شرح زاد المستقنع - كتاب الزكاة [10]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [وصدقة التطوع مستحبة، وتسن بالفاضل عن كفايته ومن يمونه، ويأثم بما ينقصها].

تقدم لنا في الدرس السابق ما يتعلق بموانع الزكاة، وأنها لا تدفع إلى هاشمي، والمراد بهم سلالة هاشم، وكذلك أيضاً لا تدفع لمواليهم، وهل تدفع للمطلبيين أو لا؟

ذكر المؤلف رحمه الله: أنها لا تدفع لهم، وذكرنا أن كلام المؤلف رحمه الله تعالى على خلاف المذهب، والمذهب أنها تدفع للمطلبيين، وتكلمنا على من يدخل في الهاشميين، وبقي بعض المسائل المتعلقة بالهاشميين، وكذلك تكلمنا على دفع الزكاة للأصول والفروع، ومتى تدفع لهم، ومتى لا تدفع لهم؟ وكذلك ما يتعلق بدفع الزكاة للزوج والزوجة؟ وما يتعلق بدفع الزكاة للأقارب، وهل تدفع لهم الزكاة؟

والمؤلف رحمه الله ذكر أن الأقارب الذين تلزم نفقتهم لا تدفع لهم الزكاة؛ لأنهم مستغنون بالنفقة، وبالنسبة لبني هاشم تقدم أن الزكاة لا تدفع لهم؛ ولكن يستثنى من ذلك مسألتان:

المسألة الأولى: إذا مُنع بنو هاشم خمس الخمس، فهل يجوز أن يعطوا من الزكاة، أو لا يجوز؟ للعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان:

الرأي الأول: وبه قال أكثر أهل العلم أنهم لا يعطون من الزكاة لعموم الأدلة السابقة: ( إنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد ).

والرأي الثاني: اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن بني هاشم إذا منعوا من خمس الخمس فإنهم يعطون من الزكاة؛ لأن هذا موضع ضرورة.

المسألة الثانية: وهي أخذ بني هاشم الزكاة من بعضهم لبعض، أو إعطاء بني هاشم الزكاة بعضهم بعضاً، أيضاً للعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان:

الرأي الأول: لا يجوز لهم أن يأخذوا الزكاة ولو كانت من الهاشميين، يعني: الهاشمي لا يجوز له أن يعطي الزكاة لهاشميٍ آخر، وهذا قول أكثر أهل العلم للعمومات كما سبق.

والرأي الثاني: وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هذا جائز ولا بأس به.

استحباب صدقة التطوع والأوقات التي تتأكد فيها

قال رحمه الله تعالى: (وصدقة التطوع مستحبة).

لما تكلم المؤلف رحمه الله: عن صدقة وزكاة المال، شرع في صدقة التطوع، ومن رحمة الله أن شرع مثل هذه السنن؛ لأن هذه الأصول العظيمة يعروها كثير من الخلل والنقص والسهو، فشرعت لها هذه الجوانب فصدقة التطوع مع أن فضلها عظيم وأجرها كبير عن الله سبحانه تعالى، فهي أيضاً تجبر الفراغ.

وقوله: (مستحبة) الأدلة على استحبابها أدلة كثيرة.

ثم قال رحمه الله: (وفي رمضان وأوقات الحاجة أفضل).

عندنا وقتان لصدقة التطوع:

الوقت الأول: وقت مطلق، أي: أنها مستحبة دائماً في أي زمان، وفي أي مكان، والأدلة على ذلك كثيرة مثل: قول الله عز وجل: وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:280]، مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:245].

الوقت الثاني: أوقات تتأكد فيها صدقة التطوع، وهي الأزمنة الفاضلة، في الأمكنة الفاضلة، في أوقات الحاجة، ومن الأزمنة الفاضلة -كما قال المؤلف رحمه الله- رمضان، ومثله العشر الأول من شهر ذي الحجة، ومثله الأمكنة الفاضلة الحرمين، ويدل لذلك: حديث ابن عباس قال: ( كان الرسول صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ).

وأوقات الحاجة كالشتاء وشدة البرد، أو حصول المجاعة والمسغبة ونحو ذلك، يعني: إذا حصل جدب، والقحط، والمسغبة، والمجاعة فيتأكد؛ لكن إذا تعارض فضل الزمان وشرف الحاجة أيهما يقدم؟ هل نقدم الحال أو نقدم الزمان؟ وكذلك إذا تعارض الحال مع المكان، فهل تتصدق في الحرمين، مع أنه يوجد في بلاد أخرى أشد حاجة؟ تصدق مثلاً في الزمن الفاضل مع وجود الحاجة في أزمنة أخرى ليست فاضلة؛ لكنها أشد حاجة؟

نقول: شرف الحاجة، والقاعدة في ذلك: أن الفضل المتعلق بذات العبادة أولى بالمراعاة من الفضل المتعلق بزمن العبادة أو مكان العبادة.

مقدار صدقة التطوع

ثم قال المؤلف رحمه الله في نهاية كتاب الزكاة: (وتسن بالفاضل عن كفايته ومن يمونه).

يعني: تستحب صدقة الفطر بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه.

صورة المسألة: رجل كفايته في الشهر ألف ريال، ويأخذ ألفاً ومائتي ريال، فيقول المؤلف رحمه الله: بأن الزائد على هذه الألف يستحب له أن يتصدق به.

ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ).

فيستحب أن يتصدق بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه لعمومات الأدلة في الصدقة: ( إن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار )، وأيضاً الصديق رضي الله تعالى عنه تصدق بجميع ماله، وإسناده حسن، وعمر تصدق بنصف ماله، وعثمان جهز جيش العسرة، وأبو طلحة رضي الله تعالى عنه تصدق بأحب أمواله إليه بيرحاء، والأدلة على هذا كثيرة.

ثم قال رحمه الله: (ويأثم بما ينقصه).

في الصورة السابقة كفايته وكفاية من يمونه في الشهر ألف ريال، فإذا تصدق بثلاثمائة ريال ومرتبه كما سلف ألف ومائتا ريال، يقول المؤلف رحمه الله: إنه يأثم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ابدأ بمن تعول ) وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ابدأ بمن تعول )، وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت ) فلا يتصدق بما ينقص الكفاية؛ لكن ما زاد عن الكفاية له أن يتصدق به كما سلف؛ ولكن لو كان أهله يعرف منهم الصبر، وحسن التوكل على الله عز وجل، ويرضون بهذه الصدقة، فإن هذا جائز ولا بأس به، فنقول: إذا تصدق بما ينقصها فإنه يأثم إلا إذا عرف من حال أهله الصبر وحسن التوكل على الله عز وجل، ولا يمانعون من ذلك، فإن هذا جائز ولا بأس به.

وإذا لم يكن له عائلة، فله أن يتصدق بماله كله؛ لكن بشرط -كما سبق- أن يعلم من نفسه الصبر، وحسن التوكل على الله عز وجل.

ومسألة أخرى: إذا كان يكفي عائلته بكسبه، وعنده مال فله أن يتصدق بجميع هذا المال، وعلى هذا تحمل قصة الصديق رضي الله تعالى عنه، فإذا كان عنده مال قدره -مثلاً- عشرة آلاف ريال، ويكفي أهله بمكسبه، وهو موظف يأخذ في الشهر ألف ريال، أو ألفي ريال، فله أن يتصدق بهذه العشرة؛ لأنه لن يضيع أهله، فإنه سيكفيهم بمكسبه.

انتهى هذا الباب.

قال رحمه الله تعالى: (وصدقة التطوع مستحبة).

لما تكلم المؤلف رحمه الله: عن صدقة وزكاة المال، شرع في صدقة التطوع، ومن رحمة الله أن شرع مثل هذه السنن؛ لأن هذه الأصول العظيمة يعروها كثير من الخلل والنقص والسهو، فشرعت لها هذه الجوانب فصدقة التطوع مع أن فضلها عظيم وأجرها كبير عن الله سبحانه تعالى، فهي أيضاً تجبر الفراغ.

وقوله: (مستحبة) الأدلة على استحبابها أدلة كثيرة.

ثم قال رحمه الله: (وفي رمضان وأوقات الحاجة أفضل).

عندنا وقتان لصدقة التطوع:

الوقت الأول: وقت مطلق، أي: أنها مستحبة دائماً في أي زمان، وفي أي مكان، والأدلة على ذلك كثيرة مثل: قول الله عز وجل: وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:280]، مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:245].

الوقت الثاني: أوقات تتأكد فيها صدقة التطوع، وهي الأزمنة الفاضلة، في الأمكنة الفاضلة، في أوقات الحاجة، ومن الأزمنة الفاضلة -كما قال المؤلف رحمه الله- رمضان، ومثله العشر الأول من شهر ذي الحجة، ومثله الأمكنة الفاضلة الحرمين، ويدل لذلك: حديث ابن عباس قال: ( كان الرسول صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ).

وأوقات الحاجة كالشتاء وشدة البرد، أو حصول المجاعة والمسغبة ونحو ذلك، يعني: إذا حصل جدب، والقحط، والمسغبة، والمجاعة فيتأكد؛ لكن إذا تعارض فضل الزمان وشرف الحاجة أيهما يقدم؟ هل نقدم الحال أو نقدم الزمان؟ وكذلك إذا تعارض الحال مع المكان، فهل تتصدق في الحرمين، مع أنه يوجد في بلاد أخرى أشد حاجة؟ تصدق مثلاً في الزمن الفاضل مع وجود الحاجة في أزمنة أخرى ليست فاضلة؛ لكنها أشد حاجة؟

نقول: شرف الحاجة، والقاعدة في ذلك: أن الفضل المتعلق بذات العبادة أولى بالمراعاة من الفضل المتعلق بزمن العبادة أو مكان العبادة.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2814 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2725 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2674 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2639 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2636 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2554 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2549 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2524 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2518 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2493 استماع