شرح زاد المستقنع - كتاب الصيام [8]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يصح إلا في مسجد يجمع فيه، إلا المرأة ففي كل مسجد سوى مسجد بيتها، ومن نذره أو الصلاة في مسجد غير الثلاثة، وأفضلها الحرام فمسجد المدينة فالأقصى لم يلزمه فيه، وإن عين الأفضل لم يجز فيما دونه، وعكسه بعكسه. ومن نذر زمناً معيناً دخل معتكفه قبل ليلته الأولى، وخرج بعد آخره، ولا يخرج المعتكف إلا لما لابد له منه، ولا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة إلا أن يشترطه، وإن وطئ في فرج فسد اعتكافه، ويستحب اشتغاله بالقرب، واجتناب ما لا يعنيه].

تقدم لنا ما يتعلق بالصيام المستحب، وما يكره من الصيام وما يحرم، وكذلك أيضاً تقدم لنا ما يتعلق بحكم قطع الفرض، وكذا ما يتعلق بقطع النفل، وهل يلزم النفل بالشروع فيه؟ وهل يجب قضاؤه إذا قطع؟ وشرعنا في أحكام الاعتكاف، فذكرنا تعريف الاعتكاف في اللغة والاصطلاح، وأن حكمته هو جمع القلب على الله عز وجل، والانقطاع عن الخلق إلى الخالق.

وتقدم لنا من شروط الاعتكاف الصوم؛ هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف أو نقول: بأن الصوم ليس شرطاً للاعتكاف؟ وذكرنا خلاف أهل العلم رحمهم الله في هذه المسألة، وأن الصواب أن الصوم ليس شرطاً في الاعتكاف كما مشى عليه المؤلف رحمه الله، وذكرنا دليل ذلك من قول الله عز وجل: وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، وأيضاً أن عمر رضي الله عنه نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، والليل ليس محلاً للصيام، وكذا ما يتعلق بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم للصوم في العشر الأول من شوال، ويدخل في هذه العشر يوم العيد، والعيد ليس محلاً للصيام.

قال رحمه الله: (ولا يصح إلا في مسجد يجمع فيه).

هذا الشرط الثاني الذي ذكره المؤلف رحمه الله من شروط صحة الاعتكاف: أن يكون الاعتكاف في مسجد تقام فيه الجماعة، والمعتكف لا يخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن يكون رجلاً، والحالة الثانية: أن يكون امرأة.

صفة المسجد الذي يصح فيه اعتكاف الرجل

أما الحالة الأولى -وهي إذا ما كان المعتكف رجلاً- فيقول المؤلف رحمه الله: لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه؛ يعني: تقام فيه الجماعة، ودليل ذلك قول الله عز وجل: وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، وأيضاً سنة النبي صلى الله عليه وسلم تدل لذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في مسجده، وأيضاً لو اعتكف في مسجد لا تقام فيه الجماعة للزم لذلك أحد أمرين:

الأمر الأول: أن يترك الجماعة، وصلاة الجماعة واجبة، فيكون فعل سنة وترك واجباً.

والأمر الثاني: أن يكثر الخروج من معتكفه إلى صلاة الجماعة، ولا شك أن ركن الاعتكاف هو اللبث في المسجد، فهو سيخل بركن الاعتكاف، ولهذا ذهب المؤلف رحمه الله إلى أنه يشترط أن يكون الاعتكاف في مسجد تقام فيه الجماعة، وهذا ما ذهب إليه الحنفية. وهذا الرأي الأول.

الرأي الثاني: أنه لا يشترط أن يكون المسجد مما تقام فيه الجماعة، وهذا قول المالكية والشافعية؛ يعني يقولون: يصح في كل مسجد، ولا يشترط أن يكون في مسجد تقام فيه الجماعة، لكن قالوا: إن تخلل اعتكافه جمعة فإنه يجب أن يكون في الجامع، ويستدلون بعموم الآية: وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، وهذا يشمل كل مسجد.

الرأي الثالث في هذه المسألة: أن الاعتكاف لا يصح إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، وما عدا ذلك فإن الاعتكاف لا يصح في بقية المساجد، ودليلهم على ذلك حديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة)، وهذا الحديث رواه البيهقي، والطحاوي في مشكل الآثار، والذهبي في سير أعلام النبلاء، لكنه لا يثبت مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه موقوفاً على حذيفة ليس مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الرزاق أوثق من غيره ممن رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كـمحمد بن آدم، فقد اضطرب في متنه، وكذلك أيضاً هشام بن عمار ومحمد بن فرج ، فـعبد الرزاق أوثق من هؤلاء وقد أوقفه على حذيفة ، ولو فرض أنه صحيح وأنه ثابت فإنه يحمل على الكمال؛ يعني: لا اعتكاف كامل إلا في المساجد الثلاثة؛ لأن الاعتكاف توفرت فيه شروطه وأركانه.

والأقرب في هذه المسألة ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة، وهو قول وسط، وأن الاعتكاف يصح في كل مسجد تقام فيه الجماعة.

صفة المسجد الذي يصح فيه اعتكاف المرأة

قال رحمه الله: (إلا المرأة ففي كل مسجد سوى مسجد بيتها).

هذه هي الحالة الثانية، يقول المؤلف رحمه الله: يصح أن تعتكف المرأة في كل مسجد إلا مسجد بيتها، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى، وخالف في ذلك الحنفية؛ فيرون أن المرأة يصح أن تعتكف في مسجد بيتها.

والصواب ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله، وأن المرأة لابد أن تعتكف في المسجد العام، وأنه لا يصح أن تعتكف في مسجد بيتها، ويدل لذلك اعتكاف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، ولو صح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه إلى ذلك، ولهذا لما ضربن أخبيتهن قال النبي صلى الله عليه وسلم: (آلبر أردن؟)، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهن.

فالصواب في هذه المسألة ما عليه جمهور أهل العلم، وأن المرأة تعتكف في كل مسجد إلا مسجد بيتها.

إذاً: ما هو الفرق بين الرجل والمرأة؟

الفرق أن الرجل يشترط أن يكون المسجد مما تقام فيه الجماعة، أما المرأة فلا يشترط أن يكون المسجد مما تقام فيه الجماعة؛ لأن المرأة ليست من أهل الجمع والجماعات، فلو فرض أن عندنا مسجداً هجره الناس لا يصلون فيه، فالرجل لا يصح أن يعتكف فيه، لكن بالنسبة للمرأة يصح أن تعتكف فيه.

أما الحالة الأولى -وهي إذا ما كان المعتكف رجلاً- فيقول المؤلف رحمه الله: لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه؛ يعني: تقام فيه الجماعة، ودليل ذلك قول الله عز وجل: وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، وأيضاً سنة النبي صلى الله عليه وسلم تدل لذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في مسجده، وأيضاً لو اعتكف في مسجد لا تقام فيه الجماعة للزم لذلك أحد أمرين:

الأمر الأول: أن يترك الجماعة، وصلاة الجماعة واجبة، فيكون فعل سنة وترك واجباً.

والأمر الثاني: أن يكثر الخروج من معتكفه إلى صلاة الجماعة، ولا شك أن ركن الاعتكاف هو اللبث في المسجد، فهو سيخل بركن الاعتكاف، ولهذا ذهب المؤلف رحمه الله إلى أنه يشترط أن يكون الاعتكاف في مسجد تقام فيه الجماعة، وهذا ما ذهب إليه الحنفية. وهذا الرأي الأول.

الرأي الثاني: أنه لا يشترط أن يكون المسجد مما تقام فيه الجماعة، وهذا قول المالكية والشافعية؛ يعني يقولون: يصح في كل مسجد، ولا يشترط أن يكون في مسجد تقام فيه الجماعة، لكن قالوا: إن تخلل اعتكافه جمعة فإنه يجب أن يكون في الجامع، ويستدلون بعموم الآية: وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، وهذا يشمل كل مسجد.

الرأي الثالث في هذه المسألة: أن الاعتكاف لا يصح إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، وما عدا ذلك فإن الاعتكاف لا يصح في بقية المساجد، ودليلهم على ذلك حديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة)، وهذا الحديث رواه البيهقي، والطحاوي في مشكل الآثار، والذهبي في سير أعلام النبلاء، لكنه لا يثبت مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه موقوفاً على حذيفة ليس مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الرزاق أوثق من غيره ممن رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كـمحمد بن آدم، فقد اضطرب في متنه، وكذلك أيضاً هشام بن عمار ومحمد بن فرج ، فـعبد الرزاق أوثق من هؤلاء وقد أوقفه على حذيفة ، ولو فرض أنه صحيح وأنه ثابت فإنه يحمل على الكمال؛ يعني: لا اعتكاف كامل إلا في المساجد الثلاثة؛ لأن الاعتكاف توفرت فيه شروطه وأركانه.

والأقرب في هذه المسألة ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة، وهو قول وسط، وأن الاعتكاف يصح في كل مسجد تقام فيه الجماعة.

قال رحمه الله: (إلا المرأة ففي كل مسجد سوى مسجد بيتها).

هذه هي الحالة الثانية، يقول المؤلف رحمه الله: يصح أن تعتكف المرأة في كل مسجد إلا مسجد بيتها، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى، وخالف في ذلك الحنفية؛ فيرون أن المرأة يصح أن تعتكف في مسجد بيتها.

والصواب ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله، وأن المرأة لابد أن تعتكف في المسجد العام، وأنه لا يصح أن تعتكف في مسجد بيتها، ويدل لذلك اعتكاف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، ولو صح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه إلى ذلك، ولهذا لما ضربن أخبيتهن قال النبي صلى الله عليه وسلم: (آلبر أردن؟)، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهن.

فالصواب في هذه المسألة ما عليه جمهور أهل العلم، وأن المرأة تعتكف في كل مسجد إلا مسجد بيتها.

إذاً: ما هو الفرق بين الرجل والمرأة؟

الفرق أن الرجل يشترط أن يكون المسجد مما تقام فيه الجماعة، أما المرأة فلا يشترط أن يكون المسجد مما تقام فيه الجماعة؛ لأن المرأة ليست من أهل الجمع والجماعات، فلو فرض أن عندنا مسجداً هجره الناس لا يصلون فيه، فالرجل لا يصح أن يعتكف فيه، لكن بالنسبة للمرأة يصح أن تعتكف فيه.

نذر الاعتكاف أو الصلاة في غير المساجد الثلاثة

قال رحمه الله: (ومن نذره أو الصلاة في مسجد غير الثلاثة، وأفضلها الحرام فمسجد المدينة فالأقصى).

قوله: (ومن نذره) يعني: نذر الاعتكاف، فالضمير يعود إلى الاعتكاف، (أو الصلاة) نذر الاعتكاف في أحد المساجد الثلاثة، أو نذر الصلاة في أحد المساجد الثلاثة، فيقول المؤلف رحمه الله: (وأفضلها الحرام، فمسجد المدينة، فالأقصى، لم يلزمه فيه، وإن عين الأفضل لم يجز فيما دونه، وعكسه بعكسه)، إذا نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد غير المساجد الثلاثة، هذه المسألة لها حالتان:

الحالة الأولى: أن ينذر الاعتكاف أو الصلاة في غير المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، يقول المؤلف رحمه الله: لا يلزمه، فمثلاً لو قال: لله عليَّ أن أصلي في الجامع الفلاني، في البلد الفلاني، لا يجب عليه أن يوفي به، ولو قال: لله عليَّ أن أعتكف في المسجد الفلاني، في البلد الفلاني، يقول المؤلف رحمه الله: لم يلزمه، لا يجب عليه أن يوفي بنذره فيما يتعلق بالمكان، وأما العبادة فإنه يجب عليه أن يوفي بها، وهذا قول جمهور أهل العلم.

وما دليلهم على ذلك؟ قالوا: يلزم من القول بوجوب الوفاء في المسجد الذي عينه أن يشد الرحل إلى ذلك المسجد، والرحال لا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، هذه البقع الثلاث، وليس هناك بقع يشد إليها الرحال إلا هذه الثلاث البقاع فقط: المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى.

إذاً قالوا: لا يلزم؛ لأنه يترتب على ذلك لو قلنا باللزوم شد الرحل إلى غير هذه المساجد الثلاثة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شد الرحال إلا إليها، وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى. وهذا الرأي الأول.

والرأي الثاني الذي ذهب إليه ابن قدامة رحمه الله تعالى: أنه يلزمه إذا كان له ميزة شرعية، ولم يترتب على ذلك شد الرحل، وقال شيخ الإسلام: يلزمه لو كان له ميزة شرعية، ولنفرض أن هذا المسجد له ميزة شرعية؛ مثلاً كونه تصلى فيه الجمع، أو كونه جامعاً، أو كونه قديماً عتيقاً، أو كونه بعيداً ونحو ذلك، فإنه يجب عليه أن يوفي به ما دام أنه لا يترتب عليه شد الرحل، وابن قدامة كما ذكرنا قال: يجب عليه أن يوفي به، ما لم يترتب على ذلك شد الرحل، وهذا القول هو الصواب؛ لأن المحظور الذي من أجله قال الجمهور: لا يلزم الوفاء بالنذر في غير المساجد الثلاثة انتفى، إذا قلنا: بشرط ألا يترتب على ذلك محظور شرعي من شد الرحل، هذه الحالة هي الأولى، وهي أن يكون النذر أو الصلاة في غير المساجد الثلاثة.

نذر الاعتكاف أو الصلاة في المساجد الثلاثة

الحالة الثانية: أن يكون النذر أو الصلاة في المساجد الثلاثة، فإنه يجب عليه أن يوفي بما نذره، لكن إذا نذره في المسجد الأقصى يجوز له أن يوفي في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وإذا نذر في المسجد النبوي يجوز أن يوفي في المسجد الحرام، وإذا نذره في المسجد الحرام فإنه لا ينتقل إلى المسجدين، فإذا نذره في الأفضل لا ينتقل إلى المفضول، وإذا نذره في المفضول له أن ينتقل إلى الأفضل.

ودليل ذلك حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في المسجد الأقصى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صل ها هنا، فسأله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صل ها هنا، فسأله، فقال: شأنك إذاً)، وهذا الحديث أخرجه أبو داود وابن الجارود وغيرهم وصححه الحاكم وابن دقيق ، وهذا يدل على أنه إذا نذر في المفضول فله أن ينتقل إلى الأفضل.

قال رحمه الله: (وأفضلها الحرام).

يعني: أفضل المساجد المسجد الحرام، ثم بعد ذلك مسجد المدينة، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)، مما يدل على أن مسجد المدينة يأتي في المرتبة الثانية بعد المسجد الحرام، ثم بعد ذلك المسجد النبوي، ثم بعد ذلك المسجد الأقصى يأتي في المرتبة الثالثة؛ لأن المسجد الأقصى ليس حرماً، بخلاف المسجد النبوي والمسجد الحرام، وكذلك أيضاً بالنسبة لتضعيف الصلاة في المسجد الأقصى جاء فيه حديث ابن الزبير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة)، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد وابن حبان وغيرهما، وصححه المنذري في الترغيب والترهيب، وبعض أهل العلم يعل الحديث.

الخلاصة في ذلك: أن الترخيص في شد الرحل إلى المسجد الأقصى يدل على أفضليته، والخلاصة في ذلك أن أفضل المساجد هو المسجد الحرام، ثم بعد ذلك المسجد النبوي، ثم بعد ذلك المسجد الأقصى.

قال المؤلف رحمه الله: (وإن عين الأفضل لم يجز فيما دونه).

يعني: إذا عين الأفضل المسجد الحرام فإنه لا يجوز في المسجدين الباقيين، ولا يجوز في بقية المساجد من باب أولى.

قال رحمه الله: (وعكسه بعكسه).

يعني: إذا عين المفضول فإنه يجوز في الأفضل، فإذا عين الأقصى جاز في المسجد النبوي والمسجد الحرام، وإذا عين المسجد النبوي جاز في المسجد الحرام. كما ذكرنا في الحديث السابق في قصة الرجل من حديث عبد الله بن عمرو وحديث جابر رضي الله عنهما.

من نذر أن يعتكف زمناً معيناً

قال رحمه الله: (ومن نذر زمناً معيناً دخل معتكفه قبل ليلته الأولى، وخرج بعد آخره).

إذا نذر زمناً من الأزمنة، هذا الزمن قد يكون معيناً، وقد يكون غير معين، فإذا كان معيناً فإنه يشترط فيه التتابع؛ لأن التعيين يقتضي التتابع، وإن كان غير معين فإنه لا يشترط التتابع، وعلى هذا نقول: من نذر زمناً من الأزمنة أن يعتكف في هذا الزمن، نقول: بأن هذا لا يخلو من أقسام:

القسم الأول: أن ينذر اعتكاف يوم من الأيام، فإنه يدخل قبل طلوع الفجر الثاني ويخرج بعد غروب الشمس؛ لأن هذا هو اليوم الشرعي، قال الله عز وجل: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]، والليل بدؤه لغة من غروب الشمس.

القسم الثاني: أن ينذر اعتكاف ليلة من الليالي، فإنه يدخل قبل غروب الشمس ويخرج بعد طلوع الفجر؛ لأن هذا هو الليل.

القسم الثالث: أن ينذر اعتكاف أسبوع، فإذا نذر اعتكاف أسبوع فإنه لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يعين يقول: لله علي نذر أن أعتكف الأسبوع الأول من العشر الأواخر من شهر رمضان.

فإذا عين فإنه يجب عليه التتابع؛ لأن التعيين يقتضي التتابع.

الأمر الثاني: ألا يعين، وإنما يقول: أسبوع من العشر الأواخر، أو أسبوع من شهر رمضان، فإذا لم يعين فإنه لا يجب عليه أن يتابع، وإنما يعتكف سبعة أيام من شهر رمضان، أو من العشر الأواخر، ولا يجب عليه أن تكون متتابعة إلا إذا شرط ذلك أو نواه، فإنه يجب عليه أن يتابع.

القسم الرابع: إذا نذر اعتكاف شهر، والكلام في هذه المسألة كالكلام في المسألة السابقة، نقول: إن عين، كأن يقول: لله علي أن أعتكف شهر رمضان، فإنه يجب عليه أن يتابع، أما إذا لم يعين وقال: لله علي أن أعتكف شهراً، نقول: ما يجب عليك التتابع، تعتكف ثلاثين يوماً حتى ولو كانت متفرقة، إلا إذا شرط ذلك أو نواه، فإذا شرط ذلك أو نواه فإنه يجب عليه أن يتابع، ودليل ذلك أن الله سبحانه وتعالى قال في كفارة الظهار: فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ [النساء:92]، فلو كان إطلاق الشهر يقتضي التتابع ما قيده الله عز وجل بقوله: (مُتَتَابِعَيْنِ)، فدل ذلك على أن إطلاق الشهر لا يقتضي التتابع، وحينئذٍ نقول: إذا نذر أن يعتكف شهراً ولم يعين هذا الشهر أنه شهر رمضان أو شعبان إلى آخره، فنقول: لا يلزمه أن يتابع، لكن يجب عليه أن يعتكف ثلاثين يوماً إذا كانت متفرقة، إلا إذا نوى ذلك أو شرطه، فإنه يجب عليه أن يتابع، وإذا لم يجب عليه التتابع فإنه يعتكف ثلاثين يوماً، وإن اعتكف وتابع الحمد لله، فإن اعتكف بالهلال فإنه من الهلال إلى الهلال، وإن اعتكف من وسط الشهر إلى الهلال، ثم بعد ذلك من دخول الشهر الثاني إلى منتصف الشهر.

القسم الخامس: إذا نذر أن يعتكف أياماً، والكلام في هذه المسألة كما سلف، كأنه قال: لله عليَّ أن أعتكف ثلاثة أيام، أو أن أعتكف أربعة أيام أو نحو ذلك، نقول: إن عينها فإنه يجب عليه أن يتابع، كما لو قال: لله عليَّ أن أعتكف ثلاثة أيام من أول العشر، أو من آخر العشر، فهنا يجب عليه أن يتابع، وإن لم يعين فإنه لا يجب عليه أن يتابع إلا إذا شرط ذلك أو نواه، فيجب عليه أن يتابع.

قال رحمه الله: (ومن نذره أو الصلاة في مسجد غير الثلاثة، وأفضلها الحرام فمسجد المدينة فالأقصى).

قوله: (ومن نذره) يعني: نذر الاعتكاف، فالضمير يعود إلى الاعتكاف، (أو الصلاة) نذر الاعتكاف في أحد المساجد الثلاثة، أو نذر الصلاة في أحد المساجد الثلاثة، فيقول المؤلف رحمه الله: (وأفضلها الحرام، فمسجد المدينة، فالأقصى، لم يلزمه فيه، وإن عين الأفضل لم يجز فيما دونه، وعكسه بعكسه)، إذا نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد غير المساجد الثلاثة، هذه المسألة لها حالتان:

الحالة الأولى: أن ينذر الاعتكاف أو الصلاة في غير المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، يقول المؤلف رحمه الله: لا يلزمه، فمثلاً لو قال: لله عليَّ أن أصلي في الجامع الفلاني، في البلد الفلاني، لا يجب عليه أن يوفي به، ولو قال: لله عليَّ أن أعتكف في المسجد الفلاني، في البلد الفلاني، يقول المؤلف رحمه الله: لم يلزمه، لا يجب عليه أن يوفي بنذره فيما يتعلق بالمكان، وأما العبادة فإنه يجب عليه أن يوفي بها، وهذا قول جمهور أهل العلم.

وما دليلهم على ذلك؟ قالوا: يلزم من القول بوجوب الوفاء في المسجد الذي عينه أن يشد الرحل إلى ذلك المسجد، والرحال لا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، هذه البقع الثلاث، وليس هناك بقع يشد إليها الرحال إلا هذه الثلاث البقاع فقط: المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى.

إذاً قالوا: لا يلزم؛ لأنه يترتب على ذلك لو قلنا باللزوم شد الرحل إلى غير هذه المساجد الثلاثة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شد الرحال إلا إليها، وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى. وهذا الرأي الأول.

والرأي الثاني الذي ذهب إليه ابن قدامة رحمه الله تعالى: أنه يلزمه إذا كان له ميزة شرعية، ولم يترتب على ذلك شد الرحل، وقال شيخ الإسلام: يلزمه لو كان له ميزة شرعية، ولنفرض أن هذا المسجد له ميزة شرعية؛ مثلاً كونه تصلى فيه الجمع، أو كونه جامعاً، أو كونه قديماً عتيقاً، أو كونه بعيداً ونحو ذلك، فإنه يجب عليه أن يوفي به ما دام أنه لا يترتب عليه شد الرحل، وابن قدامة كما ذكرنا قال: يجب عليه أن يوفي به، ما لم يترتب على ذلك شد الرحل، وهذا القول هو الصواب؛ لأن المحظور الذي من أجله قال الجمهور: لا يلزم الوفاء بالنذر في غير المساجد الثلاثة انتفى، إذا قلنا: بشرط ألا يترتب على ذلك محظور شرعي من شد الرحل، هذه الحالة هي الأولى، وهي أن يكون النذر أو الصلاة في غير المساجد الثلاثة.

الحالة الثانية: أن يكون النذر أو الصلاة في المساجد الثلاثة، فإنه يجب عليه أن يوفي بما نذره، لكن إذا نذره في المسجد الأقصى يجوز له أن يوفي في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وإذا نذر في المسجد النبوي يجوز أن يوفي في المسجد الحرام، وإذا نذره في المسجد الحرام فإنه لا ينتقل إلى المسجدين، فإذا نذره في الأفضل لا ينتقل إلى المفضول، وإذا نذره في المفضول له أن ينتقل إلى الأفضل.

ودليل ذلك حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في المسجد الأقصى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صل ها هنا، فسأله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صل ها هنا، فسأله، فقال: شأنك إذاً)، وهذا الحديث أخرجه أبو داود وابن الجارود وغيرهم وصححه الحاكم وابن دقيق ، وهذا يدل على أنه إذا نذر في المفضول فله أن ينتقل إلى الأفضل.

قال رحمه الله: (وأفضلها الحرام).

يعني: أفضل المساجد المسجد الحرام، ثم بعد ذلك مسجد المدينة، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)، مما يدل على أن مسجد المدينة يأتي في المرتبة الثانية بعد المسجد الحرام، ثم بعد ذلك المسجد النبوي، ثم بعد ذلك المسجد الأقصى يأتي في المرتبة الثالثة؛ لأن المسجد الأقصى ليس حرماً، بخلاف المسجد النبوي والمسجد الحرام، وكذلك أيضاً بالنسبة لتضعيف الصلاة في المسجد الأقصى جاء فيه حديث ابن الزبير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة)، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد وابن حبان وغيرهما، وصححه المنذري في الترغيب والترهيب، وبعض أهل العلم يعل الحديث.

الخلاصة في ذلك: أن الترخيص في شد الرحل إلى المسجد الأقصى يدل على أفضليته، والخلاصة في ذلك أن أفضل المساجد هو المسجد الحرام، ثم بعد ذلك المسجد النبوي، ثم بعد ذلك المسجد الأقصى.

قال المؤلف رحمه الله: (وإن عين الأفضل لم يجز فيما دونه).

يعني: إذا عين الأفضل المسجد الحرام فإنه لا يجوز في المسجدين الباقيين، ولا يجوز في بقية المساجد من باب أولى.

قال رحمه الله: (وعكسه بعكسه).

يعني: إذا عين المفضول فإنه يجوز في الأفضل، فإذا عين الأقصى جاز في المسجد النبوي والمسجد الحرام، وإذا عين المسجد النبوي جاز في المسجد الحرام. كما ذكرنا في الحديث السابق في قصة الرجل من حديث عبد الله بن عمرو وحديث جابر رضي الله عنهما.