خطب ومحاضرات
الاقتصاد الإسلامي
الحلقة مفرغة
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وشرع لنا أكمل الشرائع، وأفضل الأحكام، وأبان لنا الحلال والحرام، وجعل في الحلال غنية عن الحرام، أحمده تعالى وأشكره، وأسأله التجاوز عن جميع الذنوب والآثام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحل البيع وحرم الربا، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، أولي الفضل والتقى، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون! اتقوا الله تبارك وتعالى، واشكروه على ما هداكم للإسلام، وأولاكم من الفضل والإنعام.
عباد الله! لقد جاء الإسلام ديناً كاملاً ونظاماً شاملاً، عم بإصلاحه البلاد والعباد، وهيأ بتنظيمه أمور المعاش والمعاد، عني بتصحيح العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات، لم يترك نظاماً فيه صلاح للفرد والمجتمع إلا جاء به وحث عليه.
ألا وإن من الأنظمة المهمة التي عني بها الإسلام الجانب الاقتصادي في حياة الفرد والمجتمع؛ لما له من الأهمية الكبرى في حياة الناس وواقعهم وفي تصرفاتهم المالية.
لقد أقام الإسلام نظامه الاقتصادي على قاعدة الإيمان وأساس العقيدة، وأن الله سبحانه هو خالق الكون ومالك الملك، له الخلق والأمر، وله الحكم والتشريع، وأن المال مال الله، استخلف العباد فيه لينظر كيف يعملون.
وأقامه على تحريم ظلم الناس في أموالهم، وبخسهم حقوقهم، كما مكن لهم من الأرزاق والمعايش والأقوات ابتلاءً وامتحاناً؛ ليرى صدق تعاملهم، وأباح لهم البيع والاتجار لتنتظم أمورهم، وحرم عليهم تضييع الأموال وأكلها بالباطل.
لقد أمر الإسلام أتباعه أن يسيروا في ذلك كله على وفق منهج الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بعيداً عن الظلم والتعدي وبخس الناس حقوقهم، وأكل أموالهم.
لقد جاء الإسلام في نظريته الاقتصادية وسطاً بين النظم وعدلاً بين المبادئ الرأسمالية والاشتراكية، فراعى الملكية الفردية، وعني بمصالح الأفراد إلى جانب مصالح الجماعة، بلا إفراط أو تفريط، وبلا وكس ولا شطط.
لم يجعل للفرد طريقاً للإثراء والتضخم والاحتكار والتسلط على حساب الآخرين، كما أنه لم يبخسه حقه، ولم يلغ تملكه، ولم يجعله مظلوماً في مجتمع تسوده حرب الطبقات، كما هو واقع النظم الأرضية، والقوانين الوضعية.
عباد الله! ومن أهم ملامح النظام الاقتصادي الإسلامي تحريمه للربا، وتشنيعه على المرابين؛ لما للربا من آثار سيئة وعواقب وخيمة، وأخطار كثيرة، وشرور مستطيرة.
الأدلة على حرمة الربا من الكتاب والسنة
والربا من أكبر الذنوب عند الله، وأعظم الفواحش، محرم في جميع الشرائع السماوية، قال الله عز وجل: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ [النساء:160-161].
أكلة الربا متوعدون بالوعيد الشديد في الدنيا والآخرة، مهددون بالعذاب في النار وبئس القرار.
أكلة الربا محاربون لله ورسوله يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:278-279] وهل يجرؤ أحد على محاربة العزيز الجبار، القوي المتين، من له أدنى مسكة من عقل أو ذرة من إيمان، فمن بارز الله بالمحاربة فهو الخاسر المهزوم.
المرابون ملعونون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء)، أي: سواء في الإثم.
في الربا جرأة على دين الله، ومخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي ألغى مسالك الجاهلية ومنها الربا، ففي صحيح مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربانا: ربا
الآثار السيئة للربا
وفي الربا تعطيل لمصالح البشر، وتعريض لأموالهم للخطر.
فالربا جور وظلم، وبغي وتسلط، به يلغى المعروف، وبه ينعدم الإحسان، به تذهب الأموال وتمحق البركات: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:276].
المرابي على شفا حفرة من النار، وعلى طريق هلكة وشر، مبغض عند الله وعند عباد الله.
ما ظهر الربا في أمة إلا أهلكها، ولا في جماعة إلا دمرها، ولا فشا في أمة إلا حل بها الفقر والأمراض والظلم.
وكم نرى ونسمع من تلف الأموال وزوالها بغرق أو حرق أو نحو ذلك من العقوبات العاجلة.
وكم نسمع اليوم ما تفرزه المشكلات الاقتصادية المتأزمة في العالم من تراكم الديون الهائلة جراء الربا والتعامل به وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:127].
الوعيد الشديد لأكلة الربا
قال المفسرون: أي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم الذي مسه الشيطان وصرعه، كلما قاموا صرعوا، وكلما أرادوا النهوض سقطوا فهم كالمجانين والعياذ بالله.
وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لما أسري بي مررت بقوم بطونهم بين أيديهم، كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم، قد مالت بهم بطونهم، لا يستطيعون أن يبرحوا، كلما قاموا مالت بهم بطونهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟! فقال: هؤلاء أكلة الربا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275]).
وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت، فيها الحيات ترى من خارج بطونهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟! فقال: هؤلاء أكلة الربا).
وروى البخاري من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا).
التحذير من التساهل في أمر الربا
فلا يحملنكم الجشع والطمع على المعاملات المحرمة، فاعتبروا يا أولي الأبصار: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم:39].
فاتقوا الله عباد الله، واتقوا الله أيها التجار، واتقوا الله يا أرباب البنوك والمصارف، دعوا الربا، واحذروا عذاب الله ونقمته، إن من العار على المسلمين أن يستبدلوا في أمور معاملاتهم الذي هو أدنى بالذين هو خير، وأن يستمرئوا التعامل بالربا المحرم وهم حاملو رايات الإصلاح للبشرية، كيف وهم يرون اليوم الأنظمة الوضعية تنهار وتتهاوى بين الفينة والأخرى!
فالفرصة فرصة أهل الإسلام في عرض النظام الاقتصادي على البشرية، وسيحظى بالنجاح، وقد نجح، كيف وهو تنزيل من حكيم حميد.
اللهم إنا نعوذ بك من الربا ومن أكله وكتابته يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك رزقاً حلالاً طيباً، اللهم صل وسلم على نبينا محمد.
الربا كبيرة كبرى وبلية عظمى، محرم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين، عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة.
والربا من أكبر الذنوب عند الله، وأعظم الفواحش، محرم في جميع الشرائع السماوية، قال الله عز وجل: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ [النساء:160-161].
أكلة الربا متوعدون بالوعيد الشديد في الدنيا والآخرة، مهددون بالعذاب في النار وبئس القرار.
أكلة الربا محاربون لله ورسوله يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:278-279] وهل يجرؤ أحد على محاربة العزيز الجبار، القوي المتين، من له أدنى مسكة من عقل أو ذرة من إيمان، فمن بارز الله بالمحاربة فهو الخاسر المهزوم.
المرابون ملعونون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء)، أي: سواء في الإثم.
في الربا جرأة على دين الله، ومخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي ألغى مسالك الجاهلية ومنها الربا، ففي صحيح مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربانا: ربا
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحكام الصيام | 2892 استماع |
حقيقة الإيمان - تحريم التنجيم | 2514 استماع |
مداخل الشيطان على الإنسان | 2494 استماع |
الأمن مطلب الجميع [2] | 2438 استماع |
غزوة الأحزاب | 2376 استماع |
نصائح وتوجيهات لطلاب العلم | 2366 استماع |
دروس من قصة موسى مع فرعون | 2354 استماع |
دروس من الهجرة النبوية | 2351 استماع |
شهر الله المحرم وصوم عاشوراء | 2211 استماع |
حقوق الصحبة والرفقة | 2181 استماع |