شرح سنن أبي داود [465]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (فراش للرجل وفراش للمرأة وفراش للضيف والرابع للشيطان)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الفرش.

حدثنا يزيد بن خالد الهمداني الرملي، حدثنا ابن وهب ، عن أبي هانئ عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرش، فقال: (فراش للرجل، وفراش للمرأة، وفراش للضيف، والرابع للشيطان) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في الفرش، يعني: ما يتخذ من الفرش.

وكيف تتخذ الفرش.

لما ذكر اللباس سواء كان يتعلق بالجسد، أو يتعلق بالرجلين، ذكر ما يتعلق بالافتراش، وهو ما يفترش ويتخذ فراشاً يجلس عليه.

أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الفرش فقال: (فراش للرجل، وفراشٌ للمرأة، وفراش للضيف، والرابع للشيطان) وهذا على حسب عادة الإنسان، فإذا كان من عادته أنه كثير الضيفان فهو يعدد الفرش من أجل الضيفان، وأما إذا كانوا قليلين أو أنه نادر أو قليل أن يأتيه الضيف، فإنه يضع على قدره، والمقصود من ذلك أنه لا يوضع شيء للمباهاة ولغير الحاجة إليه، وأما إذا كانت الحاجة إليه موجودة، فإن ذلك سائغ.

ومعلوم أن الضيف يطلق على الواحد وعلى الأكثر، فإذاً: المقصود بالضيف، ما يحتاج إليه الضيف، سواء كان واحداً أو أكثر، وهذا على حسب عادة الإنسان، فإذا كان من عادته أنه يعدد الضيوف؛ فهو يعدد الفرش انتظاراً للضيوف، وإذا كان ليس كذلك فإنه يكون عنده زيادة واحد.

وهذا فيما إذا كان مع أهله فقط، أما إذا كان البيت مكوناً من أفراد، فكلٌ له فراش، ولكن المقصود من ذلك هو ألا يتخذ شيئاً من أجل المباهاة ومع عدم الحاجة، فتبقى الفرش مدة طويلة لا يستفاد منها لعدم الحاجة إليها، أما مع الحاجة فإنه لا بأس في ذلك.

وقوله: [ للشيطان ].

قيل: يحتمل أنه إذا كان للمباهاة فهو مما يريده الشيطان، ومما يحبه الشيطان، وقيل: إن الشيطان يتخذه فراشاً بمعنى أنه يفترشه ويستعمله؛ لكن كما عرفنا أنه قد جاء في الحديث أن الإنسان إذا دخل وذكر الله عز وجل فإن الشيطان يقول لأصحابه ولأتباعه فاتكم المبيت، وإذا لم يذكر الله عز وجل يقول: أدركتم المبيت، أدركتم المبيت، معناه أنهم يدخلون ويبيتون، وأما إذا حصل من الرجل التسمية فإنهم لا يدخلون.

تراجم رجال إسناد حديث (فراش للرجل وفراش للمرأة وفراش للضيف والرابع للشيطان)

قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد الهمداني الرملي].

يزيد بن خالد الهمداني الرملي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا ابن وهب ].

هو عبد الله بن وهب ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هانئ ].

هو حميد بن هانئ ، وهو لا بأس به، بمعنى صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي عبد الرحمن الحبلي ].

هو عبد الله بن يزيد ، ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن جابر بن عبد الله ].

جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قد مر ذكره.

حكم اتخاذ فراش واحد للرجل وزوجته

أما قول الخطابي : بأن فيه دليلاً على أن المستحب -وأنه من أدب السنة- أن يبيت الرجل على فراش وزوجته على فراش آخر، ولو كان المستحب لهما أن يبيتا معاً على فراش واحد لكان لا يرخص له في اتخاذه فراشين لنفسه ولزوجته.

فالذي يبدو أنه لا بأس بأن يتخذ الفراش الواحد لهما جميعاً، ولكن كونه يصير لها فراش وله فراش، فذلك حتى يمكن أن ينفرد به كل واحد منهما إذا حصل مرض، أو أنها تستقل عنه لحاجة، وأما إذا جمع بينهما في فراش واحد وفي لحاف واحد؛ فإن ذلك لا بأس به.

شرح حديث جابر بن سمرة أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً على وسادة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع ، ح وحدثنا عبد الله بن الجراح ، عن وكيع عن إسرائيل عن سماك عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أنه قال: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، فرأيته متكئاً على وسادة -زاد ابن الجراح: على يساره -) ].

أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما قال: (دخلت على الرسول صلى الله عليه وسلم فرأيته متكئاً على وسادة).

الوسادة تطلق على الفراش الذي يفترشه الإنسان وينام عليه، وتطلق أيضاً على ما يجعله تحت رأسه.

[ متكئاً ] يعني: مفترشاً معتمداً على وسادة، فالمقصود بذلك الفراش؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث أنه عندما يكون للإنسان إكرام يضع وسادة تحته، يعني فراشاً.

[ زاد ابن الجراح: على يساره ].

يعني: أنه معتمد على يساره، من جهة أنه على جنبه الأيسر، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من عادته أنه ينام على جنبه الأيمن، ولكن لعله رآه على تلك الحال، لحالة من الحالات.

تراجم رجال إسناد حديث جابر بن سمرة أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً على وسادة

قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ].

هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا وكيع ].

وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ح. وحدثنا عبد الله بن الجراح ].

عبد الله بن الجراح صدوق يخطئ أخرج له أبو داود والنسائي في مسند مالك وابن ماجة .

[ عن وكيع ].

[ عن وكيع عن إسرائيل ].

إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سماك ].

سماك بن حرب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن جابر بن سمرة ].

جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال أبو داود : رواه إسحاق بن منصور عن إسرائيل أيضاً: على يساره ].

إسحاق بن منصور ، صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إسرائيل أيضاً: على يساره ].

أي: كما قال ابن الجراح.

شرح حديث ابن عمر في الثناء على رفقة من أهل اليمن

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري عن وكيع عن إسحاق بن سعيد بن عمر القرشي، عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنه (أنه رأى رفقة من أهل اليمن، رحالهم الأدم، فقال: من أحب أن ينظر إلى أشبه رفقة كانوا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هؤلاء) ].

أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أنه رأى رفقة -أي: جماعة- من أهل اليمن، على دوابهم، وفي رحالهم الأدم.

الأدم: جمع أديم، والمقصود به الوطاء الذي يكون من جلد على الرحل يرتفقون به.

فقال: [ (من أحب أن ينظر إلى أشبه رفقة كانوا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هؤلاء) ].

يعني: في قناعتهم وزهدهم وعدم توسعهم، وأنهم كانوا يتخذون الأديم أو الأدم وطاء على رحالهم، فهذه إشارة إلى زهدهم وقناعتهم وعدم توسعهم.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في الثناء على رفقة من أهل اليمن

قوله: [ حدثنا هناد بن السري ].

هناد بن السري أبو السري ثقة أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن وكيع ].

وكيع مر ذكره.

[ عن إسحاق بن سعيد بن عمرو القرشي].

ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة .

[ عن أبيه ].

أبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن ابن عمر ].

عبد الله بن عمر بن الخطاب ، رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين، بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (أتخذتم أنماطاً؟)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح ، حدثنا سفيان ، عن ابن المنكدر ، عن جابر رضي الله عنه أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتخذتم أنماطاً؟ قلت: وأنى لنا الأنماط، قال: أما إنها ستكون لكم أنماط) ].

أورد أبو داود حديث جابر رضي الله تعالى عنهما قال: قال لي رسول الله (أتخذتم أنماطاً؟!) والأنماط، قيل هي الفرش التي تكون عليها أغطية، أو أغطية تكون على الفرش يرتفق بها ويستفاد منها.

قوله: (وأنى لنا الأنماط؟!) يعني من أين لنا؟ فقال: (إنها ستكون لكم)، يعني: أنه ستفتح عليهم الدنيا، وأنه سيحصل لهم التوسع، وأنه ستحصل لهم هذه الأنماط، وأنهم يضيفونها إلى فرشهم التي كانوا يستعملونها بغير ذلك.

وقد وقع ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا من علامات نبوته، ومن دلائل نبوته، فإن الأمر وقع كما أخبر به الصادق المصدوق، فإن الجهاد في سبيل الله حصل بسببه الغنائم وفتحت الفتوحات وكثرت الخيرات، فصاروا يستعملون ذلك.

والحديث لا يدل على منعه، بل يدل على جوازه وأنه سائغ، ولكنهم كانوا في قلة وفي حالة شديدة، وبعد ذلك أوسع الله عز وجل عليهم، فلا بأس أن يستعملوا ذلك، وأن يحصل لهم ذلك؛ لأن الحديث لا يدل على المنع.

تراجم رجال إسناد حديث (أتخذتم أنماطاً؟)

قوله: [ حدثنا ابن السرح ].

هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا سفيان ].

سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن المنكدر ].

وهو محمد المنكدر ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جابر ].

جابر رضي الله تعالى عنهما.

وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي من أعلى الأسانيد عند أبي داود،والله تعالى أعلم.

شرح حديث (كانت وسادة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم حشوها ليف)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة وأحمد بن منيع قالا: حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كانت وسادة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم -قال ابن منيع: التي ينام عليها بالليل، ثم اتفقا:- من أدم حشوها ليف) ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (كانت وسادة رسول صلى الله عليه وسلم التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف).

وهذا يدل على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من القناعة والزهد في الدنيا، وكون فراشه الذي ينام عليه صلى الله عليه وسلم من أدم، يعني: من جلد.

وحشوها ليف: والمراد بالليف ما يتخذ من النخل الذي يكون في أصول العشب، والذي تتخذ منه الحبال، ويتخذ حشواً للفرش.

والمراد بالوسادة الفراش، وقيل: المقصود بها ما يتخذ للرأس، وكل منهما صحيح، ولكن الأقرب أن المقصود به الفراش؛ لأن الوسادة تطلق على الفراش، كما يأتي في بعض الأحاديث وفي بعض الآثار أنه جعل تحت الضيف وسادة إكراماً له ليجلس عليها.

والمقصود من هذا أن فراش النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان ينام عليه كان من أدم، والأدم جمع أديم وهو الجلد، وحشوه من ليف النخل، وهذا من زهده وقناعته صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث (كانت وسادة النبي صلى الله عليه وسلم من أدم حشوها ليف)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.

[ وأحمد بن منيع ].

أحمد بن منيع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قالا: حدثنا أبو معاوية ].

وهو محمد بن خازم الضرير الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام بن عروة ].

هشام بن عروة بن الزبير بن العوام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهم: عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وسليمان بن يسار والسابع مختلف فيه على ثلاث أقول: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .

[ عن عائشة ].

هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من أوعية السنة وحفظتها، حفظت الكثير من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما ما يتعلق بما كان يجري في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حفظت ووعت الكثير من ذلك رضي الله عنها وأرضاها.

شرح حديث (كانت ضجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم حشوها ليف)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو توبة حدثنا سليمان -يعني: ابن حيان - عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كانت ضجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم حشوها ليف).

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ: (كانت ضجعة أي: الشيء الذي يضطجع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وينام عليه، وهو مثل الذي قبله، وهناك قالت: (وسادة)، وهنا قالت: (ضجعة)، أي: ما يضطجع عليه، وكانت من أدم حشوها ليف.

تراجم رجال إسناد حديث (كانت ضجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم حشوها ليف)

قوله: [ حدثنا أبو توبة ].

أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا سليمان يعني : ابن حيان ].

سليمان بن حيان هو أبو خالد الأحمر ، صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام عن أبيه عن عائشة ].

قد مر ذكرهم.

شرح حديث أم سلمة أن فراشها كان حيال مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: (كان فراشها حيال مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم).

أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها أن فراشها -أي: أم سلمة - كان حيال مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، أي: قبالة مصلاه الذي كان يصلي فيه في الحجرة، وهذا من جنس ما سبق أن جاء في حديث عائشة أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى وهي معترضة في قبلته، ولم يكن في البيوت مصابيح، فكان إذا سجد غمزها، فكفت رجليها.

فهنا لفظ: (مسجده) يعني: مصلاه، أي: المكان الذي يصلي فيه النوافل في الحجرة، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي النوافل من الرواتب وغير الرواتب في بيته عليه الصلاة والسلام، وقد قال: (صلاة الرجل في بيته أفضل من صلاته في مسجدي إلا المكتوبة).

والمسجد هو اسم يطلق على مكان السجود، وقيل للمساجد مساجد؛ لأن من هيئات المصلي السجود، وأيضاً التمكن على الأرض إنما يكون في حالة السجود؛ لأن الإنسان في صلاته له أحوال أربعة لا خامس لها، فهو إما قائم، والقيام قبل الركوع وبعده، وإما راكع، وإما ساجد، والسجود سجدتان في كل ركعة، وإما جالس والجلوس للتشهد والجلوس بين السجدتين.

وقيل لأبنية الصلاة مساجد أخذاً من أماكن السجود، فلا يقال لها: مواقف، ولا مراكع، ولا مجالس، وإنما قيل لها: مساجد، أخذاً من حالة السجود؛ لأنها الهيئة التي يكون فيها تمكن المصلي من الأرض؛ لأنه إذا كان ساجداً تكون يداه وركبتاه ووجهه -جبهته وأنفه- على الأرض، بخلاف ما إذا كان قائماً فليس عليها إلا رجلاه، وكذلك إذا كان راكعاً، وإذا كان جالساً فرجلاه وركبتاه، ولكنه إذا كان ساجداً فكل هذه الأعضاء تلتصق بالأرض لاسيما الوجه الذي هو أشرف أعضاء الإنسان، فهو يعفره في التراب ويضعه على الأرض خضوعاً لله سبحانه وتعالى.

فالمسجد هو اسم لمكان السجود، ولهذا يقال للركعة سجدة؛ لأن مما تشتمل عليه الركعة سجدتين.

تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة أن فراشها كان حيال مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

قوله: [ حدثنا مسدد ].

مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن يزيد بن زريع ].

يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن خالد الحذاء ].

خالد بن مهران الحذاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ويقال له: الحذاء، وهو لقب، والمتبادر من لفظ الحذاء أنه كان يصنع الأحذية أو يبيع الأحذية، مثل البزاز والخباز للذي يقوم بهذه المهنة، ولكن هذه نسبة إلى غير المهنة، وإنما هي لأدنى مناسبة، وذلك أنه كان يجلس عند الحذائين ولم يكن حذاءً، وإنما كان يجلس عندهم فقيل له الحذاء.

وقيل: إنه كان يقول للحذاء الذي يصنع الأحذية: احذُ على كذا، احذ على كذا، يعني: اقطع على كذا، فقيل له الحذاء؛ فهي نسبة إلى غير ما يتبادر إلى الذهن، مثل الرجل الذي يقال له: يزيد الفقير ، المتبادر إلى الذهن أنه نسبة إلى الفقر، ولكن الواقع أنه كان يشكو فقار ظهره، فقيل له الفقير.

[ عن أبي قلابة ].

أبو قلابة هو عبد الله بن زيد الجرمي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زينب بنت أم سلمة ].

وهي ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أم سلمة ].

أمها أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله عنها، أم المؤمنين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الفرش.

حدثنا يزيد بن خالد الهمداني الرملي، حدثنا ابن وهب ، عن أبي هانئ عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرش، فقال: (فراش للرجل، وفراش للمرأة، وفراش للضيف، والرابع للشيطان) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في الفرش، يعني: ما يتخذ من الفرش.

وكيف تتخذ الفرش.

لما ذكر اللباس سواء كان يتعلق بالجسد، أو يتعلق بالرجلين، ذكر ما يتعلق بالافتراش، وهو ما يفترش ويتخذ فراشاً يجلس عليه.

أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الفرش فقال: (فراش للرجل، وفراشٌ للمرأة، وفراش للضيف، والرابع للشيطان) وهذا على حسب عادة الإنسان، فإذا كان من عادته أنه كثير الضيفان فهو يعدد الفرش من أجل الضيفان، وأما إذا كانوا قليلين أو أنه نادر أو قليل أن يأتيه الضيف، فإنه يضع على قدره، والمقصود من ذلك أنه لا يوضع شيء للمباهاة ولغير الحاجة إليه، وأما إذا كانت الحاجة إليه موجودة، فإن ذلك سائغ.

ومعلوم أن الضيف يطلق على الواحد وعلى الأكثر، فإذاً: المقصود بالضيف، ما يحتاج إليه الضيف، سواء كان واحداً أو أكثر، وهذا على حسب عادة الإنسان، فإذا كان من عادته أنه يعدد الضيوف؛ فهو يعدد الفرش انتظاراً للضيوف، وإذا كان ليس كذلك فإنه يكون عنده زيادة واحد.

وهذا فيما إذا كان مع أهله فقط، أما إذا كان البيت مكوناً من أفراد، فكلٌ له فراش، ولكن المقصود من ذلك هو ألا يتخذ شيئاً من أجل المباهاة ومع عدم الحاجة، فتبقى الفرش مدة طويلة لا يستفاد منها لعدم الحاجة إليها، أما مع الحاجة فإنه لا بأس في ذلك.

وقوله: [ للشيطان ].

قيل: يحتمل أنه إذا كان للمباهاة فهو مما يريده الشيطان، ومما يحبه الشيطان، وقيل: إن الشيطان يتخذه فراشاً بمعنى أنه يفترشه ويستعمله؛ لكن كما عرفنا أنه قد جاء في الحديث أن الإنسان إذا دخل وذكر الله عز وجل فإن الشيطان يقول لأصحابه ولأتباعه فاتكم المبيت، وإذا لم يذكر الله عز وجل يقول: أدركتم المبيت، أدركتم المبيت، معناه أنهم يدخلون ويبيتون، وأما إذا حصل من الرجل التسمية فإنهم لا يدخلون.

قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد الهمداني الرملي].

يزيد بن خالد الهمداني الرملي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا ابن وهب ].

هو عبد الله بن وهب ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هانئ ].

هو حميد بن هانئ ، وهو لا بأس به، بمعنى صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي عبد الرحمن الحبلي ].

هو عبد الله بن يزيد ، ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن جابر بن عبد الله ].

جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قد مر ذكره.




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2886 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2830 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2726 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2695 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2687 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2676 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2672 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2651 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2642 استماع