خطب ومحاضرات
الروض المربع - كتاب البيع [5]
الحلقة مفرغة
بيع السرجين
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله: [ ولا السرجين النجس؛ لأنه كالميتة، وظاهره أنه يصح بيع الطاهر منه، قاله في المبدع، ولا الأدهان النجسة ولا المتنجسة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله إذا حرم شيئاً؛ حرم ثمنه )، وللأمر بإراقته ].
السرجين: هو الروث، وهو فضلات الحيوان، فمن السرجين ما هو طاهر، ومن السرجين ما ليس بطاهر.
القسم الأول: الطاهر منه وهو سرجين ما يؤكل لحمه، كروث الإبل والغنم والأرانب والبقر، وما يؤكل لحمه من الطير كالحمام، فإن كان طاهراً فلا بأس، وهذا قول عامة أهل العلم خلافاً للشافعية وهو المذهب، يعني الجواز؛ لأنه مباح النفع من غير حاجة؛ فيكون جائزاً، ولعموم دخوله في الطاهرات.
القسم الثاني: ما كان نجساً، كروث السباع، وفضلات بني آدم، فهل يجوز بيعه خاصةً إذا وضع سماداً؟
ذهب الجمهور إلى المنع، وهو مذهب مالك و أحمد و الشافعي ؛ لأن الشافعي لا يرى جوازه مطلقاً.
والقول الثاني في المسألة: هو مذهب أبي حنيفة فيقول: يصح؛ لأنه ما زال أهل الكوفة يتبايعونه من غير نكير، وهذا يسمى عند الأحناف بالاستحسان، وتعريفه عند الأحناف: هو ما جاء على غير دليل ثابت لوجه من الوجوه، ومن الأوجه عند الأحناف: ما جرى عليه عمل، فاستحسن هذا عندهم، وهذا الاستحسان عند الأحناف ليس هو الاستحسان العقلي المجرد، فهذا هو الذي منعه الشافعي وقال: من استحسن فقد شرع.
وأما أن يأتي عمل من غير دليل ظاهر فهذا يجوزه، كما جوزوا الاستصناع، وعليه ما زال الناس يتبايعونه.
والذي يظهر لي -والله أعلم- أن السرجين النجس إن كان قد وضع بسرجين مباح، أو عولج معه مواد أخرى فلا حرج في ذلك، لأن النجس حينئذ يكون من باب التبع غير المقصود، ويجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، وهذا يوجد في المعاهد الزراعية في بعض المناطق، حينما يأخذون روث الإنسان ويعالجونه ببعض المواد والسماد من باب تقويته، لأن هذا ينفع في الزراعة، فإذا كان قد وضع بعض روث الإنسان بهذه الأسمدة المعالجة، فالذي يظهر -والله أعلم- الجواز، وإن كان الأولى ترك مثل هذه السراجين النجسة، لأننا نقول: يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، والذي يشتري لم يشتري النجاسة، وإنما اشترى المنفعة والسماد الذي فيها، ولعل في هذا التفصيل الجمع بين الأقوال.
بيع الأدهان النجسة والمتنجسة والاستصباح بها
وعليه: فالأدهان النجسة تأخذ حكم أجزاء الميتة، إذا كانت النجاسة نجاسة عين.
أما المتنجسة فإن الراجح خلاف مذهب الحنابلة؛ لأنه إن أمكن تطهيرها فلا بأس، وهذا مذهب بعض الشافعية والمالكية، ( وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن فأرة وقعت في سمن فماتت فقال: ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم )، وهذا الحديث رواه البخاري من حديث ميمونة ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وما حولها) دلالة على أن هذا الدهن المتنجس يمكن تطهيره بأمور:
إما بالمكاثرة أو بالإزالة أو بنفسها. والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( ألقوها وما حولها )، وما جاء في بعض الروايات عند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة وهو التفريق بين السمن اليابس والسمن المائع، فهو حديث ضعيف، بل منكر، وقد حكم الإمام البخاري و أبو حاتم بأن رواية الزهري هنا منكرة؛ لأنه رواها عن بعض الضعفاء، وأما دليل المذهب وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ( إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه )، فهذا مبني على تحريم الاستعمال، فإذا حرم استعمال الشيء حرم ثمنه؛ ولأنهم يرون أن الصحابة الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: (يا رسول الله! أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا، هو حرام).
فاختلف العلماء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا، هو حرام )، بمعنى: هل سؤال الصحابة لنبيهم صلى الله عليه وسلم سؤال في حكم استعمال الميتة أم هو سؤال عن حكم بيعها إذا وجد فيها نفع؟
القول الأول: اختلفوا على قولين: قال الجمهور: إن النهي إنما جاء عن استعمالها، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستصباح بها وطلي السفن بها، قالوا: كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اللعب بالنردشير وقال: (من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه)، لأن المسلم مأمور باجتناب النجاسة، وهذا هو المذهب، ولأجل هذا قالوا: ( إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه ).
والقول الثاني في المسألة وهو اختيار بعض أهل الحديث، ورجحه ابن تيمية وهو رواية عن أحمد : أن سؤال الصحابة إنما هو في البيع لا في الاستعمال، لأنه لو أراد الاستعمال لقال: لا، هي حرام، فلما قال: ( لا، هو حرام )، يعني: أن بيعها حرام، ولو حصل فيها نفع، ولم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن الانتفاع بالنجاسات فيما لا تتعدى وتدعو إليه الحاجة، فإن استعمال النجاسة يجوز إذا كان ذلك لحاجة، كما يزيل الإنسان نجاسته بيده للحاجة وما جاز للحاجة جاز التداوي به، وما جاز للضرورة لم يجز التداوي به، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه )، كالخمر فهو جائز استعماله للضرورة ولكن يحرم التداوي به.
والخنزير يحرم التداوي به، لأنه لا يجوز استعماله إلا للضرورة، وأما للحاجة كالتداوي بالأدهان المتنجسة فيجوز؛ لأنه يجوز استعمالها للحاجة، كما في الاستصباح وغيره، وهذا القول أظهر والله أعلم.
الاستصباح بالأدهان المتنجسة
والصحيح أنه لا بأس بذلك؛ وهذا القول عند الحنابلة بناءً على أن النجاسة لا تطهر بالاستحالة، وهذا مذهب الجمهور، والرواية الثانية وهو قول ابن حزم واختيار ابن تيمية : أن النجاسة تطهر بالاستحالة، وقواه أبو محمد بن قدامة .
الاستصباح بالأدهان المتنجسة في المسجد
لأنهم لا يرون النجاسة تطهر بالاستحالة.
والقول الثاني: أنها تطهر فلا حرج، لكن ينبغي ألا يستعمل خروجاً من الخلاف، لأجل ألا يتنزه كثير من الناس عنه؛ فيؤدي إلى هجر المسجد.
الاستصباح بما كان نجساً عيناً
نجس العين، لأنهم لا يرون أن النجاسة تطهر بالاستحالة، فنجس العين كروثة الحمار، وقد كانت روثة الحمار والروث مطلقاً يجعل منه الحطب وقت الفقر، وقد رأيت ذلك في بعض الدول العربية، والله! ما كنت أتوقع في هذا الزمان أن روث البقر يجمع لأجل أن يستدفئ به الناس، ويقال بعد ذلك: لماذا تغضب بعض الشعوب.
بيع السم القاتل
لا يجوز بيع سم قاتل؛ لأنه لا منفعة فيه، والصحيح: أننا نقول فيه كما قلنا في الحشرات، فما كان من السم الذي ينتفع به فيجوز، وما لا ينتفع به فلا يجوز، فالحشرات يجوز بيعها فيما يمكن أن يكون علقاً أو صيداً، فكذلك نقول في السم، وبعض أنواع السم مفيد لقتل الحشرات المؤذية، وقتل الفويسقات ونحو ذلك.
وعندي فائدة أنه دائماً نقولات أقوال المذاهب ممن ليس هو بمذهب لأحد، تراهم يأخذون من بعض، فأقوال الشافعية عند ابن قدامة في المغني جيدة، لأنه لا يأخذ إلا من المهذب، لكن أقوال المالكية عند ابن قدامة ليست بقوية، لأنه إنما يأخذ من كتب عبد الوهاب المالكي ، و عبد الوهاب المالكي ليس هو مذهب المالكية، وكذلك يأخذ مذهب أبي حنيفة رحمه الله من كتب بعض الأحناف الذين سبقوه كـأبي بكر محمد بن نصر وغيره، فلا يكون قولاً ثابتاً عن هؤلاء الأئمة.
فلو رجع إلى كتبهم لكان فيه المنفعة، و ابن حزم كثيراً ما ينسب لـمالك وغيره ما ليس بمشهور.
تحنيط الحيوانات وبيعها
وتعرفون الفنون التشكيلية التي تباع في مزاد لندن بمليون جنيه استرليني، بل إن منديلاً لمغنية بيع بمليون دولار.
على كل حال التحنيط إن كان لحيوان قد ذبح فإني أرى أنه جائز مطلقاً.
أما القسم الثاني: وهو إن مات حتف أنفه، فإن بعض أهل العلم منع، كما هو قرار اللجنة الدائمة، والقول الثاني بجواز ذلك، وليس هو من بيع الميتة، وليس هو من مضاهاة خلق الله؛ لأن هذا هو خلق الله سبحانه وتعالى؛ فلا حرج، إلا إذا استعمل من باب طرد الجن، فإن بعض الناس يشتري الذئب أو الأسد لطرد الجن، فهذا الاعتقاد محرم، وإن باعه لمن يعتقد بهذا منع، وإلا فالأصل فيه الجواز والله أعلم.
ويقول أحد الإخوة: كان عندي سخلة برية، يعني: شكلها بري، يقول: طلبت مني بخمسة آلاف ريال أو قال بألف ريال نسيت، فأبيت فماتت، فجاء شخص فحنطها فبعتها بخمسة آلاف! فأحياناً بعضها تصير منظراً، فلا حرج إن شاء الله والله أعلم.
وهذه الحيوانات المحنطة ليست نجاستها هنا حسية، ما يبقى إلا الجلد، والجلد يجوز بيعه على الراجح، فلا يبقى إلا الجلد الخارجي والباقي فيه مواد، فأرى أنه لا بأس به.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله: [ ولا السرجين النجس؛ لأنه كالميتة، وظاهره أنه يصح بيع الطاهر منه، قاله في المبدع، ولا الأدهان النجسة ولا المتنجسة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله إذا حرم شيئاً؛ حرم ثمنه )، وللأمر بإراقته ].
السرجين: هو الروث، وهو فضلات الحيوان، فمن السرجين ما هو طاهر، ومن السرجين ما ليس بطاهر.
القسم الأول: الطاهر منه وهو سرجين ما يؤكل لحمه، كروث الإبل والغنم والأرانب والبقر، وما يؤكل لحمه من الطير كالحمام، فإن كان طاهراً فلا بأس، وهذا قول عامة أهل العلم خلافاً للشافعية وهو المذهب، يعني الجواز؛ لأنه مباح النفع من غير حاجة؛ فيكون جائزاً، ولعموم دخوله في الطاهرات.
القسم الثاني: ما كان نجساً، كروث السباع، وفضلات بني آدم، فهل يجوز بيعه خاصةً إذا وضع سماداً؟
ذهب الجمهور إلى المنع، وهو مذهب مالك و أحمد و الشافعي ؛ لأن الشافعي لا يرى جوازه مطلقاً.
والقول الثاني في المسألة: هو مذهب أبي حنيفة فيقول: يصح؛ لأنه ما زال أهل الكوفة يتبايعونه من غير نكير، وهذا يسمى عند الأحناف بالاستحسان، وتعريفه عند الأحناف: هو ما جاء على غير دليل ثابت لوجه من الوجوه، ومن الأوجه عند الأحناف: ما جرى عليه عمل، فاستحسن هذا عندهم، وهذا الاستحسان عند الأحناف ليس هو الاستحسان العقلي المجرد، فهذا هو الذي منعه الشافعي وقال: من استحسن فقد شرع.
وأما أن يأتي عمل من غير دليل ظاهر فهذا يجوزه، كما جوزوا الاستصناع، وعليه ما زال الناس يتبايعونه.
والذي يظهر لي -والله أعلم- أن السرجين النجس إن كان قد وضع بسرجين مباح، أو عولج معه مواد أخرى فلا حرج في ذلك، لأن النجس حينئذ يكون من باب التبع غير المقصود، ويجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، وهذا يوجد في المعاهد الزراعية في بعض المناطق، حينما يأخذون روث الإنسان ويعالجونه ببعض المواد والسماد من باب تقويته، لأن هذا ينفع في الزراعة، فإذا كان قد وضع بعض روث الإنسان بهذه الأسمدة المعالجة، فالذي يظهر -والله أعلم- الجواز، وإن كان الأولى ترك مثل هذه السراجين النجسة، لأننا نقول: يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، والذي يشتري لم يشتري النجاسة، وإنما اشترى المنفعة والسماد الذي فيها، ولعل في هذا التفصيل الجمع بين الأقوال.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] | 2630 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] | 2588 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] | 2547 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] | 2544 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] | 2524 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [22] | 2452 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] | 2387 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [20] | 2374 استماع |
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] | 2358 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] | 2356 استماع |