خطب ومحاضرات
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [12]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله: [ومن الفروق الضعيفة: تفريق الأصحاب رحمهم الله بين الشفعة فتجب المبادرة بطلبها، فإن تأخر بعد العلم ولو يسيراً بطلت، وأما بقية الحقوق فلا يسقطها إلا ما يدل على إسقاطها من قول أو فعل.
والصواب أن الشفعة كغيرها؛ لأن الشارع أثبتها للشفيع، وأجمع العلماء عليها، فأي دليل يدل على سقوطها إلا رضا الشفيع بإسقاطها قولاً أو فعلاً].
هذا أيضاً من الفروق الضعيفة التي ذكرها المؤلف رحمه الله بين الشفعة وبقية الحقوق، وأن الشفعة تجب المبادرة بها، وإذا لم يبادر بطلبها فإنه يسقط حقه من الشفعة على المشهور من المذهب.
فمثلاً لو أن زيداً وعمراً شريكان في أرض، فباع زيدٌ نصيبه من هذه الأرض على صالح، فإن الشريك عمراً له أن يشفع فيأخذ النصيب بالثمن الذي استقر عليه العقد، فلعمرٍ أن يشفع على صالح -المشتري الجديد- ويعطيه ما دفعه لشريكه زيد، ويأخذ النصيب كله، ويستقل بهذه الأرض.
يقول المؤلف رحمه الله: المذهب يوجبون المبادرة بالشفعة، أما بقية الحقوق فلا تجب المبادرة عندهم. فمثلاً خيار العيب لا تجب المبادرة به، فلو أن الإنسان اشترى سلعة ووجد بها عيباً فلا يجب عليه أن يبادر، فلو اختار الفسخ بعد يوم أو يومين فإن هذا لا بأس به، إذا لم يضر المشتري، فحق الخيار مقيد بالخيار.
قال رحمه الله: [والصواب أن الشفعة كغيرها؛ لأن الشارع أثبتها للشفيع، وأجمع العلماء عليها، فأي دليلٌ يدل على سقوطها إلا رضا الشفيع بإسقاطها قولاً أو فعلاً.
والأحاديث التي استدلوا بها كلها ضعيفة لا تقوم بها حجة كالحديث الذي فيه: ( الشفعة لمن واثبها )، و( الشفعة كحل العقال ).
فظاهر النصوص الصحيحة عدم اعتبار ما قالوه من وجوب المبادرة جداً، نعم لا يضر الشريك المشتري بتأخير الاختيار، كما لا يضر الشفيع بدفعه كدفع الصائل].
فالصواب في ذلك: أن اشتراط المبادرة بأخذ الشفعة غير صحيح، وأنه لا بأس للشريك أن يشفِّع حتى وإن لم يبادر، فلا بأس أن يؤخر يوماً، أو يومين، أو ثلاثة أيام، يستخير أو يستشير، أو ينظر هل عنده مال أو لا؟ لكن بشرط ألا يكون هناك ضرر على المشتري؛ لأن المشتري سيكون معلَّقاً: إما أن الشريك يشفِّع وإما أنه لا يشفِّع.
ولهذا اشترط ألا يضر الشريك المشتري بتأخير الاختيار، كما لا يضر الشفيع بدفعه كدفع الصائل.
فكون الشفيع يدفع للمشتري الجديد ويأخذ النصيب، يكون دفعه بعدم الضرر، بحيث أنه لا يؤخر الاختيار، كما أن الإنسان إذا صال عليه شيء يدفعه بالأسهل فالأسهل.
قال رحمه الله: [ومن الفروق الصحيحة: جعلهم اللقطة ثلاثة أقسام: ما لا يجوز التقاطه مطلقاً كالذي يمتنع من صغار السباع كالإبل، ونحوها ].
ما لا يجوز التقاطه لامتناعه
ما لا يجوز التقاطه مطلقاً كالذي يمتنع من صغار السباع كالإبل، ونحوها.
وهذا دليله قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث زيد بن خالد الجهني لما سئل رسول الله عن لقطة الإبل فقال: ( ما لك ولها؛ معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها ).
والأحسن أن يقال: ما يتحفظ بنفسه لا يجوز التقاطه، والذي يتحفظ بنفسه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون حيواناً كالإبل ونحوه مما يمتنع عن صغار السباع، إما يمتنع عن صغار السباع؛ لكبر جثته، أو يمتنع لطيرانه، أو يمتنع لسرعة عدوه.. ونحو ذلك، فإنه لا يجوز التقاطه.
ما لا يجوز التقاطه لتحفظه بنفسه
ما يجوز التقاطه ويملك في الحال
هذا القسم الثاني: وقيّد العلماء بأوساط الناس، فلا عبرة بأشرافهم؛ لأن الأشراف قد لا يهتمون بالشيء الكثير، وكذلك لا عبرة بأراذل الناس؛ لأن أراذل الناس أيضاً قد يهتمون بالشيء الحقير جداً، فالعبرة بأوساطهم، فهذا يُملك في الحال ولا يجب تعريفه، مثل الريال، والريالين، والقلم الذي يكون ثمنه قدر هذه الأشياء.. ونحو ذلك، إلا إذا كان يعرف صاحبه فإنه يجب أن يدفعه إليه، لكن إذا كان لا يعرف صاحبه فإنه يملكه في الحال.
ولو أنه أستنفقه أو أستهلكه كما لو كان طعاماً أو شيئاً من الخضار أو الفواكه فأكله ثم عرف صاحبه، فإنه لا شيء عليه.
ما يجوز التقاطه وتملكه بعد التعريف
ما يجوز التقاطه بشرط تعريفه يشمل أمرين:
الأمر الأول: الحيوان. وهو ما لا يمتنع من صغار السباع، مثل: الحمار، والشاة، والدجاج، والأرانب.. ونحو ذلك.
الأمر الثاني: ما تتبعه همة أوساط الناس، ولا يتحفظ بنفسه من المال، كالذهب، والفضة، والأوراق النقدية، والثياب، والأواني... ونحو ذلك مما يدخل تحت هذا الضابط، فهذا يعرّف لمدة حول كامل.
هذه التقسيمات من الفقهاء رحمهم الله تقسيمات صحيحة حيث جعلوا اللقطة ثلاثة أقسام:
ما لا يجوز التقاطه مطلقاً كالذي يمتنع من صغار السباع كالإبل، ونحوها.
وهذا دليله قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث زيد بن خالد الجهني لما سئل رسول الله عن لقطة الإبل فقال: ( ما لك ولها؛ معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها ).
والأحسن أن يقال: ما يتحفظ بنفسه لا يجوز التقاطه، والذي يتحفظ بنفسه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون حيواناً كالإبل ونحوه مما يمتنع عن صغار السباع، إما يمتنع عن صغار السباع؛ لكبر جثته، أو يمتنع لطيرانه، أو يمتنع لسرعة عدوه.. ونحو ذلك، فإنه لا يجوز التقاطه.
القسم الثاني: مال يتحفظ بنفسه، وهذا لا يجوز التقاطه مثل: الأحجار الكبيرة، والقدور الكبيرة، والمحركات الكبيرة، والأخشاب الكبيرة.. ونحو ذلك، فهذه الأشياء التي لا تبرح عن مكانها لا يجوز التقاطها، بل تترك في مكانها حتى يجدها ربها.
قال رحمه الله: [وما يجوز التقاطه ويملك في الحال وهو ما لا تتبعه همة أوساط الناس كالأشياء الطفيفة].
هذا القسم الثاني: وقيّد العلماء بأوساط الناس، فلا عبرة بأشرافهم؛ لأن الأشراف قد لا يهتمون بالشيء الكثير، وكذلك لا عبرة بأراذل الناس؛ لأن أراذل الناس أيضاً قد يهتمون بالشيء الحقير جداً، فالعبرة بأوساطهم، فهذا يُملك في الحال ولا يجب تعريفه، مثل الريال، والريالين، والقلم الذي يكون ثمنه قدر هذه الأشياء.. ونحو ذلك، إلا إذا كان يعرف صاحبه فإنه يجب أن يدفعه إليه، لكن إذا كان لا يعرف صاحبه فإنه يملكه في الحال.
ولو أنه أستنفقه أو أستهلكه كما لو كان طعاماً أو شيئاً من الخضار أو الفواكه فأكله ثم عرف صاحبه، فإنه لا شيء عليه.
قال رحمه الله: [وما يجوز التقاطه بشرط تعريفه حولاً كاملاً، فإن لم يُعرف ملكه الملتقط وهو باقي المال].
ما يجوز التقاطه بشرط تعريفه يشمل أمرين:
الأمر الأول: الحيوان. وهو ما لا يمتنع من صغار السباع، مثل: الحمار، والشاة، والدجاج، والأرانب.. ونحو ذلك.
الأمر الثاني: ما تتبعه همة أوساط الناس، ولا يتحفظ بنفسه من المال، كالذهب، والفضة، والأوراق النقدية، والثياب، والأواني... ونحو ذلك مما يدخل تحت هذا الضابط، فهذا يعرّف لمدة حول كامل.
قال رحمه الله: [ومن الفروق الصحيحة قولهم: الولد يتبع أباه في النسب، وأمه في الحرية أو الرق، وفي الدين خيرهما، وفي النجاسة وتحريم الأكل أخبثهما].
الفرق من جهة النسب
ففي النسب يُنسب إلى أبيه ولا يُنسب إلى أمه، فمثلاً: زيدٌ تزوج فاطمة فأنجبت ولداً أو بنتاً فإنها تنسب أو يُنسب إلى أبيه؛ لقول الله عز شأنه: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5].
الفرق من جهة الحرية والرق
ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: إذا تزوج الحر رقيقة رق نصفه؛ لأن أولاده سيكونون أرقاء تبعاً لأمهم.
الفرق من جهة الدين
ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه ).
الفرق من جهة النجاسة وحرمة الأكل
وهذا بناء على أن الحمار نجس، لكن لو أن الذئب نزا على الضبع، الضبع طاهرة والذئب نجسة، فإذا أنجبت فإنه يغلّب جانب النجاسة.
من الفروق الصحيحة قولهم: إن الولد يتبع أباه في النسب.
ففي النسب يُنسب إلى أبيه ولا يُنسب إلى أمه، فمثلاً: زيدٌ تزوج فاطمة فأنجبت ولداً أو بنتاً فإنها تنسب أو يُنسب إلى أبيه؛ لقول الله عز شأنه: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5].
وفي الحرية أو الرق يتبع أمه، فلو أن زيداً حر تزوج رقيقة، فإن أولاده من هذه الرقيقة يكونون أرقاء.. تابعين لأمهم.
ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: إذا تزوج الحر رقيقة رق نصفه؛ لأن أولاده سيكونون أرقاء تبعاً لأمهم.
وفي الدين يتبع خيرهما، فلو أن مسلماً تزوج نصرانية وأنجبت ولداً فإنه يتبع أباه، فلو مات هذا الولد فإننا نعامله بأحكام المسلمين فيغسل ويكفّن، تبعاً لأبيه.. كما لو مات أبوه، ولو بلغ فإنه يطالب بشرائع الإسلام.
ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه ).
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [15] | 2288 استماع |
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [6] | 2116 استماع |
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [10] | 1836 استماع |
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [9] | 1822 استماع |
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [8] | 1814 استماع |
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [2] | 1776 استماع |
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [5] | 1629 استماع |
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [14] | 1615 استماع |
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [4] | 1598 استماع |
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [11] | 1574 استماع |