شرح الأصول الثلاثة [9]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال: [وقوله: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا [آل عمران:64] ]. هذا معنى كلمة لا إله إلا الله، هذا دليل لشهادة أن لا إله إلا الله كما تقدم لنا معناها: لا معبود حق إلا الله عز وجل، والله عز وجل يخاطب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم لمناظرة أهل الكتاب قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا [آل عمران:64]: هلموا وأقبلوا، إِلَى كَلِمَةٍ [آل عمران:64]: هي كلمة لا إله إلا الله، أي: هذه الكلمة, الكلمة هي قوله: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا [آل عمران:64] وقوله: سَوَاءٍ [آل عمران:64] يعني: نحن وإياكم فيها سواء.

قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، ليس هناك فرق بين اليهود ولا النصارى، فالكل متساوون، وأنه لا معبود حق إلا الله عز وجل.

إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:64]، يعني: لا يتخذ بعضنا بعضاً رباً من دون الله عز وجل، يعني سوى الله عز وجل.

يعني: يجعله رباً إما في الألوهية أو في الربوبية، في الألوهية يصرف له نوعاً من أنواع العبادة، أو في الربوبية يجعله هو المتصرف وحده، وأن الحكم إليه وحده، وهو الخالق وحده، والرازق وحده... إلى آخره.

فَإِنْ تَوَلَّوْا [آل عمران:64] يعني: أعرضوا، فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64] يعني: أشهدوهم أنكم مسلمون، وأنكم بريئون من إعراضهم وتوليهم.

قال: [ودليل شهادة أن محمداً رسول الله: قوله تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله: طاعته في ما أمر، وتصديقه في ما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر].

قوله: مِنْ أَنفُسِكُمْ [التوبة:128] أي: من جنسكم، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2] .

لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ [التوبة:128] يعني: يشق عليه. (ما عنتم) يعني: عنتكم الذي يشق عليكم، يشق عليه ما يشق عليكم.

حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ [التوبة:128] أي: حريص على منفعتكم وهدايتكم.

بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، أي: ذو رأفة ورحمة بالمؤمنين، وخص المؤمنون بذلك؛ لأن الله عز وجل أمر بجهاد الكافرين.

قوله: (واجتناب ما نهى عنه وزجر)، مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله أن نجتنب النواهي، ودليل ذلك قول الله عز وجل: وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه).

قال: [وألا يعبد الله إلا بما شرع].

لا نتعبد بأي عبادة إلا بعبادة جاءت في القرآن أو في السنة، ودليل ذلك قول الله عز وجل: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65]، لا يقول: ماذا أجبتم فلانا وفلانا؟ ولكن يقول: (ماذا أجبتم المرسلين).

وأيضاً قول الله عز وجل: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، فلا يشرع من الدين إلا ما أذن الله عز وجل به.

وأيضاً حديث عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، يعني: أن عمله مردود عليه.

قال: [ودليل الصلاة والزكاة].

دليل الصلاة والزكاة ظاهر في قول الله عز وجل: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43] ، وكما تقدم من حديث ابن عمر : (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة).

قال: [ودليل الصلاة والزكاة وتفسير التوحيد: قوله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ [البينة:5].

فقوله: لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5] هذا هو التوحيد، إفراد الله بالعبادة ونفي عبادة من سواه.

فإثبات العبادة: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ [البينة:5].

مُخْلِصِينَ [البينة:5]: نفي عبادة من سواه، ومقتضى الاختلاف أن لا تصرف أي عبادة لغير الله عز وجل، حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5]، يعني: دين الملة، (القيمة): التي لا اعوجاج فيها، وقوله: (حنفاء) أي: مائلين عن الشرك.

[ودليل الصيام: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] ].

وأيضاً ما تقدم من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.

وقوله: كُتِبَ [البقرة:183] هذا يدل على أنه فرض.

[ودليل الحج: قوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97] ].

قال: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ [آل عمران:97]: هذا يدل على الوجوب.

وقوله: (ومن كفر): يدل على أن من ترك الحج مع قدرته عليه أنه يكفر، لكن هذا كفر أصغر، وليس كفراً أكبر؛ لأن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما كانوا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97].

وقوله: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ [آل عمران:97] هذه من صيغ الوجوب على الناس.

وأيضاً قوله: كَفَرَ [آل عمران:97] هذا يدل على الوجوب... إلى آخره.

قال: [المرتبة الثانية: الإيمان، وهو بضع وسبعون شعبة، فأعلاها: قول: لا اله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان].

الإيمان في اللغة: التصديق.

وأما في الاصطلاح: فهو اعتقاد بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان.

قال: [وهو بضع وسبعون شعبة] البضع: هو من الثلاثة إلى التسعة، والشعبة: الجزء من الشيء، فأعلاها: قوله: لا إله إلا الله، يعني: أن الإيمان ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: الإيمان العام الذي يشمل الدين كله، هذا بينه النبي صلى الله عليه وسلم: (أعلاه قول: لا إله إلا الله)، يعني: أعلى مراتب الإيمان قول: لا إله إلا الله -التوحيد- ليس فيه أشكال، وأدنى مراتبه: إماطة الأذى عن الطريق، هذا من حيث الإيمان العام.

الإيمان الخاص: العقيدة.

قال: (فأعلاها: قول: لا إله إلا الله) وقد سبق تفسيرها، (وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق)، يعني: إزالة ما يؤذي المارة من أحجار وأشواك وغير ذلك.

قال: (والحياء) الحياء صفة تكون عند الإنسان تمنعه من فعل ما يخالف المروءة، (شعبة) جزء من الشيء، والحياء شعبة من الإيمان، هذا باعتبار الإيمان العام الدين كله.

قال: [وأركانه ستة].

يعني: أركان الإيمان ستة، وهذا باعتبار الإيمان الخاص.

الركن الأول: الإيمان بالله

فالإيمان الخاص: [أن تؤمن بالله]، الإيمان بالله يشمل أموراً: الإيمان بوجوده، الإيمان بألوهيته، الإيمان بربوبيته، الإيمان بأسمائه وصفاته.

فقوله: (أن تؤمن بالله)، هذا يشمل أموراً أربعة:

الأمر الأول: أن تؤمن بوجود الله عز وجل، أن تؤمن بألوهيته، أن تؤمن بربوبيته، أن تؤمن بأسمائه وصفاته.

الإيمان بوجود الله عز وجل دل على ذلك الفطرة، والحس، والعقل، والشرع. هذه أربعة أدلة.

أما الفطرة فكل مخلوق قد فطر على الإيمان بوجود الله عز وجل، ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام: (ما من مولود يولد إلا على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه)، حتى البهائم مفطورة على الإيمان بوجود الله عز وجل؛ ولهذا إذا أوذيت بعض البهائم تصيح برأسها إلى السماء، هذا ما يدل على أنها مفطورة، وقد ورد (أن سليمان عليه السلام خرج يستسقي، فوجد نملةً على ظهرها رفعت قوائمها إلى السماء وقالت: إنا خلق من خلقك ليس بنا غنىً عن رزقك)، وإن كان الحديث ضعيفاً لكن نذكره هنا للاستئناس فقط، ونقول: ما من مخلوق إلا وقد فطر على الإيمان بوجود الله عز وجل حتى الحيوان.

سبحانك اللهم وبحمدك.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح الأصول الثلاثة [7] 2816 استماع
شرح الأصول الثلاثة [6] 2304 استماع
شرح الأصول الثلاثة [13] 2172 استماع
شرح الأصول الثلاثة [14] 2065 استماع
شرح الأصول الثلاثة [4] 2010 استماع
شرح الأصول الثلاثة [12] 1943 استماع
شرح الأصول الثلاثة [2] 1882 استماع
شرح الأصول الثلاثة [10] 1858 استماع
شرح الأصول الثلاثة [5] 1849 استماع
شرح الأصول الثلاثة [3] 1705 استماع