مجلة الأزهر والأستاذ المراغي
مدة
قراءة المادة :
10 دقائق
.
في أثناء انشغال الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي بوضع قانون
الأزهر الجديد كان يذاكر أهل العلم والرأي من أصدقائه في موضوعه ومناهج
التعليم في الكليات التي ستنشأ فيه، وقد أفضى الحديث بيني وبينه في ذلك إلى
اقتراحه عليَّ أن أكتب له مذكرة في موضوع المجلة التي تقرر في القانون الجديد
إنشاء إدارة المعاهد الدينية لها، وفي موضوع درس الفقه في كلية الشريعة بعد
حديث طويل دار بيننا في الموضوعات ففعلت، ثم قضى الله تعالى أن يستقيل من
منصب المشيخة ورياسة المعاهد، وصدرت المجلة بعد ذلك فقرَّظتُها في المنار،
ونصحت لها بما أرجو أن يكون نافعًا مفيدًا؛ ولكن خاب أملي وآمال كل من أعرف
من أهل الرأي وطلاب الإصلاح الإسلامي فيها، كما بينت ذلك في الجزء (10 م
31) من المنار، وقد قرأت في جريدة الأهرام في الشهر الماضي أن شيخ الأزهر
ألَّف - أو يؤلِّف - لجنة لوضع تقرير فيما تراه من الإصلاح وترقية هذه المجلة
(نور الإسلام) فتذكرت ما كنت كتبته للشيخ المراغي وأحببت نشره في المنار لما فيه
من التنويه بمقاصد الأستاذ المراغي العالية في الإصلاح والتمهيد، وعسى أن يكون
مساعدًا للمجلة على عملها، أو مذكرًا لها بشيء يفوتها، وها هو ذا:
مذكرة صاحب المنار للأستاذ الأفضل
الشيخ محمد مصطفى المراغي
بسم الله الرحمن الرحيم
مولانا الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر ورئيس المعاهد الدينية:
رغبتَ إليَّ أيدك الله أن أكاشفك برأيي في صفة التدريس في كليات الأزهر
المعمور التي ستنشأ - إن شاء الله تعالى - في أول السنة الدراسية من هذا العام ولا
سيما دراسة العلوم الجديدة فيها، وأن أذكر لك من أعرف من العلماء الذين يصلحون
لتدريس هذه العلوم، ورأيتك غير متقيد بكون هؤلاء العلماء مصريي الجنس،
ولا من الحاملين لشهادة مدرسية رسمية، واستحسنت أن أعجل إليك بكتابة ما
أراه في صفة تدريس الفقه خاصة، وبكتابة ما أراه في نظام مجلة الأزهر التي تقرر
إصدارها منسوبة إليه، والمواد التي تتألف منها أبوابها..... إلخ ما تفضلتم بمشافهتي به. أكبرت هذه المشاورة من فضيلتكم، على ما أعلم وأعهد من عادتكم وشنشنتكم فيها، وإنها لآية بينة على ما آتاكم الله تعالى من نور البصيرة، وسعة العلم، وبعد الرأي، والتأسي برسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله في امتثاله لأمر الله عز وجل في قوله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (آل عمران: 159) . وإنني أرى أن امتثال أمركم هذا - وكذا كل ما هو بمعناه - واجب علي شرعًا بما أمر الله تعالى من التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق، والأمر بالمعروف، وبما صح من قول رسوله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم من حديث تميم الداري، وفي حديث أبي هريرة المرفوع في حقوق المسلم الست (وإذا استنصحك فانصح له) رواه مسلم أيضًا. مجلة الأزهر أعيد في هذه المذكرة الوجيزة ما قلته في حديثنا من وجوب العناية التامة بالمجلة من أول الأمر، وبذل الجهد في إتقان تحريرها، وحسن الاختيار لموادها؛ فإنها هي المرآة التي تتجلى فيها صورة عهد الإصلاح الجديد، في هذا العهد الإسلامي التليد، لجميع العالم الإنساني، ولاسيما العالم الإسلامي، الذي يجب أن تكون هذه المجلة مدرسة كلية سيارة له، تهديه إلى كل ما يجب عليه في أمري دينه ودنياه، وبها يحكمون للأزهر ومشيخته ورئيسه أو يحكمون عليه وعليهم، وسيكون هذا الحكم قطعيًّا لا يقبل استئنافًا ولا نقضًا، وليس لشيء من دروس كليات الأزهر مثل هذا الشأن لعدم اطلاع العالم عليها؛ ولأن المعهود في مثلها أن يبدأ ناقصًا ويرقى في معارج الكمال بالتدريج، وأما هذه المجلة فيجب أن تكون من أول يوم في أعلى درجات الكمال المستطاع أو يصرف النظر عنها. إن كثيرًا من الكتاب وعلماء اللغة وعلماء الدين والمؤرخين والسياسيين وغيرهم من البارعين في العلوم المختلفة والفنون سينظرون إلى هذه المجلة بعيني النقد القويتي الأشعة، لما لها من الصفة الرسمية، ولما يتوقع أن يكون لها من التأثير في العالم الإسلامي ومنهم المنصف وغير المنصف، فيجب أن يحسب رئيس تحريرها لذلك كل حساب، ويعلم أن حرية القول فيها يجب أن تكون دون حرية صحف الشركات وصحف الأفراد، وأن يعنى باتقاء الاستهداف لسهام الأقلام وأسنَّتها أولاً، وبإعداد المِجانِّ الصادَّة لها ثانيًا، ثم بمداواة كلومها بعد الإصابة ثالثًا، ولا سيما إذا كان الانتقاد موجهًا إليها من بعض الدول الأجنبية أو من بعض صحفها أو رجال سياستها أو علمائها. فأول ما يجب أن يهتم به اختيار لجنة التحرير، وأن توزع مواد أبوابها على الإخصائيين في كل باب، وأن تكون العناية باختيار رئيسها أشد، وأول ما يشترط فيه أن يكون له معرفة واسعة بحال العصر، وبما أشرنا إليه في أول هذه الجُملة من مواضع النقد، فإن لم يتيسر وجود من يثق به في هذا، فينبغي أن يكون للتحرير مراقب أو مستشار، وإن لم يكونا من المحررين الموظفين، وقد يوجد من فيه الكفاية لذلك من أساتذة بعض الكليات. وإذا يسر الله تعالى اختيار ثلاثة رجال لرياسة التحرير ولمراقبته وللإدارة العامة فيهم الغناء والكفاية؛ فإنهم يغنون مولانا الأستاذ الأكبر عن وضع هذا الداعي للتقرير المفصل الذي كاشفني برغبته فيه، ولا أضن بوقتي عليهم إذا أحبوا استشارتي في عملهم، فإن ظل - بعد الاطلاع على هذه المذكرة الوجيزة - على رأيه في وضعي للتقرير، لم يجدني إلا صادعًا بأمره مهما يكن فيه من بذل للوقت قلما أجود بمثله على أعمالي الإدارية. أبواب المجلة أهم أبواب هذه المجلة فيما أرى سبعة: (الباب الأول) باب المقالات الدينية والعلمية والتاريخية والخطابية، ويجب أن يكون الغرض الأول منها بيان حقيقة الإسلام وحقائقه، وإصلاحها لشؤون البشر الشخصية والمنزلية والقومية، والوطنية والسياسية، ورفع مستوى الإنسانية، وتوحيد مقومات الأمم، وبيان حاجة البشر إلى إصلاحه في كل زمان ومكان، ولا سيما هذا الزمان الذي طغت فيه الأفكار المادية والشهوات على الأمم فأفسدت آدابها، وعلى الدول فحصرت كل منها همها في الاستعداد للوثوب على التي تأنس فيها الضعف منها، وحل التنازع في مرافق الحياة محل التعاون عليها. (الباب الثاني) باب الفتاوى العامة الذي يفتح لكل طارق له من مشارق الأرض ومغاربها فيما يتعلق بعقائد الإسلام وآدابه وحكمه وأحكامه وتشريعه وسياسته، فمن سأل عن حكم في مذهب معين أجيب بالمعتمد في ذلك المذهب، ومن أطلق السؤال أجيب بما يقتضيه الاستقلال في الاستدلال (كما يعهد مولانا الأستاذ وغيره في فتاوى المنار) . (الباب الثالث) باب كشف الشبهات، وحل عقد المشكلات، التي تعرض لطلاب العلوم وغيرهم بالاطلاع على كتب العلوم والفلسفة والأديان المختلفة، وما يورده الملاحدة الماديون ودعاة النصرانية وغيرها من الطعن في الإسلام، وما يستشكله قراء كتب التفسير والحديث والفقه منها وغير ذلك، والغرض الأهم من هذا الباب مقاومة تيار الإلحاد الذي انتشر وباؤه في البلاد، فكاد يعمها الفساد. (الباب الرابع) باب البدع والخرافات، وانتقاد المنار من العادات ويجوز التعبير عنه بباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وينبغي لمحرري هذا الباب أن لا يكتفوا بما سبقهم إليه العلماء الذين عنوا بالتصنيف فيه ككتب الملل والنِّحَل، ومثل الاعتصام والمدخل، بل يجب أن يستقرءوا ما ابتُدِعَ بعدهم وما لا يزال يُسْتَحْدَث في كل عصر ولا سيما عصرنا هذا. (الباب الخامس) باب التربية والتعليم، وأعني بالتربية ما يشمل جميع موضوعاتها ومواضعها، فمن الأولى التربية الدينية والجسمية والعقلية والنفسية، ومن أقسام العقلية تربية ملكة الاستقلال في الفهم، وحرية البحث، ومن أقسام النفسية تهذيب الأخلاق بتربية ملكات الفضائل، وتربية الإرادة التي عليها المدار الأعظم في النهوض بالأعمال الجليلة والنجاح فيها، وتربية الخيال بالأساليب المصورة للمعاني الخطابية والشعرية. وأما الثانية (وهي مواضع التربية) فأولها البيوت، وتليها المدارس على اختلاف درجاتها، فالجمعيات على تعدد أنواعها من دينية وخيرية وعلمية وفنية، ومنها ما حدث في هذا العصر من التربية البدنية المعروفة بالكشافة وكذا التربية العسكرية - فينبغي أن يدخل كل هذا وما قبله في مباحث باب التربية من هذه المجلة. (الباب السادس) باب آداب اللغة العربية وتاريخها، ولا حاجة إلى التذكير بشيء من مباحثه إلا اقتباس بعض أساليب اللغات الغربية الراقية المؤثرة. (الباب السابع) باب الاقتباس والانتقاد، وتقريظ الكتب والصحف - نرى كل يوم في الجرائد والمجلات من عربية وغربية وفي الكتب التي تنشر بالطبع مباحث نافعة للقراء مما يؤيد هداية الدين، ومصالح الأمة، فيحسن اقتباس المهم منها في المجلة، فإن من الناس من تؤثر في نفسه هذه المباحث ما لا يؤثر غيرها ولا سيما إذا كانت مسندة إلى كبار العلماء والكتاب من رجال الغرب.
ونرى فيها مباحث أخرى باطلة ومضلة فيجب على المجلة انتقاد ما يُخْشَى ضررُهُ منها في الدين والدنيا بعبارات نزيهة حكيمة يهتدي كاتبوها بما أمر به الكتاب الحكيم من الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، فتجُبُّ بذلك ألسنة السفهاء، وتتحامى ما لا يليق بها من الجدل والمراء.
اهـ