أرشيف المقالات

حديث: فاقضيه عنها

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
حديث: فاقضيه عنها

عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: استفتى سعد بن عبادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نذر كان على أمه، توفيت قبل أن تقضيه، قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فاقضيه عنها".
 
قوله: (في نذر كان على أمه) في رواية: إن أمي ماتت.
 
قال الحافظ: (وفي رواية سليمان بن كثير المذكورة، أفيجزئ عنها أن أعتق عنها، قال: أعتق عن أمك، فأفادت هذه الرواية بيان ما هو النذر المذكور، وهو أنها نذرت أن تعتق رقبة فماتت قبل أن تفعل، ويحتمل أن تكون نذرت نذرًا مطلقًا غير معين، فيكون في الحديث حجة لمن أفتى في النذر المطلق بكفارة يمين، والعتق أعلى كفارات الأيمان، فلذلك أمره أن يعتق عنها)[1].
 
قال الحافظ: (وفي الحديث قضاء الحقوق الواجبة عن الميت، وقد ذهب الجمهور إلى أن من مات وعليه نذر مالي أنه يجب قضاؤه من رأس ماله، وإن لم يوص، إلا أن وقع النذر في مرض الموت، فيكون من الثلث، قال: وفيه استفتاء الأعلم، وفيه فضل بر الولدين بعد الوفاة، والتوصل إلى براءة ما في ذمتهم)[2]؛ انتهى.
 
وقال البخاري: باب من مات، وعليه نذر، وأمر ابن عمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء، فقال صلي عنها، وقال ابن عباس نحوه[3]، ثم ساق الحديث.
 
قال الحافظ: (وجاء عن ابن عمر وابن عباس خلاف ذلك، فقال مالك في الموطأ أنه بلغه أن ابن عمر كان يقول: لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، وأخرج النسائي من طريق أيوب بن موسى عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس، قال: لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، أورده ابن عبدالبر من طريقه موقوفًا، ثم قال: والنقل في هذا عن ابن عباس مضطرب.
 
قال الحافظ: ويمكن الجمع بحمل الإثبات في حق من مات، والنفي في حق الحي، ثم وجدت عنه ما يدل على تخصيصه في حق الميت بما إذا مات وعليه شيء واجب، فعند ابن أبي شيبة بسند صحيح سئل ابن عباس عن رجل مات وعليه نذر، فقال: يصام عنه النذر)
[4].
 
وقال البخاري أيضًا: باب ما يستحب لمن يتوفى فجأة أن يتصدقوا عنه.
وقضاء النذور، عن الميت ثم ساق حديث عائشة - رضي الله عنها -، أن رجلًا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن أمي افتلتت نفسها وأراها لو تكلمت تصدقت أفأتصدَّق عنها؟ قال: نعم تصدق عنها، ثم ساق حديث ابن عباس.
 
قال الحافظ: (كأنه رمز إلى أن المبهم في حديث عائشة هو سعد بن عبادة، قال: ولا تنافي بين قوله: إن أمي ماتت وعليها نذر، وبين قوله: إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها شيء أن تصدقت به عنها لاحتمال أن يكون سأل عن النذر، وعن الصدقة عنها، وبيَّن النسائي من وجه آخر جهة الصدقة المذكورة، فأخرج من طريق سعيد بن المسيب عن سعد بن عبادة قال: قلت: يا رسول الله، إن أمي ماتت أفأتصدَّق عنها، قال: نعم، قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء)[5].
 
قال الحافظ: (وفي حديث الباب من الفوائد جواز الصدقة عن الميت، وأن ذلك ينفعه بوصول ثواب الصدقة إليه، ولا سيما إن كان من الولد، وهو مخصص لعموم قوله تعالى: ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾ [النجم: 39]، ويلتحق بالصدقة العتق عنه عند الجمهور، خلافًا للمشهور عند المالكية، وقد اختلف في غير الصدقة من أعمال البر هل تصل إلى الميت كالحج والصوم، وفيه أن ترك الوصية جائز؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يذم أم سعد على ترك الوصية؛ قاله ابن المنذر.
 
قال الحافظ: وفيه ما كان الصحابة عليه من استشارة النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمور الدين وفيه العمل بالظن الغالب، وفيه السؤال عن التحمل والمسارعة إلى عمل البر، والمبادرة إلى بر الوالدين، وأن إظهار الصدقة قد يكون خيرًا من إخفائها، وهو عند اغتنام صدق النية)
[6].

[1] فتح الباري: (5/ 390).

[2] فتح الباري: (11/ 585).

[3] صحيح البخاري: (8 /177).

[4] فتح الباري: (11/ 584).

[5] صحيح البخاري: (4/ 10).

[6] فتح الباري: (5/ 390).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢