شرح سنن أبي داود [456]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (... ألا كسوتها بعض أهلك فإنه لا بأس بها للنساء) في ريطة مضرجة بالعصفر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحمرة.

حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن الغاز عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: (هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية فالتفت إلي وعلي ريطة مضرجة بالعصفر فقال: ما هذه الريطة عليك؟! فعرفت ما كره، فأتيت أهلي وهم يسجرون تنوراً لهم فقذفتها فيه ثم أتيته من الغد فقال: يا عبد الله ! ما فعلت الريطة؟ فأخبرته. فقال: ألا كسوتها بعض أهلك؟ فإنه لا بأس به للنساء) ].

أورد أبو داود باباً في الحمرة، أي: اللباس الذي لونه أحمر، وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فهبطنا في ثنية، والثنية طريق بين جبلين، فالتفت إلي ورأى علي ريطة مضرجة بالعصفر.

يعني: ملطخة بالعصفر، أي: أنها معصفرة، وقد جاء في بعض الأحاديث النهي عن استعمال المعصفر، وهنا أورد هذا في باب الحمرة، والعصفر لونه أصفر، وفيه من الحمرة، ولعله يكون معه شيء آخر أو أن المحظور هو كونه معصفراً وإن لم يكن معه حمرة؛ لكن الإشكال في كونه أورده في باب الحمرة، فهو إما أن يكون على اعتبار أن فيه شيئاً من الحمرة أو أنه مع كونه معصفراً فيه شيء يعطيه لوناً أحمر، والمعصفر هو في حد ذاته قد جاءت الأحاديث بالنهي عنه، ومنها هذا الحديث.

[ قال: (هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية فالتفت إلي وعلي ريطة مضرجة بالعصفر)].

الريطة: ملاءة ليست بلفقتين، وهي: مثل العباءة.

وهذا الحديث يدل على أن المعصفر في حق النساء سائغ وأنه لا بأس به، وإنما المنع في حق الرجال، وعبد الله بن عمرو رضي الله عنه لما رأى من النبي صلى الله عليه وسلم الكراهية لذلك لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يصنع بها، ولكنه عمد فوجد أهله يسجرون تنوراً -يعني: أنهم يوقدونه للخبز فيه- فرماها فيه، يعني: فأحرقها في هذا التنور، فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم: ماذا فعلت الريطة؟ فقال إنه فعل بها كذا وكذا، قال: ألا أعطيتها بعض أهلك؛ فإنه لا بأس بها للنساء! فدل هذا على أن من اللباس ما يصلح للنساء ولا يصلح للرجال، وأن الإنسان إذا وصل إليه شيء لا يصلح له فإنه يعطيه لمن يصلح له كالنساء مثلاً، ومن ذلك الحرير والمعصفر كما جاء في هذا الحديث.

تراجم رجال إسناد حديث (ألا كسوتها بعض أهلك فإنه لا بأس بها للنساء) في ريطة مضرجة بالعصفر

قوله: [ حدثنا مسدد ].

مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا عيسى بن يونس ].

عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا هشام بن الغاز ].

هشام بن الغاز ثقة أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.

[ عن عمرو بن شعيب ].

عمرو بن شعيب هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، صدوق أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.

[ عن أبيه ].

هو شعيب بن محمد ، وهو كذلك صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن.

[ عن جده ].

جده عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو جد شعيب وجد عمرو.

وقد سمع شعيب من عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو متصل، ومعروف عند العلماء أن الإسناد إذا كان مستقيماً إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فإنه يكون من قبيل الحسن؛ لأن عمراً صدوق، وشعيباً صدوق وحديثهما من قبيل الحسن، والحديث حسن إذا كان إسناده إليهما صحيحاً ومستقيماً.

و عبد الله بن عمرو بن العاص أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

الفرق بين المصبوغ بالعصفر والذي لونه أصفر

المعصفر هو المصبوغ بالعصفر، وهو نبات معروف، وهو أصفر؛ لكن فيه شيء من الحمرة.

ولا يوجد تعارض بين النهي عن المعصفر وأن ابن عمر كان يحب الثياب المصبوغة بالأصفر؛ لأن الأصفر غير المعصفر؛ فالأصفر في حديث ابن عمر هو المصبوغ بغير العصفر وإن كان اللون مقارباً، لكن ليس الكلام في اللون، وإنما الذي يبدو أنه كان من فعل الأعاجم أو نحو ذلك، فليست القضية قضية صفرة.

وليس اللون الأصفر ممنوعاً على الرجال، وإنما المنع من المصبوغ بالعصفر، وقالوا: سواء كان صبغها بعد نسجها أو وهي خيوط قبل أن تنسج ثم تحاك، إذ ذلك من فعل العجم.

شرح قول هشام بن الغاز في معنى كلمة (مضرجة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي حدثنا الوليد قال: قال هشام يعني: ابن الغاز : المضرجة: التي ليست بمشبعة ولا الموردة ].

هذا أثر مقطوع ينتهي إلى هشام بن الغاز في تفسير المضرجة.

ومعنى مشبعة: وافرة، أي: ما يكون صبغه وافراً تاماً، والمورد: ما صبغ على لون الورد.

والمعنى أن المضرجة هي التي ليس صبغها مشبعاً ولا مورداً، بل دون المشبع وفوق المورد.

تراجم رجال إسناد قول هشام بن الغاز في معنى كلمة (مضرجة)

قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي ].

عمرو بن عثمان الحمصي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا الوليد ].

الوليد بن مسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال: قال هشام بن الغاز ].

هشام بن الغاز مر ذكره.

شرح حديث (أفلا كسوته بعض أهلك؟!) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي حدثنا إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن شفعة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: (رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو علي اللؤلؤي : أراه وعلي ثوب مصبوغ بعصفر مورد. فقال: ما هذا؟ فانطلقت فأحرقته. فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: ما صنعت بثوبك؟ فقلت: أحرقته. قال: أفلا كسوته بعض أهلك؟) ].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما من طريق أخرى، وفيه أنه قال: (رآني الرسول صلى الله عليه وسلم. قال أبو علي اللؤلؤي : أراه وعلي ثوب مصبوغ بعصفر مورد) ].

مورد معناه أنه خفيف كما أشار في الشرح الذي قال: إنه دون المشبع وفوق المورد، يعني: كأنه خفيف.

[ (فقال: ما هذا؟ فانطلقت فأحرقته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما صنعت بثوبك؟ فقلت: أحرقته. قال: أفلا كسوته بعض أهلك؟) ].

هذا مثل الذي قبله، وهذا الإسناد فيه ضعف؛ ولكن الذي قبله بمعناه.

وهذا ليس لبس رجال، ما دام أنه محرم على الرجال، وليست القضية قضية اللون، وليس معناه أن النساء لابد أن يكون لهن الألوان الخاصة، والرجال لهم الألوان الخاصة، وإنما الشيء الذي يعرف أنه من خصائص النساء يكون للنساء من الألبسة بمختلف الألوان، والذي من خصائص الرجال فهو من خصائص الرجال بمختلف الألوان، وإلا فإن النساء تلبس الألوان المختلفة، والرجال يلبسون الألوان المختلفة، والصفرة يلبسها الرجال؛ ولكنها من غير المعصفر، والمعصفر يجوز للنساء ولا يجوز للرجال.

تراجم رجال إسناد حديث (أفلا كسوته بعض أهلك؟!) من طريق ثانية

قوله: [ حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي ].

محمد بن عثمان الدمشقي هو: أبو الجماهر ، ثقة أخرج له أبو داود وابن ماجة .

[ حدثنا إسماعيل بن عياش ].

إسماعيل بن عياش صدوق في الرواية عن الشاميين، مخلط في غيرهم، وحديثه أخرجه البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن.

[ عن شرحبيل بن مسلم ].

شرحبيل بن مسلم وهو صدوق فيه لين، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن شفعة ].

شفعة مقبول أخرج له أبو داود .

[ عن عبد الله بن عمرو ].

عبد الله بن عمرو مر ذكره.

[ قال أبو داود : رواه ثور عن خالد فقال: مورد. وطاوس قال: معصفر ].

جاء في المتن السابق بالطريق الأولى مصرحاً بأنه مصبوغ بالعصفر.

وثور بن يزيد الحمصي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

وخالد هو ابن معدان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وطاوس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (مر على النبي رجل وعليه ثوبان أحمران فسلم عليه فلم يرد عليه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن حزابة حدثنا إسحاق يعني: ابن منصور حدثنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: (مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل عليه ثوبان أحمران، فسلم عليه فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم) ].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه رجل عليه ثوبان أحمران فسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه) لأنه كان لابساً للأحمر، ولبس الأحمر لا يجوز للرجال، وقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على لبسه.

وقد جمع بينهما بأن المنع فيما إذا كان خالصاً، والجواز فيما إذا كان غير خالص بحيث يكون معه ألوان أخرى.

والحديث يدل على عدم رد السلام على من يكون فاعلاً أمراً لا يسوغ؛ لكن الحديث غير صحيح؛ لأن في إسناده من هو متكلم فيه.

تراجم رجال إسناد حديث (مر على النبي رجل وعليه ثوبان أحمران فسلم عليه فلم يرد عليه)

قوله: [ حدثنا محمد بن حزابة ].

محمد بن حزابة صدوق أخرج له أبو داود .

[ حدثنا إسحاق يعني: ابن منصور ].

إسحاق بن منصور صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا إسرائيل ].

إسرائيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي يحيى ].

أبو يحيى هو القتات لين الحديث، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن مجاهد ].

مجاهد بن جبر المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن عمرو ].

عبد الله بن عمرو مر ذكره.

حكم الأحمر من الثياب كالشماغ وغيره

كثرت الأسئلة عن الشماغ الأحمر -مع أن الشماغ فيه أحمر وأبيض- وكذلك الملبوسات الرياضية كالفانيلة الحمراء، والتساؤل هو عن حكمها وجوازها!

وفي الحقيقة أن الأحمر الخالص قد جاء ما يدل على منعه، وفيما أبيح غنى عما منع منه.

وهذا خاص بالرجال، أما النساء فالحكم مختلف بالنسبة لهن.

شرح حديث (ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا أبو أسامة عن الوليد يعني: ابن كثير عن محمد بن عمرو بن عطاء عن رجل من بني حارثة عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رواحلنا وعلى إبلنا أكسية فيها خيوط عهن حمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم؟ فقمنا سراعاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نفر بعض إبلنا، فأخذنا الأكسية فنزعناها عنها) ].

أورد أبو داود حديث رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وعلى رواحلنا أكسية فيها خطوط حمر، فقال عليه السلام: ألا أرى الحمرة قد علتكم).

فقاموا مسارعين لما سمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نفرت بعض الإبل من إسراعهم، يعني: حصل فيها جفال ونفور بسبب ما حصل منهم من السرعة، (فنزعوها)، أي: لم يستعملوها، ولكن الحديث فيه رجل مبهم، وهو الذي يروي عن رافع بن خديج رضي الله عنه، فالحديث غير ثابت.

تراجم رجال إسناد حديث (ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم)

قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ].

محمد بن العلاء بن كريب الهمداني أبو كريب الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا أبو أسامة ].

أبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي القرشي مولاهم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الوليد يعني: ابن كثير ].

الوليد بن كثير صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد بن عمرو بن عطاء ].

محمد بن عمرو بن عطاء ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن رجل من بني حارثة عن رافع بن خديج ].

الرجل مبهم ورافع بن خديج صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.

حكم الملبوسات والمقتنيات ذات اللون الأحمر الخالص للرجال

إذا كان للشخص لباس رجالي أحمر اللون خالصاً فلا يتلفه، بل يعطيه للنساء، أقول: الذي لا يصلح للرجال وليس من لبس الرجال وهو من لبس النساء يصلح للنساء.

وإذا كان تفصيله رجالياً؛ لكن اللون لون نسائي فيمكن أن يعدل التفصيل حتى لا يكون على هيئة لبس الرجال.

ولا يدخل في النهي اقتناء الأشياء الحمراء كالسيارة مثلاً، والذي يظهر أنه مقصور على اللبس، وليس على السيارات.

شرح حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيت إحدى نسائه صبغاً أحمر فلم يدخل حتى وارته

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن عوف الطائي حدثنا محمد بن إسماعيل حدثني أبي قال ابن عوف الطائي : وقرأت في أصل إسماعيل حدثني ضمضم يعني: ابن زرعة عن شريح بن عبيد عن حبيب بن عبيد عن حريث بن الأبج السليحي أن امرأة من بني أسد قالت: (كنت يوماً عند زينب رضي الله عنها امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصبغ ثياباً لها بمغرة، فبينا نحن كذلك إذ طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى المغرة رجع، فلما رأت ذلك زينب علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كره ما فعلت، فأخذت فغسلت ثيابها ووارت كل حمرة، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع فاطلع فلما لم ير شيئاً فدخل) ].

أورد أبو داود حديث امرأة من بني أسد قالت: (كنت يوماً عند زينب ونحن نصبغ ثياباً لها بمغرة).

بمغرة قيل: إنها طين أحمر أو مدر أحمر، يعني: لونه أحمر يغير لون الثياب.

[ (فبينا نحن كذلك إذ طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأي المغرة رجع، فلما رأت ذلك زينب علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كره ما فعلت، فأخذت فغسلت ثيابها ووارت كل حمرة) ].

وهذا يدل على أن مثل ذلك للنساء غير سائغ؛ لكن الحديث ضعيف؛ لأن الذي يروي عن هذه المرأة واسمه حريث بن الأبج السليحي مجهول.

[ (ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع فاطلع فلما لم ير شيئاً فدخل) ].

تراجم رجال إسناد حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيت إحدى نسائه صبغاً أحمر فلم يدخل حتى وارته

قوله: [ حدثنا ابن عوف الطائي ].

ابن عوف الطائي هو محمد بن عوف ، ثقة أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي .

[ حدثنا محمد بن إسماعيل ].

محمد بن إسماعيل بن عياش عابوا عليه أنه حدث عن أبيه بغير سماع، أخرج له أبو داود .

[ حدثني أبي ].

هو إسماعيل بن عياش مر ذكره.

[ وقال ابن عوف الطائي : وقرأت في أصل إسماعيل ].

الذي هو والد محمد بن إسماعيل .

[ حدثني ضمضم يعني: ابن زرعة ].

ضمضم بن زرعة صدوق يهم، أخرج له أبو داود وابن ماجة في التفسير.

[ عن شريح بن عبيد ].

شريح بن عبيد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ عن حبيب بن عبيد].

ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن حريث بن الأبج].

وهو مجهول أخرج له أبو داود .

[ عن امرأة من بني أسد ].

قال الحافظ : [ لم أعرف اسمها، وهي صحابية لها حديث، أخرج لها أبو داود ].

والصحابي جهالته -كما هو معلوم- لا تؤثر، وإنما التي تؤثر جهالة غير الصحابي.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحمرة.

حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن الغاز عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: (هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية فالتفت إلي وعلي ريطة مضرجة بالعصفر فقال: ما هذه الريطة عليك؟! فعرفت ما كره، فأتيت أهلي وهم يسجرون تنوراً لهم فقذفتها فيه ثم أتيته من الغد فقال: يا عبد الله ! ما فعلت الريطة؟ فأخبرته. فقال: ألا كسوتها بعض أهلك؟ فإنه لا بأس به للنساء) ].

أورد أبو داود باباً في الحمرة، أي: اللباس الذي لونه أحمر، وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فهبطنا في ثنية، والثنية طريق بين جبلين، فالتفت إلي ورأى علي ريطة مضرجة بالعصفر.

يعني: ملطخة بالعصفر، أي: أنها معصفرة، وقد جاء في بعض الأحاديث النهي عن استعمال المعصفر، وهنا أورد هذا في باب الحمرة، والعصفر لونه أصفر، وفيه من الحمرة، ولعله يكون معه شيء آخر أو أن المحظور هو كونه معصفراً وإن لم يكن معه حمرة؛ لكن الإشكال في كونه أورده في باب الحمرة، فهو إما أن يكون على اعتبار أن فيه شيئاً من الحمرة أو أنه مع كونه معصفراً فيه شيء يعطيه لوناً أحمر، والمعصفر هو في حد ذاته قد جاءت الأحاديث بالنهي عنه، ومنها هذا الحديث.

[ قال: (هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية فالتفت إلي وعلي ريطة مضرجة بالعصفر)].

الريطة: ملاءة ليست بلفقتين، وهي: مثل العباءة.

وهذا الحديث يدل على أن المعصفر في حق النساء سائغ وأنه لا بأس به، وإنما المنع في حق الرجال، وعبد الله بن عمرو رضي الله عنه لما رأى من النبي صلى الله عليه وسلم الكراهية لذلك لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يصنع بها، ولكنه عمد فوجد أهله يسجرون تنوراً -يعني: أنهم يوقدونه للخبز فيه- فرماها فيه، يعني: فأحرقها في هذا التنور، فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم: ماذا فعلت الريطة؟ فقال إنه فعل بها كذا وكذا، قال: ألا أعطيتها بعض أهلك؛ فإنه لا بأس بها للنساء! فدل هذا على أن من اللباس ما يصلح للنساء ولا يصلح للرجال، وأن الإنسان إذا وصل إليه شيء لا يصلح له فإنه يعطيه لمن يصلح له كالنساء مثلاً، ومن ذلك الحرير والمعصفر كما جاء في هذا الحديث.

قوله: [ حدثنا مسدد ].

مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا عيسى بن يونس ].

عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا هشام بن الغاز ].

هشام بن الغاز ثقة أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.

[ عن عمرو بن شعيب ].

عمرو بن شعيب هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، صدوق أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.

[ عن أبيه ].

هو شعيب بن محمد ، وهو كذلك صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن.

[ عن جده ].

جده عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو جد شعيب وجد عمرو.

وقد سمع شعيب من عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو متصل، ومعروف عند العلماء أن الإسناد إذا كان مستقيماً إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فإنه يكون من قبيل الحسن؛ لأن عمراً صدوق، وشعيباً صدوق وحديثهما من قبيل الحسن، والحديث حسن إذا كان إسناده إليهما صحيحاً ومستقيماً.

و عبد الله بن عمرو بن العاص أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

المعصفر هو المصبوغ بالعصفر، وهو نبات معروف، وهو أصفر؛ لكن فيه شيء من الحمرة.

ولا يوجد تعارض بين النهي عن المعصفر وأن ابن عمر كان يحب الثياب المصبوغة بالأصفر؛ لأن الأصفر غير المعصفر؛ فالأصفر في حديث ابن عمر هو المصبوغ بغير العصفر وإن كان اللون مقارباً، لكن ليس الكلام في اللون، وإنما الذي يبدو أنه كان من فعل الأعاجم أو نحو ذلك، فليست القضية قضية صفرة.

وليس اللون الأصفر ممنوعاً على الرجال، وإنما المنع من المصبوغ بالعصفر، وقالوا: سواء كان صبغها بعد نسجها أو وهي خيوط قبل أن تنسج ثم تحاك، إذ ذلك من فعل العجم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي حدثنا الوليد قال: قال هشام يعني: ابن الغاز : المضرجة: التي ليست بمشبعة ولا الموردة ].

هذا أثر مقطوع ينتهي إلى هشام بن الغاز في تفسير المضرجة.

ومعنى مشبعة: وافرة، أي: ما يكون صبغه وافراً تاماً، والمورد: ما صبغ على لون الورد.

والمعنى أن المضرجة هي التي ليس صبغها مشبعاً ولا مورداً، بل دون المشبع وفوق المورد.