أرشيف المقالات

البيان في ذكر بعض الأدلة على تحريم الغناء بالموسيقا والألحان

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
البيان في ذكر بعض الأدلة
على تحريم الغناء بالموسيقا والألحان


لا ريب أن الغناء المصاحب لآلات الطرب التي لم يرخص فيها الشرع محرم، رغم أنوف المعاندين لا كثَّرهم الله، وقد جمعتُ بعض الأدلة من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وكلام أئمتنا في بيان حكم هذا الغناء أيما بيان، هذا الغناء الذي ابتلي به فئام من أمة الإسلام، بحيث لا تكاد تمر من شارع أو سوق إلا واجهتك موجة من الألحان، وكلمات تضر القلب والآذان، وتصد عن ذكر الله وسماع القرآن، وإن أنكرت قيل: في ديننا فسحة كباقي الشرائع والأديان، وهذه والله مكيدة من مكايد الشيطان، اصطاد بها كثيرًا من بني الإنسان، فلله المشتكى على تغيُّرِ الأحوال والأزمان، وأسأل الله تعالى أن يرد أمة الإسلام إلى رشدها؛ لتستعيد ما كان لها من عزة في سالف الأزمان.
 
فإليكم بعض تلك الأدلة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار:
أ- من الكتاب:
1- قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [لقمان: 6، 7].
 
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: "لما ذكر الله تعالى حال السعداء، وهم الذين يهتدون بكتاب الله، وينتفعون بسماعه - عطَف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب؛ كما قال ابن مسعود: هو والله الغناء، قال الحسن البصري: نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير..."[1].
 
2- قال جل شأنه مخاطبًا إبليس اللعين: ﴿ قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الإسراء: 63، 64].
قال مجاهد: اللهو والغناء [2].
 
3- قال تعالى في وصف عباد الرحمن: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ [الفرقان: 72]، وقد فسَّر غيرُ واحد من السلف الزُّورَ هنا بالغناء، منهم الإمام مجاهد؛ فقد روى عنه الليثُ في تفسير قول تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ [الفرقان: 72] قال: لا يسمعون الغناء[3].
 
لكن هذا لا يمنع القول بأن كلمة الزور قد تكون شاملة لكل باطل، قولًا كان أو فعلًا؛ يقول الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى في قوله: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ [الفرقان: 72]؛ أي: لا يحضرون الزور؛ أي: القول والفعل المحرم، فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة، أو الأفعال المحرمة؛ كالخوض في آيات الله، والجدال الباطل، والغِيبة، والنميمة، والسب والقذف، والاستهزاء، والغناء المحرم، وشرب الخمر، وفرش الحرير، والصُّوَر، ونحو ذلك، وإذا كانوا لا يشهدون الزور، فمن باب أولى وأحرى ألا يقولوه ويفعلوه"[4].
 
وكذا اللغو؛ فقد تعددت الأقوال في تفسيره - ومنها أن المقصود به الغناء - لكن كما قال إمام المفسرين: "واللغو في كلام العرب هو كل كلام أو فعل باطل لا حقيقة له ولا أصل، أو ما يُستقبَح...
فإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: وإذا مرُّوا بالباطل فسمعوه أو رأوه، مرُّوا كرامًا، ومرورُهم كرامًا في بعض ذلك بألا يسمعوه، وذلك كالغناء"؛ تفسير الطبري: 19/ 315.
 
ب- من السنة:
• عن جابر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبدالرحمن بن عوف إلى النخل، فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه، فوضعه في حجره، ففاضت عيناه، فقال عبدالرحمن: أتبكي وأنت تنهى الناس؟ قال: ((إني لم أَنْهَ عن البكاء، وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب، ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة: خمش وجوه، وشق جيوب...))؛ رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
 
• عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صوتانِ ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة))؛ رواه البزار، وحسنه الألباني، وهو في صحيح الترغيب والترهيب تحت رقم: 3527.
 
• عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حرم عليَّ - أو حرَّم - الخمر والميسر والكوبة، وكل مُسكِرٍ حرام))؛ أخرجه أبو داود وغيره، وصححه الألباني، والكوبة: الطبل.
 
• عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يكون في أمتي قذفٌ ومسخ وخسف))، قيل: يا رسول الله، ومتى ذاك؟ قال: ((إذا ظهَرت المعازف، وكثُرت القِيان، وشُربت الخمور))؛ أخرجه الترمذي في "كتاب الفتن"، وصححه الألباني.
 
• عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحِرَ والحرير، والخمر والمعازف...))؛ أخرجه البخاري.
 
والاستدلال على التحريم في هذا الحديث من وجهين:
• قوله صلى الله عليه وسلم: ((يستحلُّون)).
• وإقرانه له بما هو معلوم من الدين بالضرورة أنه محرم؛ كالخمر والحِر؛ أي: الزنا.
 
ج- من أقوال الأئمة الأربعة:
• قال الإمام الشافعي: "إن الغناء لهوٌ مكروهٌ يشبه الباطل...".
• أما الإمام أبو حنيفة، فإنه يكره الغناء، ويجعله من الذنوب، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها.
• وقال الإمام أحمد: "الغناء ينبت النفاق في القلب، لا يعجبني".
• وقال الإمام مالك إمام دار الهجرة: "إنما يفعله عندنا الفُسَّاق"[5].
 
وما أحسنه ما سطره الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الماتع "إغاثة اللهفان"، يقول: "ومن مكايد عدو الله ومصايده، التي كاد بها مَن قلَّ نصيبُه من العلم والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين: سماع المُكَاء والتصدية، والغناء بالآلات المحرمة، الذي يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان؛ فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية اللواط والزنا، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه غاية المنى، كاد به الشيطان النفوس المبطلة، وحسنه لها مكرًا وغرورًا، وأوحى إليها الشُّبَهَ الباطلة على حسنه، فقبِلت وحيه، واتخذت لأجله القرآن مهجورًا...
وهذا السماع الشيطاني المضاد للسماع الرحماني، له في الشرع بضعة عشر اسمًا: اللهو، واللغو، والباطل، والزور، والمُكَاء، والتصدية، ورقية الزنا، ومنبت النفاق في القلب، والصوت الأحمق، والصوت الفاجر، وصوت الشيطان، ومزمور الشيطان، والسمود"[6]؛ انتهى.
 
تلكم كانت بعض الأدلة القاطعة من القرآن والسنة وكلام سلف الأمة على تحريم الغناء.
 
وأختم بهذه الأبيات الرائعة للإمام ابن القيم - من كتابه الماتع مدارج السالكين -:
يقول رحمه الله تعالى:






تُلِي الكتابُ فأطرقوا لا خيفةً
لكنه إطراق ساهٍ لاهي


وأتى الغناءُ فكالذُّباب تراقصوا
واللهِ ما رقصوا مِنَ اجْل الله


دفٌّ ومزمار ونغمة شاهد
فمتى شهدتَ عبادةً بملاهي


ثقُل الكتابُ عليهمُ لَمَّا رأوا
تقييده بأوامرٍ ونواهي


وعليهمُ خفَّ الغِنا لَمَّا رأوا
إطلاقَه في اللهو دون مَناهي


يا فِرقةً ما ضرَّ دينَ محمد
وجنَى عليه وملَّه إلا هي


سمِعوا له رعدًا وبرقًا إذ حوى
زجرًا وتخويفًا بفعلِ مناهي


ورأوه أعظمَ قاطعٍ للنفس عن
شهَواتها يا ويحَها المتناهي


وأتى السماعُ موافقًا أغراضَها
فلأجل ذاك غدَا عظيمَ الجاهِ









[1] تفسير القرآن العظيم: 6/ 330.


[2] جامع البيان في تأويل آي القرآن: 17/ 490.


[3] المرجع السابق: 19/ 313.


[4] تيسير الرحمن: 587.


[5] انظر إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان: 1/ 227 - 229.


[6] إغاثة اللهفان: 1/ 224 - 237 باختصار.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢