الصيام فضائل وأحكام


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.

اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.

أما بعد:

فأحمد الله الذي جمعنا في هذا المجلس المبارك، وأسأل الله سبحانه كما جمعنا فيه أن يجمعنا في جنات النعيم، وأن يرزقنا لذة النظر إلى وجهه الكريم، وأن يجعلنا إخواناً على سرر متقابلين.

لا يخفى عليكم بأن هذه الليلة هي ليلة التاسع عشر من شعبان، وليس بيننا وبين رمضان سوى أيام معدودات، نسأل الله عز وجل أن يبلغنا أيامه، وأن يعيننا على صيامه وقيامه.

التهنئة بقدوم شهر رمضان

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسن الاستعداد لرمضان، فكان يبشر أصحابه في آخر يوم من شعبان، فيقول لهم: ( قد أظلكم شهر كريم مبارك، افترض الله عليكم صيامه، وسن لكم قيامه، وهو شهر الصبر، والصبر جزاؤه الجنة، وشهر يزاد فيه في رزق المؤمن، من فطر فيه صائماً كان له مثل أجره، وكان عتقاً لرقبته من النار، وهو شهر المواساة، من وفق فيه إلى خصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ).

وكان صلى الله عليه وسلم يهيئ أصحابه رضوان الله عليهم لاغتنام أيام هذا الشهر المبارك ولياليه في طاعة ربهم، فكان يقول لهم: ( أعطيت أمتي في رمضان خمس خصال لم تعطهن أمة من الأمم قبلها: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله عز وجل في كل يوم جنته، ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة والأذى ويصيروا إليك، وتصفد مردة الشياطين، ويغفر لهم في آخر ليلة من رمضان، قيل: يا رسول الله! أهي ليلة القدر؟ قال: لا، وإنما يعطى الأجير أجره إذا وفّى عمله ).

أيها الإخوة الكرام! من حسن الاستعداد لرمضان أن يتعلم الناس أحكام الصيام، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً على أن يبين للناس فضائل رمضان، وأن يبين لهم فرائض رمضان، ومستحبات رمضان، ومكروهات رمضان، ومبطلات الصيام، وكان صلوات ربي وسلامه عليه في ذلك كله نعم المعلم والمؤدب.

فضل شهر رمضان على غيره من الشهور

ولا بد أن نعلم أيها الإخوة الكرام! أن لله عز وجل خواصاً في الأزمنة والأمكنة والأحداث والأشخاص، وأنه جل جلاله يميز ما شاء بما شاء، فكما أنه ميز مكة على سائر البلاد، وميز محمداً صلى الله عليه وسلم على سائر الناس، وميز جبريل على سائر الملائكة، كذلك في الأزمنة ميز يوم الجمعة على سائر أيام الأسبوع، وميز ليلة القدر على سائر الليالي، وميز شهر رمضان على سائر الشهور، قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].

فالمسلم لا بد أن يدرك أن هذا الشهر لا كغيره من الشهور، فالحسنة في رمضان لا كالحسنة في سائر الأزمان، كما أن السيئة في رمضان لا كالسيئة في سائر الشهور، فرمضان هو الشهر الذي تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتصفد فيه مردة الشياطين.

هو الشهر الذي اختصه الله عز وجل بنزول الوحي، وهو الشهر الذي نصر الله فيه الحق وأهله، وخذل الباطل وجنده في بدر وفي فتح مكة، وفي اليرموك وفي شقحب وفي الزلاقة، وفي حطين وفي غيرها من أيام الله التي كان للإسلام والمسلمين فيها نصر عظيم.

ورمضان كذلك أيها الإخوة الكرام! هو الشهر الذي وعد الله فيه من أخلص العمل بمغفرة الذنوب، قال صلى الله عليه وسلم: ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ).

اغتنام رمضان بالأعمال الصالحة

فلذلك كل إنسان يستعد ويضع لنفسه خطة وبرنامجاً من أجل أن يغتنم الأيام والليالي والساعات والدقائق والثواني، ولا يفوته من رمضان شيء، فيكون ما بين صلاة وذكر، وقرآن، وصدقة، وتفطير للصائمين، وحضور في مجالس العلم، وقيام لله عز وجل بالليل، وصلة للأرحام، وإحسان للجيران، وكف للسان، وحفظ للسمع، وغض للبصر، واشتغال بما يحبه الله ويرضاه، ولذلك كان الصالحون من هذه الأمة إذا دخل رمضان يقول قائلهم: إنما هما خصلتان إطعام الطعام، وقراءة القرآن.

أما إطعام الطعام؛ فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر ( أن من فطر صائماً كان له مثل أجره، فقال الصحابة: يا رسول الله! ليس كلنا يجد ما يفطر به صائماً؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ولو على تمرة، ولو على مذقة لبن، ولو على جرعة ماء )، فلو أنك فطرت صائماً على جرعة ماء فإن الله يكتب لك مثلما كتب له من الأجر والثواب، ومن فطر صائمين، أو من فطر عشرة، أو فطر مائة أو ألفاً، أو من فطر مائة ألف يكتب الله له مثل ما كتب لهم، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، وليس بالضرورة أن يكون الطعام فاخراً، ولا أن تكون الأنواع متعددة، بل لو فطرته على تمرة، أو على مذقة لبن، أو على جرعة ماء، يكتب الله لك مثلما كتب له من الأجر والثواب.

والخصلة الثانية: قراءة القرآن، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة )، كان عليه الصلاة والسلام في رمضان يتدارس القرآن مع جبريل، ولا يخفى عليكم أن المدارسة أعم من التلاوة أو التسميع، المدارسة معناها: أن بينه وبين جبريل تدبراً، ومذاكرة، واستعادة لأجل الحفظ، وأيضاً بينه وبين جبريل ترتيل وتجويد وبيان وتفسير إلى غير ذلك من معاني المدارسة.

الاهتمام بقراءة القرآن في رمضان

وأفضل ما يشغل به الوقت في رمضان قراءة القرآن؛ ولذلك كان أهل العلم وأئمة السلف إذا دخل رمضان طووا كتبهم، فلا يشتغلون بالحديث، ولا يشتغلون بالفقه، ولا يشتغلون بفروع العلم، وإنما يقبلون على القرآن، حتى ذكروا عن الإمام العلم أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي كما نقله الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء وصح عنه ذلك: أنه كان له في رمضان ستون ختمة، كان يختم القرآن في رمضان ستين مرة، يعني: له في كل يوم ختمة، وفي كل ليلة ختمة.

وبعض الناس قد يستغرب ويقول: كيف ذلك؟ نقول: ما كانوا يشتغلون بشيء سوى القرآن، يعني: ما كانوا يشتغلون لا بمسابقات، ولا مباريات، ولا مسلسلات، ولا فوازير، ولا أفلام، ولا جرائد، ولا مجلات، ولا مجالس للغو واللهو، ولا يشتغلون بما لا يعنيهم، ولا يشتغلون بالأسواق ولا بالبيع والشراء، وإنما كانوا يقبلون على القرآن بالليل والنهار، بل حتى من كان دون الشافعي تقىً وهدى، كمثل الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بن مروان فقد ذكر ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية أنه كان له في رمضان سبع عشرة ختمة، يعني: كان يختم القرآن في رمضان سبع عشرة مرة، ولذلك من الآن وقت لنفسك كم مرة ستختم القرآن في رمضان، هل سيكون لك في كل ثلاث ختمة، أو في كل خمس ختمة، أو في كل ست ختمة، أو في كل سبع ختمة، فالناس في ذلك ما بين مقل ومستكثر، والموفق هو الحال المرتحل، الذي كلما ختم بدأ، يفعل ذلك مرة بعد مرة، هذا هو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، له مع القرآن شأن عجيب.

ومن رحمة الله عز وجل أنه شرع لنا قراءة القرآن على سائر الأحوال، فيمكنك أن تقرأ القرآن قائماً، وقاعداً، وماشياً، وراكباً، ومضطجعاً، ويمكنك أن تقرأ القرآن في الخلوة والجلوة، وإذا كنت وحدك أو كنت بين الناس، تقرأ القرآن في المسجد وفي السوق، وفي كل مكان يلهج لسانك بالقرآن، ولا تظن أن الله عز وجل مضيع من عملك شيئاً، ولما ( سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قرأ: (قل هو الله أحد) عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة )، فـعمر رضي الله عنه بدأ يحسب كم مرة يستطيع في كل ساعة أن يقرأ هذه السورة المباركة، ( فقال: يا رسول الله! إذاً تكثر قصورنا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكثر وأطيب )، قال ابن كثير رحمه الله: وهذا الحديث إسناده جيد.

فانظر أيها الأخ الكريم! لو أنك في سيارتك أو في وسيلة المواصلات، أو كنت راجلاً تمشي على رجليك، كم مرة تستطيع أن تردد هذه السورة المباركة، (قل هو الله أحد)، كم مرة تستطيع أن تردد سورة الفاتحة، وما منا واحد إلا وهو حافظ لها والحمد لله، قال صلى الله عليه وسلم: ( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألف لام ميم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف ).

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسن الاستعداد لرمضان، فكان يبشر أصحابه في آخر يوم من شعبان، فيقول لهم: ( قد أظلكم شهر كريم مبارك، افترض الله عليكم صيامه، وسن لكم قيامه، وهو شهر الصبر، والصبر جزاؤه الجنة، وشهر يزاد فيه في رزق المؤمن، من فطر فيه صائماً كان له مثل أجره، وكان عتقاً لرقبته من النار، وهو شهر المواساة، من وفق فيه إلى خصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ).

وكان صلى الله عليه وسلم يهيئ أصحابه رضوان الله عليهم لاغتنام أيام هذا الشهر المبارك ولياليه في طاعة ربهم، فكان يقول لهم: ( أعطيت أمتي في رمضان خمس خصال لم تعطهن أمة من الأمم قبلها: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله عز وجل في كل يوم جنته، ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة والأذى ويصيروا إليك، وتصفد مردة الشياطين، ويغفر لهم في آخر ليلة من رمضان، قيل: يا رسول الله! أهي ليلة القدر؟ قال: لا، وإنما يعطى الأجير أجره إذا وفّى عمله ).

أيها الإخوة الكرام! من حسن الاستعداد لرمضان أن يتعلم الناس أحكام الصيام، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً على أن يبين للناس فضائل رمضان، وأن يبين لهم فرائض رمضان، ومستحبات رمضان، ومكروهات رمضان، ومبطلات الصيام، وكان صلوات ربي وسلامه عليه في ذلك كله نعم المعلم والمؤدب.

ولا بد أن نعلم أيها الإخوة الكرام! أن لله عز وجل خواصاً في الأزمنة والأمكنة والأحداث والأشخاص، وأنه جل جلاله يميز ما شاء بما شاء، فكما أنه ميز مكة على سائر البلاد، وميز محمداً صلى الله عليه وسلم على سائر الناس، وميز جبريل على سائر الملائكة، كذلك في الأزمنة ميز يوم الجمعة على سائر أيام الأسبوع، وميز ليلة القدر على سائر الليالي، وميز شهر رمضان على سائر الشهور، قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].

فالمسلم لا بد أن يدرك أن هذا الشهر لا كغيره من الشهور، فالحسنة في رمضان لا كالحسنة في سائر الأزمان، كما أن السيئة في رمضان لا كالسيئة في سائر الشهور، فرمضان هو الشهر الذي تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتصفد فيه مردة الشياطين.

هو الشهر الذي اختصه الله عز وجل بنزول الوحي، وهو الشهر الذي نصر الله فيه الحق وأهله، وخذل الباطل وجنده في بدر وفي فتح مكة، وفي اليرموك وفي شقحب وفي الزلاقة، وفي حطين وفي غيرها من أيام الله التي كان للإسلام والمسلمين فيها نصر عظيم.

ورمضان كذلك أيها الإخوة الكرام! هو الشهر الذي وعد الله فيه من أخلص العمل بمغفرة الذنوب، قال صلى الله عليه وسلم: ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ).

فلذلك كل إنسان يستعد ويضع لنفسه خطة وبرنامجاً من أجل أن يغتنم الأيام والليالي والساعات والدقائق والثواني، ولا يفوته من رمضان شيء، فيكون ما بين صلاة وذكر، وقرآن، وصدقة، وتفطير للصائمين، وحضور في مجالس العلم، وقيام لله عز وجل بالليل، وصلة للأرحام، وإحسان للجيران، وكف للسان، وحفظ للسمع، وغض للبصر، واشتغال بما يحبه الله ويرضاه، ولذلك كان الصالحون من هذه الأمة إذا دخل رمضان يقول قائلهم: إنما هما خصلتان إطعام الطعام، وقراءة القرآن.

أما إطعام الطعام؛ فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر ( أن من فطر صائماً كان له مثل أجره، فقال الصحابة: يا رسول الله! ليس كلنا يجد ما يفطر به صائماً؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ولو على تمرة، ولو على مذقة لبن، ولو على جرعة ماء )، فلو أنك فطرت صائماً على جرعة ماء فإن الله يكتب لك مثلما كتب له من الأجر والثواب، ومن فطر صائمين، أو من فطر عشرة، أو فطر مائة أو ألفاً، أو من فطر مائة ألف يكتب الله له مثل ما كتب لهم، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، وليس بالضرورة أن يكون الطعام فاخراً، ولا أن تكون الأنواع متعددة، بل لو فطرته على تمرة، أو على مذقة لبن، أو على جرعة ماء، يكتب الله لك مثلما كتب له من الأجر والثواب.

والخصلة الثانية: قراءة القرآن، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة )، كان عليه الصلاة والسلام في رمضان يتدارس القرآن مع جبريل، ولا يخفى عليكم أن المدارسة أعم من التلاوة أو التسميع، المدارسة معناها: أن بينه وبين جبريل تدبراً، ومذاكرة، واستعادة لأجل الحفظ، وأيضاً بينه وبين جبريل ترتيل وتجويد وبيان وتفسير إلى غير ذلك من معاني المدارسة.

وأفضل ما يشغل به الوقت في رمضان قراءة القرآن؛ ولذلك كان أهل العلم وأئمة السلف إذا دخل رمضان طووا كتبهم، فلا يشتغلون بالحديث، ولا يشتغلون بالفقه، ولا يشتغلون بفروع العلم، وإنما يقبلون على القرآن، حتى ذكروا عن الإمام العلم أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي كما نقله الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء وصح عنه ذلك: أنه كان له في رمضان ستون ختمة، كان يختم القرآن في رمضان ستين مرة، يعني: له في كل يوم ختمة، وفي كل ليلة ختمة.

وبعض الناس قد يستغرب ويقول: كيف ذلك؟ نقول: ما كانوا يشتغلون بشيء سوى القرآن، يعني: ما كانوا يشتغلون لا بمسابقات، ولا مباريات، ولا مسلسلات، ولا فوازير، ولا أفلام، ولا جرائد، ولا مجلات، ولا مجالس للغو واللهو، ولا يشتغلون بما لا يعنيهم، ولا يشتغلون بالأسواق ولا بالبيع والشراء، وإنما كانوا يقبلون على القرآن بالليل والنهار، بل حتى من كان دون الشافعي تقىً وهدى، كمثل الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بن مروان فقد ذكر ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية أنه كان له في رمضان سبع عشرة ختمة، يعني: كان يختم القرآن في رمضان سبع عشرة مرة، ولذلك من الآن وقت لنفسك كم مرة ستختم القرآن في رمضان، هل سيكون لك في كل ثلاث ختمة، أو في كل خمس ختمة، أو في كل ست ختمة، أو في كل سبع ختمة، فالناس في ذلك ما بين مقل ومستكثر، والموفق هو الحال المرتحل، الذي كلما ختم بدأ، يفعل ذلك مرة بعد مرة، هذا هو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، له مع القرآن شأن عجيب.

ومن رحمة الله عز وجل أنه شرع لنا قراءة القرآن على سائر الأحوال، فيمكنك أن تقرأ القرآن قائماً، وقاعداً، وماشياً، وراكباً، ومضطجعاً، ويمكنك أن تقرأ القرآن في الخلوة والجلوة، وإذا كنت وحدك أو كنت بين الناس، تقرأ القرآن في المسجد وفي السوق، وفي كل مكان يلهج لسانك بالقرآن، ولا تظن أن الله عز وجل مضيع من عملك شيئاً، ولما ( سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قرأ: (قل هو الله أحد) عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة )، فـعمر رضي الله عنه بدأ يحسب كم مرة يستطيع في كل ساعة أن يقرأ هذه السورة المباركة، ( فقال: يا رسول الله! إذاً تكثر قصورنا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكثر وأطيب )، قال ابن كثير رحمه الله: وهذا الحديث إسناده جيد.

فانظر أيها الأخ الكريم! لو أنك في سيارتك أو في وسيلة المواصلات، أو كنت راجلاً تمشي على رجليك، كم مرة تستطيع أن تردد هذه السورة المباركة، (قل هو الله أحد)، كم مرة تستطيع أن تردد سورة الفاتحة، وما منا واحد إلا وهو حافظ لها والحمد لله، قال صلى الله عليه وسلم: ( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألف لام ميم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف ).

إخوتي الكرام! من الاستعداد لرمضان كذلك أن نتعلم أحكام الصيام، وقد علمنا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصيام تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة، فالصيام منه ما هو واجب، ومنه ما هو مندوب، ومنه ما هو مستحب، ومنه ما هو مكروه، ومنه ما هو محرم، ويمكن أن نقول: منه ما هو مباح.

الصوم الواجب

أما الصوم الواجب فإنه على ثلاثة أضرب: صوم رمضان، وصوم النذر، وصوم الكفارات.

صوم رمضان: واجب بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وقد جعل الله وجوبه على التدرج، وهذه سنة ربنا جل جلاله في كل تشريع، يتدرج بالناس كما ثبت من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أول ما فرض الصيام صيام عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، ففي أول الأمر كان المفروض صوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، ثم أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم فريضة الصيام إلى أن قال سبحانه: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]، فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم، يعني: كان صيام رمضان على التخيير، من شاء صام، ومن كان ذا سعة فإنه يمكنه أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، ثم نزل قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، فلما نزلت هذه الآية صار صيام رمضان واجباً على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم، وهذه هي الشروط الخمسة الموجبة لصيام رمضان.

فمن توافرت فيه هذه الشروط الخمسة فصوم رمضان في حقه واجب، يعني: إذا كان مسلماً بالغاً عاقلاً قادراً، ومعنى قادراً: أنه صحيح البدن، متمكناً من الصيام، ومعنى مقيماً أي: غير مسافر، فهذا في حقه صوم رمضان واجب.

ثم كان للرجل أن يأكل ويشرب ما لم ينم، وهذا في طور من أطوار تشريع الصيام، لك أن تأكل وتشرب فإذا نمت فلا يحق لك أن تستيقظ بالليل لتأكل أو تشرب، إلى أن كان رجل من الأنصار يقال له: صرمة بن قيس رضي الله عنه جاء بعدما غربت الشمس إلى بيته، وبينما زوجه تهيئ له طعاماً إذ غلبته عيناه فنام، يعني: بينما كانت زوجته تعد له الطعام ليفطر غلبته عيناه فنام، فجاءت زوجته فقالت: يا هنتاه أنمت؟ فأصبح رضي الله عنه صائماً، يعني: صار صائماً يومين متتابعين ما تخللهما إفطار، فلما انتصف النهار غشي عليه، والمدينة حرها شديد وصيفها قائظ وعطشها مر، وهذا الرجل ما كان نائماً، وإنما كان يعمل في زرعه فغشي عليه، فجاء الفرج من الله، قال سبحانه: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187]، إلى أن قال سبحانه: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187].

فهذه هي الأطوار التي مر بها تشريع الصيام، وهذا هو الصوم الواجب صوم رمضان وصوم النذر، والنذر إذا ألزم المكلف نفسه بصيام أيام ما كلفه الله بها صار هذا في حقه واجباً.

ثم صيام الكفارات: ككفارة اليمين لمن عجز عن الخصال الثلاثة، وكفارة الظهار لمن عجز عن تحرير رقبة، وكذلك كفارة القتل الخطأ لمن عجز عن الرقبة، وقل مثل ذلك في كفارات كثيرة.

الصوم المندوب

وأما الصوم المندوب الذي شرعه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيشمل الأيام التي تعلمون، كالإثنين والخميس والثلاثة البيض، وصيام يوم وإفطار يوم، وصيام عاشوراء وتاسوعاء، وصيام يوم عرفة، وصيام الأيام الأول من ذي الحجة، وصيام شهر الله المحرم .. إلى غير ذلك مما سنه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الصوم المكروه

ثم هناك الصوم المكروه، والمكروه هو الذي كرهته الشريعة، فمن ذلك: صيام الدهر، والرسول صلى الله عليه وسلم ( لما سئل عن رجل يصوم الدهر، قال: لا صام ولا أفطر )، فصوم الدهر مكروه.

وكذلك مما يكره: الوصال في الصوم، وقد ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواصل )، يعني: يصوم فإذا غربت الشمس لا يطعم طعاماً ولا يقرب ذواقاً حتى يكون اليوم الذي يليه، وهكذا ربما واصل أسبوعاً لا يأكل ولا يشرب، فأراد الصحابة أن يحاكوه فمنعهم، وقال لهم: ( إني لست كأحدكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ).

الصوم المحرم

ثم هناك الصوم المحرم، وهو في الأيام التي منع الشرع من صيامها، كيوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق ويوم الشك، ويوم الشك هو اليوم الثلاثون من شعبان الذي يشك هل هو المتمم لشعبان أم هو الأول من رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقدموا رمضان بصيام يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصم )، وقال عمار بن ياسر رضي الله عنهما: ( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ).

الصوم المباح

ثم هناك الصوم المباح: وهو أن يمتنع الإنسان من الطعام والشراب حمية أو طلباً لعلاج، كما يقول لك الطبيب أحياناً: تأتيني غداً إن شاء الله في الساعة العاشرة أو في الساعة الحادية عشرة ولا تطعم شيئاً، فتبقى على ذلك من العاشرة من مساء هذا اليوم، يعني: ثنتي عشرة ساعة لا تقرب طعاماً ولا شراباً، فهذا الصوم مباح ليس لك فيه أجر ولا ثواب.

أما الصوم الواجب فإنه على ثلاثة أضرب: صوم رمضان، وصوم النذر، وصوم الكفارات.

صوم رمضان: واجب بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وقد جعل الله وجوبه على التدرج، وهذه سنة ربنا جل جلاله في كل تشريع، يتدرج بالناس كما ثبت من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أول ما فرض الصيام صيام عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، ففي أول الأمر كان المفروض صوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، ثم أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم فريضة الصيام إلى أن قال سبحانه: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]، فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم، يعني: كان صيام رمضان على التخيير، من شاء صام، ومن كان ذا سعة فإنه يمكنه أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، ثم نزل قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، فلما نزلت هذه الآية صار صيام رمضان واجباً على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم، وهذه هي الشروط الخمسة الموجبة لصيام رمضان.

فمن توافرت فيه هذه الشروط الخمسة فصوم رمضان في حقه واجب، يعني: إذا كان مسلماً بالغاً عاقلاً قادراً، ومعنى قادراً: أنه صحيح البدن، متمكناً من الصيام، ومعنى مقيماً أي: غير مسافر، فهذا في حقه صوم رمضان واجب.

ثم كان للرجل أن يأكل ويشرب ما لم ينم، وهذا في طور من أطوار تشريع الصيام، لك أن تأكل وتشرب فإذا نمت فلا يحق لك أن تستيقظ بالليل لتأكل أو تشرب، إلى أن كان رجل من الأنصار يقال له: صرمة بن قيس رضي الله عنه جاء بعدما غربت الشمس إلى بيته، وبينما زوجه تهيئ له طعاماً إذ غلبته عيناه فنام، يعني: بينما كانت زوجته تعد له الطعام ليفطر غلبته عيناه فنام، فجاءت زوجته فقالت: يا هنتاه أنمت؟ فأصبح رضي الله عنه صائماً، يعني: صار صائماً يومين متتابعين ما تخللهما إفطار، فلما انتصف النهار غشي عليه، والمدينة حرها شديد وصيفها قائظ وعطشها مر، وهذا الرجل ما كان نائماً، وإنما كان يعمل في زرعه فغشي عليه، فجاء الفرج من الله، قال سبحانه: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187]، إلى أن قال سبحانه: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187].

فهذه هي الأطوار التي مر بها تشريع الصيام، وهذا هو الصوم الواجب صوم رمضان وصوم النذر، والنذر إذا ألزم المكلف نفسه بصيام أيام ما كلفه الله بها صار هذا في حقه واجباً.

ثم صيام الكفارات: ككفارة اليمين لمن عجز عن الخصال الثلاثة، وكفارة الظهار لمن عجز عن تحرير رقبة، وكذلك كفارة القتل الخطأ لمن عجز عن الرقبة، وقل مثل ذلك في كفارات كثيرة.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحكام الدفن والتعزية وزيارة المقابر [1] 2837 استماع
الإسراء والمعراج [2] 2424 استماع
الحقوق الزوجية 2235 استماع
عبر من الأحداث 2098 استماع
أحكام الجنائز [1] 1774 استماع
أحكام خاصة بالمولود 1747 استماع
أنواع البيوع 1680 استماع
أحكام الجنائز [3] 1675 استماع
الرقية الشرعية 1635 استماع
التحذير من أعياد الكفار 1635 استماع