أحكام الجنائز [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.

أما بعد:

ونحن نقرأ في القرآن قول ربنا جل جلاله: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ [ص:41]. وقوله: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83]، ونقرأ قول إبراهيم عليه السلام: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:78-80]، وكذلك نقرأ في سيرة نبينا عليه الصلاة والسلام؛ أنه كان يصيبه الحمى، وكان يصيبه الصداع، وهذا دليل على استيلاء النقص على جملة البشر، فما حكم التداوي؟ أو ما حكم أن يطلب الإنسان الدواء والعلاج؟

نقول: ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجب على الإنسان أن يتداوى إذا مرض؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر فقال: ( تداووا عباد الله، ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله )، وأكثر العلماء على أن التداوي ليس بواجب، وإنما قد يكون مندوباً، وقد يكون مباحاً، وقد يكون مكروهاً.

قالوا: ما يتعلق الوجوب إلا إذا كان يخشى على نفسه التلف لو أنه ترك العلاج، أو تلف العضو، يعني: لو ترك العلاج مات أو تعطل عضو من أعضائه، ففي هذه الحالة نقول: التداوي في حقه واجب، وكذلك التداوي يكون واجباً عند خوف العدوى، يعني: لو أن إنساناً مثلاً مصاب بمرض من الأمراض التي تعدي كالجذام - عافانا الله وإياكم - أو مثلاً المرض الذي انتشر قبل فترة الذي سمي بإنفلونزا الخنازير، أو إنفلونزا الطيور أو كذا، مما ينتقل بالرذاذ أو بالنفس أو ما أشبه ذلك، ففي هذه الحالة نقول: التداوي واجب؛ لأن الضرر ليس قاصراً على المريض، وإنما ينتقل إلى غيره، وكذلك لو أن الإنسان عرف من نفسه عدم الصبر على المرض ففي هذه الحالة أيضاً يكون التداوي واجباً، وفي غير هذه الحالات يمكن أن يقال: بأن التداوي مندوب.

وقد يكون التداوي مكروهاً إذا كان الضرر الذي سيترتب عليه أعظم من الضرر الحاصل، يعني: أحياناً الإنسان يصاب بمرض فيذهب إلى الطبيب فيقول له: بأن علاجه كذا، لكن هذا العلاج سيترتب عليه كذا وكذا وكذا، فيبين له الطبيب بأن ضرر الدواء أكثر من ضرر المرض الذي هو عنده.

وهذا الحكم دائماً يذكرونه قبيل الحديث عن أحكام الجنائز، ونذكره هاهنا بالتبع.

تلقين المحتضر وقراءة سورة يس عليه وتوجيهه إلى القبلة

المحتضر يلقن كلمة التوحيد، ويقرأ عليه سورة يس؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بذلك.

وأيضاً استحب أكثر أهل العلم توجيهه إلى القبلة؛ لأن الحديث الذي رواه الحاكم في المستدرك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى المدينة مهاجراً سأل عن البراء بن معرور رضي الله عنه، (فقيل له: يا رسول الله! قد قضى، يعني: مات، وأوصى بثلث ماله لك وأن يوجه إلى القبلة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: قد أصاب الفطرة، وثلث ماله مردود على ولده )، يعني: ثلث المال الذي أوصى به للنبي عليه الصلاة والسلام قال: رددته على أولاده. و سعيد بن المسيب رحمه الله لما كان في سياق الموت وجهوه إلى القبلة، فأنكر ذلك وقال: أولست على القبلة؟

قال النووي رحمه الله: وتوجيههم لـسعيد دليل على أن هذا الأمر كان معروفاً عندهم، أي: عند الصحابة رضوان الله عليهم، وعند التابعين رحمة الله عليهم، ولذلك وجهوا سعيداً إلى القبلة، ومعلوم أن (خير المجالس ما استقبل به القبلة)؛ لذلك الإنسان لو أراد أن يقرأ قرآناً فخير له أن يستقبل القبلة، ولو أن الإنسان أراد أن يدعو فخير له أن يستقبل القبلة، ولو أراد أن يجلس في مجلس علم فخير له أن يستقبل القبلة، ولذلك توجيه المحتضر إلى القبلة مطلوب.

تغميض عينيه وتغطيته والدعاء بالخير

وبعد ذلك إذا خرجت الروح فإننا نغمض عينيه كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما فعل بـأبي سلمة بن عبد الأسد ، ونسجيه أي: نغطيه، وندعو بالخير؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما ضج أهل أبي سلمة قال لهم: (لا تقولوا إلا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على دعائكم)، فالملائكة حاضرون.

شد لحييه ووضع شيء ثقيل على بطنه

واستحب أهل العلم كذلك شد لحييه، أي: نجمع لحييه إلى رأسه، من أجل ألا يتغير منظره، وفمه لا ينفتح، ولربما عند الغسل يدخل فيه شيء من الماء.

واستحب بعض أهل العلم كذلك أن يوضع على بطنة شيء ثقيل، يعني: إذا كنا سنتأخر في تجهيزه لسبب ما، فإنه يوضع على بطنه حجر أو نحو ذلك؛ لئلا ينتفخ.

المحتضر يلقن كلمة التوحيد، ويقرأ عليه سورة يس؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بذلك.

وأيضاً استحب أكثر أهل العلم توجيهه إلى القبلة؛ لأن الحديث الذي رواه الحاكم في المستدرك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى المدينة مهاجراً سأل عن البراء بن معرور رضي الله عنه، (فقيل له: يا رسول الله! قد قضى، يعني: مات، وأوصى بثلث ماله لك وأن يوجه إلى القبلة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: قد أصاب الفطرة، وثلث ماله مردود على ولده )، يعني: ثلث المال الذي أوصى به للنبي عليه الصلاة والسلام قال: رددته على أولاده. و سعيد بن المسيب رحمه الله لما كان في سياق الموت وجهوه إلى القبلة، فأنكر ذلك وقال: أولست على القبلة؟

قال النووي رحمه الله: وتوجيههم لـسعيد دليل على أن هذا الأمر كان معروفاً عندهم، أي: عند الصحابة رضوان الله عليهم، وعند التابعين رحمة الله عليهم، ولذلك وجهوا سعيداً إلى القبلة، ومعلوم أن (خير المجالس ما استقبل به القبلة)؛ لذلك الإنسان لو أراد أن يقرأ قرآناً فخير له أن يستقبل القبلة، ولو أن الإنسان أراد أن يدعو فخير له أن يستقبل القبلة، ولو أراد أن يجلس في مجلس علم فخير له أن يستقبل القبلة، ولذلك توجيه المحتضر إلى القبلة مطلوب.

وبعد ذلك إذا خرجت الروح فإننا نغمض عينيه كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما فعل بـأبي سلمة بن عبد الأسد ، ونسجيه أي: نغطيه، وندعو بالخير؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما ضج أهل أبي سلمة قال لهم: (لا تقولوا إلا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على دعائكم)، فالملائكة حاضرون.

واستحب أهل العلم كذلك شد لحييه، أي: نجمع لحييه إلى رأسه، من أجل ألا يتغير منظره، وفمه لا ينفتح، ولربما عند الغسل يدخل فيه شيء من الماء.

واستحب بعض أهل العلم كذلك أن يوضع على بطنة شيء ثقيل، يعني: إذا كنا سنتأخر في تجهيزه لسبب ما، فإنه يوضع على بطنه حجر أو نحو ذلك؛ لئلا ينتفخ.

وبعد ذلك يشرع في تجهيزه؛ لأن كرامة الميت الإسراع به.

تغسيل الميت

وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسرع بالجنازة، وقد مضى معنا ذكر القواعد المتبعة في تغسيل الميت، وأن هذه القواعد مأخوذة كلها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للنسوة اللائي غسلن ابنته زينب رضي الله عنها: ( اغسلنها ثلاثاً أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك، وابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور ).

تطييب الميت

وقضية وضع الطيب في مواضع السجود استحبها كثير من أهل العلم لشرفها، فإن أشرف مواضع الإنسان هي التي يضعها على الأرض ذلاً بين يدي الله عز وجل، جبهته وكفاه، وركبتاه، وأطراف قدميه، قالوا أيضاً: تطيب المغابن، وهي التي يظن أنها مجتمع الوسخ كتحت الإبطين، وباطن الركبتين، وما إلى ذلك.

واستحب بعض أهل العلم أن يطيب الميت كله.

كفن الرجل

ثم بعد ذلك يستحب أن يكون الكفن أبيض، وأن المطلوب في كفن الرجل أن يكون ثلاثة أثواب؛ (لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيهن قميص ولا عمامة أدرج فيهن إدراجاً) وهذه الأكفان توضع بعضها فوق بعض، وكل واحد من الأثواب الثلاثة أطول من الذي فوقه، يعني: الكفن الأول قصير، وما تحته أطول، والأخير هو أطول الثلاثة.

وهذا الكفن قبل أن ندرج فيه الميت يستحب أن يجمر (نبخره)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، وهذا الميت نجففه قبل أن نضعه على أكفانه، وليس في هذا سنة، لكنه من باب دفع مفسدة ابتلال الكفن، وإلا معلوم بأن النبي صلى الله عليه وسلم حتى لما كان حياً، لما اغتسل عليه الصلاة والسلام قالت ميمونة بنت الحارث (فأتيته بالمنديل فرده وجعل ينفض الماء بيديه عليه الصلاة والسلام).

قال العلماء: ليس ذلك كراهية للتنشيف، وإنما لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان متعجلاً، أو ليبين جواز التنشيف، وجواز تركه، وإما ليخالف فعل المترفين، أو لغير ذلك من العلل، لكن يجوز للإنسان إذا اغتسل أو توضأ أن يجفف أعضاءه، ويجوز له ألا يجفف، فكذلك بالنسبة للميت لئلا يبتل كفنه، الأفضل أن نجففه.

كيفية إدراج الميت في كفنه

ثم بعد ذلك ندرجه في الكفن الأول، وذلك بأن نرد طرف الكفن الأيسر على شقه الأيمن، نبدأ باليمين، ثم نرد الطرف الأيمن على شقه الأيسر، ثم الثوب الذي بعده كذلك، ثم الثوب الأخير، ونربطه لئلا ينتشر مع الريح ومع كذا، والأفضل أن نربطه عند رأسه، وعند رجليه، وعند حقويه، هذه ثلاثة أربطة، ولو جعلناها خمساً أيضاً فلا بأس ولا حرج.

كيفية وضع المرأة عند حملها على الجنازة

وقبل أن نحمل المرأة الأفضل أن نجعل عليها شيئاً من قوس، ثم نسجي فوقه ثوباً لئلا نحدد جسدها؛ لأنه معلوم بأن الميت يشد عليه الكفن شداً فيحدد جسده، والمرأة لما كانت في الدنيا قد أوجب الله عليها أن يكون ثوبها فضفاضاً لا يصف، فلو أننا حملناها على تلك الحال سيدرك الناظر إن كانت نحيفة، أو إن كانت بدينة، فالأفضل أن نجعل فوق نعشها قوساً ثم نطرح عليه ثوباً، وهذا الذي أوصت به فاطمة رضي الله عنها، فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أسرع أهله لحوقاً به عليه الصلاة والسلام، فهي أول واحدة ماتت من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك لما دخلت عليه وهو في مرض موته سارّها بكلمات فبكت، ثم سارّها بكلمات فضحكت، فقالت عائشة : (ما رأيت كاليوم بكاءً أشبه بضحك، فسألت فاطمة ، فقالت لها: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان بعد موته عليه الصلاة والسلام قالت لـعائشة : أخبرني بأنه مقبوض في مرضه ذاك فبكيت، ثم أخبرني أنني أول أهله لحوقاً به فضحكت)، ولذلك ما عاشت بعده إلا ستة أشهر رضي الله عنها. ولما كانت في مرض موتها كان معها أسماء بنت عميس التي هي زوجة أبي بكر الصديق ، وكانت قبل أبي بكر زوجة لـجعفر بن أبي طالب رضي الله عن الجميع، فـفاطمة شكت لـأسماء قالت لها: ما أقبح ما يصنع بالمرأة أن تكفن ويطرح عليها ثوب يحددها، فقالت لها أسماء : ألا أريك شيئاً رأيته في أرض الحبشة! قالت لها: وما ذاك؟ فدعت بأعواد ثنتها، ثم طرحت عليها ثوباً، يعني: جاءت لها بعود وجعلته قوساً، ثم طرحت عليه ثوباً، وهذا العود لا يعرف حجمه فقالت لها فاطمة: ما أطيب هذا وأحسنه، إن أنا مت فافعلي بي ذلك، ففعل بها رضي الله عنها وأرضاها، وهذا يدل على أنه لا مانع من أن نستفيد من تجارب غيرنا بما يحقق مقاصد ديننا وشرعنا، مثلما نستفيد الآن باستعمال هذه الآلات التي توصل الصوت وما إلى ذلك، وليست هي من اختراع المسلمين، بل وليست هي من صناعة المسلمين.

المفاضلة بين المشي أمام الجنازة وخلفها

وتقدم معنا الكلام في أن الجنازة يصح للماشي أن يمشي أمامها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها، أما الراكب فيمشي خلفها ولا يتقدم عليها، فإذا كنت تركب سيارة، فلا تمش أمام الجنازة، بل السنة أن تسير خلفها، والسنة أن يكون الناس صامتين حال مسيرهم مع الجنازة.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحكام الدفن والتعزية وزيارة المقابر [1] 2847 استماع
الإسراء والمعراج [2] 2428 استماع
الحقوق الزوجية 2238 استماع
عبر من الأحداث 2102 استماع
أحكام خاصة بالمولود 1754 استماع
أنواع البيوع 1684 استماع
أحكام الجنائز [3] 1678 استماع
الرقية الشرعية 1640 استماع
التحذير من أعياد الكفار 1640 استماع
الإسراء والمعراج [1] 1591 استماع