خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/38"> الشيخ الدكتور سعد البريك . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/38?sub=65397"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
أسئلة في العقيدة
الحلقة مفرغة
السؤال: نعرف أن موضوع أسماء الله وصفاته ينبغي أن يورث تعلمه خشيةً لله وأثراً في السلوك، فلماذا لم يتحدث علماء السلف رحمهم الله عن آثار الإيمان بأسماء الله في حين نجدهم يطيلون الحديث وبكل إسهاب في الرد على المخالفين؟ وهل تذكر كتباً تحدثت عن أثر الإيمان بأسماء الله وصفاته نستفيد منها؛ أفيدونا أفادكم الله؟
الجواب: كان الصحابة رضي الله عنه يقرءون القرآن ويتدبرونه ويرون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مشتملة على أسماء الله وصفاته، ومعلوم أن القرآن إنما نزل للتدبر، وأخبار الرسول لم تكن أخباراً ليس لها غاية، فكانوا يقرءون القرآن ويتدبرونه ويرون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعلمون أنه ليس المقصود مجرد العلم، بل يعلمون أن المقصود العمل، أي: المقصود العلم المستتبع للعمل: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19].. فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ [الأعراف:157] واتبعوا النور: الاتباع إنما يكون بالعمل وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157].. فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا [التغابن:8] ولم يكن لهم أحاديث خاصة عن الأسماء والصفات، لم يكونوا يخصونها، بل كان الصحابة يتناقشون ويتذاكرون في مسائل الأحكام أكثر من مذاكرتهم في مسائل الصفات؛ لأن مسائل الأسماء والصفات واضحة بينة مسلمة ليست مجالاً للأخذ والرد عندهم، لكن المسائل العملية في بعضها خلاف وهي مجال للاجتهاد، فكانوا يقرءون القرآن ويتدبرونه.
ومعلوم أن تدبر نصوص الأسماء والصفات إذا صدر عن إيمان فلابد أن يثمر عملاً، والله تعالى يقول: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] العلم الذي يكون في القلب ويقترن به الانقياد والرغبة فيما عند الله يثمر الخشية، يثمر التوجه، فكانوا يقرءون القرآن ويتدبرونه يورثهم ذلك إخباتاً، يورثهم تذللاً لربهم وإخباتاً بين يديه، وهكذا درج التابعون من بعدهم.
لكن لما حدثت البدع كبدعة التعطيل؛ وهي جحد أسماء الرب وصفاته، بدس من عناصر الكفر والنفاق، ورفعت البدع رأسها وكان لها أتباع، وأنصار ودعاة، قيض الله من يجابه هذه البدع، ويدحض شبهاتها، ويقيم البراهين والأدلة على الحق، وهذا لون من ألوان الجهاد، وهذا جانب من جوانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا فيه تعقيب لما أخبر الله به من حفظ دينه، فرسالة محمد خالدة، إذاً فلا بد أن يقيض الله لها من يحملها ويذب عنها ويحميها.
إذاً: كلام الأئمة في الأسماء والصفات بذكر الأدلة الدالة على الحق في هذا الباب ورد الباطل الذي قام به ودعا إليه رءوس الضلال والجهلة من أتباعهم ممن تأثر بهم وبدعايتهم، فلم يكن هناك إشكال، ولم يكن هناك اشتباه في أن الإيمان بأسماء الله وصفاته يورث خشية، معلوم أن الإيمان بأن الله سميع بصير إيماناً صادقاً يستحضره المؤمن، كل مسلم يؤمن بأن الله سميع بصير وأنه بكل شيء قدير، لكن الشأن في الاستحضار، الاستحضار لهذه الصفات وهذه الأسماء مع الاستحضار لعظمة الله وشدة عقابه ولجلاله سبحانه وتعالى.
لكن ليس كل من علم وآمن بهذه الأسماء وتلك الصفات يكون مستحضراً لها، فلابد أن يغفل الإنسان: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ [الأعراف:205] الذكر ذكر الله، ذكر يتواطأ عليه القلب واللسان، هذا يصرف كيد الشيطان ويضاد الوسواس، أما مجرد علم لا يستحضره الإنسان في سائر تصرفاته، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) لو كان المقدم على جريمة الزنا أو غيرها مستحضراً لما يعتقده ويؤمن به، مستحضراً له وشاعراً به الشعور الذي ينبغي لما أقدم عليه، لكنه لم يقدم على الزنا أو شرب الخمر إلا عندما يغيب عنه الإيمان ويغفل عن عظمة الله، ويغفل عن أليم عقابه، وعندما يلقي إليه الشيطان بالشبهات يقول له: الله غفور رحيم، والتوبة بابها مفتوح، لا تفكر في التوبة قبل الإقدام على الفاحشة، التوبة فكر فيها وتوجه إليها إذا وقعت، أما قبل الوقوع فالتفكير في التوبة من مداخل الشيطان، أي: أقدم ويمكن أن تتوب، ولكن ما يدريك لعلك لا تستطيع أن تصبر مرة أخرى وأخرى وأخرى، ولعلك أن تعاقب فيحال بينك وبين التوبة، نسأل الله الثبات.
المقصود أيها الإخوة: إن أهل العلم إنما تكلموا وبحثوا وألفوا وناقشوا في باب الأسماء والصفات تقريراً للمذهب الحق ورد الباطل الذي ظهر في الأمة الإسلامية على أيدي المنافقين والجهلة الضالين.
أما مسألة آثار الإيمان بأسماء الله وصفاته فلم يكن محل اشتباه أصلاً، معلوم عند الجميع أن الإيمان بأسماء الله وصفاته يقتضي آثاراً وله آثار بحسب اصطباغ القلب بهذا الإيمان، هذا الجانب الأول في السؤال.
وأما الكتب المؤلفة في هذا الخصوص فأنا لا يحضرني الآن كتاب أستطيع أن أرشد إليه، لكن أصحاب السلوك والتصوف لهم عناية بهذا الجانب، ولعل من أبرز ما أتذكره الآن: مدارج السالكين لـابن القيم له عناية؛ لأنه بصدد شرح كتاب منازل السائرين وهو في أثناء الشرح وفي ثنايا كلامه يتعرض لهذا الجانب في مناسبات عديدة، فهو من خير ما يستفاد منه في هذا الباب. والله أعلم.
السؤال: هناك من يخلط بين مسألة الخروج على الإمام الشرعي وبين عدم طاعته في معصية الله، فلعلكم توضحون للإخوة الفرق بينهما؟
الجواب: إن هذا الاشتباه وهذا الخلط يعتبر عجيباً، وكأن هذا الاشتباه ناشئ عن عدم تصور معنى الخروج على الإمام.
يجب أن نعلم حقيقة الخروج على الإمام وعلى ولي الأمر الذي جاءت النصوص بالنهي عنه والتحذير منه، واتفق أهل السنة على تحريم الخروج على الأئمة، ومن الأدلة في ذلك حديث عبادة بن الصامت الثابت في الصحيحين، قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا، ومنشطنا ومكرهنا، وفي أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله) أي: بايعناه ألا ننازع الأمر أهله، قال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) فالرسول صلى الله عليه وسلم بايع أصحابه على السمع والطاعة لولاة الأمر في سائر الأحوال في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وحتى مع الأثرة ووجود الأثرة من ولاة الأمور، وهي: الاستبداد في الأمور المشتركة، ما داموا ملتزمين بأمر الإسلام، وهذا لا يعني: إقرار أهل الأثرة على أثرتهم، وأهل الظلم على ظلمهم، لا. الظلم مرفوض وباطل في شرع الله، والأثرة كذلك باطلة، ولكن لا يجوز أن يتخذ منها أحد طريقاً إلى الخروج وشق الطاعة، الخروج على ولي الأمر وشق الطاعة بنزع اليد من البيعة، لا.
وكما أن هذا الواجب أعني وجوب السمع والطاعة وتحريم الخروج لا يبرر الطاعة في المعصية، بل الرسول عليه الصلاة والسلام نص على هذا القيد بقوله عليه الصلاة والسلام: (على المرء المسلم السمع والطاعة ما لم يؤمر بمعصية) فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة، حتى قال أهل العلم: إن ولي الأمر لو أمر أحد خدامه بأن يقتل شخصاً وعلم هذا المأمور بأن المأمور بقتله مظلوم لم يجز له أن يطيع وأن ينفذ وأن يقتل، حتى ولو أدى ذلك إلى قتله، أي لو قال: إن لم تقتله قتلتك وجب ألا يطيع، ألا يطيع في قتل معصوم، في قتل مظلوم، لا يجوز أن يفدي نفسه بقتل المعصوم، لا. دع هذا الظالم يقتلك فتكون مظلوماً خير من أن تكون ظالماً.
كون الإنسان مظلوماً خير من أن يكون ظالماً، إذا كان مظلوماً فالله تعالى ينتقم له ويعوضه ويجزيه، وإن كان ظالماً كان معرضاً نفسه للعقاب في الدنيا والآخرة، فشتان بين الأمرين.
إذاً: لا يلزم من عدم الطاعة في المعصية الخروج، ففي المثال الذي ذكرته: لو قال هذا المأمور: أنا لا أقتل، أنا لا أفعل، لم يكن بهذا خارجاً ولم يكن بهذا نازعاً يده من طاعة ولي الأمر، ولا يخرج بذلك عن الجماعة، التي قال فيها الرسول عليه الصلاة والسلام: (من خرج عن الجماعة قيد شبر فمات فميتته ميتة جاهلية) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فيجب أن يفرق بين الأمرين، والفرق بينهما معلوم وواضح وبين.
الخروج على الإمام يعني: الخروج المسلح، الخروج لإزاحته عن السلطة، الخروج بالقوة، وهو ما يسمى في هذا العصر بالثورة على الحاكم.
ولكن واجب الرعية أن تناصح ولي الأمر، كل بحسب مستواه وبالطرق المناسبة التي يرجى من ورائها الإصلاح، ومما بايع الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه قال: (وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم).
من ولاه الأمر في الأمور الجزئية كالقاضي والأمير والمدير وولي الأمر العام: (وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم) فالواجب هو السمع والطاعة والمناصحة والدعاء، وتحرم طاعة ولي الأمر في المعصية، هذا مما لا يحل لمسلم، ولا يدخل ذلك في السمع والطاعة التي أمر الله بها ورسوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ [النساء:59] فطاعة أولي الأمر من العلماء والأمراء مقيدة بطاعة الله ورسوله.
السؤال: نريد من فضيلتكم بيان الفرق بين موالاة الكفار وبين معاملتهم؟ وكيف يجتمع البغض لهم مع البر والإحسان إليهم خاصة فيما يتعلق بالزوجة الكتابية ونحوها؟
الجواب: إذا علمنا أن المولاة تتضمن المحبة والمعاداة تتضمن البغض، والله تعالى يحب المؤمنين ولا يحب الكافرين، وعلى المؤمن أن يوافق الله في ذلك فيحب ما يحبه الله ويبغض ما يبغضه الله، والحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان، والحب في الله والبغض في الله هو من آثار محبة الله ومن آثار طاعة الله، فمن أحب الله حقاً أحب ما يحب وأبغض ما يبغض.
ولا منافاة بين ما أمر الله به من البر والإحسان للكفار الذين لم يقاتلونا ولم يخرجونا، كما قال سبحانه: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8] البر هو الإحسان، بحسب المحسن إليه، وبحسب مقتضيات الإحسان.
(وتقسطوا إليهم) فالإقساط والعدل واجب، لأن العدل واجب بين المسلمين وبين الكفار.
فلابد من العدل: وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58] هذا الحكم عام بين الناس مؤمنهم وكافرهم. وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا [الأنعام:152] الأمر بالعدل واجب، والإحسان يختلف فمنه الواجب ومنه المستحب فهو على مراتب، يكون الإحسان إلى الكافر بالصدقة عليه، بالهدية إليه، جار كافر له حق الجوار كما نص أهل العلم على ذلك، فتكف الأذى عنه، وتحسن إليه الإحسان المناسب، والزوجة الكافرة كما ورد به السؤال .. والزواج من الكافرة -لا سيما في هذه الظروف وفي هذا العصر- خطر، وقديماً كان الصحابة يكرهون الزواج من الكافرة، ولكن لا شك أن الأصل هو جواز الزواج من الكافرة الكتابية بهذا القيد، فالسائل يسأل: كيف يجتمع البر والإحسان مع البغض؟
أقول: لا منافاة، فإن لكلٍ ما يقتضيه، فالمقتضي للإحسان هو أمر الله بذلك والسبب الذي يوجب ذلك، كالجوار والقرابة، والكفر والمعصية مقتضيان للبغض والكراهية، وهذا أمر معتاد أن الإنسان يمكن أن يقدم الإحسان لمن لا يحبه، يحسن الإنسان إلى الدواب البهائم، وهل يقتضي الإحسان إلى البهائم محبتها؟
لا. وإنما هي رحمة وطاعة لله ورسوله، إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فلا منافاة فإن البر والإحسان لا يستلزم المحبة، إذاً البر والإحسان لا ينافي البغض، بل يمكن أن يكون الإحسان واجباً والبغض واجباً، كما في حال الأبوين المشركين الكافرين، الله أمر ببرهما وأوصى ببرهما وهما كافران: وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14]، وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا [العنكبوت:8] إذاً الوصية ببر الوالدين شاملة للمسلمين والكافرين غير الحربيين، أما الوالد إذا كان حربياً وفي صفوف المحاربين فلا يستحق شيئاً، لكن المقصود غير المحاربين، أن يكون معاهداً. فهذا واضح.
فمن كان له والد أو والدان كافران يحسن إليهما بمقتضى الشرع، أي: أن الله أمره ووصاه بذلك، ويحسن إليهما ويبرهما أيضاً بمقتضى الطبع، بموجب المحبة الطبيعية، والمحبة الطبيعية يمكن أن تجتمع مع البغض الشرعي، الله يقول لنبيه: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:56] هذا في مناسبة عمه أبي طالب ، الرسول كان يحب عمه المحبة الطبيعية، ويحرص على هدايته، ولكن الأمر لله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ونعلم يقيناً أنه يبغضه لكفره لأنه عدو لله، فهو يحبه المحبة الطبيعية، وهو حريص على هدايته وعلى هداية الخلق، لكن بحكم القرابة، وهو مع ذلك يبغضه فلا منافاة بين المحبة الطبيعية وبين البر والإحسان الواجب أو المشروع بمقتضى الشرع، والحاصل أيضاً بمقتضى الطبع، لا منافاة بين هذا وبين البغض؛ لأن البغض له مقتضى آخر وهو مقتضى شرعي أيضاً، فالله أمر ببر هذا الكافر وببغضه، ومنابذته ومعاملته على أنه كافر.
وهذا أيضاً يلمسه الإنسان من الواقع، فالمسلم الآن يكون له الابن يحبه لأنه ابنه، ولكنه في نفس الوقت يبغضه لله وفي الله، وإن كان يحبه المحبة الطبيعية، لكن هنا يأتي الامتحان، فإن كان يكرمه ويقربه ولا ينكر عليه فهنا قد طغت محبته الطبيعية على محبة الله ورسوله، أما إن كان يحبه المحبة الطبيعية ويتعامل معه بمقتضى الشرع ينكر عليه ولا يقف معه موقف المسالمة، ينكر عليه ويناصحه ويلح عليه ويدعوه إلى الله، ويهجره إذا اقتضى الأمر، ولهذا قال الله: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24] هذه المحبوبات الخمسة، لا ضير على الإنسان أن يحبها المحبة الطبيعية، لكن يكون الإنسان آثماً إذا قدم محبة هذه المحبوبات على محبة الله ورسوله، فآثر حبها وترك الجهاد وترك الهجرة من أجل الوطن، من أجل الأسرة، من أجل الأولاد، بخل بماله، الإنسان يحب المال المحبة الطبيعية ولكنه إيماناً بالله وتصديقاً لوعده يخرج ما فرض الله عليه فيه، وإن كان يحبه، لعل في هذا القدر كفاية.
يقول أحد الحاضرين: وإذا كان الرجل متزوجاً من كتابيه، وهو يحبها، فما الحكم؟
الشيخ: الزوجة إذا كان يحبها المحبة الطبيعية إذ محبة الرجل لامرأته محبة طبيعية، ولكن في نفس الوقت يبغضها لأنها كافرة، وفي نفس الوقت يدعوها للإسلام ولا يرضى بكفرها ولا يترك لها فرصة تؤثر على أولادها بل يدعوها للإسلام ويعمل على التأثير عليها، ومن أجل ضعف شخصية كثير من المسلمين في هذه الأعصار وقوة شخصية كثير من الكافرات يتوجه التحذير من الزواج من الكافرات؛ نظراً لضعف مقام وموقف كثير من المسلمين، وقوة شخصية كثير من الكافرات.
ولهذا فالغالب أن يتأثر المسلم بالكافرة، في هذه الأعصار نظراً لحال المسلمين، وضعف مقامهم وشخصيتهم، ولأنهم قد بهرتهم الحضارة الغربية، وكثير ممن يتزوجون الكافرات إنما هو لافتتانهم بجمالهن، هذا هو الكثير. نسأل الله السلامة والعافية، ونعوذ بالله من الفتنة.
السؤال: هل المقصود بولي الأمر الحاكم أم العلماء؟ وهل لو أعلن العلماء الجهاد ورفضه الحاكم هل يقام الجهاد أم لا؟ ثم ما حكم الاستعداد والتهؤ للجهاد في سبيل الله في ظل هذه الظروف الراهنة؟
الجواب: ولي الأمر هم العلماء والولاة، أي: السلطان، هكذا فسرت الآية، من المفسرين من قال في قوله تعالى: وَأُولِي الْأَمْرِ [النساء:59] أي: الأمراء، ومنهم من قال العلماء، والصحيح أن الآية شاملة لكل من الفئتين، فهم أولو الأمر، فالله أمر بطاعتهم بهذا القيد ما لم يأمروا بمعصية، فمن أمر بمعصية كائناً من كان فلا سمع له ولا طاعة.
المسألة الثانية: هل للعلماء أن يعلنوا الجهاد؟
نعم، يعلنون الجهاد بالدعوة، العلماء يملكون الكلمة، يدعون .. يبينون .. يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .. بالكلمة .. بالبيان .. بالتعليم، هذا هو الجهاد الذي يملكه العلماء، أما الجهاد الذي يحتاج إلى الإعداد المادي وإلى القوة المادية والسلاح فهذا لا يملكه العلماء، هذا تملكه الأمة في جملتها، ومعظم هذا الثقل هو بأيدي ولاة الأمر الحكام والسلاطين، الملوك والأمراء، إذاً: فليس للعلماء أن يقوموا وأن يسعوا في القيام بهذا الجهاد منفكين؛ لأن هذا يعني الانشقاق، وإقامة جماعة أخرى، لكن على العلماء أن يطالبوا ولاة الأمور بالإعداد للجهاد في سبيل الله على الوجه الذي شرعه الله، ليقوموا جميعاً -علماء وأمراء ورعية- ويكونوا أمة واحدة وصفاً واحداً، أما أن تقوم فئة تريد أن تقوم بهذا الجهاد الذي ليس هو من صلاحيتها، ولا تملك أسبابه، فهذا التفكير وهذا النهج لا يكون له مردود إيجابي.
تريد أن تقوم بهذا الواجب الذي لا تملك أسبابه؛ هذا يعتبر خروجاً عن مقتضى الحكمة والعقل والمسلك الرشيد.
على العلماء أن يدعوا وأن يطالبوا ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ويناصحوا ولاة الأمور، ويطالبوهم بالإعداد للجهاد في سبيل الله، أن يهيئوا المجتمع المسلم حتى يكون نقياً؛ لأنه لا يتأتى للمسلم أن يجاهد في سبيل الله على الوجه الذي ترجى عاقبته الحميدة إلا إذا هيء المجتمع المسلم بالإصلاح وبتطهيره من الأمراض الاجتماعية ومن المنكرات، فلا بد من إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وسط الأمة حتى تتهيأ ويصح جسم الأمة من علله وأمراضه فتكون مستعدة للجهاد في سبيل الله، فتكون لها العزة التي كانت لها من قبل.
الثالث: حكم الاستعداد، نعم الاستعداد مطلوب، ينبغي للمسلمين أن يستعدوا في حدود مقدورهم: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] أن يستعدوا للجهاد، يهيئوا أنفسهم، ومن وجوه الاستعداد ما يقدر عليه الفرد، ومنها ما لا يقدر عليه الفرد، ولا يتأتى إلا بالتعاون مع ولاة الأمر، فينبغي لولاة الأمور أن يتيحوا الفرصة لشباب المسلمين ورجال المسلمين أن يعدوا أنفسهم، فيدربوهم ويهيئوهم ليكونوا جنوداً مستعدين لحماية بلاد الإسلام، وصد العدوان، وغزو الكفار إذا تهيأت الأمور في عقر دارهم، فالإعداد مطلوب لكن بالوجوه المناسبة الممكنة التي لا يترتب عليها أضرار ولا مفاسد، فشرع الله قائم على الحكمة: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] وكما ذكرت آنفاً أؤكد أن الإعداد للجهاد منه ما يقدر عليه الفرد، ومنه ما تقدر عليه جماعة، ومنه ما لا يتأتى إلا بتعاون الأمة وبتهيئة الفرص من قبل ولاة الأمور، وهذا ما نرجوه منهم، وتدريب الشباب أعظم مما حصل ومما يدعى من فتح باب التطوع للنساء للتمريض، التمريض هذا يحتاج إليه إذا حصلت المآسي وحصل القتال فتقديم التطوع أو التوسع بتعليم النساء على ما فيه من المفاسد الملموسة، لكن نتكلم عليه من حيث الأصل، أما التطوع الذي حصل فقد عرف واشتهر، يعني: أن له سلبيات واسعة وكبيرة.
ومن الجوانب التي تؤخذ على فتح باب التطوع للمرأة أنه حصل التوسع فيه دون تدريب الشباب والرجال على ممارسة العمليات الحربية وعلى وسائل الحرب وآليات الحرب، وهذا المنطق غير حكيم وغير معقول، فالبداءة بتدريب الشباب هو الواجب، وتطوع النساء أمر ثانوي، وأمر المرأة ليس كالرجل، المرأة إذا خرجت تعرضتها عقبات شائكة من أوسعها اختلاطها بالرجال عند ممارسة هذا الأمر، مع فساد الأوضاع وفساد الأحوال، فهذا يعني مما يتصل بالإعداد بالجهاد.
السؤال: هل ترى -يا فضيلة الشيخ- الظاهرة التي بدت أو التي تبناها أو تبنتها وسائل الإعلام في فتح المجال للمرأة وفتحت ذلك بعض الجهات الرسمية ولم يعط الرجال مثلما أعطيت المرأة، ألا ترى أن هذا يوحي بأن هناك أيادي خفية تعمل على إيقاع هذه البلاد فيما لا تحمد عقباه؟
الجواب: قلت: إن هذا الوضع غير طبيعي وغير سديد، ففيه مفارقة كبيرة، وأما أن تكون هناك أيدٍ فلا شك بصفة عامة، والأوضاع تؤيد ذلك بصفة عامة فالمنافقون والفساق كثير، ولا شك أنه يحلو لهم أن تخرج النساء وأن يضعفوا ما في هذه البلاد من التزام المرأة بحجابها وبيتها، ولا شك أن التوسع الذي حصل في فتح الأبواب لتطوع النساء في التمريض أن هذا من حلقات إخراج المرأة من حصانتها والتزامها بحجابها، وإن كان الأصل أن تعلم المرأة لما يمكن أن تقوم به في إطار الشريعة الأصل أنه جائز، لكن ما كل جائز يكون جائزاً بكل كيفية، فالنقد والاعتراض على الكيفية وعلى الواقع، أما الأصل نحن نتكلم فيه أن تتعلم المرأة مع نساء وأن تعلمها النساء، أما أن يفتح الباب من غير ضرورة ومن غير حاجة على نطاق واسع، ثم من بنود ومن فقرات هذا الطريق التطبيق العملي في المستشفيات، والمستشفيات قائمة على الاختلاط، فمن لم تكن ممرضة في المستشفى تكون متطوعة، فكل امرأة تريد حفظ كرامتها نوصيها بعدم المشاركة في هذا السبيل لأنه لم يطبق على الوجه المطلوب ولم تكن هناك الظروف المحتمة لأصل الموضوع.
السؤال: فضيلة الشيخ! قلت منذ قليل: إنه من صلى وصام على أنه عادة فإنه لا يجوز، وقد شككت في خروجي إلى الصلاة فيما سبق هل عادة أم لا. فكيف أعرف ذلك جزاك الله خيرا؟
الجواب: اطمئن ولله الحمد، أنا أعني الذي يصلي عادة لا إيماناً بالله والرسول، ما عنده إيمان ولا يؤمن بأن الصلاة واجبة يصلي مثل الناس فقط، بحيث لو قيل له: ما هي هذه الصلاة؟ قال: والله لا أدري عنها، ولا يؤمن بوجوب الصلاة عليه نعم. من المسلمين ممن يؤمن بالله ورسوله ويؤمن بوجوب الصلاة لا يكون عنده الإيمان العميق لكن للعادة دور في أمر الصلاة، لكن أرجو أن هذا لا يضره، ولست أعني هذا النوع، لكن على المسلم إذا أدى الواجبات أن يستحضر أمر الله ورسوله، وأن يفعل ذلك قربة لله وطاعة لله ورسوله، حتى ينال الثواب والأجر موفوراً كاملاً غير منقوص.
السؤال: ما حكم الوساوس والخطرات التي تأتي على الناس في أمور العقيدة وغيرها؟
الجواب: فيما تقدم ما يتضمن الإجابة على هذا، وهو أن تعرض عن هذه الوساوس وأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وقل: آمنت بالله ورسوله، واغفل عنها ولا تسترسل في التفكير، قاطع هذا التفكير وحاول أن تنساه.
ولا تضرك بعد ذلك مجرد الوساوس، وقد جاء بعض الصحابة وقد وجد في نفسه وسواساً قال عنه: (إني أحب أن أخر من السماء ولا أتكلم به، فقال عليه الصلاة والسلام: ذاك صريح الإيمان) يعني: كراهته لهذا الوسواس وبغضه الشديد لهذا الوسواس هو الإيمان، لأنه لو لم يكن عنده الإيمان واليقين ما كره هذا الوسواس ولاسترسل معه وتفاعل، ولنال منه الشيطان ما يريد.
السؤال: هذا السائل يقول: في حديث استماع الرسول صلى الله عليه وسلم لـأبي موسى الأشعري وهو يقرأ القرآن وقول أبي موسى : (لو علمت -يا رسول الله- أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا) أليس فيه جواز إتقان العمل من أجل البشر، حفظكم الله ورعاكم؟
الجواب: لا شك أن إرضاء الرسول صلى الله عليه وسلم وتحقيق ما يحب هو مما يحبه الله ويرضاه، الرسول يعجبه تحسين القرآن ويحب الصوت الحسن بالقرآن، إذاً ما نواه وقصد إليه أبو موسى هو قربة إلى الله، يتقرب إلى الله بتحسين صوته لأنه مما يعجب الرسول عليه الصلاة والسلام، وتحقيق ما يحبه الرسول هو مما يحبه الله، إذاً فلم يفعل ذلك ليجلب ثناءً على نفسه للمدحة؛ مثل من يقرأ أو يزين قراءته لينال ثناءً من الناس ليثنوا عليه رياءً وسمعة، وإنما قصد أن يحسن تلاوته للقرآن تحقيقاً لما يحبه الرسول عليه الصلاة والسلام، ومعلوم أن المؤمن عليه أن يحب الرسول وأن يحقق وأن يحرص على تحقيق ما يحبه الرسول.
أقول أكثر من هذا: لو طلب من الإنسان والده أن يحسن له قراءته، فحسن قراءته استجابة لوالده، أو طلب منه والده أن يتلو عليه القرآن ففعل، فهذا برٌ منه بوالده، وكان ذلك عملاً صالحاً أن قرأ عليه القرآن، وأن حسن قراءته؛ لأن والده يرغب في ذلك ويعجبه أن يسمع القرآن من ابنه بصوته الحسن، لأن الوالد الطيب تقر عينه إذا سمع ابنه يتلو القرآن ويحسن قراءة القرآن بصوت حسن، وتحسين الصوت بالقرآن أمر مشروع للحديث الصحيح: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) وحديث: (زينوا القرآن بأصواتكم) وهكذا لو قرأ المسلم وزيَّن صوته بالقرآن ليؤثر على السامعين لينتفعوا بالقرآن، فهذا أيضاً محمود؛ لأنه لم يقصد التقرب إليهم، بل يريد أن ينتفعوا بالقرآن فيفعل ذلك طاعة لله، وجذباً للناس إلى كتاب الله لا جذباً للناس إليه، لا يريد أن يجذب الناس إليه حتى يعجبوا به، ويثنوا عليه، لا يريد أن يؤثر عليهم بالقرآن فيزين صوته لينتفعوا بالقرآن حتى يقبلوا عليه، فكل هذا ليس من الرياء في شيء، وليس من قبيل العمل للمخلوق.
السؤال: فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يقول: طلب مني شخص أن أتوسط له عند شخص لكي يقرضه مبلغاً من المال، وقد فعلت، وعندما انتهى دوري علمت أنه يقرض الناس بالربا، أي: العشر باثني عشر مثلاً، فندمت على عملي لأني خشيت أن أشترك معهم في الإثم، علماً أنني قد ذهبت إلى الرجل الذي طلب مني هذا الطلب ونصحته وأخبرته بأن عليه ذنباً عظيماً، سؤالي الآن: هل عليَّ ذنب لو لم أنصح الرجل علماً بأني في الأساس لم أسع في الأمر على أنه قرض ربوي. وجزاكم الله خيراً؟
الجواب: أقول أولاً: أنت محسن في وساطتك، وساعٍ في أمر خيري، ومن التعاون أن تطلب للمحتاج ممن يقدر على إقراضه، وهذا إحسان منك وأنت مأجور إن شاء الله حيث أنك لم تعلم بما قصد إليه المقترض، أما بعدما علمت فواجب عليك أن تنصحه، وأن تنكر عليه، وأن تبدي أسفك على أن ساعدته في تحصيل هذا القرض، ولو لم تفعل كنت آثماً، أما وقد فعلت فقد أديت ما يجب عليك ولا إثم عليك؛ لأنك محسن أولاً، وقمت بالواجب ثانياً، وعليك أن تعين صاحب المال على استرداد ماله، وأن تلح على المقترض أن يرد المال إلى صاحبه.
السؤال: ما الفرق بين توكل أولي الألباب وبين الأخذ بالأسباب، ونرى من يعيب على الذين اشتروا أكياس الرز والسكر.. أليس هذا من الأخذ بالأسباب؟
الجواب: لا منافاة بين التوكل وفعل الأسباب، فترك الأسباب عجز، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) وقال أهل العلم: إن تعطيل الأسباب بالكلية قدح في الشرع، فالشرع جاء بالندب والأمر بالأسباب، بل من الأخذ بالأسباب ما هو واجب، ومنها ما هو مستحب، ومنها ما هو مباح، أما التوكل فحقيقته اعتماد القلب عليه سبحانه وتعالى وتفويض الأمر إليه، وذلك باعتقاد أن الخير بيده، وأنه سبحانه وتعالى لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، للتحقق بذلك، وأن الأسباب ما هي إلا أسباب، والله تعالى هو خالق الأسباب والمسببات، فتأثير الأسباب في مسبباتها بإذن الله، فهو خالق الأسباب، وهو الذي يجعل الأسباب مؤثرة في حصول مسبباتها، إذاً فعل الأسباب يمارس بمقتضى الشرع والطبع، والأسباب المباحة، والتوكل على الله هو مقتضى الإيمان بالله وبكمال ربوبيته.
وأما المسألة الجزئية التي ذكرها السائل وهي أن من الناس ما إن سمع بأحداث الكويت حتى هرع يشتري حوائجه تحسباً للمستقبل، فأرجو أن هذا من فعل الأسباب وأنه لا بأس به، إذا خاف الإنسان أن الماء يتوقف وظهرت بوادر ذلك فلا مانع أن يملأ خزانه إذا تيسر، لكن بدون أن يعتمد على هذا السبب، وبدون أن يكون هناك لهف ولهث وانفعال واضطراب ولكن بهدوء، فمن ذهب واشترى له حاجات وادخرها وهو متوكل على ربه بدون أن يتحمل في هذا السبيل المشاق بالمزاحمة، ويظهر عليه الانفعال، أو يكون عنده شيء من الاعتماد القلبي على هذا السبب، وأن هذه المشتروات ستكون أماناً له، لأنه يمكن أن يحدث له من الأسباب مثل أن يموت ولا ينتفع بها، قد يحدث من الأسباب ما ينفره عنها حتى يتركها، فالإنسان يفعل الأسباب بهدوء بال وطمأنينة وتوكل على الله. والله أعلم.