كتاب الصلاة [5]


الحلقة مفرغة

الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

قال المصنف رحمه الله: [ الباب الثاني في معرفة الأذان والإقامة.

هذا الباب ينقسم أيضاً إلى فصلين:

الأول: في الأذان. والثاني: في الإقامة.

الفصل الأول هذا الفصل ينحصر الكلام فيه في خمسة أقسام:

الأول: في صفته.

الثاني: في حكمه.

الثالث: في وقته.

الرابع: في شروطه.

الخامس: فيما يقوله السامع له.

القسم الأول من الفصل الأول من الباب الثاني: في صفة الأذان ].

أقوال العلماء في صفات الأذان المشهورة

قال المصنف رحمه الله: [ اختلف العلماء في الأذان على أربع صفات مشهورة:

إحداها: تثنية التكبير فيه، وتربيع الشهادتين، وباقيه مثنى، وهو مذهب أهل المدينة: مالك وغيره، واختار المتأخرون من أصحاب مالك التربيع، وهو أن يثني الشهادتين أولاً خفياً، ثم يثنيهما مرةً ثانية مرفوع الصوت ].

ومعنى التكبير مرتين، أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله.. أشهد أن محمداً رسول الله بصوت خفي، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، يعني: مرة يسمع بها نفسه ومن كان قريباً منه، والمرة الثانية يرفع بها صوته، وهذا يسمى الترجيع في الأذان.

الصفة الثانية: أذان المكيين، وبه قال الشافعي ، وهو تربيع التكبير الأول والشهادتين وتثنية باقي الأذان ].

فالتكبير الأول أربع، ولكن مرفوعة الصوت، والشهادتين أربع لكن مرتين مرفوعة بالصوت، ومرة غير مرفوعة، وقد تكلم الفقهاء في سر عدم الرفع، ثم الرفع، فقالوا: السر في ذلك أن الإسلام كان أولاً سراً، ثم بعد ذلك ظهر علانية، وقالوا: إن التربيع كان في أذان أبي محذورة ، وليس في أذان بلال ، والسر في ذلك: أن أبا محذورة كان يؤذن بمكة، عندما كان الإسلام سراً، وبعد الفتح أذن علانية.

ومذهب الشافعي في الشهادتين أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله سراً ثم بعد ذلك يرفع بهما صوته، هذا مذهب الشافعي و مالك .

إذاً فمذهب الشافعي يخالف مذهب مالك في التكبير، لأن التكبير عند المالكية مرتين، وعند الشافعية أربع.

[ والصفة الثالثة: أذان الكوفيين، وهو تربيع التكبير الأول، وتثنية باقي الأذان، وبه قال أبو حنيفة ] و أحمد .

فليس عندهم ترجيع في التربيع، وهم يوافقون الشافعية في التكبير.

[ والصفة الرابعة: أذان البصريين، وهو تربيع التكبير الأول، وتثليث الشهادتين، وحي على الصلاة، وحي على الفلاح، يبدأ بأشهد أن لا إله إلا الله، حتى يصل إلى حي على الفلاح ] مرة لكل واحدة، ثم يرجع مرة مرة مرة، ثم يرجع مرة مرة مرة.

فهذه صفة أذان البصريين.

[ ثم يعيد كذلك مرةً ثانية، أعني: الأربع كلمات تبعاً، ثم يعيدهن ثالثة، وبه قال الحسن البصري و ابن سيرين ].

سبب الخلاف في صفة الأذان

قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلاف كل واحد من هؤلاء الأربع فرق: اختلاف الآثار في ذلك، واختلاف اتصال العمل عند كل واحد منهما ]، يعني: أنه ورد أثر عند كل فريق واتصل به العمل عندهم، فاعتمد كل فريق على ذلك وقال به.

[ وذلك أن المدنيين يحتجون لمذهبهم بالعمل المتصل بذلك في المدينة، والمكيون كذلك أيضاً يحتجون بالعمل المتصل عندهم بذلك، وكذلك الكوفيون والبصريون، ولكل واحد منهم آثار تشهد لقوله.

أما تثنية التكبير في أوله على مذهب أهل الحجاز فروي من طرق صحاح عن أبي محذورة ]. ولكنه قال في التعليق: أن رواية التثنية في التكبير عن أبي محذورة وردت من طرق صحيحة في الظاهر، إلا أن جميعها معلولة؛ لأن فيها غلطاً من بعض الرواة، فلهذا كانت ضعيفة لهذا السبب.

[ وعبد الله بن زيد الأنصاري ] كذلك روى رواية مذهب مالك ، ولكنه قال: رواية التثنية في التكبير لا تصح عن عبد الله بن زيد ، بل هي باطلة عنه؛ لأنها إنما وقعت غلطاً من بعض الرواة.

إذاً فالحديث الذي فيه تثنية التكبير لم يصح.

[ وتربيعه أيضاً مروي عن أبي محذورة ] وهو حديث صحيح، ومعنى التربيع: التكبير أربعاً [ من طرق أخرى، وعن عبد الله بن زيد ]، وهو كذلك حديث حسن حسنه الألباني في الإرواء.

[ قال الشافعي : وهي زيادة يجب قبولها مع اتصال العمل بها بمكة.

وأما الترجيع الذي اختاره المتأخرون من أصحاب مالك فروي من طريق أبي قدامة ، قال أبو عمر].

يعني: ابن عبد البر : [ و أبو قدامة عندهم ضعيف ]. ولكنه قال: قد صحح الحديث؛ لما له من المتابعات.

[ وأما الكوفيون ] القائلون بالتربيع من غير ترجيع، [ فبحديث أبي ليلى ، وفيه: ( أن عبد الله بن زيد رأى في المنام رجلاً قام على خرم حائط، وعليه بردان أخضران، فأذن مثنى، وأقام مثنى، وأنه أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بلال فأذن مثنى، وأقام مثنى ) ]. قال ابن حزم في حديث ابن أبي ليلى : وهذا إسناده صحيح وغاية في الصحة لشواهده.

[ والذي خرجه البخاري في هذا الباب إنما هو من حديث أنس فقط وهو: ( أن بلالاً أمر أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة ) ] وحديث أنس هذا أخرجه البخاري و مسلم .

وشفع الأذان يعني: في أخصره، ويوتر الإقامة يعني: في أكثرها.

[ وخرج مسلم عن أبي محذورة على صفة أذان الحجازيين.

ولمكان هذا التعارض الذي ورد في الأذان رأى أحمد بن حنبل و داود : أن هذه الصفات المختلفة إنما وردت على التخيير لا على الإيجاب واحدة منها ].

الراجح في اختلاف الصفات المشهورة في الأذان

والراجح، أنها وردت على التخيير، وهذا ما يسمى باختلاف التخيير، ليس باختلاف الإيجاب بل سببه اختلاف التخيير.

وهذا يعني أن الأذان يجوز بهذه الصفة.

[ وأن الإنسان مخير فيها ].

أقوال العلماء في التثويب في صلاة الصبح (الصلاة خير من النوم)

واختلفوا في قول المؤذن في صلاة الصبح: الصلاة خير من النوم، هل يقال فيها أم لا؟ فذهب الجمهور ] وهم: مالك و الشافعي و أحمد [ إلى أنه يقال ذلك فيها.

وقال آخرون: إنه لا يقال؛ لأنه ليس من الأذان المسنون ].

أما أبو حنيفة فقال: ما بين الأذان والإقامة، يقول: الصلاة خير من النوم فالمذاهب ثلاثة: الأول: يقولها وهو مذهب مالك و أحمد و الشافعي ، الثاني: لا يقولها مطلقاً وهو مذهب جماعة، الثالث: يقولها ما بين الأذان والإقامة.

[ وبه قال الشافعي ] والراجح في المذهب خلافه، وهو أنه إذا ثوب في الأول لم يثوب في الثاني، هذا هو المقرر في مذهب الشافعي .

سبب الخلاف في التثويب في أذان الفجر

[ وسبب اختلافهم: اختلافهم هل قيل ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أو إنما قيل في زمن عمر ؟ ].

وسبب الخلاف هذا غريب جداً؛ فإن قول ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم معلوم، وروي من أوجه عديدة، منها: حديث أبي محذورة ، وهو حديث صحيح، ومن حديث ابن عمر وفيه: ( كان في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم.. الصلاة خير من النوم )، وإسناده حسن كما قال الحافظ . فالتثويب يشرع في الأذان الأول للصبح الذي يكون قبل دخول الوقت بنحو ربع ساعة تقريباً؛ لحديث ابن عمر المتقدم، وهذا هو الراجح.

وما ورد من حديث أنس من السنة: ( إذا قال المؤذن في الفجر: حي على الفلاح، قال: الصلاة خير من النوم )، رواه ابن خزيمة ، و الدارقطني ، وقال البيهقي : إسناده صحيح؛ فإنه محتمل للأول والثاني، ورواية ابن عمر مبينة لأحد الاحتمالين فتقدم؛ لأنه هنا قال: ( من السنة أن يقول في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم ). لكن قال في حديث ابن عمر : إنما يشرع التثويب، ثم قال بعده: (كان في الأذان الأول بعد الفلاح)، وهذا قال: من السنة في أذان الفجر.

قال المصنف رحمه الله: [ اختلف العلماء في الأذان على أربع صفات مشهورة:

إحداها: تثنية التكبير فيه، وتربيع الشهادتين، وباقيه مثنى، وهو مذهب أهل المدينة: مالك وغيره، واختار المتأخرون من أصحاب مالك التربيع، وهو أن يثني الشهادتين أولاً خفياً، ثم يثنيهما مرةً ثانية مرفوع الصوت ].

ومعنى التكبير مرتين، أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله.. أشهد أن محمداً رسول الله بصوت خفي، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، يعني: مرة يسمع بها نفسه ومن كان قريباً منه، والمرة الثانية يرفع بها صوته، وهذا يسمى الترجيع في الأذان.

الصفة الثانية: أذان المكيين، وبه قال الشافعي ، وهو تربيع التكبير الأول والشهادتين وتثنية باقي الأذان ].

فالتكبير الأول أربع، ولكن مرفوعة الصوت، والشهادتين أربع لكن مرتين مرفوعة بالصوت، ومرة غير مرفوعة، وقد تكلم الفقهاء في سر عدم الرفع، ثم الرفع، فقالوا: السر في ذلك أن الإسلام كان أولاً سراً، ثم بعد ذلك ظهر علانية، وقالوا: إن التربيع كان في أذان أبي محذورة ، وليس في أذان بلال ، والسر في ذلك: أن أبا محذورة كان يؤذن بمكة، عندما كان الإسلام سراً، وبعد الفتح أذن علانية.

ومذهب الشافعي في الشهادتين أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله سراً ثم بعد ذلك يرفع بهما صوته، هذا مذهب الشافعي و مالك .

إذاً فمذهب الشافعي يخالف مذهب مالك في التكبير، لأن التكبير عند المالكية مرتين، وعند الشافعية أربع.

[ والصفة الثالثة: أذان الكوفيين، وهو تربيع التكبير الأول، وتثنية باقي الأذان، وبه قال أبو حنيفة ] و أحمد .

فليس عندهم ترجيع في التربيع، وهم يوافقون الشافعية في التكبير.

[ والصفة الرابعة: أذان البصريين، وهو تربيع التكبير الأول، وتثليث الشهادتين، وحي على الصلاة، وحي على الفلاح، يبدأ بأشهد أن لا إله إلا الله، حتى يصل إلى حي على الفلاح ] مرة لكل واحدة، ثم يرجع مرة مرة مرة، ثم يرجع مرة مرة مرة.

فهذه صفة أذان البصريين.

[ ثم يعيد كذلك مرةً ثانية، أعني: الأربع كلمات تبعاً، ثم يعيدهن ثالثة، وبه قال الحسن البصري و ابن سيرين ].


استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب الزكاة [9] 2957 استماع
كتاب الزكاة [1] 2913 استماع
كتاب الطهارة [15] 2906 استماع
كتاب الطهارة [3] 2619 استماع
كتاب الصلاة [33] 2567 استماع
كتاب الصلاة [29] 2416 استماع
كتاب الطهارة [6] 2397 استماع
كتاب أحكام الميت [3] 2389 استماع
كتاب الطهارة [2] 2365 استماع
كتاب الصلاة [1] 2328 استماع