كتاب الطهارة [21]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

قال المصنف رحمه الله: [ الباب الثاني: في معرفة نواقض هذه الطهارة ] يعني: نواقض الغسل [ والأصل في هذا الباب قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، وقوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222]. الآية ].

نواقض الغسل المتفق عليها

قال رحمه الله: [ واتفق العلماء على وجوب هذه الطهارة من حدثين أحدهما: خروج المني على وجه الصحة في النوم أو في اليقظة يعني بتدفق ولذة سواء [ من ذكر كان أو أنثى، إلا ما روي عن النخعي من أنه كان لا يرى على المرأة غسلاً من الاحتلام لكن هذا القول شاذ وإنما اتفق الجمهور على مساواة المرأة في الاحتلام للرجل لحديث أم سلمة الثابت أنها قالت: ( يا رسول الله، المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل هل عليها غسل؟ قال: نعم، إذا رأت الماء ). أخرجه البخاري و مسلم ، وأما الحدث الثاني الذي اتفقوا أيضاً عليه فهو دم الحيض (أعني: إذا انقطع)، وذلك أيضاً لقوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ [البقرة:222].. الآية، ولتعليمه الغسل من الحيض لـعائشة ] لتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم لها وغيرها من النساء ]، كـفاطمة بنت أبي جهل .

إذاً اتفقوا على أنه إذا خرج المني على سبيل الصحة ليس على سبيل المرض أو البرد فإنه يجب فيه الغسل، وكذلك إذا انقطع الحيض فإنه يوجب الغسل.

خلاف العلماء في حكم الاغتسال من التقاء الختانين

[ واختلفوا في هذا الباب مما يجري مجرى الأصول في مسألتين مشهورتين ].

الأولى: الغسل من التقاء الختانين من غير إنزال.

[ اختلف الصحابة رضي الله عنهم في سبب إيجاب الطهر من الوطء، فمنهم من رأى الطهر واجباً في التقاء الختانين أنزل أو لم ينزل، وعليه أكثر فقهاء الأمصار: مالك وأصحابه، و الشافعي وأصحابه ].

وكذلك أبو حنيفة و أحمد [ وجماعة من أهل الظاهر ]، فهؤلاء جميعاً قالوا: يجب الغسل إذا التقى الختانان، أنزل أو لم ينزل.

[وذهب قوم من أهل الظاهر إلى إيجاب الطهر مع الإنزال فقط ].

ومسألة التقاء الختانين قد تشكل على بعض الناس فقد يقول قائل كما في الحديث: ( إذا مس الختان أو ألزق الختان بالختان )، فيقول: إنه إذا مس الذكر ختان المرأة وجب الغسل، وهو ليس كذلك، إنما معناه: أولج الحشفة في الفرج، أما المماسة من غير إيلاج فهذا لا يجب فيه الغسل.

سبب اختلاف العلماء في حكم الاغتسال من التقاء الختانين

قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم في ذلك تعارض الأحاديث في ذلك ]، يعني أحاديث وردت في إيجاب الغسل بمجرد التقاء الختانين، وأحاديث وردت بأنه لا يجب إلا إذا أنزل.

[ لأنه ورد في ذلك حديثان ثابتان اتفق أهل الصحيح على تخريجهما قال القاضي رضي الله عنه ]، مراده بالقاضي هنا: ابن رشد .

[ ومتى قلت: ثابت، فإنما أعني به ما أخرجه البخاري أو مسلم ، أو ما اجتمعا عليه ].

فمنهج ابن رشد في الحديث إذا قال فيه: ثابت فإما أن يكون: اتفق عليه البخاري و مسلم ، أو أخرجه أحدهما.

[ أحدهما: حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا قعد بين شعبها الأربع وألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل ) ].

والحديث بهذا اللفظ لم يخرجاه في الصحيحين ولا في أحدهما، أما الحديث الذي أخرجاه في الصحيحين فهو: ( إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جاهدها فقد وجب الغسل )، زاد مسلم : ( إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جاهدها وجب الغسل وإن لم ينزل )، زيادة (وإن لم ينزل).

[والحديث الثاني: حديث عثمان (أنه سئل فقيل له: ( أرأيت الرجل إذا جامع أهله ولم يمن؟ قال عثمان : يتوضأ كما يتوضأ للصلاة سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ]، فهذا الحديث لا يوجب الغسل، وقد أخرجه البخاري و مسلم .

مذاهب العلماء في الجمع بين حديثي أبي هريرة وعثمان في الغسل من التقاء الختانين

قال المصنف رحمه الله: [ فذهب العلماء في هذين الحديثين مذهبين: أحدهما: مذهب النسخ، وذلك أن حديث أبي هريرة ناسخ لحديث عثمان ، [ الثاني: مذهب الرجوع إلى ما عليه الاتفاق عند التعارض الذي لا يمكن الجمع فيه ولا الترجيح ]، يعني: فإذا تعارض الحديثان ولا يمكن الجمع بينهما ولا الترجيح؛ فنذهب إلى ما أجمعوا عليه وهو إنزال المني إذا التقى الختانين.

[ فالجمهور رأوا أن حديث أبي هريرة ناسخ لحديث عثمان ، وحجتهم على ذلك ما روي عن أبي بن كعب أنه قال: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل ذلك رخصة في أول الإسلام، ثم أمر بالغسل )، أخرجه أبو داود ]، والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .

فهذا الحديث فيه دلالة صريحة على أن حديث عثمان منسوخ.

[ أما من رأى أن التعارض بين هذين الحديثين هو مما لا يمكن الجمع فيه بينهما ولا الترجيح، فوجب الرجوع عنده إلى ما عليه الاتفاق، وهو وجوب الماء من الماء.. ] بمعنى أنه إذا جامع فأنزل وجب عليه الغسل وإذا جامع ولم ينزل لم يجب [ وقد رجح الجمهور حديث أبي هريرة من جهة القياس، قالوا: وذلك أنه لما وقع الإجماع على أن مجاورة الختانين توجب الحد ] بمعنى إيلاج الحشفة [ وجب أن يكون هو الموجب للغسل ] أي: ما دام أنه إذا أولج الحشفة وجب عليه الحد، فكذلك أيضاً يجب الغسل [ وحكوا أن هذا القياس مأخوذ عن الخلفاء الأربعة، ورجح الجمهور ذلك أيضاً من حديث عائشة لإخبارها ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. خرجه مسلم ].

والحديث الذي أخرجه مسلم فيه أنه ( اختلف الأنصار والمهاجرون، هل يجب الغسل عند التقاء الختانين أو لا يجب إلا إذا أنزل؟ فقال أبو موسى : أنا أفتيكم ذلك، فذهب إلى عائشة وقال: يا أماه، إن عندي سؤالاً وأستحي أن أسألك! فقالت: إنما أنا أمك فاسأل، فسألها، فقالت: على الخبير سقطت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جلس بين شعبها الأربع وجاهدها فقد وجب الغسل ).

وحديث آخر عن عائشة : ( أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت الرجل يجامع أهله ثم يكسل، هل يجب عليه الغسل؟ فقال: أفعله أنا وهذه ونغتسل )، وكانت عائشة عنده، ففي هذين الحديثين دلالة صريحة على وجوب الغسل وإن لم ينزل.

الراجح في حكم الاغتسال من التقاء الختانين وإن لم ينزل

الراجح وجوب الغسل من التقاء الختانين وإن لم ينزل كما في الأحاديث الواردة في ذلك، منها حديث أبي هريرة المتفق عليه: ( إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جاهدها فقد وجب الغسل )، زاد مسلم : ( وإن لم ينزل )، وحديث عائشة عند مسلم : لما اختلف الأنصار والمهاجرون في ذلك فسألها أبو موسى ، فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل )، وحديثها عند مسلم قالت: ( إن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل، هل عليهما الغسل؟ و عائشة جالسة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل )، فهذه الأحاديث كلها دالة على وجوب الاغتسال.

وأما حديث (الماء من الماء) عند مسلم فالجواب عليه من خمسة أوجه:

الأول: أنه مفهوم مخالفة، وهذه الأحاديث دلالة منطوق، فهي مقدمة عليه؛ لأن قوله: (الماء من الماء) قد يفهم منه أنه إذا لم ينزل الماء فلا غسل، فهو مفهوم مخالفة، لكن هذه الأحاديث دلالة منطوق.

الثاني: أنه لو كان في بعض رواياته دلالة منطوق، مثل: ( إنما الماء من الماء )، فقد قال الحافظ : فهذه الأحاديث أصرح منه دلالة.

الثالث: قال البخاري : العمل بها أحوط، وذلك آخر الأمر، يعني العمل بالأحاديث التي أوجبت الغسل.

الرابع: أنه منسوخ، ويدل على ذلك ما رواه أحمد وغيره: عن سهل بن سعد قال: حدثني أبي بن كعب أن الفتيا التي كانوا يقولون: ( إنما الماء من الماء رخصة )، ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص بها في أول الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد )، صححه ابن خزيمة و الإسماعيلي وقد أعله الحافظ في الفتح، قال: فيه انقطاع لكون الزهري لم يسمعه من سهل ، ثم قال: وفي الجملة فهو إسناد صالح للاحتجاج، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ، وهو صريح في النص.

الخامس: روى ابن أبي شيبة وغيره عن ابن عباس حمل حديث الماء من الماء على صورة مخصوصة، وهي ما يقع من رؤية الجماع.

قال رحمه الله: [ واتفق العلماء على وجوب هذه الطهارة من حدثين أحدهما: خروج المني على وجه الصحة في النوم أو في اليقظة يعني بتدفق ولذة سواء [ من ذكر كان أو أنثى، إلا ما روي عن النخعي من أنه كان لا يرى على المرأة غسلاً من الاحتلام لكن هذا القول شاذ وإنما اتفق الجمهور على مساواة المرأة في الاحتلام للرجل لحديث أم سلمة الثابت أنها قالت: ( يا رسول الله، المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل هل عليها غسل؟ قال: نعم، إذا رأت الماء ). أخرجه البخاري و مسلم ، وأما الحدث الثاني الذي اتفقوا أيضاً عليه فهو دم الحيض (أعني: إذا انقطع)، وذلك أيضاً لقوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ [البقرة:222].. الآية، ولتعليمه الغسل من الحيض لـعائشة ] لتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم لها وغيرها من النساء ]، كـفاطمة بنت أبي جهل .

إذاً اتفقوا على أنه إذا خرج المني على سبيل الصحة ليس على سبيل المرض أو البرد فإنه يجب فيه الغسل، وكذلك إذا انقطع الحيض فإنه يوجب الغسل.




استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب الزكاة [9] 2956 استماع
كتاب الزكاة [1] 2915 استماع
كتاب الطهارة [15] 2908 استماع
كتاب الطهارة [3] 2620 استماع
كتاب الصلاة [33] 2567 استماع
كتاب الصلاة [29] 2417 استماع
كتاب الطهارة [6] 2397 استماع
كتاب أحكام الميت [3] 2388 استماع
كتاب الطهارة [2] 2366 استماع
كتاب الصلاة [1] 2328 استماع