شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [10]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كما فرقوا في عورة النظر: أن الحرة البالغة الأجنبية لا يجوز النظر إلى شيء من بدنها، حتى شعرها المتصل من غير حاجة، والطفلة التي دون السبع لا حكم لعورتها، ومن دون البلوغ من الأجنبيات وذوات المحارم مطلقاً، وعند الحاجة أو الضرورة يجوز النظر لدعاء الحاجة إلى غير ذلك، والله أعلم ].

ما تقدم من ذكر عورة المرأة فهو مما يتعلق بالصلاة، يعني: أن العورة تنقسم إلى قسمين: عورة في باب النظر، وعورة في باب الصلاة.

فالعورة في باب الصلاة بالنسبة للمرأة: كلها عورة إلا وجهها على المذهب، وتقدم لنا أن الصحيح إذا كانت المرأة بالغة: أن الوجه، والكفين والقدمين يجوز إبداؤها في الصلاة.

وأما العورة هنا فالمقصود ما يتعلق بعورة النظر، فيقول المؤلف رحمه الله على ما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: إن الأجنبية البالغة لا يجوز النظر إلى شيءٍ من بدنها، فكلها عورة في باب النظر، أما في باب الصلاة فتقدم أنهم يجوزون كشف الوجه فيها ما لم يكن هناك أجانب، بل يجوز أيضاً كشف القدمين والكفين.

وهنا قيدها المؤلف رحمه الله بالحرة، والصواب أنه لا فرق بين الحرة والأمة في باب النظر؛ لأن المقصود درء الفتنة، والفتنة لا تختلف فيها الأمة عن الحرة، فالصواب: أن عورة كل من الأمة والحرة واحدة سواء فيما يتعلق بباب النظر، أو فيما يتعلق بباب الصلاة كما سبق لنا، ولا دليل على التقييد.

وباب النظر قسمه إلى أقسام:

الأول: أن تكون بالغة، فهذه كلها عورة للأجنبي حتى الوجه، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.

الثاني: أن تكون طفلة دون سبع سنوات، وهذه كما يقول المؤلف رحمه الله: [لا حكم لعورتها]، يعني: أنه يجوز النظر إلى عورتها إذ ليس لها شيء من العورة.

القسم الثالث قال: [ومن دون البلوغ من الأجنبيات وذوات المحارم مطلقاً].

القسم الثالث: اللاتي دون البلوغ بأن يكون سنها ما بين السابعة إلى العاشرة، فهذه عورتها ما بين السرة والركبة، وأما إذا كانت فوق العاشرة -مراهقة- أو كانت من ذوات المحارم فهذه ينظر منها ما يظهر غالباً.

القسم الرابع: النظر عند الحاجة والضرورة، وهذا يقدر بقدره، فإذا احتيج إليه فإنه يقيد بقدره عند الحاجة والضرورة.

القسم الأخير: النظر بين الزوجين، وهذا جائز ولا حد له.

فأصبحت الأقسام خمسة، والملخص في ذلك أن يقال: النظر قُصد من منعه درء الفتنة، فكلما كان في النظر فتنة فإنه يُمنع من ذلك، فمثلاً قالوا: إذا كانت مراهقة فعورتها ما يظهر غالباً من الرأس والوجه.. إلى آخره، أما إذا كان هذا الظهور يؤدي إلى الفتنة فإنه يجب حجبه؛ لأن الحكمة التي من أجلها شُرع الحجاب هي درء الفتنة، فكلما كان النظر يؤدي إلى الفتنة فإنه يجب الحجاب بقدر ما يمنع من هذه الفتنة.

وكذلك أيضاً القول بأن عورة من بين السبع إلى العشر هي ما بين السرة والركبة، أما إذا كان يؤدي ذلك إلى فتنة فإنه يجب حجب هذه الأنثى بقدر ما يمنع ويدرأ الفتنة.

قال: [ومن الفروق الصحيحة: أن اللباس ثلاثة أقسام:

قسمٌ حلال على الذكور والإناث، وهو الأصل في جميع أنواع الأكسية، التي لم يرد منع من الشارع عنها.

وقسمٌ حرام على الذكور والإناث مثل: المغصوب، والتشبه بالكفار، وتشبه كل واحد من الرجال والنساء بالآخر.

وقسمٌ حرام على الذكور حلال للنساء مثل: الحرير، والذهب، والفضة، والله أعلم ].

يقول المؤلف رحمه الله: إن اللباس ثلاثة أقسام: قسم حلال على الذكور والإناث، والأصل في اللباس أنه حلال على الذكور والإناث، ودليل ذلك قول الله عز وجل: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، وأيضاً قول الله عز وجل: وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ [الرحمن:10] فالأصل في اللباس بجميع أنواعه أنه حلال للذكور والإناث لما تقدم.

القسم الثاني: حرامٌ على الذكور والإناث مثل: المغصوب، والتشبه بالكفار، وتشبه الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل.

القسم الثالث: حرام على الذكور، وحلال للنساء، مثل: الحرير، والذهب، ودليل ذلك حديث علي : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام أخذ ذهباً وحريراً فوضع أحدهما في يمينه والآخر في شماله وقال: هذا حلالٌ لإناث أمتي، حرامٌ على ذكورها ).

وكون الحرير محرماً على الذكر هذا في الجملة، ويستثنى في مواضع، فيجوز: إذا كان يحتاج إليه لحكة في حال الجرب -بالجيم المعجمة التحتية- جوّزه العلماء للضرورة، وكذلك إذا كان يسيراً تابعاً بمقدار أربعة أصابع فأقل.

وكذلك في حالة الحرب جوّزها العلماء رحمهم الله.

والذهب اليسير التابع في اللباس جائز، أما المفرد فإنه محرم ولا يجوز، فكون الإنسان -مثلاً- يلبس ساعة من ذهب نقول: هذا محرم؛ لأنه ذهب مفرد، أو لبس خاتماً من ذهب، أو النظارة التي تكون من ذهب، كل هذا محرم ولا يجوز.

أما إذا كان يسيراً تابعاً فإنه جائز ولا بأس به، فمثلاً: لو أنه لبس ساعة وفيها شيءٌ من الذهب، أو نظارة فيها شيءٌ من الذهب، أو لبس عباءة وفيها خيوط من الذهب.. إلخ فنقول: هذه الأشياء اليسيرة التابعة من الذهب لا بأس بها، ودليل ذلك حديث المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه: ( أنه ذهب وأبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخرج عليهم النبي عليه الصلاة والسلام وعليه قباء من ديباج مزرر بالذهب، فقال: هذا خبأناه لك يا مخرمة ، فدفعه لـمخرمة )، فكونه مزرراً بالذهب هذا يسير تابع.

وبالنسبة للفضة فالمؤلف يقول: إنها محرمة على الذكور، وشيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن الأصل في الفضة الحل؛ لأنه لم يرد ما يدل على المنع منها، بخلاف الذهب الذي ورد ما يدل على المنع منه، أما الفضة في باب اللباس فلم يرد ما يدل على المنع منها، والأصل في ذلك الحل؛ لقول الله عز وجل: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، وقوله: وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ [الرحمن:10] إذاً: الأصل في ذلك الحل، ولم يرد ما يدل على المنع، وقد ورد في حديث أبي هريرة وإن كان فيه ضعف: ( وأما الفضة فالعبوا بها لعباً ).

قال رحمه الله: [ومن الفروق الصحيحة: أن الحركة في الصلاة على أربعة أنواع:

حركة مبطلة: وهي الحركة الكثيرة المتوالية عرفاً لغير ضرورة.

وحركة مكروهة: وهي الحركة اليسيرة لغير حاجة ].

الحركة في الصلاة على أربعة أنواع ذكرها المؤلف حيث يقول:

النوع الأول: حركة مبطلة، وهذه حركة محرمة وهي: الكثيرة المتوالية عرفاً لغير ضرورة، قيدها بأربعة قيود: أن تكون كثيرة، متوالية وهذا التوالي عرفاً لغير ضرورة، فإن كانت يسيرة غير متوالية لضرورة فإنها لا تبطل الصلاة.

إذاً: الحركة المحرمة المبطلة للصلاة هي: ما جمعت هذه القيود الثلاثة: الكثرة، والتوالي لغير ضرورة.

النوع الثاني: حركة مكروهة، وهي: الحركة اليسيرة لغير حاجة، والأصل في الحركة في الصلاة أنها مكروهة؛ لأنها زائدة على حركة الصلاة، فالأصل أنها مكروهة.

قال رحمه الله: [وحركة مباحة: وهي اليسيرة لحاجة، والكثيرة للضرورة].

النوع الثالث: الحركة المباحة، إن كانت يسيرة فهذه تجوزها الحاجة، وإن كانت كثيرة فلا تجوزها إلا الضرورة؛ لأن المحرم لا يجيزه إلا الضرورة، والمكروه تجيزه الحاجة.

قال رحمه الله: [ وحركة مأمورٌ بها كالتقدم والتأخر في صلاة الخوف، وكالحركة للتقدم اليسير للصف الفاضل، أو لتعديل الصف المائل، ونحو ذلك ].

النوع الرابع: الحركة المأمور بها، وتنقسم إلى قسمين: واجبة، ومستحبة.

فإذا كانت وسيلة لواجب كانت واجبة، وإذا كانت وسيلة لمستحب كانت مستحبة. مثال الأولى: لو أن الإنسان كشف شيئاً من عورته، فتحرك لكي يستر عورته، فهذه حركة واجبة. ومثال الثانية: كونه حصل في الصف خلل فتحرك لكي يسد هذا الخلل، فنقول: هذه حركة مستحبة، ومثّل المؤلف رحمه الله: بالتقدم اليسير للصف الفاضل، وتعديل الصف المائل، والتقدم والتأخر في صلاة الخوف، كما ورد في صفتها من تقدم الصف المؤخر، وتأخر الصف المقدم... إلى آخره، فأصبحت الحركة في الصلاة تنقسم إلى خمسة أقسام: محرمة، واجبة، مستحبة، مكروهة، مباحة.

والأصل في ذلك الكراهة؛ لأن هذه الحركات دخيلة على الصلاة وزائدة عليها، والله تعالى أعلم.