الطلاق


الحلقة مفرغة

الحمد لله الذي خلق وقدر، وشرع فيسر، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه، وعظيم سلطانه، أنشأنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، ومن كل فضلٍ وخيرٍ سألناه أعطانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على مثل البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد..

فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، يقول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

معاشر المؤمنين! يقدم بعض المسلمين هداهم الله ومنَّ علينا وعليهم بالتوبة والهداية، على هدم صرحٍ اجتماعي، وإلى تفريق شملٍ مجتمع، بكلمةٍ يطلقها لا يلقي لها بالاً، قد تكون عند سببٍ تافهٍ من الأسباب، وعند أمرٍ حقيرٍ من الأمور، وقد تكون عند سماع أمرٍ لم يتثبت منه، أو شيءٍ لم يتحقق من وقوعه، تلك الكلمة التي يوقعها هي كلمة الطلاق.

الطلاق هو: فسخ عقد الزوجية، وقطع هذه الرابطة الاجتماعية الكريمة، ليقدم بعض المسلمين هداهم الله بقطعها وبترها وتفريق شمل اجتماعها، من دون تقديرٍ لمقدمات الأمور وعواقبها، وذلك أمرٌ مكروهٌ مبغوضٌ في الشريعة.

روى أبو داود في سننه بسنده عن محارب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أحل الله شيئاً أبغضه مثل الطلاق) فالطلاق أمرٌ وإن كان مشروعاً في حق من احتاج إليه، إلا أنه قد يصل إلى درجة الكراهة الشديدة جداً لمن أوقعه وهو غير محتاج إليه، لما يترتب عليه من ضياع الأسرة، ولما يترتب عليه من فراق الشمل.

خطر الطلاق لأجل الدعوات والضيافات

أيها الأحبة في الله! إن بعض المسلمين هداهم الله، يجعلون الطلاق ضيافة زوارهم وضيافة أقاربهم، وضيافة القادمين الوافدين إليهم، فإذا وفد إليه قريبٌ أو حبيبٌ من جماعته أو من بلادٍ قريبة، أو من أي مكانٍ من الأماكن، أول ما يحلف بالطلاق ليأكلن ذبيحته، فإذا كان الذي يسمع هذا الكلام فيه شيءٌ من الحمق، أو قد يكون مرتبطاً بأمرٍ من الأمور فلم يوافق على أمره، فإنه عند ذلك قد يجعله متورطاً في أمرٍ كان في غنىً عنه، وإن الكثير الكثير يقعون في هذا، خاصةً من البادية هداهم الله ومنَّ علينا وعليهم بالتوفيق والعلم النافع، تجد الواحد منهم لا يحلف إلا بالطلاق، ولا يهدد إلا بالطلاق، ولا يأمر بأمرٍ إلا وفيه الطلاق، ولا ينهى عن نهيٍ إلا وفيه طلاق، فهذا استهتارٌ بهذه الكلمة، وهذا عدم مبالاةٍ بهذه الكلمة، وهذا إيقاعٌ للأمور في غير مواقعها وهو ظلمٌ، فإن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه.

عباد الله! ذات يومٍ طرق عليّ الباب ثلاثة نفرٍ قبيل صلاة العصر، والصلاة قد حان وقتها، فلم أجد بداً من حديثهم، فقالوا: إنما جئناك لأمرٍ، قلت: ما عندكم؟! قال أولهم: أنا أسكن هنا ودخلي محدود، وهذا أخي قدم علي من الجنوب، والثالث أخونا الأصغر، فقلت لما قدم أخي قال: عليه الحرام أن يأكل ذبائحه، فأجاب القادم الوافد هذا بأن عليه الطلاق ألا يأكل ذبائحه، فحلف ذلك الصغير الذي لم يتزوج بعد وإن كان بالغاً مكلفاً، حلف أن عليه الطلاق أن يتم أخوهم هذا الأمر الذي حرمه الأول على صاحبه، فقلت: يا عجباً! ويا عجباً! من هذا الجهل العظيم بالشريعة، ويا عجباً من هذا الحمق الذي يجعل الإنسان يتورط، ويقطع وشائج وعلاقات أسرٍ عديدة، بكلماتٍ توقع من غير معنى! هذا حلف على نفسه بالحرام والتحريم أمرٌ خطير، والتحريم قد يكون أشد من الطلاق، والآخر حلف على نفسه بالطلاق، وذلك الثالث طلق ولم يتزوج بعد، ولا طلاق إلا لمن أخذ بالساق، لأن الذي طلق ولم يتزوج بعد لم يقع منه طلاقٌ على أية حال، لكن الكلام في هذين الاثنين، الذي لم يجد ضيافةً لأخيه الذي وفد إليه، لم يجد ضيافةً له إلا بالطلاق، وإن بعضاً منهم، وسمعتُ ذلك منهم وممن حدثني به بعضهم، قال: إن الواحد منا إذا وفدت عليه، فلم يحلف بالطلاق على وليمته أو على عزيمته، فإنه يتشكك من جزمك في كرمه، ويرد النظر أو يشك أنك غير صادقٍ فيما أقدمت على إكرامه، فإذا حلفت بالطلاق، فإنه عند ذلك يتيقن أنك جازمٌ على احترامه وإكرامه، فقلت: والله لا حباً ولا كرامة، لمن لا يريد كرامته إلا بالفراق والطلاق!

خطر التلبيس على العلماء في فتاوى الطلاق

وهو أمرٌ وقع فيه كثيرٌ من الناس، وتساهلوا فيه وتوغلوا فيه وأوغلوا إيغالاً ضر أنفسهم، فإذا عاد الواحد إلى رشده وصوابه، وذهبت السكرة، وجاءت الفكرة، ذهب إلى شيخٍ أو عالمٍ من العلماء ليحلل له زوجته، من ذا الذي يرد عليه زوجته، فيأتي يقول: يذكرون أن هناك عالماً قال كذا وكذا، ويذكرون أن هذا عالمٌ قال كذا وكذا، ثم بعد ذلك يذهب ليتتبع الرخص، وقد يكذب فيما يخبر به، ليجد مدخلاً أو فجوةً تحل له زوجته بظاهر ما يسمعه المفتي، وإلا فحقيقة الأمر بينه وبين ربه إذا كان أوقع الطلاق على صفةٍ تجعل الأمر بائناً بينونةً كبرى، فإن رجعته زنا، وإن عودته حرامٌ، والعياذ بالله!

هذا أمرٌ أيضاً عرفته وعلمته من رجلٍ طلق طلاقاً علم منه أنه قد أبان زوجته بينونةً كبرى، فذهب إلى أحد العلماء الأجلاء، أسأل الله أن يمدهم بالصحة والعافية، فذهب إليه وأخبره، فقال: يا ولدي أسأل الله أن يخلف عليك زوجتك بخيرٍ منها، ولقد استعجلت في أمرٍ لك فيه أناة، فذهب يبحث عن شيخٍ آخر، وعن شيخٍ ثالث، وعن شيخٍ رابع، وعن شيخٍ خامس، حتى يجد من يكذب عليه، وإلا فإن العلماء لا يحلون لأحدٍ ما حرم الله عليهم، لكن تجد الواحد منهم يبالغ أو يغير أو يحرف في الكلام، حتى يجد مدخلاً يرى أنه سبيلٌ لرد زوجته عليه، وكما قلنا فهذا عودٌ إلى زنا، وعودٌ إلى حرامٍ والعياذ بالله، وذلك إذا كان ما تلفظ به، وأوقعه من لسانه يدل على قطع هذه العلاقة قطعاً تاماً ويبين عقد الزوجية بينونةً كبرى.

إذاً يا عباد الله! فلننتبه لهذا الأمر، ولا نهدد نساءنا بالطلاق، فإن الذي يهدد زوجته بالطلاق، فذلك دليلٌ على ضعفه وحمقه وجهله، هل ضاقت أسباب الأدب، وهل ضاقت أسباب العلاج، وهل تعسرت سبل حل المشاكل إلا أن يهدد الإنسان بالطلاق والفرار؟! إن هناك أموراً كثيرةً قد بينها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، فمنها هجر المرأة، ومنها ضربها ضرباً غير مبرحٍ إذا أتت بفعلٍ يحتاج إلى شيءٍ من الضرب الخفيف، وخير الناس الذي لا يضرب زوجته.

أما أن يذهب بعضهم فيقول: أنت طالقٌ إن ذهبتي إلى هؤلاء! وأنتِ طالقٌ إن لم تأتي إلى هؤلاء! وإن فعلتِ كذا وكذا فأنت طالق! فإن هذا استهتارٌ وإهدارٌ لعقد الزوجية وعدم احترامٍ وعدم مبالاةٍ بهذا العقد والرابطة الكريمة، نسأل الله جل وعلا أن يمن علينا وعلى جميع المسلمين بالتثبت في جميع الأمور.

وإن من واجب الإنسان إذا أراد أن يقدم على أمر الطلاق ألا يوقعه فجأة، بل عليه إذا كان جازماً وإذا كان متأملاً، وإذا كان مصراً على هذا الأمر، أن يذهب بزوجته إلى بيت أهلها ثم يستشير من يعرف فيه العلم والحلم والأناة، ثم يخبره بذلك، فلعله يدله على أمر خير له من الطلاق، فيعود وقد رد زوجته إلى البيت ولم تعلم بما عزم عليه، أما أن يعود إلى ردها بعد طلقةٍ واحدةٍ أو طلقتين وله حق الرجعة فيها، فإن ذلك يبقي جرحاً أليماً في قلب المرأة؛ لا تنسى ذلك اليوم الذي طلقها فيه، وأخرجها من بيتها، وأرسل حوائجها ولوازمها وأدخلها على بيت أهلها، إن هذا يومٌ مشهودٌ بالنسبة للمرأة، لا تنساه طيلة حياتها، ويبقى طعنةً أليمةً داميةً في قلبها.

الطلاق السني

إذاً فلنتثبت في هذا الأمر، ولنكن على مستوىً من العلم والفقه في إيقاع هذه الأمور، فلا نوقعها جزافاً، أو في حال غضب، أو في حال شهوةٍ، أو في حال أمرٍ من الأمور التي لا تجعل الإنسان طبيعياً فيها، بل على الإنسان إذا وجد أنه لابد ولا مناص ولا ملاذ من الطلاق أن يقدم على ذلك بعد معرفةٍ واستخارةٍ واستشارةٍ لمن عرف منه العلم والفقه، وبعد ذلك فلينتبه إلى القواعد الشرعية بالطلاق، وهي أن يطلق المرأة في طهرٍ لم يجامعها فيه، فلا يجوز له الطلاق في الحيض، والطلاق في الحيض حرامٌ بالإجماع، ولا يجوز له أن يطلق المرأة في طهرٍ قد جامعها فيه، لأنه قد يضر بالمرأة إضراراً عظيماً، بتطويل العدة عليها، وله من الحكم والأمور الشرعية التي الله سبحانه وتعالى أعلم بأسرارها وحكمتها، وما أوتينا من العلم إلا قليلا.

إذاً فلنحرص يا عباد الله! ألا نحتاج إلى هذا الأمر قاطبة، وإذا احتجنا إليه بعد دراسةٍ ورويةٍ واستخارةٍ واستشارة، أن يكون في طهرٍ لم يجامع الإنسان زوجته فيه، لأنه إذا أراد الطلاق ثم صبر حتى تحيض، ثم تطهر بعد ذلك، فلعله خلال هذه المدة (مدة بقية الطهر الذي جامعها فيه، أو مدة الحيض) أن يئوب إلى رشده، ولعله أن يرى حال أطفاله وصغاره، ولعله أن يرى هذه الرابطة الكريمة، ولعله أن يذكر من زوجته أموراً أحبها واستحسنها، فلا تطغى السيئة الواحدة على الحسنات الكثيرة، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر).

أسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

أيها الأحبة في الله! إن بعض المسلمين هداهم الله، يجعلون الطلاق ضيافة زوارهم وضيافة أقاربهم، وضيافة القادمين الوافدين إليهم، فإذا وفد إليه قريبٌ أو حبيبٌ من جماعته أو من بلادٍ قريبة، أو من أي مكانٍ من الأماكن، أول ما يحلف بالطلاق ليأكلن ذبيحته، فإذا كان الذي يسمع هذا الكلام فيه شيءٌ من الحمق، أو قد يكون مرتبطاً بأمرٍ من الأمور فلم يوافق على أمره، فإنه عند ذلك قد يجعله متورطاً في أمرٍ كان في غنىً عنه، وإن الكثير الكثير يقعون في هذا، خاصةً من البادية هداهم الله ومنَّ علينا وعليهم بالتوفيق والعلم النافع، تجد الواحد منهم لا يحلف إلا بالطلاق، ولا يهدد إلا بالطلاق، ولا يأمر بأمرٍ إلا وفيه الطلاق، ولا ينهى عن نهيٍ إلا وفيه طلاق، فهذا استهتارٌ بهذه الكلمة، وهذا عدم مبالاةٍ بهذه الكلمة، وهذا إيقاعٌ للأمور في غير مواقعها وهو ظلمٌ، فإن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه.

عباد الله! ذات يومٍ طرق عليّ الباب ثلاثة نفرٍ قبيل صلاة العصر، والصلاة قد حان وقتها، فلم أجد بداً من حديثهم، فقالوا: إنما جئناك لأمرٍ، قلت: ما عندكم؟! قال أولهم: أنا أسكن هنا ودخلي محدود، وهذا أخي قدم علي من الجنوب، والثالث أخونا الأصغر، فقلت لما قدم أخي قال: عليه الحرام أن يأكل ذبائحه، فأجاب القادم الوافد هذا بأن عليه الطلاق ألا يأكل ذبائحه، فحلف ذلك الصغير الذي لم يتزوج بعد وإن كان بالغاً مكلفاً، حلف أن عليه الطلاق أن يتم أخوهم هذا الأمر الذي حرمه الأول على صاحبه، فقلت: يا عجباً! ويا عجباً! من هذا الجهل العظيم بالشريعة، ويا عجباً من هذا الحمق الذي يجعل الإنسان يتورط، ويقطع وشائج وعلاقات أسرٍ عديدة، بكلماتٍ توقع من غير معنى! هذا حلف على نفسه بالحرام والتحريم أمرٌ خطير، والتحريم قد يكون أشد من الطلاق، والآخر حلف على نفسه بالطلاق، وذلك الثالث طلق ولم يتزوج بعد، ولا طلاق إلا لمن أخذ بالساق، لأن الذي طلق ولم يتزوج بعد لم يقع منه طلاقٌ على أية حال، لكن الكلام في هذين الاثنين، الذي لم يجد ضيافةً لأخيه الذي وفد إليه، لم يجد ضيافةً له إلا بالطلاق، وإن بعضاً منهم، وسمعتُ ذلك منهم وممن حدثني به بعضهم، قال: إن الواحد منا إذا وفدت عليه، فلم يحلف بالطلاق على وليمته أو على عزيمته، فإنه يتشكك من جزمك في كرمه، ويرد النظر أو يشك أنك غير صادقٍ فيما أقدمت على إكرامه، فإذا حلفت بالطلاق، فإنه عند ذلك يتيقن أنك جازمٌ على احترامه وإكرامه، فقلت: والله لا حباً ولا كرامة، لمن لا يريد كرامته إلا بالفراق والطلاق!