شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [6]


الحلقة مفرغة

قال رحمه الله: [ومن الفروق الضعيفة: تفريقهم في طهارة التيمم وطهارة الماء؛ حيث حكموا على طهارة التيمم بأحكام ضيقة كاشتراط دخول الوقت وبطلانها بخروجه، وأنه من تيمم لنفل لم يستبح الفرض ونحوها، والصواب أن طهارة التيمم قائمة مقام طهارة الماء في كل شيء، كما أقامها الشارع، وكما هو مقتضى القياس كما قاله الإمام أحمد رحمه الله].

من الفروق الضعيفة ما أشار إليه المؤلف، وهو الفرق بين طهارة التيمم وطهارة الماء؛ حيث حكموا على طهارة التيمم بأحكام ضيقة، وذلك بأنهم جعلوا التيمم مبيحاً ولم يجعلوه رافعاً.

والصواب: أن التيمم رافع كالماء تماماً، والفرق بين طهارة التيمم وطهارة الماء: أن طهارة التيمم رافعة رفعاً مؤقتاً إلى وجود الماء، وأما الماء فإنه رافعٌ رفعاً مطلقاً.

وهل التيمم رافع أو مبيح؟ وما يترتب عليه من المسائل؟ فالمشهور من المذهب أن التيمم مبيح، وسيأتي أنه قول جمهور أهل العلم خلافاً لـأبي حنيفة ؛ فإن أبا حنيفة يرى أن التيمم رافع، وهذا يترتب عليه مسائل، أشار المؤلف رحمه الله إلى بعضها:

المسألة الأولى: أنه يشترط دخول الوقت بالتيمم. يعني: لا يتيمم لصلاة مؤقتة حتى يدخل وقتها، وإذا قلنا: إنه رافع كالماء فلا يشترط ذلك، كما أن الماء له أن يتوضأ قبل دخول الوقت، وأن يتوضأ بعد الوقت، ولا فرق بينهما.

المسألة الثانية: قال: [وبطلانها بخروجه] أي: بطلان طهارة التيمم بخروج الوقت.

فإذا قلنا: إنه مبيح بطلت طهارة التيمم بخروج الوقت، وإذا قلنا: إنه رافع كالوضوء بالماء، فالإنسان يتوضأ بالماء ثم إذا خرج الوقت وهو على طهارته فإن هذا الخروج لا يبطل الطهارة، فكذلك أيضاً هنا، فإذا قلنا: إن التيمم رافع فإنه لا أثر لخروج الوقت في بطلان طهارة التيمم.

ومن المسائل أيضاً: أنه من تيمم لنفل لم يستبح الفرض ونحوه، يعني: إذا تيمم لعبادة استباح العبادة وما دونها، ولا يستبيح ما أعلاها؛ ولذلك يرتبون العبادات فيكون أولاً في أعلى شيء: فرض العين، ثم بعد ذلك النذر، ثم بعد ذلك فرض الكفاية، ثم بعد ذلك صلاة النافلة، ثم بعد ذلك طواف النفل، ثم بعد طواف النفل مس المصحف، ثم بعد ذلك اللبث في المسجد.. وهكذا.

وعلى هذا؛ إذا تيمم لفرض استباح الفرض وما دونه، كل هذه يستبيحها، وإذا تيمم لصلاة الظهر استباح الظهر والعصر، واستباح النذر وفرض الكفاية، لكن لو تيمم لصلاة نافلة لم يستبح الفريضة، ولو تيمم لسنة راتبة مثلاً فإنه ما يستبيح الفريضة، لكن يستبيح ما دونها، هل يستبيح طواف النفل أو لا يستبيح طواف النفل؟ فيستبيح طواف النفل، وهنا طواف النفل بعدها بمرتبة، ويستبيح مس المصحف؛ لأنه بعده، ويستبيح لبث المسجد؛ لأنه بعده.. وهكذا، لكن ما يستبيح الأعلى، وهذا كله على القول بأن التيمم مبيح، وإذا قلنا: إن التيمم رافع كالماء تماماً فإنه لا أثر لهذا القول.

والصواب كما ذكر المؤلف رحمه الله: التيمم رافع إلى وجود الماء.

هذا هو الفرق بين التيمم والماء: أن التيمم رافعٌ رفعاً مؤقتاً، وأما الماء فإنه رافع رفعاً مطلقاً، وهذا هو الصواب.

قال رحمه الله: [ ومن الفروق الصحيحة: التفريق في طهارة الحدث الأكبر وطهارة الحدث الأصغر؛ حيث أوجبوا في الطهارة الكبرى إيصال الماء لباطن الشعور وظاهرها مطلقاً، والحدث الأصغر إنما يجب إيصالها للباطن إذا كان الشعر خفيفاً، وأما الكثيف فيكفي فيه الظاهر].

هذا أيضاً من الفروق بين الطهارتين الصغرى والكبرى؛ أن الطهارة الكبرى يجب إيصال الماء لباطن الشعر وظاهره، ويدل لذلك حديث عائشة في صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ( حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض الماء على سائر بدنه ) فذكرت الباطن والظاهر، أما الباطن ففي قولها: ( حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته ) يعني: في غسل النبي عليه الصلاة والسلام لرأسه، ( أفاض الماء على سائر بدنه ) فلما أروى الباطن أفاضه على الظاهر، فذكرت الباطن والظاهر، وهذا في الطهارة الكبرى.

وأما بالنسبة للطهارة الصغرى فالشعر فيه تفصيل: فإن كان كثيفاً فيجب غسل الظاهر فقط، وأما الباطن فيستحب تخليله في بعض الأحيان، وأما إن كان خفيفاً ترى البشرة من ورائه فيجب غسل الظاهر والباطن، وهذا فرق صحيح كما ذكر المؤلف رحمه الله.

قال رحمه الله: [ومن الفروق الصحيحة: الفرق بين السجود على حائل من أعضاء السجود فلا يجزئ، وعلى حائل مما يتصل بسترة الإنسان فيكره إلا لعذر، وبحائل منفصل فلا يُكره، والله أعلم].

هذا أيضاً من الفروق الصحيحة: أن المصلي إذا سجد على حائل يحول بين أعضاء سجوده وبين الأرض، فهذا الحائل كما ذكر المؤلف ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يكون من أعضاء السجود، فهذا لا يجزئ؛ لحديث ابن عباس أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم )، وهذا الذي جعل اليد على اليد، أو الرجل على الرجل، أو الجبهة على اليد -مثلاً- لم يسجد على هذه الأعظم السبعة، فالذي جعل اليد على اليد لم يسجد على كامل هذه الأعضاء، بل ترك السجود على عضو من هذه الأعضاء، لأن الواجب أن تكون هذه الأعضاء على الأرض كلها، فكونه يجعل عضواً على عضو، هذا يؤدي إلى أنه لم يسجد على الأعضاء كلها.

القسم الثاني: إذا كان الحائل متصلاً بالمصلي مثل: ثوبه، وعمامته، وغترته.. إلى آخره، فإنه يُكره، إلا لعذر لشدة حر أو شدة برد، أو غبار لا يتحمله الإنسان.. إلى آخره، فإنه في هذه الحالة لا بأس أن يسجد على طرف ثوبه أو ما اتصل به، ويدل لذلك حديث أنس رضي الله تعالى عنه، أنهم كانوا يمكنون جباههم من الأرض، قال: ( فإذا وجد أحدنا حر الشمس بسط طرف ثوبه فسجد عليه ) فهذا يدل على أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم الأصل أنهم كانوا يباشرون بالأعضاء السجود على الأرض، إلا عند الحاجة، وأنهم كانوا لا يتقون بأطراف ثيابهم إلا عند الحاجة؛ فإذا وجد أحدهم حر الرمضاء بسط طرف ثوبه فسجد عليه، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أنه لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه سجد على طرف عمامته، لا في حديث صحيح ولا في حديث ضعيف.

القسم الثالث: أن يكون هذا الحائل منفصلاً، فهذا لا بأس أن يسجد عليه المصلي.

قال رحمه الله: [ومن الفروق الصحيحة: الفرق بين أجزاء الحيوان الطاهر إذا مات بغير تذكية شرعية، وأنها ثلاثة أقسام:

قسم طاهر على كل حال وهو الشعر والصوف والوبر والريش؛ لأنها منفصلات لا فضلات فيها، ولا يحلها الموت].

هذا فرق من الفروق الصحيحة، وهو التفريق بين أجزاء الحيوان.

يعني: إذا مات الحيوان المأكول فيقول المؤلف رحمه الله: أجزاؤه تنقسم ثلاثة أقسام:

القسم الأول: قسم طاهر على كل حال وهو الشعر والريش والصوف والوبر، هذه الأشياء طاهرة على كل حال حتى ولو كانت من الميتة، فشعر الميتة طاهر وريشها ووبرها وصوفها؛ لأن هذه الأشياء لا تعمل فيها الذكاة شيئاً، فلا تحلها الذكاة، ومثل هذه الأشياء الذكاة فيها وجودها كعدمها؛ لأنها لا تحلها الحياة، ولا يخرج منها الدم السائل، فهذا دليل.

الدليل الثاني: أن الله عز وجل امتن على عباده بهذه الأشياء، فقال سبحانه: وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ [النحل:80] فامتن الله عز وجل بأن هذه الشعور والصوف والوبر نعمة على الإنسان، وقد جعلها الله عز وجل أثاثاً ومتاعاً إلى زمن.

ومن مقتضى هذه النعمة: أن تكون نعمة في حال الحياة وفي حال الممات، يعني: في حال الحل وفي حال الحرمة.

وقد ذكر المؤلف رحمه الله الشعر، والصوف، والوبر، والريش ويلحق بذلك على الصحيح كل ما لا تحله الحياة، مثل: القرون والأظلاف، فهذه أيضاً طاهرة من الميت.

كذلك أيضاً يلحق شيخ الإسلام العظام، فالعظام عند شيخ الإسلام : لا تحلها الحياة، ويرى أنها طاهرة.

وكذلك أيضاً عند شيخ الإسلام أن لبن الميتة إذا أُخذ قبل أن يتغير أنه طاهر؛ لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أكلوا جبن المجوس، فهذا القسم الأول.

قال رحمه الله: [وقسمٌ نجس على كل حال محرّم وهو: اللحوم، والشحوم باختلاف أنواعها، وما يتبعها من الأعصاب والعروق وكذلك العظام؛ لأنه يحلها الموت وتكون هذه الأجزاء بعد الموت خبيثة].

هذه محرمة بلا شك؛ لقول الله عز وجل: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ [البقرة:173] فهذا داخل في الميتة: اللحم، والشحم باختلاف أنواعه والأعصاب والعروق، والعظام؛ لأنه يحلها الموت وتكون هذه الأجزاء بعد الموت خبيثة.

والعظام كما أشرنا في المذهب أنها نجسة، وكما ذكر المؤلف رحمه الله، وعند شيخ الإسلام أنها طاهرة.

قال رحمه الله: [وقسمٌ نجس يطهره الدباغ وهو الجلد، كما ثبتت به النصوص، ولأن الدباغ يزيل ما فيه من الخبث].

هذا قسمٌ ثالث دائرٌ بين الحالتين إن دبغ طهر، وإن لم يُدبغ لم يطهر.

فعندنا: قسمٌ طاهر بكل حال، وقسمٌ: نجس بكل حال، وقسمٌ: يطهر بالدبغ فإن دُبغ طهر، وإن لم يُدبغ لم يطهر.

قال رحمه الله: [كما قسّم الشارع الحيوانات بالنسبة إلى الحل والحرمة إلى ثلاثة أنواع: قسمٌ حلال طيب حياً وميتاً وهو حيوان البحر وكذلك الجراد ].

أيضاً هذا التقسيم صحيح بالنسبة لحل الحيوانات وحرمتها.

هناك قاعدة في باب الأطعمة وهي: أن الأصل هو حل الحيوان، كما قال الله عز وجل: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، وهذه الحيوانات كما أشار المؤلف رحمه الله تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: حلال طيب ميتاً وحياً، سواءٌ كان في حال حياته أو كان في حال موته، وهو حيوانات البحر وكذلك أيضاً الجراد، ودليل ذلك قول الله عز وجل: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة:96]، وصيد البحر ما أُخذ حياً، وطعامه ما أُخذ ميتاً كما قال ابن عباس . وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام في ماء البحر: ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ).

وكذلك الجراد أيضاً حلال، ويدل لذلك حديث: ( غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل معه الجراد )، وأيضاً حديث: ( أحلت لنا ميتتان ودمان ) على فرض ثبوته، وأن من الميتتين: الحوت والجراد.

قال رحمه الله: [وقسمٌ حرام لا ينفع فيه ذكاة ولا غيرها وهو: كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطيور والخبائث كما هو مفصل في الأطعمة].

هذه كما في حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله تعالى عنه: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير )، فهذا منهيٌ عنه محرّم ولا يجوز.

وكذلك أيضاً يقول المؤلف: كما هو مفصّل في الأطعمة وغير ذلك، يعني: مما يحرم من الحيوانات -كما هو معروف في باب الأطعمة- كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، وكذلك أيضاً كل ما فيه ضرر، وكل نجس فهذه كلها محرمة.

قال رحمه الله: [وقسمٌ يحل بشرط التذكية الشرعية، وهو الأنعام الثمانية].

الأصل الحل، ما عدا القسم الثاني وهو كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير، وما فيه مضرة أو نجاسة، وأما الباقي فنقول: هو حلال، ويدخل في ذلك ما أشار إليه المؤلف رحمه الله من الأنعام الثمانية: الإبل، والبقر، والغنم.. إلى آخره.

قال رحمه الله: [وما يتبعها من حيوانات البر المتنوعة، والله أعلم].

هذه تحل بالذكاة الشرعية؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه ) في حديث رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه، فاشترط النبي عليه الصلاة والسلام الذكاة الشرعية، وأن يُذكر اسم الله عز وجل عليه.

قال رحمه الله: [ومن الفروق الصحيحة: الفرق بين الدماء التي يأكل منها صاحبها والتي تجب الصدقة بها كلها: أن دم الأضاحي، والعقائق، ودماء الأنساك كالتمتع والقران، والهدي المستحب كلها يؤكل منها ويهدى ويتصدق، وأما الدماء التي سببها فعل محظور أو ترك واجب، فإنه تجب الصدقة بها؛ لأنها تجري مجرى الكفارات، وتلك مجراها مجرى العبادات المحضة].

هذا أيضاً من الفروق بالنسبة للأكل من هذه الدماء تكون في يوم عيد الأضحى وأيام التشريق، ما يؤكل من هذه الدماء وما لا يؤكل.

هذه أقسام، أشار إليها المؤلف رحمه الله:

القسم الأول: دماء الأنساك، كنسك التمتع ونسك القران، وهذا يأكل منه الإنسان، فإن النبي عليه الصلاة والسلام أكل من هديه، والله عز وجل يقول: فَكُلُوا مِنْهَا [الحج:28] وهذا أمر -كما قال أهل العلم- للوجوب.

القسم الثاني: هدي التطوع، يعني: الذي يهديها الإنسان للحرم، ونقول أيضاً: هذا يأكل منه، والنبي عليه الصلاة والسلام أكل من هديه أيضاً، وقد أهدى النبي عليه الصلاة والسلام مائة بدنة، وأكل منها وشرب من مرقها.

القسم الثالث: الأكل من الأضحية، وهذا أيضاً مشروع وجائز، والنبي عليه الصلاة والسلام أكل أضحيته، وأيضاً قول الله عز وجل: فَكُلُوا مِنْهَا [الحج:28] وهذا أمر.

القسم الرابع: الدم الذي سببه فعل محظور، أو ترك واجب، وهذا لا يأكل منه الإنسان، يعني: لو أن إنساناً فعل محظوراً من المحظورات فمثلاً: حلق رأسه، فنقول: أنت مخير بين أن تصوم ثلاثة أيام، أو تطعم ستة مساكين، أو تذبح دماً، فإذا أراق دماً فنقول: هذا الدم لا تأكل منه، وإنما يكون لفقراء الحرم.

وكذلك إذا ترك واجباً من الواجبات، يعني: ترك واجب الإحرام من الميقات، أو رمي الجمار.. إلى آخره، فإنه يجب عليه دم، وهذا الدم لا يجوز له أن يأكل منه.

وكذلك أيضاً النذر؛ فإذا حلف على النذر وكان قصده التقرب لله عز وجل فإنه ما يجوز له أن يأكل منه، بل يجب أن يطعمه للفقراء والمساكين؛ فإن هذا شيءٌ أخرجه لله عز وجل، وإن كان قصده بالنذر الفرح والسرور فهذا لا بأس أن يأكل منه؛ لأن حكمه حكم المباح، إن شاء فعله وإن شاء كفّر عن ذلك كفارة يمين.

قال رحمه الله: [ومن الفروق الصحيحة: الفرق بين المغالبات التي لا تحل مطلقاً لا بعوض ولا بغيره، كالنرد والشطرنج التي هي شر، وشرها أكثر من نفعها، والتي تحل مطلقاً بعوض وغير عوض كالمسابقة على الخيل والإبل والسهام؛ لأنها تعين على الجهاد وقوام الدين، والتي يفرق فيها بين العوض فلا تحل وإلا حلّت وهي باقي المغالبات؛ لأن الحكمة في ذلك بيّنة واضحة].

هنا أيضاً ذكر المؤلف رحمه الله أقسام المسابقات، وأن المسابقات تنقسم إلى أقسام:

القسم الأول: مسابقات مشروعة، يعني: تكون بعوض من الجانبين أو من أحدهما، أو بغير عوض، وهذه هي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر )، أي: لا عوض إلا في هذه الأشياء الثلاثة، وما كان في معناها اليوم من آلات الجهاد، يعني: يُنظر ما هو الذي يكون بمعنى الإبل، وما هو الذي بمعنى السهام، وهذا هو الرمي، ويُنظر أيضاً في ما هو الذي في معنى الخيل، فتصح المسابقات على هذه الآلات التي تقوم مقام هذه الأشياء.

وأيضاً عند أبي حنيفة واختاره شيخ الإسلام : أن المسائل العلمية يصح أخذ السبق (العوض) عليها، وأنها داخلة في ذلك، ويصح أن تكون على عوض من الجانبين أو من أحدهما.

القسم الثاني: المسابقات المحرمة، وهذه محرمة لا تجوز مطلقاً، سواءٌ كان ذلك بعوض أو كان بغير عوض، وسواءٌ كان العوض من الجانبين فهو ميسر، أو كان من أحدهما، أو كانت بغير عوض، فنقول: هذه لا تصح، وهي محرّمة.

القسم الثالث: المسابقات المباحة؛ غير المشروعة وغير المحرمة مثل: السباحة، والسباق على الدرجات، والمصارعة التي ليس فيها ضرر، والسبق على الأقدام والجري.. إلى آخره. فهذه المسابقات مباحة.

هذه يقول المؤلف رحمه الله: إن كان فيها عوض فلا تجوز، وإن لم يكن فيها عوض فإنها جائزة ولا بأس بها.

فالعوض إن كان من الجانبين فهذا ظاهر أنه محرّم، وإن كان من الإمام فهذا جائز، وإن كان من أحدهما فهذا موضع خلاف، وقد ذهب ابن القيم إلى أنه لا يجوز.

قال رحمه الله: [ومن الفروق الصحيحة: الفرق بين ما تثبت فيه الشفعة من الشركة في العقارات التي لم تقسم؛ لكثرة ضرر المشاركة فيها ودوامه، وبين المشتركات الأخر التي لا شفعة فيها لقلة ذلك وقصر زمنه].

جعل المؤلف رحمه الله هذا من الفروق الصحيحة، أعني أن الشفعة تثبت في شركة العقار، وأما ما عدا ذلك من المنقولات فلا تثبت فيه الشفعة، وفرقٌ بين العقار والمنقول؛ فالعقار تثبت فيه الشفعة، وأما المنقول فلا تثبت فيه الشفعة.

والصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الظاهرية، وأنه لا فرق بين العقار والمنقول، وأن الشفعة تثبت في العقارات وتثبت أيضاً في المنقولات؛ لحديث جابر : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم ) وهذا يشمل العقار، ويشمل المنقول.

وأما قوله بعد ذلك: ( فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة ) فهذا ذكر لبعض أفراد العام، وذكر بعض أفراد العام بحكم يوافق العام لا يقتضي التفسير.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [15] 2290 استماع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [10] 1838 استماع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [9] 1823 استماع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [8] 1816 استماع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [2] 1778 استماع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [5] 1630 استماع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [14] 1617 استماع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [4] 1599 استماع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [11] 1576 استماع
شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [13] 1428 استماع