوقت وفي الحلول وفي التأجيل.

قوله رحمه الله تعالى: (وقدراً).

مثلاً: زيد يريد من عمرو عشرة آلاف, وعمرو يريد من بكر عشرين ألفاً, لا يصح ذلك، لكن هم يقولون: لا يؤثر الفاضل, فلو أن زيداً يريد من عمرو عشرة آلاف, وعمرو يريد من صالح عشرين ألفاً، وقال: أحيلك بعشرة من عشرين فهذا يصح، يعني: عمرو أحال زيداً بعشرته على عشرة من عشرين مما عند صالح من الدين الذي عليه فيقول لك المؤلف رحمه الله: هم يرون أن هذا جائز, ولا بأس به، ولهذا قال: ولا يؤثر الفاضل، لكن لو أحاله بعشرين على عشرة فعلى كلام المؤلف: لا يجوز.

فهذه أربع صفات: لابد أن يتفق الدينان فيها, الجنس والصفة والقدر, وكذلك أيضاً الوقت.

والحنفية رحمهم الله هم أوسع الناس في هذه المسألة، وهم لا يرون مثل هذه الشروط، يعني: الحنفية في الجملة مثل هذه الشروط عندهم لا تؤثر؛ فتصح الحوالة حتى مع اختلاف الصفة، أو الوقت أو الحلول والتأجيل، أو القدر, أو الجنس.

وهذا القول هو الأقرب, اللهم إلا أنه يشترط أو نستثني ما يتعلق بالجنس، فيشترط أن يتفق الدينان في الجنس. أما الصفة والقدر وكذلك أيضاً الوقت فهذا كله لا يؤثر على الصحيح.

لماذا نشترط الجنس؟ لأنه إذا اختلف الجنس فإنها لا تكون من قبيل الحوالة، وإنما تكون من قبيل البيع، وإذا كان بيعاً أصبح بيع نقد بنقد, فلابد من القبض، ولابد من التساوي.

فنقول الصحيح في ذلك أنه نشترط أن يتحد الدينان في الجنس، فإذا اتحد الدينان في الجنس نحو ريالات على ريالات، أو جنيهات على جنيهات، أو ليرات على ليرات، أو دينارات على دينارات, فنقول: هذا جائز, ولا بأس به.

وأما ما يتعلق باختلاف الصفة كشعير جيد على شعير متوسط أو نحو ذلك أو الاختلاف بالقدر فهذا كله لا يؤثر.

الشرط الأول: أن تكون على دين مستقر. ما هو الدين المستقر؟ هو: الدين الذي لا يكون عرضة للفسخ والسقوط. وبهذا نعرف أن الدين من حيث الاستقرار وعدم الاستقرار ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: دين مستقر, وهو الذي لا يكون عرضة للسقوط.

والقسم الثاني: دين غير مستقر, وهو الذي يكون عرضة للسقوط. مثال ذلك: الثمن في زمن الخيار غير مستقر، لأنه عرضة للسقوط، فمثلاً: رجل اشترى سيارة بعشرة آلاف ريال بثمن مؤجل، وقال: لي الخيار لمدة يوم أو يومين, هذا الثمن عرضة للسقوط, لماذا؟ لأنه بالإمكان أن يفسخ, وحينئذ يعود هذا الثمن إلى المشتري.

فعلى كلام المؤلف رحمه الله: لا تصح الحوالة على الثمن في زمن الخيار؛ خيار المجلس أو خيار الشرط؛ لأن الثمن في زمن الخيار عرضة للسقوط، فلو أن البائع عليه دين لصالح، فجاء صالح إلى البائع وطالبه بالدين فقال: أنا أحيلك على المشتري الذي اشترى مني هذه السيارة، واشترط الخيار لمدة يوم أو يومين, هل تصح الحوالة هنا أو لا تصح؟ نقول: الحوالة لا تصح؛ لأن الثمن عرضة للسقوط، لم يستقر الآن الثمن للبائع، والثمن عرضة للسقوط, فقد يفسخ هذا الذي له الشرط وهو المشتري, وحينئذ فالبائع لا يملك الثمن ويعود الثمن للمشتري. وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله, أنه يشترط أن يكون المحال عليه على دين مستقر.

فإن أحاله على الثمن بعد زمن الخيارين يصح ذلك أو لا يصح؟ نقول: يصح؛ لأن العقد لزم, فمثلاً: البائع لو أنه أحال من يطلبه ديناً على المشتري بعد أن لزم العقد ومضى زمن الخيارين نقول: الحوالة هنا صحيحة؛ لأن الحوالة على دين مستقر؛ لأن العقد الآن تم ولزم ولا يتمكن أحدهما من الفسخ إلا بالرضا، فالحوالة هنا صحيحة. ولكن في الصورة الأولى إذا كان هناك خيار مجلس أو خيار شرط فإنها عرضة للسقوط.

ومن الأمثلة على ذلك أيضاً دين الكتابة، يقول العلماء: دين الكتابة هذا من الديون غير المستقرة، وصورة ذلك: الرقيق اشترى نفسه من سيده بثمن مؤجل مثلاً بعشرة آلاف, كل شهر يعطي السيد ألف ريال، فلو أن السيد أحال من يريد منه ديناً فقال: أنا أطلب من رقيقي فلان ديناً ثمن الكتابة، أريد منه هذا الشهر ألف ريال, اذهب وخذ هذا الألف، تصح الحوالة هنا أو لا تصح؟ يقولون: لا تصح الحوالة، لأن دين الكتابة دين غير مستقر؛ لأن الرقيق يملك أن يعجز نفسه ويعود رقيقاً ويسقط عنه دين الكتابة، فمادام أنه لم يوفِ بالأقساط التي عليه فإنه يملك أن يعجز نفسه، فيقول لك المؤلف رحمه الله: لا تصح إلا على دين مستقر. وهذا هو المشهور من المذهب.

والرأي الثاني: أن الحوالة تصح على الديون المستقرة والديون غير المستقرة, وهذا القول هو الصواب، ويدل لذلك عموم الحديث: ( وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع ). فمن أحيل بحقه على مليء فليحتل، فالحديث عام سواء كان ذلك على دين مستقر أو كان على دين غير مستقر؛ ولأن المحتال لا يلحقه ضرر, فإذا سقط الدين فإنه يرجع على من أحاله وما لحقه ضرر، والحوالة من باب المياسرة في قضاء الديون، وعلى هذا فلا ينبغي أن يشدد فيها.

وعلى هذا نقول الصحيح هو الرأي الثاني, وأنه لا يشترط أن تكون الحوالة على دين مستقر.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2818 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2731 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2678 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2645 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2640 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2558 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2555 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2528 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2521 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2498 استماع