شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [11]


الحلقة مفرغة

قال رحمه الله تعالى: [ومن ذلك أن التكبير في الصلاة ثلاثة أقسام:

قسمٌ ركن: وهي تكبيرة الإحرام، وتكبيرات الجنازة كلها.

وقسمٌ مستحب: وهي تكبيرة المسبوق الذي أدرك إمامه راكعاً ينبغي له أن يكبّر للركوع.

والباقي من التكبيرات واجبات يجبرها سجود السهو].

المؤلف رحمه الله قسّم التكبير في الصلاة إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ركن، وهو تكبيرة الإحرام فقط، ويدل لذلك حديث علي رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم )، وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث المسيء صلاته: ( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبِّر... ) إلى آخره.

وتكبيرات الجنازة أيضاً ذكر المؤلف رحمه الله أنها أركان في صلاة الجنازة، ويدل لذلك حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كبّر على النجاشي أربع تكبيرات، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن هذه التكبيرات الأربع تقوم مقام الركعات الأربع في الصلاة، فهي كلها أركان.

وأيضاً مداومة النبي عليه الصلاة والسلام على هذه التكبيرات وأمره بها، وكذلك الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

القسم الثاني: مستحب، وهذا تكبير المسبوق إذا أدرك الإمام وهو راكع فإنه يستحب له أن يكبّر أولاً للإحرام، ثم بعد ذلك يكبّر للركوع، ولو أنه كبّر تكبيرة واحدة اجتزأ بها عن تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع أجزأت، فإذا جاء الإنسان والإمام راكع فله ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يكبّر تكبيرتين: تكبيرة للإحرام، وتكبيرة للركوع، وهذا هو الأفضل.

الحالة الثانية: أن يكبّر تكبيرة واحدة ينوي بها تكبيرة الإحرام، وهذه تجزئ عن تكبيرة الركوع.

الحالة الثالثة: أن يكبر تكبيرة واحدة ينوي بها تكبيرة الركوع، وهذه التكبيرة لا تجزئ عن تكبيرة الإحرام.

القسم الثالث: تكبير واجب، وهذا هو سائر تكبيرات الانتقال، فإذا ترك شيئاً منها جبره سجود السهو.

قال رحمه الله: [ومن الفروق الصحيحة: أن المار بين يدي المصلي على ثلاثة أقسام: قسمٌ يُبطل الصلاة، وهو الكلب الأسود، وكذلك المرأة، والحمار على الصحيح].

يقول المؤلف رحمه الله: ما يبطل الصلاة بالنسبة للمار، إذا مر بين يدي المصلي أو بينه وبين سترته ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما يبطل الصلاة، وهو الحمار، والكلب الأسود، والمرأة، والمشهور من المذهب أن الذي يبطل الصلاة هو الكلب الأسود، أما المرأة والحمار فلا تبطل، والصواب أن هذه الأشياء الثلاثة تبطل؛ بدلالة حديث أبي ذر وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما على ذلك.

القسم الثاني: قال رحمه الله: [وقسمٌ ينقص الصلاة ولا يبطلها وهو مرور مَنْ عدا المذكورات].

يعني: إذا مر رجل أو مرت امرأة غير بالغة، أو مر حيوانٌ غير الكلب الأسود والحمار بين يدي المصلي، فهذه تنقص الصلاة ولا تبطلها.

القسم الثالث: قال رحمه الله: [وقسمٌ لا بأس به، وهو المرور بين يدي المصلي عند زحمة الطائفين، والمار بين المصلين في المسجد الحرام].

يعني: إذا صلى الإنسان في صحن الطواف ومر الناس بين يديه، فإن هذا لا بأس به؛ لأن المكان حقٌ للطائفين.

وكذلك المشهور من المذهب، أنه لا بأس من المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام، وهذا فيه نظر، والصواب: العموم، أي: أنه لا يجوز المرور بين يدي المصلي لا في المسجد الحرام ولا في غيره؛ لعموم الأدلة، اللهم إلا إذا كان في الزحمة، فموضع الضرورة يقدر بقدره، فإذا كان هناك زحمة فلا بأس، أما إذا لم يكن هناك زحمة فالأصل أنه لا يجوز.

قال رحمه الله: [ومن الفروق الصحيحة: قسموا موقف المأموم خلف إمامه إلى أربعة أقسام:

موقف واجب: وهو وقوف الرجل الواحد، فيجب أن يكون عن يمين الإمام... ]إلى آخره.

الموقف الأول: موقف واجب، وهو وقوف الرجل الواحد فيجب أن يكون عن يمين الإمام، وهذا على المشهور من المذهب، وعند جمهور أهل العلم أنه على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب، فلو وقف عن يساره فإن الصلاة صحيحة، وهذا هو الصواب.

فنقول: لا بأس أن يقف عن يمينه أو عن يساره، لكن الأفضل والأحوط أن يقف عن يمين الإمام.

قال رحمه الله: [وموقفٌ مستحب وهو وقوف المأمومين اثنين فأكثر خلف الإمام، ووقوف المرأة خلف الرجل].

الموقف الثاني: موقف مستحب، وهو وقوف المأمومين اثنين فأكثر خلف الإمام، ودليله حديث جابر وجبار : أن النبي عليه الصلاة والسلام ردهما إلى خلفه، وكان في أول الإسلام أنهم إذا كانوا اثنين والإمام هو الثالث أنه يقف في وسطهم، ثم نسخ هذا، وأصبح السنة أن يتقدم الإمام ويتأخر المأمومون إذا كانوا اثنين فأكثر، لكن إن وقفوا عن يمين الإمام وعن يساره صحت الصلاة، مع تركهم السنة والفضيلة.

وقوله رحمه الله: [ووقوف المرأة خلف الرجل].

أيضاًهذا هو السنة، يعني: لا تقف عن يمينه، وإنما السنة أن تقف خلفه، حتى ولو كان محرماً لها، فلو صلى الإنسان بأهله فإن السنة أن تكون المرأة خلفه.. وهكذا، ولو وقفت عن يمينه وهي محرم صح وجاز ذلك، لكن السنة أن تقف خلفه، وهذا إذا كانت المرأة مع الرجل.

أما المرأة مع المرأة فكالرجل مع الرجل.. فتقف المرأة عن يمين المرأة ولا تقف خلفها، ووقوفها خلفها لا يصح، ولو وقفت عن يسارها فيصح عند الجمهور، لكن عند الحنابلة يرون أنه لا يصح.

الموقف الثالث: قال رحمه الله: [وموقفٌ مباح: وهو وقوف المرأة مع الرجل، ووقوف المأمومين اثنين فأكثر عن يمينه أو عن جانبيه].

يعني: إذا وقفت المرأة عن يمين الرجل، إذا كان محرماً لها فهذا مباح، والصلاة صحيحة، لكن السنة أن تقف خلفه.

كذلك بالنسبة للمأمومين إذا وقفوا عن يمينه وعن شماله فإن هذا جائز، وقد أشرت أن هذا كان في أول الإسلام ثم نُسخ، وقد خفي الناسخ على ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، فـابن مسعود صلى بين علقمة والأسود ، لكن السنة إذا كانوا ثلاثة أن يتقدم الإمام وأن يتأخر المأمومان.

قال رحمه الله: [ ووقوفٌ ممنوع وهو وقوف الرجل الواحد خلفه أو خلف الصف مع القدرة على المصافّة، وكذلك على المذهب وقوفه عن يسار إمامه إذا كان وحده، والله أعلم ].

الوقوف الرابع: وقوفٌ ممنوع، وهو وقوف الرجل الواحد خلف إمامه أو خلف الصف، وهذا ظاهر؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا صلاة لمنفرد خلف الصف ).

فالصلاة خلف الصف يعني: وقوف الرجل خلف الرجل، أو وقوف الرجل خلف الصف منفرداً هذا لا تصح صلاته؛ لحديث وابصة رضي الله تعالى عنه: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد )، وقوله عليه الصلاة والسلام: ( لا صلاة لرجل خلف الصف ).. إلى آخره.

وقال المؤلف رحمه الله: مع القدرة على المصافّة، وهذا هو المشهور عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أما المشهور عن المذهب فإنه لا تصح الصلاة مطلقاً، سواءٌ قدر على المصافة أو لم يقدر على المصافة، فلو كان الصف مكتملاً فإنه لا يصلي خلف الصف بتاتاً على المذهب، وإنما يجترر شخصاً، أو يتقدم ويصلي عن يمين الإمام.. إلى آخره، المهم ألا يصلي خلف الصف.

وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: إنه تسقط المصافّة، وإن كانت واجبة لكنها مع العذر عند اكتمال الصف تسقط، وهذا هو الصواب.

وكذلك على المذهب يمنع وقوفه عن يسار إمامه إذا كان وحده، وتكلمنا عليه، وقلنا: المذهب أنه لا بد أن يكون الوقوف عن يمين الإمام، ووقوفه عن يساره لا يجزئ، وذكرنا أن رأي جمهور أهل العلم: أنه يجزئ؛ لكنه خلاف السنة، وهذا هو الصواب.

قال: [ومن الفروق الصحيحة: تفريق الشارع بين إيجاب الزكاة في الأنعام الثمانية بوجود شروطها؛ لكمالها وكمال منافعها وكثرتها، وبين ما لم يجب فيه زكاة من أنواع الحيوانات كالخيل والبغال والحمير والطيور ونحوها؛ لقلتها غالباً، ولعدم وجود جميع المنافع التي في الأنعام الثمانية، إلا إذا كانت عروض تجارة فحينئذ قد أُعدّت وهيئت للنماء].

هذا الفرق ذكر فيه المؤلف رحمه الله وجه الحكمة من إيجاب الزكاة في الإبل، والبقر، والغنم، سواءٌ كانت معزاً أو ضأناً، وهذه هي الأصناف الثمانية التي أشار إليها الله عز وجل في سورة الأنعام، فهذه تجب فيها الزكاة بشروطها المعروفة عند العلماء: أن تكون سائمة للحول، يعني: راعية لمباح الحول كله أو أكثر الحول، وأن تكون بالغة للنصاب، وأن تكون متخذة للدر والنسل والتسمين.. إلى آخره.

فإن كانت عاملة أو تؤجر فهذه ليس فيها زكاة، لكن الزكاة في أجرتها إن كانت تؤجر، إذا حال عليها الحول في العقد، وإذا كانت غير سائمة أي: ليست راعية المباح، وإنما هي معلوفة فهذه ليس فيها زكاة، وكذلك إذا لم تبلغ النصاب فلا زكاة فيها.

وأما بقية الحيوانات فلا زكاة فيها، يعني: قد يكون إنسان عنده ألف حمامة، وألف دجاجة أعدها لأخذ البيض، أو للنماء، أو مثلاً عنده خيل، أو غزلان أو أرانب أو نحو ذلك، فهذه كلها لا زكاة فيها، ولا تجب زكاة إلا في هذه السائمة: الإبل، والبقر، والغنم معزاً كانت أو ضأناً، وما عدا ذلك لا زكاة فيه.

يقول المؤلف رحمه الله: [إلا إذا كانت عروض تجارة]. أي: إلا إذا كانت عروض تجارة فإنه تجب فيها الزكاة، مثلاً: الحمام، أو الدجاج، أو الأرانب، أو الحمر، أو الخيل... هذه عروض تجارة، فإنه تجب فيها الزكاة. ووجه الفرق والحكمة من كون الشارع أوجب الزكاة في هذه، ولم يوجب الزكاة في هذه: قال المؤلف رحمه الله: [ لكمالها وكمال منافعها وكثرتها ].

يعني: وجبت الزكاة في بهيمة الأنعام دون غيرها لكمال منافعها وكثرتها، أما الأخرى فلم تجب فيها لقلتها غالباً، ولعدم وجود المنافع التي في الأنعام الثمانية، إلا إذا كانت عروض تجارة كما سبق. ‏

قال رحمه الله: [وكذلك التفريق بين ما تجب فيه الزكاة من الحبوب والثمار المدخرة إذا بلغت نصابها الشرعي؛ لكمال النعمة فيها دون بقية الخضر والفواكه؛ لأنها دون ذلك في كل شيء].

الزكاة على المذهب تجب في كل مكيل مدخر من الحبوب والثمار، فإذا جمع هذين الوصفين: الكيل، والادخار، فإنه تجب فيه الزكاة.

وسيدخل في ذلك البر والشعير والأرز والدخن والذرة، وحب الرشاد.. إلى آخره، حتى وإن لم يكن يوزن، فما دام أنه يكال ويقدّر بالكيل؛ بالصاع أو بالمد.. إلى آخره، ويدّخر فإنه تجب فيه الزكاة، وما عدا ذلك مما لا يكال أو لا يدخر مثل: الخضروات على سائر أنواعها، والفواكه على سائر أنواعها فهذه كلها لا زكاة فيها.

وكانت هذه الأشياء تُزرع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يأخذ الزكاة من هذه الأشياء، أو قدر لها نصاباً، فهذا يدل على عدم الوجوب.

والحكمة في أن الزكاة تجب فيما كان مكيلاً مدخراً كما هو المذهب، أو ما كان مقتاتاً مدخراً كما قال مالك، والشافعي كما قال المؤلف رحمه الله: هي كمال النعمة في المدخرات والمكيلات، دون الخضار والفواكه فإن النعمة لا تكتمل فيها لعدم ادخارها.

قال رحمه الله: [وكذلك التفريق في الأمتعة والأثاثات ونحوها، المعدة للتجارة فتجب فيها الزكاة إذا بلغت قيمتها نصاباً دون الأشياء المعدة للقنية المصروفة عن النماء].

كذلك أيضاً عروض التجارة، أو نقول: العروض المعدة للتجارة فهذه فيها الزكاة مثل: السيارات، والفرش، والكتب، والمواد الغذائية... إلى آخره.

فإذا كانت معدة للربح ففيها الزكاة، وإذا لم تكن معدة لذلك فإنه لا زكاة فيها؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة )، والإضافة هنا للتمليك والاختصاص، فالأشياء التي يملكها أو يختص بها الإنسان بحيث لم يعدها للتجارة، فإنه لا زكاة فيها.

ووجه الفرق كما ذكر المؤلف رحمه الله: أن المعدة للتجارة معدة للنماء، وأما التي ليست معدة للتجارة مثل السيارة التي يركبها، والبيت الذي يسكنه... إلى آخره، فهذه ليست معدة للنماء.

قال رحمه الله: [وكذلك على الصحيح التفريق بين الديون التي في ذمم الموسرين الباذلين فتجب فيها الزكاة؛ لأنها مالٌ في الحقيقة، وهي في قوة الموجودة عند الإنسان، دون الديون التي في ذمم المعسرين، أو التي لا يقدر على استخراجها فإنها ليست بمنزلة الأموال الحقيقية، ولا تفيد صاحبها ولا تغنيه، فضلاً عن كونها غير نامية].

أيضاً هذا فرقٌ في الدين، فالدين إذا كان على موسر باذل وجبت فيه الزكاة، وأما إذا كان على معسر أو موسر غير باذل؛ فإنه لا تجب فيه الزكاة.

ووجه الفرق: أنه إذا كان على موسر باذل فهو في قوة الموجود عند الإنسان، أي: كأنها موجودة عند الإنسان؛ إذا ما رأى أخذها، يذهب ويأخذها، أما إذا كانت على معسر أو على موسر مماطل، فهذه لا تجب فيها الزكاة؛ لأنها ليست بمنزلة الأموال الحقيقية، ولا تزيد صاحبها ولا تغنيه.

والصواب في مثل هذه الأموال التي على المعسرين أو على موسر مماطل: أنه لا تجب فيها الزكاة إلا مرة واحدة فقط.

ومثل ذلك أيضاً الأموال الضائعة، والأموال المفقودة، فلو كان للإنسان مال مفقود، أو مال ضائع ثم وجده، أو مال مغصوب، أو مسروق، أو منتهك، أو مختلس ثم خلّصه، فهذا تجب فيه الزكاة مرة واحدة فقط.

قال رحمه الله: [وكذلك التفريق بين من يعطى من الزكاة لحاجته، فلا بد أن يكون فقيراً أو محتاجاً، وبين من يأخذ لحاجة الناس إليه، فيُعطى ولو كان غنياً].

هذا أيضاً فرق فيما يتعلق بآخذ الزكاة، وأهل الزكاة ثمانية كما نص الله عز وجل عليهم، منهم من يأخذ الزكاة لحاجته، وهذا لا بد أن يكون فقيراً أو محتاجاً مثل: المسكين، والغارم لنفسه.

ومنهم من يأخذ من الزكاة لحاجة الناس إليه، فهذا لا يُشترط أن يكون فقيراً أو محتاجاً مثل: الغارم لإصلاح ذات البين. فهذا حتى ولو كان غنياً فإنه يعطى من الزكاة؛ لكونه تحمل في ذمته، فهذا يعطى حتى ولو كان غنياً؛ لأنه هنا لا يأخذه لحاجته وإنما لحاجة الناس، ومثل ذلك أيضاً: العامل على الزكاة نعطيه منها ولو كان غنياً، والمجاهد في سبيل الله نعطيه من الزكاة حتى ولو كان غنياً.

وأيضاً ابن السبيل: المسافر يعطى من الزكاة حتى ولو كان غنياً في بلده، وإنما نعطيه من الزكاة لحاجته، فنشترط أن يكون محتاجاً حال السفر.

وهكذا المؤلَّف قلبه يُعطى من الزكاة حتى ولو كان غنياً.

فلا بد لمن يأخذ لحاجته أن يكون فقيراً محتاجاً، ومن يأخذ لحاجة الناس إليه يعطى ولو كان غنياً.

قال رحمه الله: [ومن الفروق الصحيحة: التفريق بين تصرفات المكره بغير حق، وأنها غير صحيحة، ولا تفيد ملكاً ولا غيره، والمكره بحق كالذي يُكره على الواجب عليه، فإنه إكراهٌ بحق والتصرف فيه صحيح].

أيضاً هذا من الفروق الصحيحة، بالنسبة لباب التصرفات هناك فرقٌ بين المكره بحق والمكره بغير حق، فإذا كان الإكراه بغير حق فالتصرف غير صحيح، فلو أن الإنسان أُكره على بيع ماله، وهذا الإكراه بغير حق فنقول: هذا البيع باطل، أو أُكره على تأجير بيته، أو أُكره على عقد الشركة، أو على عقد الضمان.. إلى آخره، فنقول: هذا إكراهٌ باطل غير صحيح.

القسم الثاني: أن يكون الإكراه بحق، كما لو أُكره الإنسان على بيع ماله لوفاء دينه، أو أكره على بيع ماله للنفقة على أولاده، أو قريبه الذي تجب عليه لهم النفقة، فهنا نقول بأن هذا الإكراه إكراه بحق، فيصح التصرف.

قال رحمه الله: [ومن الفروق الصحيحة: الفرق بين الداخل في ملكه الذي يحتاج إلى حق توفية، فلا يصح تصرفه فيه كالمكيل، والموزون، والمذروع، والمعدود، والموصوف قبل وجود الكيل، والوزن، والعد، والذرع، والوقوف على الوصف، وبين ما لا يحتاج إلى حق توفية كالمعينات المتميزات فيصح التصرف فيها قبل قبضها].

هذا أيضاً على المذهب بالنسبة للتصرف في المبيع قبل قبضه، وأعتقد أنا تكلمنا عليه في أحكام البيع، وأنهم فرقوا فقسموا المبيع إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما لا يحتاج إلى توفية، كالذي يبيع جزافاً، كأن تبيع هذه المحركات، أو هذه السيارات، أو هذه الأقمشة، أو المواد الغذائية.. إلى آخره، فهذه لا تحتاج إلى توفية؛ لأنك تراها الآن فيجوز لك أن تتصرف فيها قبل القبض.

القسم الثاني: ما بيع بوصفٍ أو رؤية متقدمة، فهذا لا يصح التصرف فيه قبل قبضه.

القسم الثالث: ما يحتاج إلى توفية، كالذي يبيع بكيل أو وزن أو عد أو ذرع، أي أنه يحتاج إلى كيل، ويحتاج إلى وزن وعد، فمثلاً: باعك البر كل صاع بريال، أو باعك هذه المذروعات كل متر بريال.. إلى آخره، فهذه تحتاج إلى توفية.

وما دامت تحتاج إلى توفية فإنه لا يصح التصرف فيها قبل قبضها.

والمؤلف رحمه الله مشى على المذهب، لكن الصواب في ذلك: أن كل مبيع قبل قبضه لا يصح التصرف فيه حتى يقبض، إلا أن شيخ الإسلام استثنى مسألتين: إذا باع تورية، أو باع على البائع الأول.

قال رحمه الله: [وكذلك الضمان وعدمه، فما احتاج إلى حق توفية وتلف قبل قبضه فهو من ضمان البائع، وكالثمار إذا أصابتها جائحة، والمبيع الذي منعه البائع من القبض بغير حق، فكلها من ضمان البائع، وما عدا ذلك من ضمان المشتري].

بالنسبة لضمان المبيع قبل قبضه، هل هو من ضمان البائع أم من ضمان المشتري؟

الأصل أنه من ضمان المشتري؛ لأنه انتقل إليه، والخراج بالضمان، وقد أصبح الآن ملكاً له والخرج بالضمان، إلا أنهم استثنوا من ذلك ما احتاج إلى توفية، يعني: ما بيع بتقدير كالمكيل، والموزون، والمعدود، والمذروع.

ثانياً: ما بيع برؤية أو وصف متقدم.

ثالثاً: الثمر على الشجر.

فهذه كلها من ضمان البائع، وأضاف المؤلف رحمه الله هنا أمراً رابعاً وهو ظاهر: إذا منع البائع المشتري من قبض المبيع، ثم تلف، فهو الآن متعدٍ مفرّط فيضمن.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [15] 2288 استماع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [6] 2116 استماع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [10] 1836 استماع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [9] 1822 استماع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [8] 1814 استماع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [2] 1776 استماع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [5] 1629 استماع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [14] 1615 استماع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [4] 1598 استماع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [13] 1427 استماع