خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/929"> الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/929?sub=63720"> سلسلة المحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
أحكام خاصة بالمولود
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد، ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.
أما بعد: أيها الفضلاء! فأحمد الله الذي هيأ لنا اللقاء، وجمعنا في هذا المسجد المبارك، وأسأل الله سبحانه كما جمعنا فيه بأن يجمعنا في جنات النعيم، وأن يرزقنا لذة النضر إلى وجهه الكريم، وأن يجعلنا إخواناً على سرر متقابلين.
أقول: أيها الإخوة الكرام! إن الأنثى نعمة، والله عز وجل سماها هبة، لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا [الشورى:49] ، وكفى بالعبد بلاء أن يتسخط ما وهبه الله إياه، يعني: لو أنك الآن أعطيت كاتباً مبلغاً من المال فسخط عليك، ورمى به في وجهك، أو أسمعك كلمات لا تليق، فلا شك أن نقمتك عليه ستكون عظيمة، فما بالك بالله جل جلاله! فإنه يهبك أنثى سوية سميعة بصيرة، خلقها جل جلاله بحكمته وقدرته، ثم بعد ذلك أنت تتسخطها، كما كان يصنع أهل الجاهلية، قال تعالى عنهم: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ [النحل:58-59] أي: على ضيق وحسرة وذل، أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [النحل:59] فقد كان الواحد من أهل الجاهلية يتمنى الموت لابنته، يقول:
تهوى حياتي وأهوى موتها شفقاً والموت أكرم نزال على الحرم
والآخر عنده بنت اسمها مودة، فلما خرج مسافراً، وكانت بنته مودة تدعو له بطول العمر، فقال:
مودة تهوى عمر شيخ يسره لها القبر قبل الليل لو أنها تدري
يخاف عليها جفوة الناس بعده ولا ختن يرجى أود من القبر
يعني: قال: هي تتمنى لي عمراً طويلاً، وأنا أتمنى لها القبر قبل أن تغيب الشمس؛ وكانوا يتمنون موت الأنثى لأنهم كانوا يخشون العار، ويخشون الفاقة، وكانوا يرون البنات لا قيمة لهن، وكانوا يقولون: البنت نصرها بكاء، وبرها سرقة. يعني: لو أنها أرادت أن تنصر أباها فإنها تبكي، ولو أنها أرادت أن تبره فإنها تسرق من زوجها وتعطيه؛ ولذلك كانوا يحرمونها من الميراث، ويقولون: لا يرث إلا من يحمل السلاح، ويطعن بالسنان، ويشارك في الحروب، ونحو ذلك، والأشنع من ذلك أنهم كانوا يجعلون الملائكة من البنات، يقول سبحانه: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا [الزخرف:19]، وينسبونهن لله عز وجل، وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ [النحل:57]، يقولون: الملائكة بنات الله. سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ [النحل:57]، يعني: هم يشتهون البنين، ويجعلون لله البنات، وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمْ الْحُسْنَى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ [النحل:62] .
فجاء الإسلام فهدم ذلك كله، وبين أن البنات نعمة من نعم الله. وقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رُزق بأنثى حمد الله عز وجل وشكره، وكان الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمة الله عليه إذا رُزق إنسان ببنت يقول له: الأنبياء آباء بنات. يعزيه بهذه الكلمة. وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رُزق من البنات بأربع رضوان الله عليهن، كبراهن زينب زوجة أبي العاص بن الربيع ، ويليها رقية فـأم كلثوم زوجتا ذي النورين ، وصاحب الهجرتين، وزوج الابنتين عثمان بن عفان ، ثم صغراهن وأفضلهن سيدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضوان الله عليهن أجمعين.
ويا من رزقت بأنثى تذكر أن من الإناث: مريم بنت عمران الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا [التحريم:12] ، و آسيا بنت مزاحم التي قالت: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ [التحريم:11] ، و خديجة بنت خويلد التي ( بُشرت ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب )، و عائشة الصديقة بنت الصديق التي دعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ( اللهم اغفر لـعائشة بنت أبي بكر مغفرة واجبة، ظاهرة وباطنة )، فدعا لها دعوة ما دعاها لأحد سواها، لا ذكراً ولا أنثى، وكان يمدحها ويقول: ( وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) وهؤلاء نساء.
ويا من رُزقت بذكر لا تفرح كثيراً، وتذكر أن من الذكور: أبو جهل وفرعون و هامان و قارون و أبي بن خلف و النمرود بن كنعان و الوليد بن المغيرة و عبد الله ابن سلول ، وغيرهم ممن سودوا وجه الدنيا، وملئوها ضلالاً وفساداً، فلذلك ليست العبرة بأن يكون المولود ذكراً أو أنثى، وإنما العبرة بالصلاح؛ ولذلك لما رُزق إنسان بمولود فقال له آخر: ليهنك الفارس. يعني: هنيئاً لك الفارس. فقال له الحسن البصري : وما يدريك أفارس هو أم حمار؟! قل: بورك لك في الموهوب، وشكرت الواهب، وبلغ رشده، ورُزقت بره، وهذا هو الكلام الذي ينبغي أن يقال.
وقد قال الأول:
فلو كان النساء كمن ذكرنا لفضلت النساء على الرجال
فما التأنيث لاسم الشمس عيب وما التذكير فخر للهلال
فالهلال ذكر، والشمس أنثى، ولكن انظروا إلى الشمس ماذا تصنع في هذه الدنيا، ولولاها لما بقيت حياة على وجه الأرض، فإياك إياك عبد الله! أن تتسخط البنت، بل احمد الله عز وجل عليها، وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من كان له ثلاث بنات، فأدبهن، وعلمهن، وصبر على لأوائهن، حتى يبن أو يمتن، كن له ستراً وحجاباً من النار )، فإذا كان عندك ثلاث بنات أحسنت تأديبهن، وعلمتهن ما يلزمهن مما يقربهن إلى ربهن، ثم صبرت عليهن، وأنصفت، غير ممتن ولا مؤذ، حتى تزوجت الواحدة، أو توفاها الله عز وجل؛ فإنك تستتر بها وتحتجب بها من النار، فهذه المسألة ينبغي أن نهتم بها.
المسألة الثالثة: شريعة الإسلام تأمرنا بالعناية بالولد.
حسن اختيار الأم
فمنذ أن تختار الزوجة، لا تفكر في قضاء الوطر وإفراغ الشهوة فقط، وإنما فكر أن هذه ستكون أماً لأولادك، وستكون راعية لذريتك، فلا بد أن تختار الصالحة الدينة العفيفة الصينة المطيعة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فاظفر بذات الدين تربت يداك )، وكما قال عليه الصلاة والسلام: ( لا تزوجوا النساء لحسنهن، فلعل حسنهن يرديهن، ولا تزوجوهن لمالهن، فلعل مالهن يطغيهن، وتزوجوهن لدينهن، ولأمة خرماء ذات دين أفضل )، فاحرص على ذات الدين، أي: على الدينة. هذه عناية أولى.
استحضار النية والدعاء عند الجماع
ثم هناك عناية ثانية وهي إذا وضعت النطفة، حين تجامع تلك المرأة استحضر نية صالحة، قال عز وجل: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187] ، قال الإمام القرطبي رحمه الله: يعني من الولد. ابتغوا ما كتب الله لكم من الولد، وحين المباشرة قبل أن تولج تدعو، تقول: ( بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا ) ، قال عليه الصلاة والسلام: ( فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره شيطان ) ، فلا بد أن تدعو في تلك الحال التي ينسى كثير من الناس ذكر الله عز وجل فيها.
وجوب الإنفاق على الحامل والعناية بها
وبعد ذلك إذا حملت المرأة فأنت مطالب بالإنفاق عليها، والإحسان إليها، والترفق بها، قال الله عز وجل: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7] ، يعني: شريعة الإسلام ما حددت لك حداً بأنه لا بد أن تنفق في الشهر مائة أو ألفاً أو ألفين، لا، وإنما تنفق حسب الطاقة، قال الله عز وجل: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] فعليك أن تحسن إليها في طعامها، وكما قال فقهاؤنا: من الطعام ما هو وسط وجيد وأجود، فالإنسان ينظر، لكن لا بد أن تطعمها مما تطعم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث عن معاوية القشيري رضي الله عنه: ( يا رسول الله! ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت ) فالشيء الذي تأكل منه لابد أن تطعمها إياه.
حتى لو أنك طلقتها لا قدر الله وهي حامل، وطلاق الحامل بإجماع المسلمين طلاق سنة، وهو طلاق واقع، أقول هذا الكلام لأن كثيراً من الناس يخفى عليه هذا الحكم، يقول: طلقت امرأتي وهي حامل، يظن بأن الطلاق لا يقع. نقول: لا، هو طلاق سنة، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لـعمر بن الخطاب لما علم أن ولده عبد الله طلق امرأته وهي حائض، قال له: ( مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تحيض ثم تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، فإن شاء طلقها طاهراً أو حاملاً ) فواجب عليك أن تنفق عليها حتى تضع حملها، قال الله عز وجل: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، وقال: وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ [الطلاق:6] وهذه المطلقة لو أنها أرضعت هذا المولود فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الطلاق:6] ؛ لأن الرضاعة تقتضي زيادة طعام، فالمرضع تحتاج أن تشرب لبناً، وتحتاج أن تأكل بعض الأطعمة الخاصة، قال الله عز وجل: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق:6] يعني: بما جرى عليه عُرف الناس في البلد المعين، وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ [الطلاق:6] أي: اختلفتم وحصل بينكم نوع من المشاحة فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى [الطلاق:6].
فالمقصود بأن الإسلام يعتني بالمولود منذ أن تُختار أمه، ثم يعتني بالمولود حين توضع النطفة في رحم الأم، ثم يعتني بالمولود في مدة الحمل.
العناية بالمرأة حال الولادة وبعدها
ثم بعد ذلك إذا خرج من بطن أمه، فهذه الأم أيضاً نعتني بها في حال الولادة والطلق؛ ولذلك علماؤنا المالكية يقولون: من النفقة الواجبة نفقة الولادة بما جرى به العرف، من غير تبذير ولا تقصير، إذا كان العرف يقتضي بأن تأتي لها ببعض العطور، يقتضي بأن تأتي لها ببعض الأطعمة، ببعض الخبائز، بما أشبه ذلك، فهذا مطلوب منك أن توفره، وكذلك أجرة القابلة أو الطبيبة، أو أجرة المستشفى، وما أشبه ذلك، فهذا كله داخل في النفقة الواجبة.
ومعلوم بأن المرأة لأنها تعاني ما تعاني في الحمل، وفي الوضع كما قال الله عز وجل: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا [الأحقاف:15] ، وكما قال سبحانه: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ [لقمان:14] أي ضعفاً على ضعف، جعل الإسلام لها ثلاثة أرباع الحق، في الحديث: ( أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أباك، ثم أدناك أدناك ) ، هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم، وفي مسند البزار من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يحمل أمه، يطوف بها حول البيت، فقال: يا رسول الله! أتراني قد وفيتها حقها؟ فقال: لا والذي نفسي بيده، ولا بزفرة من زفرات الولادة )؛ يعني: مهما صنعت بأمك فلن توفيها حق زفرة واحدة، نسأل الله أن يرزقنا بر أمهاتنا في الحياة وبعد الممات.
وكذلك الأب لن توفيه حقه مهما فعلت، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( لا يجزي ولد والده، إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه ويعتقه ) فقط في هذه الحالة تجزيه. وسيدنا عمر رضي الله عنه لما رأى رجلاً يحمل أباه ويطوف به، فقال: يا أمير المؤمنين! صرت له كما كان لي، أطعمه وأسقيه، ولا يقضي حاجته إلا على ظهري، أتراني قد وفيته؟ قال: لا. قال: ولِمَ؟ قال: لأنه كان يصنع بك ذلك وهو يتمنى لك عمراً مديداً، وأنت تصنع به ذلك وتقول: اللهم أرحني.
سبب خروج المولود باكياً
فإذا خرج المولود بسلامة الله، فإنه يخرج باكياً.
ولدتك أمك يا ابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سروراً
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً
يخرج باكياً من مس الشيطان، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما من مولود إلا ويستهل صارخاً من مس الشيطان، إلا المسيح بن مريم وأمه، اقرءوا إن شئتم وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36] ) أي مولود يخرج صارخاً؛ ولذلك أول عمل تعمله مجرد ما أخرجوه من بطن أمه وجاءوك به، أن تؤذن في أذنه اليمنى. قال ابن القيم رحمه الله: من أجل أن يكون أول ما يقرع سمعه كلمات الأذان المتضمنة توحيد الله عز وجل، والشهادة لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، والحث على الصلاة، والحث على الفلاح، فيضعف تعلق الشيطان به، في الحديث: ( ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن ) ، قرينك من الجن يبدأ رحلته معك منذ أن تخرج من بطن أمك، ولا ينتهي إلا إذا فارقت الروح الجسد، إلى آخر لحظة قبل الممات يحاول إغواءك، يقول لك: مت على اليهودية، مت على النصرانية، ونحو ذلك، فهذا المولود أول شيء في أذنه اليمنى كلمات الأذان، وفي أذنه اليسرى كلمات الإقامة، التي هي أذان ثانٍ، فهاهنا الشيطان يخنس؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم علمنا: ( بأن الشيطان إذا سمع الأذان ولى وله خبج كخبج الحمار، ثم يرجع فإذا سمع التثويب (الإقامة) ولى وله خبج كخبج الحمار، ثم يرجع فيدخل بين الإنسان وصلاته حتى ما يدري كم صلى ) لذلك أول ما تبدأ الصلاة يخبرك أن السيارة مفتوحة، وفيها الشنطة، والشنطة فيها كذا وكذا، وإذا كان عندك مال ضائع أو مفتاح ضائع يبدأ يذكرك. فلو صلى بك الإمام المغرب ستاً فلن تشعر؛ لأنك أصلاً لست معه بقلبك، وهذا من صنيع الشيطان، يبدأ رحلته مع ابن آدم منذ أن يخرج من بطن أمه؛ ولذلك نبدأ بكلمات الأذان في اليمنى، والإقامة في اليسرى، وبعد ذلك الرقية، تقرأ آية الكرسي وتتفل عليه، تقرأ خواتيم البقرة، وتتفل عليه، تقرأ المعوذتين وتتفل عليه، ( بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك ) ( أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة ) هذا الأسلوب الشرعي، وهو بديل عما يصنعه النساء الجاهلات حين يربطن للمولود خرزات، أو يربطن له كموناً أسود، أو يربطن له بعض الورق، ونحو ذلك، نقول: هذا كله داخل في قول نبينا عليه الصلاة والسلام ( من تعلق تميمة فلا أتم الله له ) ، فنستعمل معه الرقية الشرعية.
تحنيك المولود
وبعد ذلك - أيها الإخوان - تأتي بتمرة فتلوكها أنت أيها الوالد! أو من ترجى بركته كجده إذا كان من أهل الصلاح، أو غيره من الناس يلوك هذه التمرة، ثم يأخذ بأصبعه فيدلك بها حنك المولود، ذكراً كان أو أنثى؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك بالمولود، وعندنا حديث عبد الملك بن عمير عن أنس بن مالك رضي الله عن الجميع: (
فغضب رضي الله عنه، وقال: تركتني حتى تلوثت ثم أخبرتني، وقام مغضباً، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر، فقال له الرءوف الرحيم: هل أعرستما؟ هل كان بينكما شيء في هذه الليلة؟ قال: نعم. قال: بارك الله لكما في ليلتكما، فحملت المرأة من تلك الليلة، ثم ولدت بعد تسعة شهور ولداً، فأعطته أخاه أنساً ، قالت له: اذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب به، قال: فوضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، ودعا بتمرة فلاكها ثم حنكه، فجعل الغلام يتلمظ، يعني: بدأ يمص التمر، فضحك صلى الله عليه وسلم، وقال: عجبت من حب الأنصار للتمر- يعني: الولد عمره نصف ساعة، وهذا حاله مع التمر- ومسح على رأسه، وبرك عليه، دعا له بالبركة، وسماه عبد الله، يقول عبد الملك بن عمير رحمه الله راوي الحديث: فرأيت عشرة من ولد عبد الله كلهم حفظ القرآن ).
فالمقصود بأن التحنيك سنة، والسنة أن يكون بالتمر، فإن لم يوجد فبأي شيء حلو، كحلوى ونحوها، يدلك بها حنك الصبي.
فمنذ أن تختار الزوجة، لا تفكر في قضاء الوطر وإفراغ الشهوة فقط، وإنما فكر أن هذه ستكون أماً لأولادك، وستكون راعية لذريتك، فلا بد أن تختار الصالحة الدينة العفيفة الصينة المطيعة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فاظفر بذات الدين تربت يداك )، وكما قال عليه الصلاة والسلام: ( لا تزوجوا النساء لحسنهن، فلعل حسنهن يرديهن، ولا تزوجوهن لمالهن، فلعل مالهن يطغيهن، وتزوجوهن لدينهن، ولأمة خرماء ذات دين أفضل )، فاحرص على ذات الدين، أي: على الدينة. هذه عناية أولى.
ثم هناك عناية ثانية وهي إذا وضعت النطفة، حين تجامع تلك المرأة استحضر نية صالحة، قال عز وجل: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187] ، قال الإمام القرطبي رحمه الله: يعني من الولد. ابتغوا ما كتب الله لكم من الولد، وحين المباشرة قبل أن تولج تدعو، تقول: ( بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا ) ، قال عليه الصلاة والسلام: ( فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره شيطان ) ، فلا بد أن تدعو في تلك الحال التي ينسى كثير من الناس ذكر الله عز وجل فيها.
وبعد ذلك إذا حملت المرأة فأنت مطالب بالإنفاق عليها، والإحسان إليها، والترفق بها، قال الله عز وجل: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7] ، يعني: شريعة الإسلام ما حددت لك حداً بأنه لا بد أن تنفق في الشهر مائة أو ألفاً أو ألفين، لا، وإنما تنفق حسب الطاقة، قال الله عز وجل: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] فعليك أن تحسن إليها في طعامها، وكما قال فقهاؤنا: من الطعام ما هو وسط وجيد وأجود، فالإنسان ينظر، لكن لا بد أن تطعمها مما تطعم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث عن معاوية القشيري رضي الله عنه: ( يا رسول الله! ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت ) فالشيء الذي تأكل منه لابد أن تطعمها إياه.
حتى لو أنك طلقتها لا قدر الله وهي حامل، وطلاق الحامل بإجماع المسلمين طلاق سنة، وهو طلاق واقع، أقول هذا الكلام لأن كثيراً من الناس يخفى عليه هذا الحكم، يقول: طلقت امرأتي وهي حامل، يظن بأن الطلاق لا يقع. نقول: لا، هو طلاق سنة، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لـعمر بن الخطاب لما علم أن ولده عبد الله طلق امرأته وهي حائض، قال له: ( مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تحيض ثم تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، فإن شاء طلقها طاهراً أو حاملاً ) فواجب عليك أن تنفق عليها حتى تضع حملها، قال الله عز وجل: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، وقال: وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ [الطلاق:6] وهذه المطلقة لو أنها أرضعت هذا المولود فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الطلاق:6] ؛ لأن الرضاعة تقتضي زيادة طعام، فالمرضع تحتاج أن تشرب لبناً، وتحتاج أن تأكل بعض الأطعمة الخاصة، قال الله عز وجل: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق:6] يعني: بما جرى عليه عُرف الناس في البلد المعين، وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ [الطلاق:6] أي: اختلفتم وحصل بينكم نوع من المشاحة فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى [الطلاق:6].
فالمقصود بأن الإسلام يعتني بالمولود منذ أن تُختار أمه، ثم يعتني بالمولود حين توضع النطفة في رحم الأم، ثم يعتني بالمولود في مدة الحمل.
ثم بعد ذلك إذا خرج من بطن أمه، فهذه الأم أيضاً نعتني بها في حال الولادة والطلق؛ ولذلك علماؤنا المالكية يقولون: من النفقة الواجبة نفقة الولادة بما جرى به العرف، من غير تبذير ولا تقصير، إذا كان العرف يقتضي بأن تأتي لها ببعض العطور، يقتضي بأن تأتي لها ببعض الأطعمة، ببعض الخبائز، بما أشبه ذلك، فهذا مطلوب منك أن توفره، وكذلك أجرة القابلة أو الطبيبة، أو أجرة المستشفى، وما أشبه ذلك، فهذا كله داخل في النفقة الواجبة.
ومعلوم بأن المرأة لأنها تعاني ما تعاني في الحمل، وفي الوضع كما قال الله عز وجل: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا [الأحقاف:15] ، وكما قال سبحانه: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ [لقمان:14] أي ضعفاً على ضعف، جعل الإسلام لها ثلاثة أرباع الحق، في الحديث: ( أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أباك، ثم أدناك أدناك ) ، هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم، وفي مسند البزار من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يحمل أمه، يطوف بها حول البيت، فقال: يا رسول الله! أتراني قد وفيتها حقها؟ فقال: لا والذي نفسي بيده، ولا بزفرة من زفرات الولادة )؛ يعني: مهما صنعت بأمك فلن توفيها حق زفرة واحدة، نسأل الله أن يرزقنا بر أمهاتنا في الحياة وبعد الممات.
وكذلك الأب لن توفيه حقه مهما فعلت، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( لا يجزي ولد والده، إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه ويعتقه ) فقط في هذه الحالة تجزيه. وسيدنا عمر رضي الله عنه لما رأى رجلاً يحمل أباه ويطوف به، فقال: يا أمير المؤمنين! صرت له كما كان لي، أطعمه وأسقيه، ولا يقضي حاجته إلا على ظهري، أتراني قد وفيته؟ قال: لا. قال: ولِمَ؟ قال: لأنه كان يصنع بك ذلك وهو يتمنى لك عمراً مديداً، وأنت تصنع به ذلك وتقول: اللهم أرحني.