خطب ومحاضرات
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [28]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله: [ ولا يجوز لمن تلزمه السفر في يومها بعد الزوال.
فصل: يشترط لصحتها شروط - ليس منها إذن الإمام - أحدها: الوقت, وأوله أول وقت صلاة العيد, وآخره آخر وقت صلاة الظهر, فإن خرج وقتها قبل التحريمة صلوا ظهراً, وإلا فجمعة.
الثاني: حضور أربعين من أهل وجوبها.
الثالث: أن يكونوا بقرية مستوطنين, وتصح فيما قارب البنيان من الصحراء, فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهراً, ومن أدرك مع الإمام منها ركعة أتمها جمعة, وإن أدرك أقل من ذلك أتمها ظهراً إذا كان نوى الظهر.
ويشترط تقدم خطبتين، من شرط صحتهما: حمد الله تعالى, والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم, وقراءة آية, والوصية بتقوى الله عز وجل, وحضور العدد المعتبر, ولا يشترط لهما الطهارة، ولا أن يتولاهما من يتولى الصلاة.
ومن سننهما: أن يخطب على منبر أو موضع عال, ويسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم, ثم يجلس إلى فراغ الأذان, ويجلس بين الخطبتين ويخطب قائماً, ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا, ويقصد تلقاء وجهه, ويقصر الخطبة, ويدعو للمسلمين، ولا يرفع يديه ].
تقدم لنا شيء من أحكام صلاة الجمعة, ومن ذلك ما يتعلق بفضلها, وسبب تسميتها بيوم الجمعة, وعلى من تجب, وإذا حضرها من تجب عليه لكن سقط عنه الحضور لعذر فإنها تنعقد به, ويؤتم به, ومن حضرها ممن لا تجب عليه هل تنعقد به؟ وهل يأتم به؟ تقدم الكلام على هذه المسائل، وهل تجب على المسافر؟
ثم قال رحمه الله: (ولا يجوز لمن تلزمه السفر في يومها بعد الزوال). تقدم لنا من تلزمه الجمعة, وهو كل ذكر حر مكلف, مستوطن ببناء يشمله اسم واحد. فمن تلزمه الجمعة وتجب عليه الجمعة هل له أن يسافر أو لا؟
نقول: سفره يوم الجمعة ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون ذلك قبل زوال الشمس, فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه إذا كان قبل الزوال يكره, إلا إذا كان سيأتي بها في طريقه, يعني: إذا كان هناك جمعة في طريقه فإنه لا كراهة وهذا الرأي الأول.
والرأي الثاني رأي الإمام مالك رحمه الله تعالى أنه لا يكره, ويجوز أن يسافر يوم الجمعة قبل الزوال, وإن كان الأولى أن لا يسافر.
والأقرب في هذه المسألة هو: ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله تعالى أن السفر الأصل فيه الجواز, ومن تلزمه الجمعة حتى الآن لم يخاطب بالوجوب؛ إذ إن الوجوب إنما يكون بعد الزوال، فالصواب أنه لا كراهة, وأيضاً: الكراهة حكم شرعي يفتقر إلى الدليل الشرعي.
أما القسم الثاني وهو: السفر بعد زوال الشمس, فيقول المؤلف رحمه الله تعالى بأنه يحرم، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم, أنه يحرم ولا يجوز، ويدل لذلك أنه مخاطب بالجمعة؛ إذ بعد الزوال دخل وقت صلاة الجمعة -كما سيأتينا إن شاء الله- والله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9].
لكن يستثنى من ذلك ما إذا كان سيأتي بها في طريقه؛ لأن المقصود هو حضور الجمعة, فإذا كان في طريقه على بعد كيلوات وسيتمكن من حضور صلاة الجمعة مع الإمام فإن التحريم يسقط.
ويستثنى أيضاً ما إذا كان هناك ضرورة, والفقهاء يقولون: إذا خشي فوات رفقته فإنه يسقط عليه حضور الجمعة, ومثل ذلك في وقتنا الحاضر إذا خشي فوت الطائرة أو فوت سائر المراكب فإنه في هذه الحالة يسقط عنه حضور الجمعة.
قال رحمه الله: (فصل: يشترط لصحتها شروط - ليس منها إذن الإمام-).
إذن الإمام لإقامة الجمعة
واستدلوا على ذلك بأن علياً رضي الله عنه صلى بالناس وعثمان محصور, وأقره الصحابة رضي الله تعالى عنهم على ذلك.
والرأي الثاني: رأي أبي حنيفة رحمه الله أنه يشترط إذن الإمام, وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وهذا الرأي الأول.
والأقرب في هذه المسألة: ما ذهب إليه جمهور أهل العلم, أنه لا يشترط إذن الإمام في إقامة صلاة الجمعة؛ لأن الجمعة فرض, وإذا خوطب بها من لزمته وجب عليه أن يقيمها، ولا حاجة إلى استئذان الإمام، ولما تقدم من أن علياً رضي الله تعالى عنه صلى بالناس وعثمان رضي الله تعالى عنه محصور.
لكن يستثنى من ذلك مسألتان:
المسألة الأولى: ما يتعلق بتعدد الجمعة؛ لأن الجمعة لا تتعدد إلا لحاجة, وهذا موضع اجتهاد, فقد يسوغ إقامة جمعة ثانية وقد لا يسوغ, فنحتاج إلى اجتهاد الإمام.
المسألة الثانية: إذا كان هناك أنظمة سنها الإمام الأعظم، ومن تلك الأنظمة أنها لا تقام الجمعة إلا بعد الرجوع إلى النظام، أو إلى من وكل كوزارة الأوقاف ونحو ذلك فإنه يرجع إليه.
وقت صلاة الجمعة وكيفية صلاة من فاته
الشرط الثاني: الوقت؛ فصلاة الجمعة لا تصح إلا في وقتها، ويدل لذلك ما سيأتينا من حديث أنس وحديث سلمة وحديث أبي هريرة . فالأئمة متفقون على أن الجمعة لها وقت محدد, لكنهم اختلفوا في تحديد أوله وآخره.
وهنا بينه المؤلف رحمه الله فقال: (وأوله أول وقت صلاة العيد). وسيأتينا بأن أول وقت صلاة العيد هو بعد ارتفاع الشمس قيد رمح, إذا طلعت الشمس وارتفعت قدر رمح وهو ما يقارب المترين كما تقدم لنا، ويقدر بالدقائق بما يقرب من ثنتي عشرة دقيقة, فحينئذ خرج وقت النهي ودخل وقت صلاة الضحى، ووقت صلاة العيد، ووقت صلاة الجمعة، كما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى.
قال: (وأوله أول وقت صلاة العيد), ولم يقل: وأوله من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح, مع أنه لو قال: من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح لكان أوضح, ولكنه عدل عن ذلك لفائدتين:
الفائدة الأولى: تمرين طالب العلم على الاستذكار والمراجعة؛ لأنه إذا قال: أوله أول وقت صلاة العيد فستحتاج أن تراجع وتستذكر ما هو أول صلاة العيد, ففيها فائدة تربوية لطالب العلم.
والفائدة الثانية: جمع العلم وتسهيل حفظه, فإذا قال لك ذلك تفهم أن وقت صلاة العيد يبدأ من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح, وأيضاً وقت صلاة الجمعة يبدأ من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح, فيكون عندنا صلاتان تشتركان في هذا الحكم، ففيه هاتان الفائدتان.
وهذا هو المشهور من المذهب بأن أول وقت صلاة الجمعة يبدأ من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، وهذه المسألة من مفردات مذهب الحنابلة رحمهم الله تعالى وهذا الرأي الأول في المسألة.
والرأي الثاني: رأي جمهور أهل العلم أنها تبدأ من بعد الزوال كصلاة الظهر.
والرأي الثالث: رأي الخرقي رحمه الله أنها تبدأ في الساعة السادسة.
ولكل منهم دليل, أما الحنابلة الذين قالوا بأنها تبدأ من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح فاستدلوا بحديث جابر رضي الله تعالى عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة، ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين الزوال ). فدل ذلك على أن الصلاة حصلت قبل الزوال؛ لأنهم يذهبون إلى جمالهم وقت الزوال يريحونها، وهذا من أقوى ما يستدل به الحنابلة رحمهم الله تعالى.
ويستدلون أيضاً بحديث عبد الله بن سيدان السلمي لكنه ضعيف، قال: شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت خطبته وصلاته قبل الزوال, ثم شهدتها مع عمر فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول انتصف النهار. رواه الدارقطني وغيره, وهو ضعيف لا يثبت.
وكذلك أيضاً قالوا بأنه وارد عن بعض الصحابة كـابن مسعود ومعاوية وجابر .
وأما الذين قالوا برأي الجمهور وأنها تفعل بعد الزوال فاستدلوا بحديث أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس ). وهذا الحديث في البخاري .
ومثله حديث سلمة بن الأكوع في الصحيحين قال: ( كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ). وهذه الأحاديث ظاهرة.
وأما ما ذهب إليه الخرقي رحمه الله أنها تفعل في الساعة السادسة، فاستدل على ذلك بحديث أبي هريرة في الصحيحين: ( من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة, ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة, ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن, ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة, فإذا دخل الإمام... ). دل ذلك على أن دخول الإمام بعد الخامسة وقبل السادسة, والزوال يكون بعد السادسة, فهو لما ذكر خمس ساعات قال بعدها: ( فإذا دخل الإمام ). هذا بعد الخامسة, مما يدل على أنها تفعل في السادسة.
والأحوط في هذه المسألة هو: ما ذهب إليه جمهور العلماء رحمهم الله تعالى.
أما قول الحنابلة وأنها تفعل كصلاة العيد فهذا فيه نظر، وما ذهب إليه الجمهور هذا هو الأحوط والأبرأ للذمة, لكن لو أن الإمام قدمها شيئاً قبل الزوال فيظهر لي والله أعلم أنه لا يقال: إنها كصلاة الظهر, فصلاة الظهر لو أحرم قبل الظهر انقلبت صلاته نفلاً, لكن هنا لو قدمها قبل الزوال بشيء يسير فنقول: له مسوغ؛ فمن حديث جابر المتقدم قال: ( نذهب إلى جمالنا فنريحها حين الزوال ). وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قدمها قبل الزوال.
والحديث الذي استدل به الخرقي حديث أبي هريرة قال: ( فإذا دخل الإمام ), بعد الخامسة إلى آخره. فنقول: لو قدمت قبل الزوال هذا لا بأس به إن شاء الله.
هذا بالنسبة لأول الوقت, أما آخر وقتها هو آخر وقت صلاة الظهر باتفاق الأئمة, وآخر وقت صلاة الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال.
وأما بالنسبة لوقت الاستحباب, هل يشرع أن تأخر في شدة الحر إلى أن يبرد بها أو لا يشرع؟
جمهور العلماء يقولون: الأفضل أن تفعل في أول وقتها كما عليه الناس اليوم, ولا يشرع أن يبرد بها حتى في شدة الحر؛ لما تقدم من حديث سلمة قال: ( كنا نجمع إذا زالت الشمس ).
وحديث أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس ).
وأيضاً: لو قلنا بالإبراد كما يقول بعض الشافعية للزم من ذلك المشقة على الناس, فالإبراد شرع للتخفيف على الناس, فلا تكون الرخصة مشقة؛ لأن الناس يشرع لهم أن ينتابوا الجمعة مبكرين, فإذا جاء الناس في الساعة الأولى ثم قلنا: يبردون إلى قرب العصر لا شك أنه سيكون هناك مشقة شديدة عليهم.
فالصواب في ذلك: أن الاستحباب أنها تفعل في أول الوقت.
قال رحمه الله: (فإن خرج وقتها قبل التحريمة صلوا ظهراً, وإلا فجمعة).
ويؤخذ من ذلك أنهم إذا كبروا للإحرام قبل خروج الوقت أنهم يصلونها جمعة, أما إذا خرج الوقت قبل أن يكبروا للإحرام فإنهم يصلونها ظهراً. فنأخذ من هذا أن وقت الجمعة يدرك بتكبيرة الإحرام.
والحنابلة يفرقون بين وقت الجمعة وبين صلاة الجمعة, فيقولون بأن وقت الجمعة يدرك بتكبيرة, وصلاة الجمعة تدرك بركعة. هذا المشهور من المذهب؛ التفريق بين الوقت وبين الصلاة. والصواب: أنه لا فرق.
والقاعدة على المذهب: أن الإدراكات تتعلق بتكبيرة إلا فيما يتعلق بصلاة الجمعة, فإن الإدراك يتعلق فيها بركعة.
والصواب في ذلك كما قلنا: لا فرق بين الوقت وبين الصلاة, وأن وقت صلاة الجمعة لا يدرك إلا بركعة. وعلى هذا إذا صلوا ركعة قبل خروج الوقت أتموا جمعة, أما إذا ما أدركوا ركعة فإنهم يصلونها ظهراً، ويدل لذلك ما سلف من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ).
العدد الذي تنعقد به الجمعة
وهناك فرق بين اشتراط الجماعة واشتراط العدد؛ فالجماعة شرط بالاتفاق, فالجمعة لا تصح من غير جماعة بخلاف بقية الصلوات، كالظهر تصح من غير جماعة فتصح من الواحد, لكن الجمع يشترط لها الجماعة بالاتفاق.
وأما العدد فاختلف العلماء رحمهم الله في قدر جماعة الجمعة, المؤلف رحمه الله تعالى يرى أنهم أربعون، وهذا المشهور من مذهب الشافعية, فالشافعية والحنابلة يرون أن الجمعة أربعون, واستدلوا على ذلك بأن مصعب بن عمير لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لما جاء يوم الجمعة جمع بهم وكانوا أربعين. لكن هذا الحديث نقول بأنه جاء على سبيل الاتفاق، وكما سلف: ما كان اتفاقاً فإنه لا يكون شرعاً.
وأيضاً يستدلون بحديث جابر : ( مضت السنة أنه في كل أربعين جمعة وأضحى وفطر ). رواه الدارقطني , وهو ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الرأي الأول.
الرأي الثاني: أن عدد الجمعة اثنا عشر, وقد ذهب إليه طوائف من السلف: كـربيعة والزهري والأوزاعي , واستدلوا على ذلك بأن الله سبحانه وتعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ [الجمعة:9-10], إلى أن قال: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا أنفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجمعة:11]. فقالوا بأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم انفضوا ما بقي منهم إلا اثنا عشر رجلاً.
والرأي الثالث عند الحنفية: أنها تصح بأربعة, ويستدلون بحديث أم عبد الله الدوسية : ( الجمعة واجبة على كل قرية فيها إمام وإن لم يكن فيها إلا أربعة ), وفي رواية: ( وإن لم يكونوا إلا أربعة ). وهو ضعيف.
والرأي الرابع: أنها تنعقد بثلاثة, وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ لأن أقل الجماعة اثنان, والخطبة لا بد لها من جماعة, وأقل الجماعة اثنان, واحد يخطب, واثنان يستمعان.
والرأي الخامس: عند ابن حزم رحمه الله واختاره الشوكاني أن أقل الجمعة اثنان؛ لأن أقل الجماعة هما اثنان.
وأقرب الأقوال في هذه المسألة: ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى, لأن الخطبة لا بد لها من جماعة, وأقل الجماعة اثنان, واحد يخطب واثنان يستمعان.
صلاة الجمعة للمستوطنين في البنيان أو قريباً منها
ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الأعراب حول المدينة بأن يقيموا صلاة الجمعة.
قال رحمه الله: (وتصح فيما قارب البنيان من الصحراء).
يعني: لو أن أهل البلد خرجوا وفعلوا الجمعة قريبة خارج البلد تصح، وإنما نص عليها لأن بعض أهل العلم قال: لا تصح إلا في الجامع, لكن يقول المؤلف: إنه لا بأس لو أن أهل البلد خرجوا وقالوا: نصلي اليوم الجمعة في أطراف البلد. ويفهم من ذلك: أنهم إذا تباعدوا عن البلد لا يصلون. ويدل لذلك أن أسعد بن زرارة رضي الله تعالى عنه أول من جمع في حرة بني بياضة, وحرة بني بياضة تبعد عن المدينة بمقدار ميل. رواه أبو داود والدارقطني والبيهقي , وإسناده حسن.
فنفهم أن الناس لو خرجوا من البلد وفعلوا الجمعة لهم حالتان:
الحالة الأولى: أن يتباعدوا كثيراً عرفاً, فلا تصح جمعتهم.
الحالة الثانية: أن يكونوا قريبين من البلد, فنقول بأن هذا صحيح.
نقص عدد المصلين قبل إتمام الجمعة وأثره على صحتها
يقول: لا بد من العدد, وذكرنا الخلاف فيه، فإذا نقص واحد قبل نهاية صلاة الجمعة -حتى لو حصل له عذر, ثم خرج من الصلاة- قبل إتمامها استأنفوا ظهراً، يعني: يبدءون من جديد صلاة ظهر؛ لأنهم ما نووا الظهر, فيستأنفون من جديد صلاة الظهر. هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، وبهذا نعرف أن العدد لا بد منه إلى نهاية الصلاة على المذهب وهذا الرأي الأول.
والرأي الثاني: إن صلوا ركعة فإنهم يتمونها جمعة, وإن لم يصلوا ركعة فيستأنفون ظهراً. وهذا ما ذهب إليه الموفق رحمه الله تعالى.
ودليل ذلك حديث أبي هريرة المشهور: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ). فالصواب في ذلك أن الأمر معلق بإدراك ركعة.
والذي يظهر والله أعلم: أنه إذا نقص العدد قبل إكمال ركعة فإنهم ينوونها ظهراً، وحينئذ تكون هذه المسألة من المسائل التي تستثنى من قاعدة الانتقال من معين إلى معين, وسبق أن ذكرنا في شرط النية في شروط الصلاة أن الأصل أن الانتقال من معين إلى معين لا يصح, فمثلاً: كان يصلي الظهر ثم ذكر أنه ما صلى الفجر فانتقل من صلاة الظهر إلى صلاة الفجر بطلت التي انتقل منها, ولم تنعقد التي انتقل إليها؛ بطلت التي انتقل منها لأنه قطع نيتها, ولم تنعقد التي انتقل إليها لأنه لم ينوها من أول الصلاة. لكن هذه المسألة مستثناة.
نظير ذلك: إذا فات الإنسان شيء من الركعات، فلو جاء وما أدرك ركعة من الجمعة، فيجب عليه أن يصلي ظهراً إذا نوى الظهر, أما إذا لم ينو الظهر فيتمها نفلاً ثم يصلي الظهر مرة أخرى, فلو أن رجلاً جاء والإمام قد رفع من الركوع في الركعة الثانية فقد فاتته الصلاة, وكبر مع الإمام ثم سلم الإمام, وتبين أنه ما أدرك شيئاً من ركعات الإمام، المذهب إن كان قد نوى عند تكبيرة الإحرام أنها ظهر يصلي أربعاً, وإن كان لم ينو أتمها نفلاً, ثم بعد ذلك يصلي الظهر بعد نهاية المسألة الصلاة.
ما يدرك به المأموم الجمعة مع الإمام
وهذا أشرنا إليه أنهم يفرقون بين إدراك الوقت وبين إدراك الصلاة؛ فإدراك الوقت يكون بتكبيرة, وأما إدراك الصلاة فإنه يكون بركعة.
والصواب في ذلك: أنه لا فرق، وأن كلاً من الصلاة والوقت يدرك بركعة؛ لحديث أبي هريرة السالف: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ).
قال رحمه الله: (وإن أدرك أقل من ذلك أتمها ظهراً إذا كان نوى الظهر).
وتكلمنا على هذه المسألة وقلنا: إذا جاء والإمام قد رفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية فإن نوى ظهراً يصليها ظهراً, ولا بد أن يكون وقت الظهر قد دخل؛ لأنهم على المذهب يجوزون الجمعة قبل الزوال.
صلاة الجمعة يشترط لصحتها شروط, يقول المؤلف رحمه الله: ليس منها إذن الإمام، يعني: أن من لزمتهم الجمعة وتوفرت فيهم شروطها فإنه لا يجب عليهم أن يستأذنوا الإمام الأعظم أو نائبه إذا أرادوا أن يصلوا الجمعة، وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء رحمهم الله.
واستدلوا على ذلك بأن علياً رضي الله عنه صلى بالناس وعثمان محصور, وأقره الصحابة رضي الله تعالى عنهم على ذلك.
والرأي الثاني: رأي أبي حنيفة رحمه الله أنه يشترط إذن الإمام, وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وهذا الرأي الأول.
والأقرب في هذه المسألة: ما ذهب إليه جمهور أهل العلم, أنه لا يشترط إذن الإمام في إقامة صلاة الجمعة؛ لأن الجمعة فرض, وإذا خوطب بها من لزمته وجب عليه أن يقيمها، ولا حاجة إلى استئذان الإمام، ولما تقدم من أن علياً رضي الله تعالى عنه صلى بالناس وعثمان رضي الله تعالى عنه محصور.
لكن يستثنى من ذلك مسألتان:
المسألة الأولى: ما يتعلق بتعدد الجمعة؛ لأن الجمعة لا تتعدد إلا لحاجة, وهذا موضع اجتهاد, فقد يسوغ إقامة جمعة ثانية وقد لا يسوغ, فنحتاج إلى اجتهاد الإمام.
المسألة الثانية: إذا كان هناك أنظمة سنها الإمام الأعظم، ومن تلك الأنظمة أنها لا تقام الجمعة إلا بعد الرجوع إلى النظام، أو إلى من وكل كوزارة الأوقاف ونحو ذلك فإنه يرجع إليه.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] | 2818 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] | 2731 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] | 2677 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] | 2644 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] | 2640 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] | 2558 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] | 2554 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] | 2528 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] | 2521 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] | 2498 استماع |