خطب ومحاضرات
شرح الأربعين النووية [35]
الحلقة مفرغة
الحديث الثاني والأربعون من الأحاديث الأربعين للإمام النووي رحمه الله: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله عز وجل: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم أتيتني لا تشرك بي شيئاً أتيتك بقرابها مغفرة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
هذا الحديث هو آخر كتاب النووي الأربعين، وكما هو واضح أن الكتاب ليس فيه أربعون حديثاً، بل هي اثنان وأربعون حديثاً، ولعله ذكر الأربعين تغليباً وحذف الكسر الذي هو بعد الأربعين، فقال عنه: الأربعون.
وهذا الحديث هو من الأحاديث القدسية التي يرويها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه.
ذكر بعض أسباب المغفرة
السبب الأول: كون الإنسان يدعو الله ويرجو المغفرة.
والثاني: كونه يستغفر.
والثالث: كونه لا يشرك بالله شيئاً، يعني: يخلص لله في عمله، ويكون سالماً من الشرك.
سعة رحمة الله عز وجل
فإذاً: من أسباب المغفرة كون الإنسان يدعو الله ويرجوه أن يغفر له، فإذا فعل ذلك فإن الله تعالى يجيبه ويغفر له.
ومغفرة الذنوب هو سترها عن الخلق والتجاوز عنها بحيث لا يعاقب عليها، هذا هو مغفرتها؛ لأن الغفر هو الستر، ولهذا قيل للمغفر: مغفر لأنه يستر الرأس ويغطيه عن السهام.
فغفر الذنوب سترها عن الناس وعدم إظهارها وحصول ستر الله عز وجل للعبد فيها، وكونه يتجاوز عنها فلا يؤاخذ عليها ولا يعاقب عليها، فيكون كأنه لم يكن، ولكن هذا يكون مع التوبة إلى الله عز وجل، فالإنسان عليه أن يرجو ويدعو وهو تائب لا أن يكون مصراً على الذنب وهو مشغول بالذنب ومهموم بالذنب وشغله متعلق بالذنب وفكره متعلق بالذنب ثم يقول: اللهم اغفر لي، فإن هذا مما يكون على اللسان دون تواطؤ القلب عليه، وإنما يكون الاستغفار نافعاً إذا تواطأ القلب واللسان على ذلك، وكان بتوبة من الله سبحانه وتعالى.
قوله: (يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك)، يعني: هنا بين كثرة الذنوب وأنها تبلغ عنان السماء، ويحتمل أن يكون المراد بعنان السماء أنها تصل إلى السماء بكثرتها، أو يقال: إن المراد بالعنان هو السحاب، أي: أنها تبلغ إلى السحاب، أو مع العلم أن الإنسان إذا نظر فإن الذنوب يكون حجمها ومقدارها بالغاً هذا المبلغ، فإذا ما كثرت الذنوب وبلغت هذا المبلغ وعظمت هذا العظم وتاب الإنسان منها واستغفر الله عز وجل، فإن الله تعالى يغفر له ويتوب عليه.
شروط التوبة
الثاني: أن يندم على ما مضى، بأن يندم على فعله الماضي وعلى ذنوبه التي وقع فيها.
الثالث: أن يعقد العزم في المستقبل على ألا يعود إلى ذلك.
هذا إذا كان الذنب في حق من حقوق الله وفيه كفارة عليه أن يأتي بالكفارة، وإن كان يتعلق بحقوق الآدميين.
فالشرط الرابع: أن عليه أن يعيد حقوقهم إليهم أو يطلب منهم الحل والمسامحة.
خطر الشرك وفضل التوحيد
وأما ما كان من الذنوب دون الشرك فأمر صاحبها إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه وتجاوز ولم يعاقبه على ما حصل منه من الذنوب، وإن شاء عذبه، ولكنه إذا عذبه لا يخلده في النار ولا يعذبه عذاب الكفار، بل يبقى فيها المدة التي شاء الله تعالى أن يبقى فيها لمعاقبته على ما حصل منه من الكبائر، ولكنه بعد ذلك يخرج من النار ويدخل الجنة.
فإذاً: لا يبقى في النار أبد الآباد إلا الكفار الذين هم أهلها ولا سبيل لهم إلى الخروج منها، وأما أهل الإيمان والتوحيد الذين لم يشركوا بالله شيئاً فإنهم وإن بقوا في النار ما بقوا وإن مكثوا في النار ما مكثوا فإن الله تعالى يخرجهم منها ويدخلهم الجنة، كما جاء في هذه الآية من سورة النساء: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فكل ذنب دون الشرك فهو تحت مشيئة الله عز وجل.
وكذلك جاءت الأحاديث المتواترة الكثيرة في إخراج أهل الكبائر من النار بشفاعة الشافعين وبعفو أرحم الراحمين؛ فإنها تدل على خروج من كان من أهل التوحيد من النار إن دخلها، وإذا شاء الله تعالى أن يعفو عنه فإنه لا يدخلها، ولهذا يقول الله عز وجل في هذا الحديث القدسي: (يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض) أي: ملئها أو ما يقارب ملأها.
(خطايا ثم أتيتني لا تشرك بي شيئاً) يعني: سليماً من الشرك؛ لأن وجود الشرك لا يغفر الله تعالى معه الذنوب، ولهذا فإن المشركين يؤاخذون على شركهم بالله وعلى أعمالهم الأخرى التي يأتون بها مع الشرك؛ والكفار يتفاوتون في الكفر ويتفاوتون في التعذيب في النار، ويتفاوتون في إيذاء المسلمين في هذه الحياة الدنيا، فمنهم من يكون مع كفره يؤذي المسلمين، ومنهم من يكون مع كفره يأتي بالأمور المنكرة والأمور القبيحة فيكون بذلك أسوأ ممن ليس عنده إلا مجرد الكفر، كما قال الله عز وجل: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ [النحل:88]، ولهذا كان أصحاب النار في النار دركات بعضهم أسفل من بعض، كما أن أهل الجنة في الجنة درجات بعضهم أعلى من بعض، فأهل الجنة يتفاوتون بالرفعة وأهل النار يتفاوتون بالسفل والنزول في النار، كما قال الله عز وجل: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145].
هذا الحديث مشتمل على ثلاثة من أسباب المغفرة:
السبب الأول: كون الإنسان يدعو الله ويرجو المغفرة.
والثاني: كونه يستغفر.
والثالث: كونه لا يشرك بالله شيئاً، يعني: يخلص لله في عمله، ويكون سالماً من الشرك.
قوله: (يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي)، يعني: أنك إذا دعوت الله عز وجل وألححت عليه في الدعاء وطلبت منه المغفرة ورجوت الله عز وجل ولم تيئس فإن الله تعالى يغفر لك ما كان منك من الذنوب جميعاً ولو تكررت ولو كثرت ولا يبالي، وهذا نظير قول الله عز وجل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
فإذاً: من أسباب المغفرة كون الإنسان يدعو الله ويرجوه أن يغفر له، فإذا فعل ذلك فإن الله تعالى يجيبه ويغفر له.
ومغفرة الذنوب هو سترها عن الخلق والتجاوز عنها بحيث لا يعاقب عليها، هذا هو مغفرتها؛ لأن الغفر هو الستر، ولهذا قيل للمغفر: مغفر لأنه يستر الرأس ويغطيه عن السهام.
فغفر الذنوب سترها عن الناس وعدم إظهارها وحصول ستر الله عز وجل للعبد فيها، وكونه يتجاوز عنها فلا يؤاخذ عليها ولا يعاقب عليها، فيكون كأنه لم يكن، ولكن هذا يكون مع التوبة إلى الله عز وجل، فالإنسان عليه أن يرجو ويدعو وهو تائب لا أن يكون مصراً على الذنب وهو مشغول بالذنب ومهموم بالذنب وشغله متعلق بالذنب وفكره متعلق بالذنب ثم يقول: اللهم اغفر لي، فإن هذا مما يكون على اللسان دون تواطؤ القلب عليه، وإنما يكون الاستغفار نافعاً إذا تواطأ القلب واللسان على ذلك، وكان بتوبة من الله سبحانه وتعالى.
قوله: (يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك)، يعني: هنا بين كثرة الذنوب وأنها تبلغ عنان السماء، ويحتمل أن يكون المراد بعنان السماء أنها تصل إلى السماء بكثرتها، أو يقال: إن المراد بالعنان هو السحاب، أي: أنها تبلغ إلى السحاب، أو مع العلم أن الإنسان إذا نظر فإن الذنوب يكون حجمها ومقدارها بالغاً هذا المبلغ، فإذا ما كثرت الذنوب وبلغت هذا المبلغ وعظمت هذا العظم وتاب الإنسان منها واستغفر الله عز وجل، فإن الله تعالى يغفر له ويتوب عليه.
التوبة لابد فيها من شروط: الأول: أن يقلع الإنسان من الذنب، بمعنى: أن يترك الذنب الذي وقع فيه نهائياً ويتخلص منه ويبتعد عنه.
الثاني: أن يندم على ما مضى، بأن يندم على فعله الماضي وعلى ذنوبه التي وقع فيها.
الثالث: أن يعقد العزم في المستقبل على ألا يعود إلى ذلك.
هذا إذا كان الذنب في حق من حقوق الله وفيه كفارة عليه أن يأتي بالكفارة، وإن كان يتعلق بحقوق الآدميين.
فالشرط الرابع: أن عليه أن يعيد حقوقهم إليهم أو يطلب منهم الحل والمسامحة.
قوله: (يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم أتيتني لا تشرك بي شيئاً آتيتك بقرابها مغفرة)، وهذا فيه أن ترك الشرك والسلامة منه وإخلاص العمل لله عز وجل سبب من أسباب مغفرة الذنوب، فإن الشرك إذا لم يتب منه لا يغفر، كما قال عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فذنب الشرك لا يغفر، وصاحبه معاقب ومخلد في النار أبد الآباد، ولا يخرج منها بحال من الأحوال.
وأما ما كان من الذنوب دون الشرك فأمر صاحبها إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه وتجاوز ولم يعاقبه على ما حصل منه من الذنوب، وإن شاء عذبه، ولكنه إذا عذبه لا يخلده في النار ولا يعذبه عذاب الكفار، بل يبقى فيها المدة التي شاء الله تعالى أن يبقى فيها لمعاقبته على ما حصل منه من الكبائر، ولكنه بعد ذلك يخرج من النار ويدخل الجنة.
فإذاً: لا يبقى في النار أبد الآباد إلا الكفار الذين هم أهلها ولا سبيل لهم إلى الخروج منها، وأما أهل الإيمان والتوحيد الذين لم يشركوا بالله شيئاً فإنهم وإن بقوا في النار ما بقوا وإن مكثوا في النار ما مكثوا فإن الله تعالى يخرجهم منها ويدخلهم الجنة، كما جاء في هذه الآية من سورة النساء: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فكل ذنب دون الشرك فهو تحت مشيئة الله عز وجل.
وكذلك جاءت الأحاديث المتواترة الكثيرة في إخراج أهل الكبائر من النار بشفاعة الشافعين وبعفو أرحم الراحمين؛ فإنها تدل على خروج من كان من أهل التوحيد من النار إن دخلها، وإذا شاء الله تعالى أن يعفو عنه فإنه لا يدخلها، ولهذا يقول الله عز وجل في هذا الحديث القدسي: (يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض) أي: ملئها أو ما يقارب ملأها.
(خطايا ثم أتيتني لا تشرك بي شيئاً) يعني: سليماً من الشرك؛ لأن وجود الشرك لا يغفر الله تعالى معه الذنوب، ولهذا فإن المشركين يؤاخذون على شركهم بالله وعلى أعمالهم الأخرى التي يأتون بها مع الشرك؛ والكفار يتفاوتون في الكفر ويتفاوتون في التعذيب في النار، ويتفاوتون في إيذاء المسلمين في هذه الحياة الدنيا، فمنهم من يكون مع كفره يؤذي المسلمين، ومنهم من يكون مع كفره يأتي بالأمور المنكرة والأمور القبيحة فيكون بذلك أسوأ ممن ليس عنده إلا مجرد الكفر، كما قال الله عز وجل: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ [النحل:88]، ولهذا كان أصحاب النار في النار دركات بعضهم أسفل من بعض، كما أن أهل الجنة في الجنة درجات بعضهم أعلى من بعض، فأهل الجنة يتفاوتون بالرفعة وأهل النار يتفاوتون بالسفل والنزول في النار، كما قال الله عز وجل: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145].
لقد زاد الحافظ ابن رجب الحنبلي المتوفى سنة (795هـ) ثمانية أحاديث وأضافها إلى الأربعين النووية، وهي على نسقها وعلى طريقتها من جوامع الكلم؛ لأن أحاديث الإمام النووي الاثنين والأربعين هي من جوامع الكلم، فأضاف إليها ثمانية من جوامع الكلم فصارت خمسين حديثاً، وقد شرحها في كتابه العظيم ( جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم ).
أول هذه الأحاديث: [ عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر) خرجه البخاري و مسلم ].
وهذا حديث عظيم وحديث جامع من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وهو أصل في باب الفرائض وقسمة المواريث.
الفروض المقدرة في كتاب الله عز وجل وأوجهها
ويمكن أن يعكس الأمر فيقال: السدس والثمن وضعفهما وضعف ضعفهما.
أو يؤتى في الوسط فيقال: الثلث والربع وضعف كل ونصفه، يعني: يؤتى إلى الوسط ويشار إلى ما تحته وإلى ما فوقه.
والثلث تحته السدس وفوقه الثلثان، والربع تحته الثمن، وفوقه النصف.
فيقال فيها هذه الأوجه الأربعة في بيان الاختصار بحيث يبدأ بأعلاها ثم ترتب ترتيباً تنازلياً، أو يبدأ بأسفلها وترتب ترتيباً تصاعدياً، أو يؤتى بوسطها ويضاف إليه نصف الاثنين وضعف الاثنين اللذين هما الثلث والربع.
فهذه هي الفروض المقدرة في كتاب الله عز وجل.
كيفية قسمة التركة بين الورثة
وكذلك بالنسبة للإخوة الأشقاء ولأب أنهم إذا اجتمعوا يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
وأما أبناء الإخوة إذا جاءوا ومعهم أخواتهم أو بنات أعماهم فإنهم يستقلون بالميراث عن أخواتهم وبنات أعمامهم؛ فلا يعصب ابن الأخ أخته ولا ابنة عمه، وإنما يستقل بالميراث؛ لأن البنات أو بنات الإخوة ليس لهن نصيب من الميراث لو انفردن، فكذلك لا يكون لهن نصيب من الميراث مع إخوانهن أو بني أعمامهن وإنما يختص به الرجال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر).
فإذاً: تكون القسمة بين الذكور والإناث إذا اجتمعوا خاصة بمن يرثن من الإناث لو انفردن، واللاتي يفرض لهن لو انفردن هن البنات وبنات الأبناء وإن نزلن والأخوات الشقيقات والأخوات لأب والأخوات لأم؛ فإن لهن ميراثاً مقدراً في كتاب الله ليس على سبيل التعصيب وإنما على سبيل الفرض، فأولاد الأم لكل واحد سدس، وإذا زادوا عن واحد سواء كانوا إناثاً خلصاً أو ذكوراً خلصاً أو ذكوراً وإناثاً فإن لهم الثلث يشتركون فيه ويتساوون فيه، لا يفرق بين الذكر والأنثى؛ لأن ميراثهم إنما كان بسبب قرابة الأم وليس عصبة.
والذين يرثون للذكر مثل حظ الأنثيين هم الذين يرثون عصبة ويكون الواحد من الذكور لو انفرد حاز المال كله، ولو كان معه أخته أو أخواته أو إخوانه فإنه يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، وهذه القسمة بهذه الطريقة تختص بالأبناء وأبناء الأبناء وإن نزلوا مع أخواتهم، وكذلك بالإخوة الأشقاء مع أخواتهم، والإخوة لأب مع أخواتهم.
ثم إنه جاء في السنة ما يستثنى من ذلك وهو أنه لو وجدت بنت ومعها أخت شقيقة وهناك أخ لأب فإن الشقيقة تأخذ الباقي تعصيباً مع الغير كما جاءت السنة في ذلك؛ وذلك لكونها أقرب، ولا يمكن أن يكونوا عصبة؛ لأن الأخ لأب لا يرث مع الأخت الشقيقة ميراثاً واحداً؛ لأن الميراث الواحد للإخوة الأشقاء مع الأخوات الشقيقات وللإخوة للأب مع الأخوات لأب.
أما إذا وجدت أخت شقيقة وكان هناك إخوة لأب فإن الميراث الذي يكون بعد النصف أو بعد الثلثين إذا كان هناك بنت أو بنات، تأخذه الأخت الشقيقة أو الأخوات الشقيقات إذا لم يكن معهن إخوانهن، فإن كان معهن إخوانهن فالباقي لهم ولهن للذكر مثل حظ الأنثيين، لكن إذا كانت الأخت الشقيقة موجودة ولا يوجد معها إخوة أشقاء ولكن وجد معها إخوة لأب فإن الأخت الشقيقة أولى من الإخوة لأب؛ لأنها أقرب إلى الميت منهم، وقد جاءت السنة بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيستثنى ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها).
ويمكن أن يقال: إذا كان المقصود بالفرائض ما جاء التنصيص عليه في الكتاب والسنة والمقصود به بيان من يرث سواء فرضاً أو تعصيباً فإن الأخت الشقيقة يكون لها فرض جاءت به السنة، ولكنه ليس بشيء ترثه على التقدير وإنما على ما بقي؛ لأنه إذا كان هناك بنت للميت أخذت النصف والشقيقة النصف الباقي، وإن كان له ابنتان أو بنت وبنت ابن فإن الشقيقة تأخذ الثلث الباقي، وعلى هذا ليس لها فرض مقدر في كتاب الله ولكن لها فرض بالتعصيب مثل ما جاء في الإخوة الأشقاء والإخوة لأب والأبناء وأبناء الأبناء مع أخواتهم فإنه يكون للذكر مثل حظ الأنثيين.
وفي هذه الصورة إما أن تكون مستثناة من الحديث فلا يعطى المال لأولى رجل ذكر، أو يقال: إن ميراثها جاءت به السنة، وجاء أنها وارثة مع البنت أو مع البنات، وعلى هذا لا يبقى للذكور شيء؛ لأن الإناث قد حزنه، وهذا هو التعصيب مع الغير؛ لأن التعصيب ينقسم إلى ثلاثة أقسام: تعصيب بالنفس، وتعصيب بالغير وتعصيب مع الغير.
والعاصب بالنفس: هو الذي إذا انفرد يحوز الميراث بأكمله، وإن كان وحده أخذ ما أبقت الفروض كالابن وابن الابن والأخ الشقيق والأخ لأب، وكذلك الأب والجد؛ فإن هؤلاء يحوزون المال إذا انفردوا، وإذا كان هناك أصحاب فروض أخذ أصحاب الفروض فروضهم وأخذوا ما أبقت الفروض.
جهات قرب الورثة من الميت
وعلى هذا فإذا ترك الميت أبناء إخوة أشقاء وأبناء إخوة لأب وأعمام وأبناء الأعمام فإن أقربهم الإخوة الأشقاء إذا كانوا موجودين فيحوزون الميراث ويستقلون به إذا كانوا منفردين، وإن كان معهم أصحاب فروض أخذوا ما أبقت الفروض، فيكون قوله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر).
إذاً: فأقرب هؤلاء الأربعة الأصناف هم الإخوة الأشقاء؛ وقدموا على الإخوة لأب؛ لأن عندهم سببين: سبب القرابة من جهة الأم، وسبب القرابة من جهة الأب، فالجهة واحدة وهي جهة الإخوة.
وأما إذا وجد إخوة لأب وأعمام فإن الإخوة لأب أولى من الأعمام؛ لأن الأخ لأب يدلي إلى الميت بأبيه، وأما العم فيدلي إليه بجده، فمن كان متفرعاً عن الأب القريب فهو أولى من المتفرع عن الأب البعيد، وهكذا الأعمام أخوان الجد أو من فوقهم الذين هم إخوان أبي الجد وإن علاء، وكذلك أبناؤهم وإن نزلوا، فكل من يدلي إلى الميت بمن هو قريب منه هو الذي يحوز الميراث، ومن كان أبعد فإنه لا يحوزه سواء كان ذلك في جهة واحدة أو في جهتين، كالإخوة لأب مع الأعمام فإن هؤلاء في جهة وهؤلاء في جهة؛ لأن أبناء الإخوة يدلون بالإخوة وذلك لمشاركتهم الميت في أبيه، وأما الأعمام فيشاركون الميت في جده وليس في أبيه، فمن يدلي إلى الميت بالأب القريب أولى ممن يدلي إليه بالأب البعيد الذي هو فوق القريب.
وعلى هذا فقوله صلى الله عليه وسلم: (لأولى رجل ذكر) يعني: من كان قريباً إلى الميت، سواء كان ذلك القرب من جهة واحدة أو من جهتين، وهناك من يدلي إلى الميت بسببين كالأم والأب وهناك من يدلي بسبب واحد وهو الأب فقط، فإن الإخوة الأشقاء مقدمون على الإخوة لأب؛ لأن هؤلاء يدلون بالأم والأب وهؤلاء يدلون بالأب فقط، فكانوا أولى وأقرب إلى الميت من هؤلاء.
وهكذا إذا كان ذلك في جهتين كما قلنا بالنسبة للإخوة الأشقاء أو الإخوة لأب مع الأعمام الذين يدلون بقرابتهم إلى الميت في مشاركتهم في جده؛ لأن العم يشارك الميت في أب أبيه، وأما الأخ فيشاركه في أبيه، ومن يشارك في الأب أولى ممن يشارك في الجد.
سبب ذكر تقييد الرجل بالذكر في الحديث
علل العلماء بتعليلات متعددة، ولكن يبدو أن أقربها هو: أن الرجل عندما يذكر فإنه يتبادر الذهن إلى نجدته وقوته ونصرته وأنه رجل؛ لأن الصغير لا يقال له: رجل، وإنما يقال له: ذكر، فلما كان الأمر لا يختص بأصحاب النجدات والإعانات والنصرة والقوة والدفاع عن الميت لكونه عنده قدرة على ذلك وإنما الأمر يتعلق فقط بالإرث، أضاف إلى ذلك شيئاً يبين أنه ليس الأمر خاصاً بمن يوصف بأنه رجل وهو الذي عنده قوة وعنده شدة وعنده إعانة.
فإذاً: جاء ذكر الذكر بعد ذكر الرجل ليبين أن الأمر لا يختص بالرجال وإنما هو بالذكور الذين يقابلون الإناث.
ولهذا جاء في ميراث الأبناء إذا اجتمعوا مع البنات مع أخواتهم والإخوة إذا اجتمعوا مع أخواتهم قوله عز وجل: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]؛ لأن الذكر يقابل الأنثى والرجل يقابل المرأة، والمرأة غالباً تطلق على الكبيرة والرجل يطلق على الكبير، والأمر لا يختص بالرجال والنساء الكبار وإنما هو للذكور، فيستوي في ذلك من بلغ عمره مائة سنة ومن عمره سنة أو أقل من سنة، فما دام أنهم أبناء للميت أو إخوة للميت أشقاء أو لأب فإنهم يتساوون في الميراث لا يفرق بين كبير وصغير، بل ذلك منوط بالذكورة والأنوثة، ولهذا قال عز وجل: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:176] فيما يتعلق بميراث الأبناء، وجاء في الإخوة الأشقاء في آخر سورة النساء: وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:176]، يعني: أن الذكور لهم ضعف الإناث سواء كان الذكور كباراً أو صغاراً، وسواء كانت الإناث كباراً أو صغاراً.
وعلى هذا فهذا الحديث إذا ضم إلى آيات المواريث وإلى ما جاءت به السنة من أحاديث تبين بعض أنواع المواريث مثل ما ذكرنا في مسألة الشقيقة مع البنت أو البنتين فإنها تكون مقدمة على الإخوة لأب، ولا يقال: إن قوله: (لأولى رجل ذكر) بأن أولى رجل ذكر الذي يستقل عن الأنثى هو الذي لا يفرد فيه إلا الأنثى لو انفردت، كأبناء الإخوة الأشقاء وأبناء الإخوة لأب وكذلك الأعمام وأبناء الأعمام فإن الذكور هم الذين يستقلون بالميراث.
الوارثون بالتعصيب
وليس في النساء طراً عصبة إلا التي منت بعتق الرقبة
يعني: أن النساء ليس فيهن عصبة بالنفس إلا التي منت بعتق الرقبة التي هي المعتقة، فإنها ترث ولكن هذا الميراث بعد أن ينتهي العصبة من جهة النسب وإن علوا وإن نزلوا، كالأعمام وإن علوا، وكأبناء الأعمام وأبناء الإخوة وإن نزلوا، فإن الإرث بالتعصيب في النسب مقدم على الإرث بالتعصيب بالسبب الذي هو العتق، لكن العتق يكون فيه ميراث النساء بالنفس، وعلى فهذا فهناك ميراث تعصيب بالنفس وتعصيب بالغير.
والذين يرثون بالتعصيب بالنسب هم: الذكور الذين يستقلون بالميراث لو انفردوا والمعتق والمعتقة إذا انفردوا، والمعتقة تأتي من الإناث فيمن يرث بالتعصيب بالنفس.
والذي يرث بالتعصيب بالغير هي المرأة التي يفرض لها لو انفردت، ولكنه إذا جاء معها أخوها فإنه يكون للذكر مثل حظ الأنثيين كالبنات والبنين وكأبناء البنين وبنات البنين فإنه يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، وكالإخوة الأشقاء مع أخواتهم الشقيقات والإخوة لأب مع أخواتهم لأب، فإن الأنثى إذا انفردت فرض لها النصف، كالبنت وبنت الابن والشقيقة والأخت لأب، وإن كن أكثر من واحدة فرض لهن الثلثان، وسواء كان هذا الميراث بطبقة واحدة أو بطبقتين فإذا لم توجد بنتان ولكن وجد بنت وبنت ابن فإن البنت يكون لها النصف وبنت الابن يفرض لها السدس تكملة الثلثين؛ لأن البنات المجتمعات لا يحصلن أكثر من ثلثين، فإن كن في درجة واحدة حزنه بالتساوي، وإن كن في درجتين فإن التي في الدرجة الأولى تأخذ النصف والتي في الدرجة الثانية وهي بنت الابن مع البنت يفرض لها السدس تكملة الثلثين، وهكذا الأخت لأب مع الأخت الشقيقة فإنه يفرض للشقيقة النصف والأخت لأب يفرض لها السدس تكملة الثلثين؛ لأنهن يرثن ميراث الأخوات، والأخوات يكون لهن الثلثان.
لكن إذا وجد معهن إخوانهن صار للذكر مثل حظ الأنثيين، فالبنات مع البنين وبنات الأبناء مع بني البنين الذين في درجة واحدة يشتركون في الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذلك الإخوة الأشقاء مع الأخوات الشقيقات والإخوة لأب مع الأخوات لأب يكون للذكر مثل حظ الأنثيين.
فالعصبة بالغير أربعة أصناف: اللاتي يفرض لهن النصف لو انفردن، واللاتي يفرض لهن الثلثان لو اجتمعن، وإذا جاء معهن إخوانهن فللذكر مثل حظ الأنثيين، وإن انفردن فالنصف لواحدة والثلثان لاثنتين فأكثر، وسواء كن في طبقة واحدة كالبنات أو في طبقتين كالبنات وبنات الابن فإن الميراث يكون الثلثين فقط، وهذا هو التعصيب بالغير.
وأما التعصيب مع الغير فميراث الأخوات الشقيقات والأخوات لأب مع البنات، فالأخوات مع البنات عصبات.
فإذا وجدت شقيقة مع بنت أو بنتين فإنها تأخذ الباقي، فإن كانت مع بنت واحدة أخذت الباقي وهو نصف، وإن كانت مع ابنتين أخذت الباقي وهو الثلث.
وكذلك الأخت الشقيقة إذا كانت واحدة فلها النصف، وإن كن اثنتين فلهن الثلثان، والأخوات لأب ليس لهن شيء، كما أن بنات الأبناء ليس لهن شيء إذا حاز البنات الثلثين.
فإن وجدت شقيقتان ووجدت أخت لأب فإنها لا تأخذ الباقي.
والأخوات الشقيقات يأخذن الباقي بعد فرض البنت ويقدمن على الإخوة لأب؛ لأنهن يدلين إلى الميت بقرابتين، بخلاف الأخ لأب فإنه يدلي إلى الميت بقرابة واحدة.
هذا هو ما يتعلق بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر).
قوله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها) أي: ألحقوا الفروض المقدرة في كتاب الله بأهلها، والفروض المقدرة في كتاب الله ستة هي: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس، ويقال فيهما على سبيل الاختصار: الثلثان والنصف ونصفهما ونصف نصفهما؛ لأن النصف نصفه الربع، ونصف الربع الثمن، والثلثان نصفها الثلث، ونصف الثلث السدس.
ويمكن أن يعكس الأمر فيقال: السدس والثمن وضعفهما وضعف ضعفهما.
أو يؤتى في الوسط فيقال: الثلث والربع وضعف كل ونصفه، يعني: يؤتى إلى الوسط ويشار إلى ما تحته وإلى ما فوقه.
والثلث تحته السدس وفوقه الثلثان، والربع تحته الثمن، وفوقه النصف.
فيقال فيها هذه الأوجه الأربعة في بيان الاختصار بحيث يبدأ بأعلاها ثم ترتب ترتيباً تنازلياً، أو يبدأ بأسفلها وترتب ترتيباً تصاعدياً، أو يؤتى بوسطها ويضاف إليه نصف الاثنين وضعف الاثنين اللذين هما الثلث والربع.
فهذه هي الفروض المقدرة في كتاب الله عز وجل.
تلحق الفرائض المقدرة بأهلها وكذلك ما ألحق بها من كون الأولاد إذا اجتمعوا ذكوراً وإناثاً فإن القسمة تكون بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، يعني: يرثون تعصيباً، وتوزع التركة بينهم على هذا الأساس، ومعلوم أن الذكر من الأولاد لا يفرض له وإنما يأخذ الباقي بعد الفروض، وكذلك إذا كان معه أخته أو أخواته فإنه يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، وهذا مما هو موجود في كتاب الله عز وجل، وليس مقصوراً على أصحاب الفروض المقدرة؛ لأن أولئك قدر لهم شيء على هذا الأساس، وهو أنهم يرثون تعصيباً ويكون للذكر مثل حظ الأنثيين ولا يختص الذكور بذلك، وإنما يختص الذكور بذلك فيما إذا بعدت القرابة، فإذا بعدت القرابة بحيث تكون الأنثى لا ترث مع أخيها ولا مع ابن عمها وإنما يختص الرجال بذلك كأبناء الإخوة الأشقاء لأب وكالأعمام وأبناء الأعمام والأعمام فإن الأمر يختص بالرجال دون النساء، ولهذا لا ترث العمة مع العم وإنما يرث العم وحده، وابن العم يرث دون بنت العم، وابن الأخ الشقيق يرث دون بنت الأخ الشقيق، وابن الأخ لأب يرث دون بنت الأخ لأب؛ لأن القسمة بين الذكور والإناث إنما جاءت في الفروع مطلقاً؛ حيث قال الله عز وجل: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11]، والأولاد هم البنون وأبناء البنين ذكوراً وإناثاً وإن نزلوا.
وكذلك بالنسبة للإخوة الأشقاء ولأب أنهم إذا اجتمعوا يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
وأما أبناء الإخوة إذا جاءوا ومعهم أخواتهم أو بنات أعماهم فإنهم يستقلون بالميراث عن أخواتهم وبنات أعمامهم؛ فلا يعصب ابن الأخ أخته ولا ابنة عمه، وإنما يستقل بالميراث؛ لأن البنات أو بنات الإخوة ليس لهن نصيب من الميراث لو انفردن، فكذلك لا يكون لهن نصيب من الميراث مع إخوانهن أو بني أعمامهن وإنما يختص به الرجال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر).
فإذاً: تكون القسمة بين الذكور والإناث إذا اجتمعوا خاصة بمن يرثن من الإناث لو انفردن، واللاتي يفرض لهن لو انفردن هن البنات وبنات الأبناء وإن نزلن والأخوات الشقيقات والأخوات لأب والأخوات لأم؛ فإن لهن ميراثاً مقدراً في كتاب الله ليس على سبيل التعصيب وإنما على سبيل الفرض، فأولاد الأم لكل واحد سدس، وإذا زادوا عن واحد سواء كانوا إناثاً خلصاً أو ذكوراً خلصاً أو ذكوراً وإناثاً فإن لهم الثلث يشتركون فيه ويتساوون فيه، لا يفرق بين الذكر والأنثى؛ لأن ميراثهم إنما كان بسبب قرابة الأم وليس عصبة.
والذين يرثون للذكر مثل حظ الأنثيين هم الذين يرثون عصبة ويكون الواحد من الذكور لو انفرد حاز المال كله، ولو كان معه أخته أو أخواته أو إخوانه فإنه يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، وهذه القسمة بهذه الطريقة تختص بالأبناء وأبناء الأبناء وإن نزلوا مع أخواتهم، وكذلك بالإخوة الأشقاء مع أخواتهم، والإخوة لأب مع أخواتهم.
ثم إنه جاء في السنة ما يستثنى من ذلك وهو أنه لو وجدت بنت ومعها أخت شقيقة وهناك أخ لأب فإن الشقيقة تأخذ الباقي تعصيباً مع الغير كما جاءت السنة في ذلك؛ وذلك لكونها أقرب، ولا يمكن أن يكونوا عصبة؛ لأن الأخ لأب لا يرث مع الأخت الشقيقة ميراثاً واحداً؛ لأن الميراث الواحد للإخوة الأشقاء مع الأخوات الشقيقات وللإخوة للأب مع الأخوات لأب.
أما إذا وجدت أخت شقيقة وكان هناك إخوة لأب فإن الميراث الذي يكون بعد النصف أو بعد الثلثين إذا كان هناك بنت أو بنات، تأخذه الأخت الشقيقة أو الأخوات الشقيقات إذا لم يكن معهن إخوانهن، فإن كان معهن إخوانهن فالباقي لهم ولهن للذكر مثل حظ الأنثيين، لكن إذا كانت الأخت الشقيقة موجودة ولا يوجد معها إخوة أشقاء ولكن وجد معها إخوة لأب فإن الأخت الشقيقة أولى من الإخوة لأب؛ لأنها أقرب إلى الميت منهم، وقد جاءت السنة بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيستثنى ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها).
ويمكن أن يقال: إذا كان المقصود بالفرائض ما جاء التنصيص عليه في الكتاب والسنة والمقصود به بيان من يرث سواء فرضاً أو تعصيباً فإن الأخت الشقيقة يكون لها فرض جاءت به السنة، ولكنه ليس بشيء ترثه على التقدير وإنما على ما بقي؛ لأنه إذا كان هناك بنت للميت أخذت النصف والشقيقة النصف الباقي، وإن كان له ابنتان أو بنت وبنت ابن فإن الشقيقة تأخذ الثلث الباقي، وعلى هذا ليس لها فرض مقدر في كتاب الله ولكن لها فرض بالتعصيب مثل ما جاء في الإخوة الأشقاء والإخوة لأب والأبناء وأبناء الأبناء مع أخواتهم فإنه يكون للذكر مثل حظ الأنثيين.
وفي هذه الصورة إما أن تكون مستثناة من الحديث فلا يعطى المال لأولى رجل ذكر، أو يقال: إن ميراثها جاءت به السنة، وجاء أنها وارثة مع البنت أو مع البنات، وعلى هذا لا يبقى للذكور شيء؛ لأن الإناث قد حزنه، وهذا هو التعصيب مع الغير؛ لأن التعصيب ينقسم إلى ثلاثة أقسام: تعصيب بالنفس، وتعصيب بالغير وتعصيب مع الغير.
والعاصب بالنفس: هو الذي إذا انفرد يحوز الميراث بأكمله، وإن كان وحده أخذ ما أبقت الفروض كالابن وابن الابن والأخ الشقيق والأخ لأب، وكذلك الأب والجد؛ فإن هؤلاء يحوزون المال إذا انفردوا، وإذا كان هناك أصحاب فروض أخذ أصحاب الفروض فروضهم وأخذوا ما أبقت الفروض.
استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح الأربعين النووية [30] | 2559 استماع |
شرح الأربعين النووية [17] | 2544 استماع |
شرح الأربعين النووية [32] | 2456 استماع |
شرح الأربعين النووية [25] | 2333 استماع |
شرح الأربعين النووية [11] | 2306 استماع |
شرح الأربعين النووية [23] | 2271 استماع |
شرح الأربعين النووية [33] | 2206 استماع |
شرح الأربعين النووية [5] | 2205 استماع |
شرح الأربعين النووية [20] | 2139 استماع |
شرح الأربعين النووية [31] | 2139 استماع |