زاد المستقنع - كتاب البيع [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

قال المؤلف رحمه الله: [فصل: ومن باع نخلاً تشقق طلعه، فلبائع مبق إلى الجذاذ إلا أن يشترطه مشتر، وكذلك شجر العنب والتوت والرمان وغيره، وما ظهر من نوره كالمشمش والتفاح، وما خرج من أكمامه كالورد والقطن، وما قبل ذلك والورق فلمشتر].

المؤلف رحمه الله بين في هذه المسائل ضوابط بيع الأشجار وما فيها من الثمار.

والقاعدة في هذا الباب: أنه إذا بيع الشجر وعليه الثمر فالبيع صحيح، والأصل -وهو الشجر- ينتقل إلى ملكية المشتري، وأما الثمر فينظر فيه إلى شرط المتعاقدين، فإن شرطه البائع له فهو له، وإن شرطه المشتري له فهو له، وإن لم يكن هناك شرط فينظر في الوقت أو الحال التي بيع فيها ذلك الأصل.

وقد ورد في الحديث المتفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرته للذي باعها إلا أن يشترطها المبتاع )، فدل هذا الحديث على أن من باع نخلاً وفي هذا النخل ثمر قد أبرت -أي: قد لقحت- فالأصل أن هذه الثمرة التي قد لقحت للبائع؛ لأن نفسه تعلقت بها؛ لكونه قد تسبب فيها إلا أن يشترطها المشتري فتكون له، وأما إذا لم يشترطها المشتري فتكون للبائع، وتبقى على النخلة ليس للمشتري أن يأخذها أو يقطفها حتى وقت الجذاذ فيأخذها البائع؛ لأنها حق له.

المؤلف رحمه الله مشى على ما عليه المذهب وهو أن العبرة بتشقق الطلع، لا بالتأبير.

والمقصود بتشقق الطلع: أن يبدأ طلع النخلة الذي فيه الثمرة في التشقق، فإذا تشقق فيكون من نصيب البائع ولو لم يؤبر، فهم جعلوا العبرة بتشقق الطلع، وقالوا: إنه إذا تشقق الطلع وهو في ملك البائع فقد تعلقت بها نفسه، فإذا باعه فيكون من نصيب البائع.

والأقرب والله أعلم: أن العبرة في ذلك بالتأبير وليس بتشقق الطلع، فمن باع نخلاً قد أبرت، فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المشتري، وأما إذا لم تؤبر فهي من نصيب المشتري.

قول المؤلف: (وكذلك شجر العنب والتوت والرمان وغيره) يعني: العبرة فيه بالتشقق إن كان قد تشقق طلعه فهو من نصيب البائع وإلا فللمشتري.

قال: (ما ظهر من نوره كالمشمش والتفاح) يعني: أنه إن ظهر ثمر المشمش والتفاح من نوره فإنه يكون من نصيب البائع إذا بيع مع أصله إلا أن يشترطه المشتري.

وكذا ما خرج من أكمامه يعني: ما يكون في شيء كالكم يحفظه، وتكون الثمرة داخلة فيه، إذا بدا وخرج من أكمامه كالورد والقطن، فإنه إذا بيع مع أصله يكون من نصيب البائع إلا أن يشترطه المشتري، وإن لم يكن قد خرج من أكمامه فهو من نصيب المشتري.

ونقول في جميع ما سبق: ما يحتاج إلى تأبير كالأشجار التي تحتاج إلى تلقيح فالعبرة فيها بالتأبير لا بتشقق الطلع، فإذا بيعت الثمرة مع أصلها فالثمرة للبائع إن كان ذلك بعد التأبير، وإلا فتكون للمشتري إن كان ذلك قبل التأبير، وإن كانت بعد التأبير واشترطها المشتري فهي له.

يقول المؤلف: [ولا يباع ثمر قبل بدو صلاحه، ولا زرع قبل اشتداد حبه، ولا رطبة وبقل ولا قثاء ونحوه كباذنجان دون الأصل إلا بشرط القطع في الحال، أو جزة جزة، أو لقطة لقطة، والحصاد والجذاذ واللقاط على المشتري، وإن باعه مطلقاً أو بشرط البقاء، أو اشترى ثمراً لم يبد صلاحه بشرط القطع وتركه حتى بدا، أو جزة أو لقطة فنمتا، أو اشترى ما بدا صلاحه وحصل آخر واشتبها، أو عرية فأثمرت بطل والكل للبائع].

علة النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه

قول المؤلف: (ولا يباع ثمر قبل بدو صلاحه) يعني: إذا بيعت الثمرة وحدها دون الأصل فلا يجوز بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها؛ لما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع )؛ والحكمة من ذلك: لأن الثمرة قبل بدو صلاحها عرضة للتلف، ولا يؤمن فيها من العاهة، فيكون بيعها قبل بدو صلاحها مظنة لتلفها فتدخل في بيع الغرر فنهي عن ذلك.

وكذلك لا يباع الزرع قبل اشتداد حبه؛ لما جاء عند الخمسة إلا النسائي عن أنس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع العنب حتى يسود، والحب حتى يشتد ).

والحكمة في ذلك: أن يأمن العاهة، وهذا إذا بيع الحب أي: الزرع وحده دون الأرض، أما إذا بيع مع الأرض فلا بأس بذلك.

بيع الثمر المستتر في الأرض قبل بدو صلاحه

قول المؤلف: (ولا رطب وبقل، ولا قثاء ونحوه) يعني: الثمار التي تكون مستترة ولا تظهر أمام العيان كالمغيبات في الأرض، كالثمار التي يكون المقصود منها مغيباً في الأرض مثل الفجل والجزر ونحوها فهذه لا يجوز بيعها على المذهب وحدها دون أصلها؛ لأن المقصود منها مستتر وهو مجهول، فيكون بيعها من الغرر.

والقول الثاني في المسألة: جواز بيعها دون أصلها، وإن كانت مستترة؛ لأن ظاهرها يدل على باطنها، ويستطيع أهل الخبرة أن يعرفوا مدى صلاحها من رؤيتهم للظاهر منها؛ ولأن بيعها وحدها دون أصلها مما تدعو إليه الحاجة إذ يشق على البائع إذا أراد بيع شيء منها أن يقتلعها أو يخرجها من أصلها، ويشق كذلك أن يبيعها مع أصلها في كل مرة، والغرر يجوز عند الحاجة، كما ذكرنا ذلك في ضوابط الغرر فيما تقدم.

إذاً: هنا ذكر ثلاث مسائل يحرم فيها بيع الثمار:

بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، وبيع الحب قبل اشتداده، وبيع ما كان المقصود منه مستتراً فهذه لا يجوز بيعها دون أصلها، أما إذا بيع شيء منها مع أصله فيجوز.

حالات جواز بيع الثمر قبل بدو صلاحه

فإذا بيعت الثمرة قبل بدو صلاحها مع الأصل، يعني: شجرة فيها ثمر لم يبد صلاحه بيعت الشجرة بأكملها، نخلة فيها تمر لم يبد صلاحه، فهذا البيع جائز؛ لأن المجهول -وهو الثمر الذي لم يبد صلاحه- جاء تبعاً، وليس مقصوداً بذاته، ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترطها المبتاع ) ومفهوم الحديث أنه إذا بيعت قبل أن تؤبر فهي للمشتري، ومن المعلوم أنها إذا بيعت قبل أن تؤبر فهي قطعاً لم يبد صلاحها.

أيضاً الحب الذي يكون في الزرع إذا بيع مع أرضه فإنه يصح؛ لأنه حتى وإن كان الحب لم يشتد؛ فإنه جاء تبعاً، وكذلك الرطبة والبقل والقثاء ونحوها مما المقصود منه مستتر يجوز بيعه مع أصله؛ لأن المجهول هنا جاء تبعاً. وهذه حالة من حالات الاستثناء: إذا بيع مع أصله.

حالة أخرى أيضاً من حالات الاستثناء: إذا بيع الثمر قبل بدو صلاحه بشرط القطع في الحال، كمن باع ثمرة لوحدها دون أصلها قبل أن يبدو صلاحها بشرط أن يقطعها المشتري في الحال؛ لأن المشتري يريدها مثلاً علفاً لبهائمه، فهنا يجوز بيعها وإن لم يبد صلاحها دون أصلها؛ لأن المقصود من النهي هو الخوف من الآفة والتلف، وهذا المحذور منتف هنا؛ لأنه سيقطعها في الحال.

قول المؤلف: (أو جزة جزة) إذا كان مشتري الرطب ونحوها، والبقل ونحوه مما هو مستتر في أصله سيأخذ الجزة الظاهرة فقط دون ما هو باطن، فيأخذ الأشياء الظاهرة، ففي هذه الحالة يجوز بيعه.

(أو لقطة لقطة) إذا كان سيأخذ المقصود منه المستتر في الأرض لقطة لقطة، يعني: يأخذ اللقطة الظاهرة وحدها دون اللقطة الباطنة بحيث يتفق المشتري مع البائع على أن يأخذ الباذنجان الذي قد ظهر وتبين استواؤه، أو يأخذ البقل الذي ظهر وتبين استواؤه فهذا جائز، أما إذا باعه جميعاً الظاهر منه والباطن فعلى المذهب لا يصح، وسبق بيان الخلاف فيها.

كلفة الحصاد والجذاذ واللقاط بين المشتري والبائع

قال: (والحصاد) أي: حصاد الثمر، (والجذاذ) أي: جذاذها، (واللقاط) أي: لقطها (على المشتري)؛ لأنه هو الذي سينتفع بها فمئونتها عليه، إلا أن يكون بينهما شرط بأن يتحمل البائع الحصاد والجذاذ واللقاط فتكون على البائع.

حالات يبطل فيها بيع الثمار

يقول المؤلف: [وإن باعه مطلقاً أو بشرط البقاء، أو اشترى ثمراً لم يبد صلاحه بشرط القطع وتركه حتى بدا، أو جزة أو لقطة فنمتا، أو اشترى ما بدا صلاحه وحصل آخر واشتبها، أو عرية فأثمرت بطل والكل للبائع].

هنا حالات يبطل فيها بيع الثمار، ذكر منها عدة حالات:

الحالة الأولى: أن يبيع ثمراً قبل أن يبدو صلاحه بيعاً مطلقاً يعني: لا بشرط القطع، فهنا البيع باطل لأنه باع ما لا يصح، باع بيعاً مجهولاً.

الحالة الثانية: أن يبيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه بشرط البقاء، أي بشرط أن يبقيه المشتري ويبقيه البائع فهذا أيضاً لا يجوز؛ لأنه داخل في نهي النبي صلى الله عليه وسلم.

الحالة الثالثة: أو اشترى ثمراً لم يبد صلاحه بشرط القطع، على أن يقطعه في الحال، لكن المشتري لم يقطعه وتركه حتى بدا صلاحه، فالبيع هنا لا يصح؛ لأن الاستثناء إنما هو فيما إذا كان بشرط القطع وقطعه، أما إذا لم يقطعه فيدخل في النهي.

الحالة الرابعة: أن يبيع ما المقصود منه مستتر جزة جزة، أو لقطة لقطة، لكن المشتري لا يأخذها في الحال، يتركها حتى تنمو، فعلى المذهب لا يصح البيع؛ لأن البيع إنما يصح فيما إذا كان سيأخذها في الحال جزة جزة أو لقطة لقطة، وعلى القول الثاني الذي أشرنا إليه في هذه المسألة أنه يجوز بيعها أصلاً وإن لم يشترط أن تكون جزة جزة، أو لقطة لقطة.

الحالة الخامسة: إذا باع ما بدا صلاحه، وهناك نوع آخر في البستان لم يبد صلاحه إلا بعد البيع، فاشتبه على المتعاقدين أي الثمار قد وقع عليها البيع، فعلى المذهب قالوا: لا يصح؛ لوجود الاشتباه، من المحتمل أن الذي يأخذه المشتري يكون من الثمار التي كانت عند العقد مما لم يبد صلاحه.

والقول الثاني في هذه المسألة: أن البيع صحيح؛ لأنه سواء أخذ هذا أو هذا فالعلة التي من أجلها منع البيع أصلاً منتفية هنا، إذ أن الثمار قد بدا صلاحها، وأمن فيها من العاهة.

الحالة السادسة: إذا أخذ عرية فأتمرت، المقصود بالعرية يعني: بيع العرايا، والعرايا أن يحتاج شخص للرطب وليس عنده نقود، فيأتي لمن عنده نخل، فيشتري منه الرطب الذي على نخله بتمر عنده، والعرايا مستثناة من بيع المزابنة؛ لأن الأصل أن مبادلة الرطب بالتمر لا تجوز لتعذر المماثلة كما سبق معنا في باب الربا والصرف، إذ لا يجوز بيع الرطب بالتمر؛ لأنهما من جنس واحد ويتعذر بينهما المماثلة، لكن استثني من النهي عن المزابنة صورة بيع العرايا.

ما هي بيع العرايا؟ أن يحتاج شخص للرطب وليس عنده نقود، وعنده تمر قوي، وهو يريد من الرطب الجديد، فيأتي إلى من عنده نخل وعليه تمر، فيبدل معه هذا التمر الذي عنده بالرطب الذي على رءوس النخل.

وبيع العرايا جائز بشروط منها: أن يكون في خمسة أوسق فأقل، وأن يكون محتاجاً للرطب، وألا يكون عنده نقود، وأن يقدر الرطب بكيله كم يساوي هذا الرطب لو كان تمراً، كم يصل من الكيل؟ فلو باع عارية -باع رطباً بتمر- وهو محتاج إلى الرطب، وأبدله بتمر عنده، لكنه بعد أن أجرى هذه المعاملة وهي العرية قال: (أو عرية فأتمرت)، صارت تمراً لم يستفد منه رطباً فإنه في هذه الحال يمنع، ويكون البيع باطلاً؛ لأن المقصود من إجازة بيع العرايا أن يستفيد من الرطب، أما إذا أتمر وصار تمراً، فإنه لا يدفع الحاجة التي من أجلها أبيح بيع العرايا.

قول المؤلف: (والكل للبائع) يعني: في الصور السابقة الست إذا بطل البيع ترجع الثمرة للبائع؛ لأن البيع قد بطل.

بيع الثمرة مطلقاً إن بدا صلاحها

قول المؤلف: [وإذا بدا ما له صلاح في الثمرة، واشتد الحب جاز بيعه مطلقاً وبشرط التبقية، وللمشتري تبقيته إلى الحصاد والجذاذ].

قول المؤلف: (وإذا بدا ما له صلاح في الثمرة) إذا بدا صلاح الثمرة يجوز بيعها مطلقاً يعني: بشرط التبقية أو بدون شرط التبقية، ويجوز بيعها كذلك بشرط التبقية، وبشرط القطع كذلك.

وكذلك إذا اشتد الحب فيجوز بيعه مطلقاً يعني: سواء مع أصله أو بدون أصله، وسواء بشرط التبقية أو بدون شرط التبقية.

قول المؤلف: (وللمشتري تبقيته إلى الحصاد والجذاذ) يعني: لا يلزم المشتري بقطعه في الحال، بل له أن ينتظر حتى يأتي وقت الحصاد والجذاذ.

لزوم سقي البائع الشجرة الأصل بعد بيع ثمرها

يقول المؤلف: [ويلزم البائع سقيه إن احتاج إلى ذلك، وإن تضرر الأصل].

يعني: يلزم البائع أن يسقي الأصل؛ لأن الشجرة تحتاج إلى سقي، فالآن عندنا شجرة عليها ثمر، الشجرة مملوكة للبائع والثمرة التي بيعت بعد بدو صلاحها مملوكة للمشتري، فالآن المشتري يريد أن يبقيها حتى يأتي وقت الجذاذ، ربما يستمر هذا لأسابيع، ففي هذه الحال يلزم البائع أن يسقي الأشجار، وكذلك إذا كان هناك حب قد بيع بعد اشتداده فيلزم البائع أن يسقيه إلا أن يكون بينهما شرط بأن يتحمل المشتري ذلك فيعمل بالشرط الذي بينهما.

الضمان عند تلف الثمار بعد البيع

يقول المؤلف: [وإن تلفت بآفة سماوية رجع على البائع، وإن أتلفه آدمي خير مشتر بين الفسخ والإمضاء ومطالبة المتلف].

إذا تلفت الثمرة التي بيعت بعد بدو صلاحها فلا تخلو من حالات:

الحالة الأولى: أن يكون تلفها بآفة سماوية كالبرد والمطر والريح والغبار ونحو ذلك، ففي هذه الحالة يتحمل هذا التلف البائع، ويرجع المشتري على البائع بما دفعه من الثمن، ودليل ذلك ما جاء في صحيح مسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح )، وضع الجوائح معناها أن يتحمل البائع الجائحة يعني: الآفة السماوية.

وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( إذا بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا تأخذ منه شيئاً، بم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق ).

الحالة الثانية: أن يكون التلف بفعل آدمي، شخص يأتي ويسرق مثلاً هذا الثمر، أو يتلفه ففي هذه الحال يخير المشتري بين أمرين، إما الفسخ أن يفسخ البيعة الأولى ويطالب البائع بالثمن، ويرجع البائع على المتلف، أو أنه يمضي العقد ويبقيه ويطالب المتلف بتعويضه عما أتلفه.

علامات بدو الصلاح في ثمار النخل والعنب

يقول المؤلف: [وصلاح بعض الشجرة صلاح لها ولسائر النوع الذي في البستان].

هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان كيفية معرفة صلاح الثمار، فإذا صلح بعض الشجرة التي في البستان فهذا صلاح، يعني: لو صلح بعض ثمار الشجرة التي في البستان فهذا يعد صلاحاً لهذه الشجرة، ولجميع الأشجار التي من هذا النوع الذي في البستان، فإذا كان عنده نخيل مثلاً وأشجار زيتون، وأشجار برتقال، فصلح بعض الثمر الذي في النخيل في نخلة واحدة بعض الثمر، فله في هذه الحال أن يبيع كل ثمار النخيل التي في بستانه، وليس له أن يبيع ثمار الزيتون ولا ثمار البرتقال، قد يكون النخيل فيها نخيل سكري وبرحي وأصناف أخرى، هنا لا يلتفت لهذا التنوع، فالنخيل كله نوع واحد وهكذا.

يقول المؤلف: [وبذو الصلاح في ثمر النخل أن تحمر أو تصفر، وفي العنب أن يتموه حلواً، وفي بقية الثمر أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله].

بدو الصلاح في ثمر النخيل أن تحمر أو تصفر، يعني: تتلون احمراراً أو اصفراراً لما جاء في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهى، قيل: يا رسول الله! وما زهوها؟ قال: أن تحمر أو تصفر ).

قول المؤلف: (وفي العنب أن يتموه حلواً) يعني: يبدأ يطيب، وعلامة ذلك أن يسود؛ لما جاء عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود وفي بقية الثمرات قال: أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله، فهذه هي علامة بدو صلاحه.

قول المؤلف: (ولا يباع ثمر قبل بدو صلاحه) يعني: إذا بيعت الثمرة وحدها دون الأصل فلا يجوز بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها؛ لما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع )؛ والحكمة من ذلك: لأن الثمرة قبل بدو صلاحها عرضة للتلف، ولا يؤمن فيها من العاهة، فيكون بيعها قبل بدو صلاحها مظنة لتلفها فتدخل في بيع الغرر فنهي عن ذلك.

وكذلك لا يباع الزرع قبل اشتداد حبه؛ لما جاء عند الخمسة إلا النسائي عن أنس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع العنب حتى يسود، والحب حتى يشتد ).

والحكمة في ذلك: أن يأمن العاهة، وهذا إذا بيع الحب أي: الزرع وحده دون الأرض، أما إذا بيع مع الأرض فلا بأس بذلك.

قول المؤلف: (ولا رطب وبقل، ولا قثاء ونحوه) يعني: الثمار التي تكون مستترة ولا تظهر أمام العيان كالمغيبات في الأرض، كالثمار التي يكون المقصود منها مغيباً في الأرض مثل الفجل والجزر ونحوها فهذه لا يجوز بيعها على المذهب وحدها دون أصلها؛ لأن المقصود منها مستتر وهو مجهول، فيكون بيعها من الغرر.

والقول الثاني في المسألة: جواز بيعها دون أصلها، وإن كانت مستترة؛ لأن ظاهرها يدل على باطنها، ويستطيع أهل الخبرة أن يعرفوا مدى صلاحها من رؤيتهم للظاهر منها؛ ولأن بيعها وحدها دون أصلها مما تدعو إليه الحاجة إذ يشق على البائع إذا أراد بيع شيء منها أن يقتلعها أو يخرجها من أصلها، ويشق كذلك أن يبيعها مع أصلها في كل مرة، والغرر يجوز عند الحاجة، كما ذكرنا ذلك في ضوابط الغرر فيما تقدم.

إذاً: هنا ذكر ثلاث مسائل يحرم فيها بيع الثمار:

بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، وبيع الحب قبل اشتداده، وبيع ما كان المقصود منه مستتراً فهذه لا يجوز بيعها دون أصلها، أما إذا بيع شيء منها مع أصله فيجوز.

فإذا بيعت الثمرة قبل بدو صلاحها مع الأصل، يعني: شجرة فيها ثمر لم يبد صلاحه بيعت الشجرة بأكملها، نخلة فيها تمر لم يبد صلاحه، فهذا البيع جائز؛ لأن المجهول -وهو الثمر الذي لم يبد صلاحه- جاء تبعاً، وليس مقصوداً بذاته، ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترطها المبتاع ) ومفهوم الحديث أنه إذا بيعت قبل أن تؤبر فهي للمشتري، ومن المعلوم أنها إذا بيعت قبل أن تؤبر فهي قطعاً لم يبد صلاحها.

أيضاً الحب الذي يكون في الزرع إذا بيع مع أرضه فإنه يصح؛ لأنه حتى وإن كان الحب لم يشتد؛ فإنه جاء تبعاً، وكذلك الرطبة والبقل والقثاء ونحوها مما المقصود منه مستتر يجوز بيعه مع أصله؛ لأن المجهول هنا جاء تبعاً. وهذه حالة من حالات الاستثناء: إذا بيع مع أصله.

حالة أخرى أيضاً من حالات الاستثناء: إذا بيع الثمر قبل بدو صلاحه بشرط القطع في الحال، كمن باع ثمرة لوحدها دون أصلها قبل أن يبدو صلاحها بشرط أن يقطعها المشتري في الحال؛ لأن المشتري يريدها مثلاً علفاً لبهائمه، فهنا يجوز بيعها وإن لم يبد صلاحها دون أصلها؛ لأن المقصود من النهي هو الخوف من الآفة والتلف، وهذا المحذور منتف هنا؛ لأنه سيقطعها في الحال.

قول المؤلف: (أو جزة جزة) إذا كان مشتري الرطب ونحوها، والبقل ونحوه مما هو مستتر في أصله سيأخذ الجزة الظاهرة فقط دون ما هو باطن، فيأخذ الأشياء الظاهرة، ففي هذه الحالة يجوز بيعه.

(أو لقطة لقطة) إذا كان سيأخذ المقصود منه المستتر في الأرض لقطة لقطة، يعني: يأخذ اللقطة الظاهرة وحدها دون اللقطة الباطنة بحيث يتفق المشتري مع البائع على أن يأخذ الباذنجان الذي قد ظهر وتبين استواؤه، أو يأخذ البقل الذي ظهر وتبين استواؤه فهذا جائز، أما إذا باعه جميعاً الظاهر منه والباطن فعلى المذهب لا يصح، وسبق بيان الخلاف فيها.

قال: (والحصاد) أي: حصاد الثمر، (والجذاذ) أي: جذاذها، (واللقاط) أي: لقطها (على المشتري)؛ لأنه هو الذي سينتفع بها فمئونتها عليه، إلا أن يكون بينهما شرط بأن يتحمل البائع الحصاد والجذاذ واللقاط فتكون على البائع.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
زاد المستقنع - كتاب البيع [4] 1782 استماع
زاد المستقنع - كتاب البيع [3] 1615 استماع
زاد المستقنع - كتاب البيع [5] 1386 استماع
زاد المستقنع - كتاب البيع [2] 866 استماع